تفصیل الشریعه فی شرح تحریرالوسیله - المكاسب المحرمة

اشارة

سرشناسه : فاضل لنکرانی، محمد، 1310 - 1386.

عنوان قراردادی : تحریر الوسیله . برگزیده. شرح

عنوان و نام پديدآور : تفصیل الشریعه فی شرح تحریرالوسیله: المكاسب المحرمة/ تالیف محمد الفاضل اللنکرانی؛ تحقیق و نشر مرکز فقه الائمه الاطهار.

مشخصات نشر : قم: مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)، 1432 ق.= 1390.

مشخصات ظاهری : 4 ج.

فروست : موسوعةالامام الفاضل اللنکرانی؛ 2؛ 4

شابک : 150000 ريال: ج. 1 978-600-5694-03-1 : ؛ 170000 ریال: ج.3: 978-600-5694-05-5

يادداشت : عربی.

يادداشت : پشت جلد لاتینی شده: Muhammad Fazel Lankarani. Tafsil- ul shari' ah fi sharh tahrir-il wasilah: kitab al- taharah.

یادداشت : کتابنامه.

عنوان دیگر : کتاب الطهاره.

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

موضوع : طهارت (فقه)

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368 . تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : مرکز فقهی ائمه اطهار (ع)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30237234 1390

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : 2740571

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب المكاسب و المتاجر و هي أنواع كثيرة نذكر جلّها و المسائل المتعلّقة به في طيّ كتب

مقدّمة تشتمل على مسائل:

[التكسّب بالأعيان النجسة]

[مسألة 1: لا يجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم]

مسألة 1: لا يجوز التكسّب بالأعيان النجسة بجميع أنواعها على إشكال في العموم، لكن لا يترك الاحتياط فيها بالبيع و الشراء و جعلها ثمنا في البيع، و أجرة في الإجارة، و عوضا للعمل في الجعالة، بل مطلق المعاوضة عليها و لو بجعلها مهرا أو عوضا في الخلع و نحو ذلك، بل لا يجوز هبتها و الصلح عليها بلا عوض، بل لا يجوز التكسّب بها و لو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة؛ كالتسميد في العذرة، و يستثنى من ذلك العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه بناء على نجاسته، و الكافر بجميع أقسامه حتى المرتدّ عن فطرة على الأقوى، و كلب الصيد، بل و الماشية و الزرع و البستان و الدور (1).

______________________________

(1) الظاهر أنّ المكسب و المتجر مصدران ميميان «1»، كما فيما حكي عن مولانا

______________________________

(1) مجمع البحرين 1: 218.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 8

..........

______________________________

أمير المؤمنين عليه السّلام من أنّه كان يقول على المنبر: الفقه ثمّ المتجر «1».

و البحث في حكم المسألة تارة: من جهة الحكم التكليفي، و اخرى: من جهة الحكم الوضعي و إن كان التعرّض في المتن لهذه المسألة إنّما هو بالإضافة إلى الحكم التكليفي فقط، و الظاهر أنّ متعلّق الحرمة التكليفيّة في المعاملة ليس مجرّد إيقاع صورتها، بل الإنشاء الواقعي بقصد حصول النقل و الانتقال و لو مع العلم بعدم التأثير في ذلك، كما فيما إذا كانت محرّمة و لو لم تكن باطلة، كالبيع وقت النداء «2» إذا قلنا بحرمته؛ فإنّه لا يكون فاسدا، بل ربما

يقال «3» بأنّ النهي في المعاملة يدلّ على صحّتها في صورة عدم الإرشاد إلى البطلان، كأكثر النواهي الواردة في المعاملات بل العبادات؛ كقوله: لا تصلّ في جلد ما لا يؤكل لحمه، و مثله «4». فالغرض هنا بيان متعلّق النهي التكليفي؛ سواء كانت المعاملة فاسدة أو صحيحة، و هو لا يكون إلّا الإنشاء الواقعي الملازم لقصد حصول النقل و الانتقال.

و بعبارة اخرى: هنا امور متعدّدة لا ينبغي الخلط بينها: أحدها: النهي التكليفي بمعنى الحرمة، و ثانيها: النهي الوضعي للإرشاد إلى البطلان، و ثالثها: كون النهي التكليفي دالّا على الفساد أو على الصحّة، أو أنّه لا دلالة له على شي ء من الأمرين.

و البطلان في المقام ليس من جهة دلالة النهي التكليفي عليه، بل من جهة بعض الأدلّة العامّة أو الخاصّة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) الكافي 5: 150 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 6 ح 16، الفقيه 3: 121 ح 519، و عنها وسائل الشيعة 17: 381، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 1 ح 1، و في بحار الأنوار 103: 117 ح 16 عن روضة الواعظين: 465.

(2) سورة الجمعة 62: 9.

(3) مصباح الفقاهة 1: 22- 23 و 56- 60.

(4) وسائل الشيعة 4: 345- 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 9

..........

______________________________

هذا، و أمّا النهي التحريمي المتعلّق بالعبادة فلا يكاد يجتمع مع صحّة العبادة، كالنهي عن صوم يوم العيدين؛ ضرورة أنّ النهي يدلّ على المبغوضيّة و كون الصوم يوم العيدين مبعّدا و مبغوضا، و هو لا يتلائم مع قصد التقرّب المعتبر في صحّة العبادة، بخلاف مادّة الاجتماع في اجتماع الأمر و النهي، كالصلاة في الدار

المغصوبة؛ فإنّ التحقيق هناك مغايرة متعلّق الأمر مع متعلّق النهي و إن وقع بينهما الاتّحاد في الخارج، و في الحقيقة لم يتعلّق النهي هناك بالعبادة، بل بعنوان آخر.

و هذا بخلاف صوم يوم العيدين؛ فإنّ النهي قد تعلّق بعنوان العبادة، و ليس النهي راجعا إلى حرمة التشريع.

ضرورة أنّ الصائم أحد اليومين يستحقّ العقوبة من حيث نفس الصوم لا من حيث التشريع، مع أنّه ربما يقال بعدم إمكانه من حيث هو، فكونه عبادة منهيّا عنها ترجع إلى أنّها لو كانت مأمورا بها و لو على سبيل الاستحباب لكان قصد القربة معتبرا في صحّتها، مع أنّه لو كان بنحو التشريع لم يلزم أن يكون بصورة النهي، و لم يستحقّ العقاب إلّا على التشريع، لا على الصوم في المثال المذكور. فانقدح إمكان اجتماع العبادة مع الحرمة التكليفيّة غير التشريعيّة و إن لم تكن صحيحة.

أمّا من جهة الحكم التكليفي، فمن الأدلّة المهمّة في هذا الباب- و إن لم تكن عامّة لجميع الموارد قوله- تعالى-: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ «1» إلى آخر الآية الشريفة؛ نظرا إلى أنّ الحرمة لا يمكن أن تتعلّق بالأعيان؛ لأنّ موضوع التكاليف الخمسة هو فعل المكلّف و عمله، فلا محالة يكون

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 10

..........

______________________________

متعلّق الحرمة هو جميع الانتفاعات بهذه الأشياء، و من جملتها التكسّب بها و التجارة عليها.

هذا، و لكن ربما يقال- بعد وضوح أنّ الحرمة في الآية هي الحرمة التكليفيّة- إنّ النظر في الآية الكريمة إنّما هو إلى

الأكل و الشرب؛ لأنّهما المتعارفان بالإضافة إلى تلك الأشياء، فلا دلالة لها على حرمة التكسّب بها لبعض الانتفاعات المحلّلة، كاشتراء الميتة لأن يأكلها كلبه المتعلّق به، أو للدفن في أرض البستان لتقوية النباتات، و قد شاع في زماننا هذا المؤسّسات المبنية على إهداء الدم و بيعه و شرائه للمرضى المحتاجين إليه و تزريقه للمعالجة. و ما يمكن أن يقال من أنّ حذف المتعلّق قرينة على العموم، فهو على تقدير صحّته إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك انصراف إلى بعض التصرّفات، أ فترى أنّه يستفاد من الآية حرمة النظر إلى الامور المذكورة فيها أو النقل المكاني مثلا؛ فهذا دليل على الانصراف؛ كالتحريم المتعلّق بالامّهات و البنات، كما لا يخفى.

و مثل الآية المتقدّمة في عدم الدلالة قوله- تعالى- في أواخر سورة البقرة: إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ «1» إلى آخره.

و أمّا قوله- تعالى-: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «2» الدالّ على وجوب الهجرة المطلقة عن الرجز، فتماميّة دلالته متوقّفة على أن يكون المراد ب «الرّجز» بالضمّ هي النجس الفقهي في مقابل الطاهر، مع أنّ المراد به كما يظهر من التفاسير «3» هو صنم خاصّ، فالرجسيّة من هذه الجهة. و عليه: فالآية لا دلالة لها على حكم المقام.

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 173.

(2) سورة المدّثّر 74: 5.

(3) مجمع البيان 10: 153، الجامع لأحكام القرآن 19: 66.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 11

..........

______________________________

و قوله- تعالى-: وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ «1» لا يكون قرينة على أنّ المراد ب «الرّجز» هي النجاسة؛ لأنّ الثياب كناية عن نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو مطلق أقربائه، و التطهير يراد به إزالة وسخ الشرك عنهم؛ كما

كان هو الرائج بينهم في زمان نزول الآية التي هي أوّل آية نزلت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو ثانيتها، فتدبّر.

و من الأدلّة العامّة رواية تحف العقول المفصّلة المشتملة على قوله عليه السّلام: و أمّا وجوه الحرام من البيع و الشراء فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه (لبسه ظ) أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد؛ نظير البيع بالربا، أو البيع للميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش و الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شي ء من وجوه النجس، فهذا كلّه حرام و محرّم؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله و شربه و لبسه و إمساكه و التقلّب فيه، فجميع تقلّبه في ذلك حرام «2». و هي ظاهرة بل صريحة في الحرمة التكليفيّة، خصوصا بلحاظ قوله عليه السّلام:

«فجميع تقلّبه في ذلك حرام».

و لا يقدح في جواز التمسّك به للمدّعى ما ذكرنا من قيام الإجماع أو الضرورة على جواز التقلّب المكاني بالإضافة إلى مثل الميتة خوفا من التعفّن و نحوه؛ لأنّ العامّ المخصّص حجّة فيما عدى مورد التخصيص، كما قد حقّق في محلّه من علم الاصول «3»، بخلاف ما ذكرنا من أنّ مثل جواز النقل المذكور دليل على أنّ المحرّم في

______________________________

(1) سورة المدّثّر 74: 4.

(2) تحف العقول: 333، و عنه وسائل الشيعة 17: 84، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2 قطعة من ح 1، و بحار الأنوار 103: 46 قطعة من ح 11.

(3) سيرى كامل در اصول فقه 8: 59- 108.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 12

..........

______________________________

الآيات على ما تقدّم هو ليس جميع التصرّفات المتعلّقة بهذه الامور، بل المحرّم هو المنصرف إليه من التصرّف المناسب له، مثل الأكل و الشرب و غيرهما.

و بالجملة: فرق بين التخصيص الذي يجري فيه القاعدة المزبورة، و بين استكشاف متعلّق الحرمة في صورة تعلّقها بالذوات، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ بعض الأعلام قدّس سرّه بعد الحكم بضعف سند الرواية المذكورة من جهة الإرسال قال: و ربما يتوهّم انجبار ضعفها بعمل المشهور؛ إلّا أنّه مدفوع؛ لكونه فاسدا كبرى و صغرى. أمّا الوجه في منع الكبرى، فهو مبنيّ على مبناه من عدم كون الشهرة جابرة لضعف السند. و أمّا الوجه في منع الصغرى، فهو عدم ثبوت عمل المتقدّمين بها. و أمّا عمل المتأخّرين، فهو على تقدير ثبوته غير جابر لضعفها، مضافا إلى أنّ استنادهم إليها في فتياهم ممنوع جدّا؛ فإنّ المظنون بل الموثوق به هو اعتمادهم في الفتيا على غيرها، و إنّما ذكروها في بعض الموارد تأييدا للمرام.

و دعوى أنّ آثار الصدق منها ظاهرة، مندفعة بأنّ هذه الآثار هل هي غموض الرواية و اضطرابها، أم تكرار جملها و ألفاظها، أم كثرة ضمائرها و تعقيدها، أم اشتمالها على أحكام لم يفت بها أحد من الأصحاب و من أهل السنّة، كحرمة بيع جلود السباع و الانتفاع بها و إمساكها، مع أنّ الروايات المعتبرة «1» إنّما تمنع عن الصلاة فيها فقط لا مطلق الانتفاع «2»، انتهى.

و الظاهر أنّه ناظر في ذيل كلامه إلى السيّد الطباطبائي المرحوم في حاشية المكاسب للشيخ الأنصاري قدّس سرّه، حيث إنّه نفى البأس عن العمل بالرواية؛ لأنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 354، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 6.

(2) مصباح الفقاهة

1: 19- 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 13

..........

______________________________

مضامينها مطابقة للقواعد، و مع ذلك فيها أمارات الصدق «1».

أقول: هنا جهات ينبغي بل يجب الالتفات إليها:

الاولى: أنّه قد مرّ منّا مكرّرا أنّ الشهرة الفتوائيّة المحقّقة قابلة و صالحة لجبر ضعف الرواية من أيّ جهة كانت، كما أنّها قادحة، و إعراض المشهور يمنع عن اعتبار الرواية و لو كانت من الصحّة في الدرجة العالية، و من الاعتبار في المرتبة المتعالية.

الثانية: أنّه قد مرّ منّا مكرّرا أيضا تبعا لسيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه أنّ الإرسال على قسمين: قسم يسند الراوي المرسل- كالصدوق- الرواية إلى شخص الإمام عليه السّلام، كما نلاحظه في عدّة من مراسيله، و قسم يسنده إلى الرواية و الحكاية؛ كقوله: روي عن الإمام الباقر أو الصادق عليهما السّلام كذا و كذا، و لا يبعد أن يقال بحجّية المرسلة بالنحو الأوّل؛ لأنّه بمنزلة توثيق مثل الصدوق جميع الوسائط بينه و بين الإمام عليه السّلام، و هو لا يقصر عن توثيق مثل الكشي و النجاشي، و رواية تحف العقول من هذا القبيل، خصوصا مع أنّ مصنّفه أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني أو الحلبي، كان رجلا وجيها فاضلا جليل القدر، رفيع الشأن عظيم المنزلة.

و قد عبّر عن كتابه هذا صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، المتبحّر في مؤلّفات الشيعة و تصانيفهم، بأنّ كتابه ممّا لم يسمح الدهر بمثله «2»، و كذا السيّد حسن الصدر صاحب كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، حيث عبّر عنه بأنّه كتاب جليل لم يصنّف مثله «3»، و مع هذه الخصوصيّة هل يمكن رفع اليد عن هذا الكتاب و الإعراض عن رواياته؟ خصوصا مع قوله في مقدّمته:

و أسقطت الأسانيد تخفيفا

______________________________

(1) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 34.

(2) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 3: 400.

(3) تأسيس الشيعة: 413.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 14

..........

______________________________

و إيجازا و إن كان أكثره لي سماعا «1»، إلّا أن يقال: إنّ الظاهر من الوسائل كون إرسال الرواية بالنحو الثاني لا بالنحو الأوّل؛ لأنّه ذكر فيها أنّه رواها عن الصادق عليه السّلام لا أنّه أسندها إليه، و إن كان يظهر من حاشية الوسائل نقلا عن تحف العقول في الطبعتين الأوّلتين منه- أنّه سأله سائل فقال إلخ «2»- النسبة إلى الصادق عليه السّلام، كما لا يخفى.

الثالثة: أنّه لا يشترط في حجّية خبر الواحد اتّصاف المخبر بالوثاقة، بل يكفي كونه موثوقا به و لو لم يكن راويه ثقة، و يدلّ عليه أنّ عمدة الدليل على حجّية خبر الواحد هو بناء العقلاء، و هم لا يفرّقون بين الصورتين.

الرابعة: أنّ ملاحظة نفس الكتاب، بل شخص هذه الرواية التي هي مورد للبحث و الكلام تقضي بعدم صلاحيّة غير الإمام عليه السّلام لصدور هذه الكلمات و الحكم و المواعظ و الضوابط و القواعد منه، بل هي مناسبة لشأنه عليه السّلام.

الخامسة: أنّ الرواية لأجل طولها و تفصيلها يمكن أن لا يتحقّق حفظها من الراوي عنه عليه السّلام، فلا يكون ذلك قدحا فيها و في اعتبارها، و لأجله حصل فيها القلق و الاضطراب و التكرار و بعض الجهات الاخر.

السادسة: أنّه لا يعتبر في انجبار ضعف الرواية المفصّلة المشتملة على أحكام عديدة و ضوابط متكثّرة استناد المشهور إلى جميع فقراتها و الأحكام الواردة فيها، و من الممكن أن يكون بعض الفقرات أو بعض موارده غير مفتى به عندهم، و لا يقدح في

اعتبار البقيّة و جواز الاستناد إلى الرواية لأجلها.

______________________________

(1) تحف العقول: 3.

(2) وسائل الشيعة 12: 54، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2، الطبعة الإسلاميّة مع تعليقات للشعراني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 15

..........

______________________________

السابعة: أنّه يجوز في الرواية النقل بالمعنى، كما يجوز النقل باللفظ. و عليه:

فيمكن أن يكون عدم تطابقها مع الضوابط الأدبيّة و العربيّة من هذه الجهة، فلا يكون وجود القلق و الاضطراب أو بعض الجهات الاخر إلّا من قبل الراوي لا الإمام عليه السّلام، فلا يكشف عن عدم كون أصل الرواية منه عليه السّلام.

هذه هي الأدلّة العامّة و لو في الجملة الواردة في المقام.

و هنا روايات عامّة اخرى استدلّ بها على المدّعى- و هي الحرمة التكليفيّة للتكسّب بالأعيان النجسة- كالروايات المنقولة عن الفقه الرضوي و دعائم الإسلام و الجعفريات، لكنّها- مضافا إلى كونها مخدوشة من حيث الدلالة، و لعلّ دلالتها على الحرمة الوضعيّة كان أظهر- لا اعتبار بشأنها، و لذا لم ينقل عن شي ء منها في الوسائل و إن نقل عنها صاحب المستدرك مثبتا لاعتبارها، لكنّ الأظهر العدم؛ لوجوه ليس هاهنا مجال لذكرها، و قد ذكرنا مرارا عدم اعتبار الفقه الرضوي، و أشير هاهنا إلى ما هو العمدة في ذلك، و هو أمران:

أحدهما: أنّه لم يكن بناء الأئمّة عليهم السّلام على تأليف كتاب في الفقه، و لعلّه لأجل أنّه لو ألّفوا في الفقه لكان ذلك التأليف منعدما بأيدي الأعداء و الخلفاء، و قد سمعت من سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه- في جواب من سأله عن أنّه لم لم يذكر اسم عليّ عليه السّلام و ولايته في الكتاب العزيز- أنّه قال: لو ذكر في القرآن اسم عليّ عليه السّلام

لما كان من البعيد أن يتصدّوا أعداء عليّ عليه السّلام لإمحاء القرآن كما يؤيّده القرائن.

و يؤيّد المقام أنّه لو كان البناء على التأليف لكان الصادقان عليهما السّلام أولى بذلك زمانا، خصوصا مع اقتضاء التقيّة عدم الرجوع إلى شخصهما.

ثانيهما: عدم إشارة الأئمّة المتأخّرة عن الرضا عليهم السّلام بوجود هذا التأليف منه في شي ء من الموارد على ما يعلم مع اقتضاء القاعدة ذلك، و ثبوت عنوان ابن الرضا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 16

..........

______________________________

بالإضافة إليهم.

و ما في كلام الإمام الماتن قدّس سرّه في المكاسب المحرّمة من احتمال إلغاء الخصوصيّة من الموارد الخاصّة «1» فمستبعد جدّا.

و أمّا الأدلّة الخاصّة، فمنها: ما ورد في العذرة، مثل:

موثّقة سماعة بن مهران قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر، فقال: إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: حرام بيعها و ثمنها. و قال: لا بأس ببيع العذرة «2».

و يحتمل أن يكون ذيل الرواية رواية مستقلّة صدرت في مورد آخر جمعهما الراوي- و هو سماعة- في كلام واحد، و يؤيّده الإتيان بالاسم الظاهر فيه دون الضمير مع الإتيان به في قوله: «حرام بيعها و ثمنها»، كما لا يخفى.

و كيف كان، فقد ذكر سيّدنا العلّامة الاستاذ الماتن قدّس سرّه ما ملخّصه: أنّه لا يبعد أن يقال في مقام الجمع: إنّ المراد ب «حرام بيعها و ثمنها» الجامع بين الوضعي و التكليفي، و بقوله عليه السّلام: «لا بأس ببيع العذرة» نفي الحرمة التكليفيّة، و في المقام لو لا قوله عليه السّلام: «و لا بأس ...» يكون الظاهر من قوله عليه السّلام: «حرام ...» التكليفيّة؛ لعدم معنى للوضعيّة بالنسبة إلى الثمن إلّا بتكلّف بعيد، و الحمل

على الجامع خلاف الظاهر، و الحمل على التكليفيّة بالنسبة إلى البيع و إن كان خلاف الظاهر أيضا، لكنّه أرجح من الحمل على الجامع، لكن قوله عليه السّلام: «لا بأس ببيع العذرة» قرينة على أنّ المراد من الحرمة المعنى الأعمّ، سيّما إذا كانت تلك الفقرة في ذيل الاولى، فكأنّه قال:

يحرم بيعها وضعا و لا بأس به تكليفا.

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 9.

(2) تهذيب الأحكام 6: 372 ح 1081، الاستبصار 3: 56 ح 183، و عنهما وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 17

..........

______________________________

قال: و ما ذكرناه و إن لا يخلو من التكلّف، لكنّه أرجح من سائر ما قيل في وجه الجمع، بل لا يبعد أن يكون مقبولا مع ملاحظة أنّ في الشريعة بيعا لا بأس به بعنوانه، و ما هو حرام كذلك مع بطلانهما «تأمّل». فتدلّ على عدم حرمة بيعها ذاتا و إن كان باطلا، و أنّ مساقها ليس مساق الخمر الحرام بيعها بعنوانه على ما هو ظاهر جملة من الروايات الآتية «1».

أقول: الظاهر أنّه مع التصريح بحرمة البيع الظاهرة في الحرمة التكليفيّة لا يبقى مجال لنفي البأس عن المنع المذكور الظاهر في الجواز التكليفي. نعم، لو لم يقع التصريح بذلك لكان مقتضى الجمع الدلالي- المقبول عند العقلاء، الموجب للخروج عن عنوان التعارض و الاختلاف- حمل الاولى على الوضعيّة، و الثانية على التكليفيّة، و لم يكن حينئذ تعارض في المتن، كما هو مقتضى الجمع بين الروايتين الآخرتين الواردتين في المقام:

إحداهما: رواية يعقوب بن شعيب الدالّة على أنّ ثمن العذرة من السحت «2».

ثانيتهما: رواية محمّد بن المضارب

الدالّة على أنّه لا بأس ببيع العذرة «3»، و لكن حكي «4» عن الأصحاب قديما و حديثا الجمع بينهما بوجوه اخر.

منها: ما عن الشيخ الطوسي قدّس سرّه من الجمع بين الطائفتين بحمل رواية المنع على

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 13- 14.

(2) تهذيب الأحكام 6: 372 ح 1080، الاستبصار 3: 56 ح 182، و عنهما وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 1.

(3) الكافي 5: 226 ح 3، تهذيب الأحكام 6: 372 ح 1079، الاستبصار 3: 56 ح 181، و عنها وسائل الشيعة 17: 175، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 40 ح 3.

(4) الحاكي هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 81- 90.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 18

..........

______________________________

عذرة الإنسان النجسة، و رواية الجواز على عذرة البهائم من الحيوانات التي يحلّ أكل لحمها الطاهرة «1».

و يرد عليه- مضافا إلى أنّه لو لم نقل باختصاص كلمة «العذرة» المذكورة في الروايتين بخصوص عذرة الإنسان؛ لإطلاق لفظ «الروث» أو «السرقين» عليها-:

أنّ هذا الجمع تبرّعي محض، و كون القدر المتيقّن من كلا الدليلين بلحاظ الحكم المترتّب عليهما عذرة مغايرة للآخر لا يوجب تحقّق الجمع الدلالي المقبول عند العرف و العقلاء، المخرج من موضوع التعارض المفروض في خبر العلاج و أخباره، مثل مقبولة عمر بن حنظلة «2».

و منها: ما حكي عن المجلسي من حمل رواية الجواز على بلاد ينتفع بها، و رواية المنع على بلاد لا ينتفع بها «3».

و يرد عليه- مضافا إلى أنّه جمع تبرّعي-: أنّ التفصيل المذكور لعلّه يناسب التفصيل في الحرمة الوضعيّة لا التكليفيّة التي هي مورد البحث و إن نوقش

في صحّة النسبة إلى المجلسي «4».

و منها: ما حكي عن المحقّق السبزواري صاحب كتابي الذخيرة و الكفاية «5»؛ من احتمال حمل رواية المنع على الكراهة بقرينة رواية الجواز كما هو الشائع.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 372 ذ ح 1080. و الاستبصار 3: 56 ذ ح 182.

(2) الكافي 1: 67 ح 10، الفقيه 3: 5 ح 18، تهذيب الأحكام 6: 301 ح 845، الاحتجاج 2: 260، الرقم 232، و عنها وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

(3) حكاه العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار 10: 379 ذ ح 202 عن والده العلّامة المجلسي الأوّل قدّس سرّهما.

(4) المناقش هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 85.

(5) كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 422.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 19

..........

______________________________

و فيه:- مضافا إلى الفرق بين المقامين؛ و هو حمل النهي على الكراهة، و هو الشائع فيها. و أمّا الوارد في المقام فهو لفظ «السحت»- إن قلنا باختصاصه بالحرمة، فلا يقبل الحمل على الكراهة، و إن قلنا بعموميّة لفظ «السحت» و استعماله في موارد الكراهة، كما يظهر من بعض كتب اللغة «1»، و من جملة من الروايات الواردة في الموارد المختلفة «2»، فلا اختلاف بين الروايتين، و لا تعارض أصلا. و منه يظهر أنّ ما ذكرناه من الجمع أيضا مبنيّ على كون «السحت» بمعنى الحرمة الكاشفة عن فساد المعاملة إذا اسند إلى الثمن؛ ضرورة أنّه لا تعارض بناء على كونه أعمّا من الحرمة.

و منها: ما استقر به المامقاني قدّس سرّه في حاشية المكاسب من حمل رواية الجواز على الاستفهام الإنكاري «3».

و يرد عليه: أنّه خلاف الظاهر، حيث إنّه لا

قرينة في رواية الجواز على الاستفهام المذكور بوجه؛ لأنّ اختلافه مع الاستفهام الحقيقي، أو الجملة الخبرية إنّما هو في كيفيّة التلفّظ، و هي غير معلومة مع عدم وجود أداة الاستفهام.

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه- حيث جعل ذيل رواية سماعة؛ و هو قوله:

و قال: «لا بأس ببيع العذرة» تتمّة للرواية، و لم يحتمل كونه رواية مستقلّة صادرة في وقت آخر قد عطفها الراوي على الرواية الاولى؛ أعني صدر الرواية، كما احتملناه في أوّل البحث- ذكر بعد الحكم بأظهريّة جمع الشيخ «4» و إن كان جمعا تبرّعيا؛ نظرا

______________________________

(1) النهاية في غريب الحديث 2: 345، لسان العرب 3: 251.

(2) وسائل الشيعة 17: 92، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 و ص 104 ب 9، و مستدرك الوسائل 13: 69، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 و ص 74 ب 8.

(3) غاية الآمال في حاشية المكاسب 1: 67.

(4) أي جمع الشيخ الطوسي في التهذيبين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 20

..........

______________________________

إلى أنّ رواية ابن شعيب نصّ بالإضافة إلى العذرة النجسة و ظاهرة في غيرها أيضا، و رواية ابن المضارب بعكس ذلك، فيؤخذ النصّ بالظاهر.

ثمّ قال: و يقرّب هذا الجمع رواية سماعة نظرا إلى أنّ الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدلّ على أنّ تعارض الأوّلين ليس إلّا من حيث الدلالة، فلا يرجع فيه إلى المرجّحات السنديّة أو الخارجيّة، و دفع ما يقال: من أنّ العلاج في الخبرين المتنافيين على وجه التباين الكلّي هو الرجوع إلى المرجّحات الخارجيّة، ثمّ التخيير أو التوقّف لا إلغاء ظهور كلّ منهما «1»، انتهى.

و مراده بالخبرين هو الذي جمع الشيخ بينهما.

و يرد

عليه- مضافا إلى أنّ النصوصيّة تغاير القدر المتيقّن- ما أورد عليه الماتن قدّس سرّه في كتابه المكاسب المحرّمة من أنّ كون تعارض الأوّلين من حيث الدلالة لا يوجبه رفع اليد عن أدلّة العلاج، بل هو محقّق موضوعها. نعم، لو كشف ذلك عن وجه الجمع بينهما كان لما ذكر وجه، لكنّه كما ترى؛ لأنّ الميزان في جمع الروايتين هو الجمع المقبول العقلائي، و هو أمر لا يكاد يخفى على العرف، و ليس أمرا تعبّديا يبنى عليه تعبّدا، و مع عدم وجه الجمع بينهما عرفا، يحرز موضوع التعارض.

و عدم العمل بأدلّة التعارض في رواية واحدة مشتملة على حكمين متنافيين، لا يوجب عدم العمل بها في الحديثين المختلفين المستقلّين كما في المقام، مع أنّ عدم الرجوع إلى المرجّحات في رواية مشتملة على حكمين متنافيين غير مسلّم «2».

أقول:- مضافا إلى أنّ التعارض الموضوع لأدلّة العلاج كما لا يصحّ أن ترتفع

______________________________

(1) المكاسب (ترك الشيخ الأعظم) 1: 23- 25.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 14- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 21

..........

______________________________

بالتعبّد، كذلك لا يقدح فيه التعارض المنطقي الفعلي، كالتعارض بين العامّ و الخاصّ، حيث إنّهما متعارضان عقلا؛ لأنّ الموجبة الكلّية نقيضها السالبة الجزئيّة و بالعكس، إلّا أنّهما غير متعارضين عند العقلاء في خصوص مورد التقنين، كما ذكرنا في علم الاصول «1». نعم، ما أفاده الشيخ قدّس سرّه، فإنّه و إن كان يرد عليه أنّ التعارض الخارج عن أدلّة العلاج هو ما لا يكون تبرّعيا، إلّا أنّه حقّ بالإضافة إلى المرجّحات السنديّة من الأفقهيّة و الأورعيّة و الأصدقيّة و مثلها في رواية واحدة مشتملة على حكمين متنافيين، كما هو المفروض في كلام الشيخ

قدّس سرّه، و أمّا بالإضافة إلى سائر المرجّحات مثل الشهرة و موافقة الكتاب و مثلهما فلا.

ثمّ إنّ بعض الأعلام قدّس سرّه أفاد في المقام بعد أن حكى الوجوه الخمسة للجمع بين الروايات عن الفقهاء العظام قديما و حديثا على ما في تقريراته ما ملخّصه: أنّه لا يجوز العمل بروايات المنع لوجهين:

الأوّل: عدم استيفائها شرائط الحجّية بنفسها، أمّا رواية ابن شعيب فلضعف سندها «2» لجهالة علي بن مسكين أو سكن، و كذا رواية دعائم الإسلام للإرسال «3»، و توهّم انجبارهما بعمل المشهور توهّم فاسد؛ فإنّه مضافا إلى فساد الكبرى أنّ الحكم غير مختصّ بالعذرة، بل شامل لغيرها من النجاسات.

و أمّا رواية سماعة، فهي و إن كانت موثّقة إلّا أنّه لا يجوز الاعتماد عليها، إمّا لإجمالها لمعارضة صدرها مع ذيلها إن كانت رواية واحدة، و إمّا للتعارض

______________________________

(1) سيرى كامل در اصول فقه 8: 85- 87.

(2) جواهر الكلام 22: 17.

(3) دعائم الإسلام 2: 18 ح 22، و عنه مستدرك الوسائل 13: 71، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 22

..........

______________________________

و التساقط لو كانت روايتين، كما تؤيّده القرائن الكثيرة و الامور المتعدّدة «1»، انتهى موضع الحاجة.

قلت:- مضافا إلى ما مرّ من أنّ الشهرة جابرة، و عدم اختصاصها بالعذرة، بل العموميّة لسائر النجاسات لا يقدح في ذلك- قد ذكرنا أنّ موثّقة سماعة سواء كانت واحدة أو متعدّدة يجري فيها قواعد باب التعارض سوى المرجّحات السنديّة على فرض الوحدة، و قد ذكرنا في محلّه «2» أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة هي الشهرة الفتوائيّة، و هي موافقة مع روايات المنع أو روايته، فلا

بدّ من الالتزام به و أنّ بيع العذرة محرّم تكليفا، و لا يبعد إلغاء الخصوصيّة من كلمة «العذرة»- على تقدير الاختصاص بعذرة الإنسان- إلى مطلق المدفوعات النجسة و إن لم تكن للإنسان و كان صاحبها غير نجس العين، كفضلتي الهرّة و الفأرة و غيرهما، و لو سلّمنا عدم إلغاء الخصوصيّة فالحكم بالإضافة إلى عذرة الإنسان واضح.

ثمّ إنّه ذكر في ذيل المسألة أنّه لا يجوز التكسّب بها- أي بالأعيان النجسة- و لو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة بالتسميد في العذرة، و قد نسب العلّامة قدّس سرّه في محكي التذكرة إلى أبي حنيفة تجويز بيع السرجين النجس، لأنّ أهل الأمصار يتبايعونه لزروعهم من غير نكير «3»، مع أنّ رواية محمّد بن مضارب الدالّة على

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 1: 90.

(2) سيرى كامل در اصول فقه: 16/ 532- 555.

(3) تذكرة الفقهاء 10: 31، الحاوي الكبير 6: 470، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء 4: 58، العزيز شرح الوجيز 4: 23، المغني لابن قدامة 4: 302، المجموع شرح المهذّب 9: 218، الشرح الكبير لابن قدامة 4: 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 23

..........

______________________________

جواز بيع العذرة حسنة يجوز الاعتماد عليها، فلا يبقى حينئذ وجه لما أفاده من عدم جواز التكسّب و لو كانت لها منفعة محلّلة مقصودة.

و منها: ما ورد في الميتة، مثل رواية البزنطي، عن الرضا عليه السّلام قال: سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء، أ يصلح له أن ينتفع بما قطع؟

قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1».

و من الواضح أنّ الألية المقطوعة من الحيّ بحكم الميتة، فتدلّ الرواية على عدم جواز بيعها

في فرض النجاسة كميتة الغنم أو ما هو بحكمها، كما تدلّ على عدم جواز أكلها و حرمته، و هي قرينة على كون المراد من حرمة البيع هي الحرمة التكليفيّة لا الوضعيّة.

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها؟ قال: لا، و لو لبسها فلا يصلّ فيها «2»؛ بناء على كون المنهي جميع الامور المذكورة في السؤال لا خصوص اللبس، و ليس النهي عن الصلاة فيها في صورة اللبس قرينة على اختصاص النهي به و غير شامل للبيع، كما لا يخفى.

هذا، مضافا إلى دلالة رواية تحف العقول على ذلك و إن ناقشنا في دلالة الآيتين نظرا إلى الانصراف إلى الأكل كما مرّ «3».

______________________________

(1) قرب الإسناد: 268 ح 1066، مستطرفات السرائر: 55 ح 8، و عنهما وسائل الشيعة 17: 98، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 6 ح 6، و في بحار الأنوار 80: 77 ح 5 عن قرب الإسناد.

(2) قرب الإسناد: 268 ح 1067، مسائل عليّ بن جعفر عليه السّلام: 139 ح 151، و عنهما وسائل الشيعة 17: 96، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 17 و في بحار الأنوار 103: 71 ح 8 عن قرب الإسناد.

(3) في ص: 10- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 24

..........

______________________________

و في مقابلها رواية محمّد بن عيسى بن عبيد، عن أبي القاسم الصيقل و ولده قال:

كتبوا إلى الرجل عليه السّلام: جعلنا اللّه فداك إنّا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرّون إليها، و إنّما علاجنا

جلود الميتة و البغال و الحمير الأهليّة لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحلّ لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسّها بأيدينا و ثيابنا، و نحن نصلّي في ثيابنا، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا؟ فكتب عليه السّلام: اجعل ثوبا للصلاة، إلى آخر الحديث «1».

و قد استشكل شيخنا الأعظم الأنصاري قدّس سرّه على الاستدلال بالرواية للجواز بما لفظه: و يمكن أن يقال: إنّ مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها لا خصوص الغلاف مستقلّا، و لا في ضمن السيف على أن يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد، فغاية ما يدلّ عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمدا للسيف، و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال- إلى أن قال:- مع أنّ الجواب لا ظهور فيه في الجواز إلّا من حيث التقرير الغير الظاهر في الرّضا، خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقيّة «2».

و أجاب عنه بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقريراته بما يرجع إلى أنّ هذا من الغرائب؛ لأنّ منشأه حسبان أنّ الضمائر في قول السائل: «فيحلّ لنا عملها و شراؤها و مسّها بأيدينا» إلى السيوف، و لكنّه فاسد؛ فإنّه لا وجه لأن يشتري السيّاف سيوفا من غيره، كما لا وجه لسؤاله عن مسّها، و إصراره بالجواب عن كلّ ما سأله، بل هذه الضمائر ترجع إلى جلود الحمر و البغال المفروض في السؤال، و من

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 376 ح 1100، و عنه وسائل الشيعة 17: 173، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 38 ح 4.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 32- 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 25

..........

______________________________

المستبعد جدّا

بل من المستحيل عادة أن يجدوا جلود الميتة من الحمير و البغال بمقدار يكون وافيا بشغلهم بلا شرائها من الغير.

و أمّا ما أفاده من التقيّة في المكاتبات، فهي و إن كانت كثيرة لكونها معرضا لها من جهة البقاء، و لكنّها في خصوص هذه الرواية غير محتملة؛ لورودها على غير جهة التقيّة؛ لذهاب أهل السنّة بأجمعهم إلى بطلان بيع الميتة. و التشكيك في كاشفيّة التقرير عن الرضا، و في كونه من الحجج الشرعيّة، مع أنّها كسائر الأمارات مشمول لأدلّة الحجّية. و رمي الرواية بالتقيّة نظرا إلى ذهاب العامّة إلى جواز بيع جلود الميتة بعد الدبغ لطهارتها به، و أمّا قبل الدبغ فلا تصلح للإغماد، يدفعه أنّ أمر الإمام عليه السّلام بأن يجعلوا ثوبا لصلاتهم على خلاف التقيّة و الجهات الاخر، و ذكر في الذيل أنّ الرواية ضعيفة السند فلا تقاوم الروايات المانعة «1».

و قال سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه في كتابه في المكاسب المحرّمة ما محصّله: أنّ الرواية صحيحة و لا يضرّ بها جهالة أبي القاسم؛ لأنّ الراوي للكتابة و الجواب هو محمّد بن عيسى، و قوله: قال: كتبوا؛ أي قال محمّد بن عيسى: كتب الصيقل و ولده، فهو مخبر لا الصيقل و ولده، و إلّا لقال: كتبنا. و احتمال كون الراوي الصيقل مخالف للظاهر جدّا، سيّما مع قوله في ذيلها: و كتب إليه، فلو كان الراوي الصيقل لقال: كتبت إليه.

و ليس في السند من يتأمّل فيه إلّا أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد و محمّد بن عيسى بن عبيد، و هما ثقتان على الأقوى، و المظنون لو لا المقطوع به أنّ قوله: «نعمل السيوف» مصحّف عن قوله: نغمد السيوف، فإنّهما شبيهتان في الكتابة.

و الشاهد

عليه أوّلا: رواية قاسم الصيقل، الظاهر أنّه ابن أبي القاسم قال: كتبت

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 1: 122- 124.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 26

..........

______________________________

إلى الرضا عليه السّلام: إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي، فأصلّي فيها؟ فكتب إليّ: اتّخذ ثوبا لصلاتك، فكتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: كنت كتبت إلى أبيك عليه السّلام بكذا و كذا، فصعب عليّ ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشيّة الذكيّة، فكتب إليّ: كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّه، فإن كان ما تعمل وحشيّا ذكيّا فلا بأس «1».

فإنّ الظاهر أنّ المكاتبة المشار إليها في هذه الرواية هي المكاتبة المتقدّمة، حيث كان ولد أبي القاسم من جملة المكاتبين، و احتمال كون قاسم الصيقل غير ابن أبي القاسم الصيقل بعيد.

و ثانيا: أنّ عمل السيوف سواء كان بمعنى صنعتها، أو بمعنى تصقيلها عمل مستقلّ، و هو غير عمل تغميدها الذي كان مبائنا لهما، و من البعيد قيام شخص واحد بعمل السيوف و الأغماد، فلا شبهة حينئذ في أنّ أبا القاسم و ولده بحسب هذه الرواية كان عملهم أغماد السيوف، و إنّما سألوا عن بيع الميتة و شرائها و عملها و مسّها، و الحمل على بيع السيوف كما صنع الشيخ الأنصاري «2» طرح للرواية الصحيحة الصريحة، انتهى موضع الحاجة.

إلى أن قال في آخر كلامه: و الإنصاف أنّ الرواية ظاهرة الدلالة على جواز بيع جلد الميتة و شرائه و سائر الاستفادات منه، بل يظهر من ذيل الثانية، أي قوله عليه السّلام:

«كلّ أعمال البرّ بالصبر» أنّ الأرجح ترك العمل بالميتة، فيكون شاهد جمع بينها، و بين ما دلّت على أنّ الميتة لا ينتفع بها، أو جلد الميتة

لا ينتفع به، و هو الحمل على

______________________________

(1) الكافي 3: 407 ح 16، تهذيب الأحكام 2: 358 ح 1483، و عنهما وسائل الشيعة 3: 462، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 34 ح 4.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 32.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 27

..........

______________________________

الكراهة فيما لا محذور في الانتفاع بها، مع أنّها أخصّ مطلقا من روايات المنع مطلقا، إلى آخره «1».

و الظاهر أنّ مراده أنّ القاسم المذكور في الرواية هو الذي كان شريكا مع أبيه- المكنّى بأبي القاسم- في الكتابة إلى الرجل الذي يكون المقصود منه هو الرضا عليه السّلام بقرينة هذه الرواية، فيكون المراد أنّ القاسم و أباه قد اشتركا في الكتابة إلى الرّضا عليه السّلام، و اختصّ الابن بالكتابة إلى الجواد عليه السّلام، و لم يظهر لي وجه ما استظهره من ذيل الرواية الثانية- و هو قوله عليه السّلام: «كلّ أعمال البرّ بالصبر» من أنّ الأرجح ترك العمل بالميتة- حتّى يكون شاهد جمع بين الروايات المانعة و دليل الجواز، بالحمل على الكراهة؛ فإنّ الصبر على أقسام:

صبر على الطاعة، و صبر على المعصية، و صبر على النائبة، و من الواضح أنّ الصبر في مقابل الواجبات و كذا في مقابل المعاصي واجب.

و عليه: فالرواية تدلّ على جواز بيع جلود الميتة للإغماد، كما حكي عن الفاضلين في مختصر الشرائع و إرشاد الأذهان «2» من جواز الاستقاء بجلود الميتة للزراعة، و لازمه جواز المعاوضة عليها لذلك. و إن كانت استفادة الكراهة من القضيّة المفهوميّة في آخر الرواية الدالّة على ثبوت البأس فيما إذا كان عمله من جلود الحمر غير الوحشيّة الذكيّة، فيرد عليه: عدم ثبوت المفهوم عنده قدّس سرّه مطلقا و

لو للقضيّة الشرطيّة، مع أنّ ثبوت البأس لا ظهور فيه في الكراهة حتّى يكون شاهد جمع في المقام.

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 74- 75.

(2) المختصر النافع: 366، إرشاد الأذهان 2: 113.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 28

..........

______________________________

نعم، ما أفاده في الذيل- من أنّ ما يدلّ على الجواز أخصّ مطلقا من روايات المنع- حقّ لا محيص عنه، كما أنّ ما أفاده الشيخ في آخر كلامه «1» تقريبا ممّا يرجع إلى أنّ اشتمال رواية المنع على التعليل بحرمة الانتفاع بالميتة دليل على اختصاص الحكم بالمنع بما إذا كان المقصود منفعة محرّمة، و إلّا ففي صورة العدم و ثبوت المنفعة المحلّلة العقلائيّة لا مجال لعدم الجواز؛ لأنّ قصر الحكم المعلّل وسعته تابعان للتعليل الذي علّل الحكم به، و قد اشتهر أنّ التعليل يعمّ و يخصّص، ففي مثل قوله:

«لا تأكل الرمّان لأنّه حامض» يدلّ على اختصاص الحكم بالرمّان الحامض، كما أنّه يدلّ على عدم الاختصاص بالرمّان، بل يشمل مطلق الحامض.

و منها: ما ورد في الدم، و قد عرفت «2» ورود آيتين في تحريم الدم و تعلّق الحرمة بالعين، و لازمه كون المتعلّق جميع الأفعال المتعلّقة به الظاهر في حرمة الجميع، الذي منها التكسّب و الاتّجار به، لكنّك عرفت 3 أنّ الظاهر الانصراف إلى مثل الشرب المتعلّق به، و إلّا ففي مثل زماننا من ثبوت المؤسّسات المتعدّدة المتصدّية لتزريق الدم و شرائه و بيعه، يكون مقتضى التعليل المذكور في رواية تحف العقول أنّه لا مانع من جواز التكسّب بالدم لتزريق المرضى المحتاجين إليه لأجل التصادف أو نقصان الدم ذاتا، و لا حاجة حينئذ إلى فرض جواز الصبغ بالدم كما صنعه الشيخ «4»،

خصوصا مع كونه منفعة غير معتدّ بها.

هذا، مضافا إلى إطلاق الدليل و شموله «5» للدم غير النجس كالدم المتخلّف في

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 32- 33.

(2) 2، 3 في ص 9- 10.

(4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 27.

(5) دعائم الإسلام 2: 18 ح 22 و 23، عوالي اللئالي 2: 110 ح 301.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 29

..........

______________________________

الذبيحة مع اشتراكه مع الدم النجس في حرمة الأكل و لو لأجل الخباثة، كما أنّ الآيتين ناظرتان إلى الميتة النجسة و لا تشملان الميتة الطاهرة، كما إذا مات السمك في الماء؛ فإنّه لا ينبغي الإشكال في جواز التكسّب به للمنفعة المحلّلة.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ ما يدلّ على أنّ عليّا عليه السّلام نهى القصّابين عن بيع سبعة و منها الدم «1»، يكون المراد به الدم المسفوح غير الشامل للدم المتخلّف في الذبيحة، لا لأجل قلّته و تبعيّته للحيوان، بل لأجل عدم نجاسته و كون المنفعة المقصودة منه غير محرّمة.

و منها: ما ورد في الخمر من الآيات و الروايات «2»؛ مثل قوله- تعالى-: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «3»، و لكنّك عرفت الانصراف إلى مثل الشرب، خصوصا بعد تداوله و مضيّ زمان إلى أن جاء الحكم بالنجاسة و الحرمة، و في بعض الروايات أنّه اتي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المدينة بظرفين مشتملين على الخمر فأمر بإهراقهما «4». و هذا يدلّ على انتشار الحكم في الأزمنة المتأخّرة بتقريب ما مرّ من أنّ الاجتناب المطلق دليل على حرمة جميع ما يتعلّق به من الأفعال، و لكن عرفت منع ذلك و أنّه إنّما ينصرف

إلى التصرّف المتداول الشائع بالإضافة إليه و هو الشرب.

______________________________

(1) الكافي 6: 253 ح 2، تهذيب الأحكام 9: 74 ح 315، الخصال: 341 ح 4، و عنها وسائل الشيعة 24: 171، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 31 ح 2.

(2) وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 55.

(3) سورة المائدة 5: 90.

(4) الكافي 5: 230 ح 2، تهذيب الأحكام 7: 136 ح 601، و عنهما وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 30

..........

______________________________

و هكذا قوله- تعالى-: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» و إن كان الحمل على أنّ المراد بالرجز هي النجاسة و النجس في غاية البعد، كما أنّ حمل قوله: وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ «2» على لزوم تطهير الثياب للصلاة لا يناسب مع نزوله في أوّل الإسلام و إن احتمله سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه في مكاسبه المحرّمة «3».

هذا، و لكن أصل الحكم- و هي حرمة التكسّب و الاتّجار بالخمر- ممّا قام عليه النصّ «4» و الإجماع «5» كما أفاده الشيخ الأعظم قدّس سرّه «6»، و لكن هنا رواية لا بدّ من إيرادها و التأمّل فيها، و إلّا فالرواية الدالّة على لعن بائع الخمر و مشتريها لا مجال للمناقشة فيها و في دلالتها على حرمة التكسّب بالخمر و الاتّجار به.

و تلك الرواية هي صحيحة جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا، فقال: خذها ثمّ أفسدها. قال عليّ: و اجعلها خلًّا «7». هكذا تكون الرواية في الوسائل، لكن جعل الشيخ قدّس سرّه التفسير من محمّد بن أبي

عمير، و قال في توضيحه: و المراد به إمّا أخذ الخمر مجّانا ثمّ تخليلها، أو أخذها

______________________________

(1) سورة المدّثّر 74: 5.

(2) سورة المدّثّر 74: 4.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 20.

(4) وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 55.

(5) الخلاف 3: 185- 186، تذكرة الفقهاء 10: 25، منتهى المطلب 2: 1008 أوّل المقصد الثاني، الطبعة الحجرية، رياض المسائل 8: 40، جواهر الكلام 22: 10.

(6) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 42.

(7) تهذيب الأحكام 9: 118 ح 508، الاستبصار 4: 93 ح 358، و عنهما وسائل الشيعة 25: 371، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، ب 31 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 31

..........

______________________________

و تخليلها لصاحبها، ثمّ أخذ الخلّ وفاء عن الدراهم «1».

هذا، و لكن ذكر الاستاذ الماتن قدّس سرّه أنّه يمكن أن يكون المراد من عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام، و يمكن أن يكون المراد عليّ بن حديد الواقع في سلسلة رواة الحديث «2».

و كيف كان، فقد أورد المحقّق الايرواني على الشيخ بأنّ المالك لم يعط الخلّ وفاء، و إنّما أعطى الخمر، فكيف يأخذ الخلّ وفاء بلا إذن جديد من المالك؟ مع أنّ هذا مبنيّ على اجتهاد ابن أبي عمير من كون المراد من الإفساد التخليل، لم لا يكون المراد منه جعلها خمرا فاسدة لا يرغب فيها؟ و ليس في الرواية إشارة إلى أخذها بدلا عن الدرهم. نعم، هو مجرّد إيهام لا حجّية فيه، فيحكم ببقاء الدراهم في الذمّة.

و أمّا الخمر فيفسدها حسما لمادّة الفساد «3».

أقول: الظاهر من الرواية أنّ المديون إنّما يعطي الخمر بدلا عمّا هو عليه من الدين، و حينئذ فالظاهر

دلالتها على أنّه بعد التخليل يجوز للدائن استيفاء دينه منه، و حينئذ إن قلنا بأنّ المراد من عليّ أمير المؤمنين- كما هو مستبعد جدّا- يكون المراد من التخليل استيفاء الدين منه، و لو فرض كونه تقاصّا و أنّ التقاصّ يحتاج إلى إذن من الحاكم يكون ذلك إذنا من المولى بالإضافة إلى التقاصّ، كما أنّ الأمر كذلك بناء على التفسير الثاني و إن كان لا حجّية فيه بوجه، غاية الأمر أنّ الآذن حينئذ الإمام الصادق عليه السّلام، فتدبّر.

و من جملة ما يحرم التكسّب به المنيّ، فقد ذكر الشيخ الأعظم قدّس سرّه أنّه لا إشكال في حرمة بيع المنيّ لنجاسته و عدم الانتفاع به إذا وقع خارج الرحم، و لو وقع فيه

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 42.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 46.

(3) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 39- 40.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 32

..........

______________________________

فكذلك لا ينتفع به المشتري؛ لأنّ الولد نماء الامّ في الحيوانات عرفا، و للأب في الإنسان شرعا، لكنّ الظاهر أنّ حكمهم بتبعيّة الامّ متفرّع على عدم تملّك المني، و إلّا لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع، فالمتعيّن التعليل بالنجاسة، لكن قد منع بعض من نجاسته إذا دخل عن الباطن إلى الباطن «1»، انتهى موضع الحاجة فعلا.

أقول: هنا جهات من الكلام لا بدّ من الإشارة إليها:

الاولى: أنّ عدم الانتفاع بالمني لو وقع خارج الرحم إنّما كان بحسب المعمول المتداول في تلك الأزمنة، و إلّا ففي زماننا قد أسّست مؤسّسات في الخارج و في الداخل لصيرورة المرأة التي كانت عقيما صاحبة الولد بتزريق منيّ الزوج في رحمها مع رعاية شرائط مقرّرة و خصوصيّات معيّنة، و

صيرورتها صاحبة الولد بعد مدّة، و هذا مع قطع النظر عن المقارنات المحرّمة من جهة تصدّي الرجل له، أو المرأة التي يحرم عليها أيضا النظر إلى عورة مثلها، أو الالتزام بالجواز في بعض موارد الضرورة يوجب اتّصاف المنيّ بقابليّة الانتفاع؛ لصيرورة المنيّ الواقع خارج الرحم ولدا بعد مدّة، و هذا ثابت لا بالنقل العادي و مثل خبر الواحد، بل متواتر جدّا، فالتعليل بعدم الانتفاع بالمنيّ الواقع خارج الرحم غير صحيح بالإضافة إلى هذه الأزمنة.

و حينئذ يجوز للزوج أخذ العوض في مقابل منيّه التي أراقها حتّى من الزوجة، و مجرّد النجاسة غير صالحة للمنع، فقد عرفت «2» اشتمال رواية تحف العقول على التعليل المقتضي لقصر الحكم بالفساد و الحرمة على صورة عدم الانتفاع بالمحرّم، كما

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 29.

(2) في ص 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 33

..........

______________________________

عرفت في الدم و الميتة «1».

الثانية: أنّ ما اشير إليه في كلام الشيخ المتقدّم- من أنّ الولد تابع للامّ في الحيوان و للأب في الإنسان- إنّما هو مبنيّ على ما استقرّت عليه السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشرع، الثابتة في أذهان المتشرّعة من أنّه إذا أولد الفحل حيوانا انثى كالشاة مثلا يكون ولدها ملحقا بها، من دون فرق بين اختلاف المالكين و اتّحادهما، و من دون فرق بين ما إذا كان الفحل معلوما أو مجهولا، فإذا أرسل شاته الانثى إلى ما شية لغيره ثمّ صارت شاته حبلى يكون الولد ملحقا بالامّ مطلقا.

و أمّا في الإنسان فيكون الولد للأب و إن كان العمل عن غير وطء صحيح؛ لأنّ انتفاء النسبة لا يكون مبتنيا على الشرع و الوطء الصحيح، بل النسبة العرفيّة متحقّقة

بالإضافة إلى جميع الموارد، غاية الأمر عدم ترتّب التوارث شرعا. و أمّا سائر الأحكام المترتّبة على ثبوت النسبة العرفيّة فهي مترتّبة على الوطء غير الصحيح أيضا، كحرمة الزواج مع الولد إذا كان انثى و جواز النظر إليها، و هكذا سائر الأحكام على ما في كتاب النكاح. «2»

الثالثة: أنّ المني إذا دخل من صلب الفحل إلى رحم الانثى من دون أن يرى لون الخارج يكون طاهرا ظاهرا، كالدم و البول الثابتين في الباطن؛ فإنّهما غير نجسين ما دام كونهما كذلك، فالتعليل بالنجاسة على فرض كونها من حيث هي مانعة غير جار هنا.

الرابعة: أنّه قد أفاد الشيخ قدّس سرّه أنّه قد ذكر العلّامة من المحرّمات بيع عسيب

______________________________

(1) في ص 23- 29.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 136- 137.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 34

..........

______________________________

الفحل «1»؛ و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم، كما أنّ الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار، كما في جامع المقاصد «2» و عن غيره «3»، و علّل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة و عدم القدرة على التسليم «4»، «5».

و اورد على التعليل بالجهالة بأنّ الغرر المنهي في البيع إنّما هو بالإضافة إلى ما يختلف الأغراض بالنظر إلى مقداره و كمّيته. و أمّا فيما لا أثر له من هذه الجهة فلا مانع من صحّة البيع من هذه الجهة، و هذا كما في المقام على ما لا يخفى. كما أنّه قد أورد على التعليل بالثاني بأنّ المعتبر من القدرة هي القدرة العرفيّة و هي حاصلة «6».

ثمّ إنّ هنا عنوانا اخر؛ و هي إجارة الفحول و التكسّب من هذه الناحية؛ لكون اجتماعها مع الانثى

الموجب لصيرورتها ذات الولد نوعا و يعدّ من منافعه العقلائيّة، فلا مانع من إيجادها و استئجارها لهذه الجهة و التكسّب به. و الظاهر أنّ مقتضى التأمّل في الروايات الواردة في هذه الجهة من طريق العامّة «7» و الخاصّة «8» هو الحكم بالكراهة و عدم المنع، كعطف كسب الحجّام عليه في بعض الروايات «9».

______________________________

(1) تحرير الأحكام الشرعيّة 2: 255- 256، تذكرة الفقهاء 10: 67 مسألة 39.

(2) جامع المقاصد 4: 53.

(3) نقله عن حواشي الشهيد في مفتاح الكرامة 12: 470.

(4) غنية النزوع: 212.

(5) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 29- 30.

(6) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 34.

(7) صحيح البخاري 3: 74، ب 21، عسب الفحل ح 2284، السنن الكبرى للبيهقي 8: 249، باب النهي عن عسب الفحل ح 11005- 11007.

(8) وسائل الشيعة 17: 95، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 13 و 14 و ص 111 ب 12.

(9) المسند لأحمد بن حنبل 3: 159 ح 7981 و ص 227 ح 8397 و ص 392 ح 9383، سنن النسائي 7: 311، كتاب البيوع، باب بيع ضراب الجمل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 35

..........

______________________________

و من مصاديق الأعيان النجسة: الكلب و إن لم يعطف على لحم الخنزير في الآيتين المتقدّمتين المشتملتين على لحم الخنزير «1»، و لعل العلّة في عدم ذكره معه عدم تعارف أكل لحمه و الاستفادة منه بخلاف الخنزير و إن كان مشتركا معه عندهم في هذه الجهة، و لكن حيث إنّ بعض مصاديقه داخل و باق في المستثنى منه، و بعض مصاديقه أخرجه في ذيل العبارة في أصل المسألة المذكورة في المتن، فاللازم بيان حكم جميع المصاديق، خصوصا مع أنّه

إنّما ينتفع به في هذه الأزمنة لبعض الأغراض المهمّة؛ كالتجسّس بالإضافة إلى الموادّ المخدّرة بالنسبة إلى المسافرين الداخلين من مملكة إلى اخرى.

فنقول: له مصداقان متيقّنان في جانبي النفي و الإثبات:

أمّا المصداق المتيقّن في جانب النفي، فهو كلب الهراش الذي لا يترتّب عليه أيّة فائدة من الاصطياد و الحراسة أصلا، بل الغرض نفسه و عنوانه كما يرى بالنسبة إلى الغربيّين الملازمين للكلب نوعا، و هو داخل في أجزاء ما يعيشونه و في منازلهم، بل و في محالّ نومهم و استراحتهم، و ربما يعدّون له الموادّ الغذائيّة و ينظّفونه في الحمّام و غيره، و يكون معهم أينما كانوا، و من المؤسف سراية هذه الجهة إلى بعض الممالك الإسلاميّة و الجوامع المتشرّعة شيئا فشيئا، و لعلّ السرّ في ذلك أنّ وراء هذه القضيّة الاستكبار العالمي المخالف لعقائد الإسلام و الساعي إلى تخريب عقائد المسلمين و تزلزل عقيدتهم، و إيقاف الثورة الإسلاميّة الموجبة لقطع أيادي المستعمرين و سلب منافعهم و دفع سلطتهم.

و كيف كان، فالمصداق المتيقّن في جانب الإثبات، فهو كلب الصيد المنسوب إلى

______________________________

(1) في ص: 9- 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 36

..........

______________________________

السلوق الذي هي قرية باليمن و أكثر كلابها صيود و إن كانت النسبة بين الصيود و بين السلوقي عموما من وجه.

و بين هذين المصداقين المتيقّنين مصاديق متعدّدة؛ من كلب غير السلوقي، و كلب غير الصيد منه، و كلب الموارد المذكورة في المتن، و الكلب في المثال الذي ذكرنا، و الكلاب غير المعلّمة و المعلّمة.

و الروايات الواردة في هذا المجال على طائفتين:

الاولى: ما يتوهّم منها الإطلاق و الدلالة على حرمة التكسّب بالكلب مطلقا، و لكن لا يجوز التمسّك بإطلاقها؛ لعدم كونها

في مقام البيان من هذه الجهة و إن كان يوجد بينها روايات صحيحة أو موثّقة.

كموثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: السحت ثمن الميتة، و ثمن الكلب، و ثمن الخمر، و مهر البغي، و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن «1».

و رواية الحسن بن علي الوشّاء قال: سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام عن شراء المغنّية؟ قال: قد تكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها إلّا ثمن الكلب، و ثمن الكلب سحت، و السّحت في النار «2».

و هذه الرواية تدلّ على أنّ المراد بالسحت الحرمة و إن كنّا قد قلنا باستعماله في المكروه كما عرفت «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 126 ح 2، تهذيب الأحكام 6: 368 ح 1061، الخصال: 329 ح 25، تفسير القمّي 1: 170، و عنها وسائل الشيعة 17: 93، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 5.

(2) الكافي 5: 120 ح 4، تهذيب الأحكام 6: 357 ح 1019، الاستبصار 3: 61 ح 202، و عنها وسائل الشيعة 17:

124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 6.

(3) في ص: 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 37

..........

______________________________

الثانية: ما يدلّ على جواز بيع كلب الصيد، مثل:

رواية محمّد بن مسلم و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، ثمّ قال: و لا بأس بثمن الهرّ «1».

و رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر، و مهر البغي، و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «2».

و رواية أبي عبد اللّه

العامري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ فقال: سحت، و أمّا الصيود فلا بأس «3».

و قبل الخوض في بيان المراد من هذه الروايات و مقابلاتها يبدو في النظر أنّه ينبغي التنبيه على امور ذكر بعضها الإمام الماتن قدّس سرّه:

الأوّل: أنّ إنكار المفهوم في القضايا المفهوميّة التي في رأسها القضايا الشرطيّة كما حقّقناه في الاصول في بحثه «4»، لا يرجع إلى عدم مدخليّة القيد في الحكم المذكور فيها بحيث كان وجوده كالعدم و ذكره كعدم الذكر، و إلّا يبقى السؤال على المتكلّم الحكيم أنّه لم أتى بهذا القيد الذي وجوده كالعدم، بل مرجعه إلى عدم ثبوت العلّية التامّة المنحصرة لثبوت الحكم. و عليه: فلا ينافي ثبوت الحكم في مورد آخر أيضا، فمرجع نفي المفهوم في قضيّة «إن جاءك زيد فأكرمه» هو عدم كون مجيئه علّة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح 1017، و عنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.

(2) تهذيب الأحكام 7: 135 ذ ح 599، و عنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 7 و ص 119 ب 14 ح 6 ص 225 ب 55 ذ ح 6.

(3) الكافي 5: 127 ح 5، و عنه وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 1.

(4) سيرى كامل در اصول فقه 8: 445- 449.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 38

..........

______________________________

منحصرة لثبوت الحكم بوجوب الكلام، و من الممكن قيام أمر آخر مقام المجي ء في الوجوب، كصيرورته طالب العلم مثلا.

الثاني: أنّ تخصيص الحكم بالكلب المنسوب إلى

السلوقي- مع كونه قرية خاصّة في مملكة اليمن، و دين الإسلام مبنيّ على التوسعة العالميّة و الأبديّة الزمانيّة- في غاية البعد، خصوصا مع أنّ الأئمّة عليهم السّلام و الرواة الحاكين عنهم عليهم السّلام لم يكونوا من أهل تلك القرية، و خصوصا مع ثبوت الكلاب غير المعلّمة للصيد فيها كثيرا، غاية الأمر أكثريّة العكس التي لا توجب الانصراف بوجه؛ لأنّ غلبة الوجود لا تكون منشأ للانصراف، و غلبة الاستعمال غير واقعة.

الثالث: أنّه ذكر الاستاذ الماتن قدّس سرّه أنّه لا يوجد في شي ء من الأخبار الواردة في حكم بيع الكلاب جوازا و منعا، المذكورة في كتاب التجارة من الوسائل في أبواب مختلفة إشعار بثبوت وصف كونه معلّما، و هذا بخلاف الأخبار المذكورة في كتاب الصيد و الذباحة؛ فإنّ كثيرا منها مشعر بذلك «1».

الرابع: أنّه أفاد أيضا أنّه لا يكون من الكلب الذي يصيد أو لا يصيد هو الصيد و عدمه بالإضافة إلى خصوص الحيوان الذي يحلّ أكل لحمه كالغزال، بل المراد الاصطياد و لو بالإضافة إلى محرّم الأكل كالكلب بالإضافة إلى مثل الذئب لتوقّف حراسة الماشية عليه 2.

الخامس: أنّ الحكم في المقام لا يرتبط بقضيّة المفهوم؛ لأنّ التعرّض في الروايات قد وقع بالإضافة إلى كلا القسمين جوازا و منعا، فقد وقع التعرّض للمنع بالنسبة إلى الكلب الذي لا يصيد أو لا يصطاد، و للجواز في الرواية الأخيرة بالإضافة إلى

______________________________

(1) 1، 2 المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 102- 104.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 39

..........

______________________________

الصيود، حيث حكم بنفي البأس فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ ظاهر لفظ الصيود باعتبار كون هذا الوزن من صيغ المبالغة، كالأكول و العنود و اللجوج و

أمثالها، إلّا أنّه بملاحظة وقوعه جوابا عن السؤال عن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد «1»، يكون المراد به وجود ملكة الاصطياد فيه و القدرة عليه و إن لم يكن موضوعه موجودا بالفعل بعد وضوح عدم كون المراد هو الاشتغال بالفعل بالاصطياد في الخارج، كما أنّ الظاهر اعتبار وجود الملكة بالفعل، فلا يكفي وجوده فيما انقضى حتّى يجري فيه النزاع الجاري في مسألة المشتقّ من كونه حقيقة فيما يكون متلبّسا بالمبدإ في الحال أو الأعمّ منه و ممّن تلبّس به في الماضي، فلو زالت عنه القدرة لهرم أو مرض أو كسر أو غيرها يكون خارجا عن هذا العنوان.

ثمّ إنّ احتمال كون المراد بالصيود الكلب السلوقي، يدفعه- مضافا إلى كونه خلاف الظاهر، و لا مجال لدعوى الانصراف؛ سواء قلنا بأنّ منشأه غلبة الوجود أو غلبة الاستعمال، و إلى ما عرفت في بعض المقدّمات- عدم كون السائل (ظاهرا) و الإمام عليه السّلام من أهل تلك القرية التي ربما لا يستمع مملكتها في طول السنة فضلا عن تلك القرية. نعم، ربما انعكس الأمر و قيل: إنّ المراد بالسلوقي في بعض كلمات الفقهاء هو خصوص الصيود مطلقا، لكنّه أيضا خلاف الظاهر، و على أيّ لا يرتبط بالرواية الواردة فيها هذا العنوان.

هذا كلّه بالإضافة إلى كلب الصيد.

و أمّا الكلاب الاخر التي استثناها في الذيل، فالظاهر عدم وجود دليل خاصّ

______________________________

(1) الفقيه 3: 105 ح 435، و عنه وسائل الشيعة 17: 94، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 40

..........

______________________________

بالإضافة إليها يدلّ على الجواز، و لأجله حكي عن الأشهر بين القدماء كما في مكاسب الشيخ الأعظم

المنع «1»؛ لعدم دلالة الأخبار على الجواز و إن حكي عن المشهور بين الشيخ و من تأخّر عنه الجواز «2»، خصوصا مع التصريح بصحّة استئجارها عليه و تعلّق الدية بإتلافها.

و الذي يسهّل الخطب أنّ الحكم بالجواز لا يحتاج إلى دليل خاصّ؛ لعدم ثبوت الإطلاق في الروايات المانعة كما عرفت «3»، و عدم قيام الدليل على مجرّد كون نجاسة المبيع مانعة عن صحّة البيع و جواز التجارة و التكسّب، فعدم شمول الروايات المجوّزة لهذه الكلاب لعدم ظهور دليل جواز البيع بالإضافة إلى كلب الصيد في الاختصاص، لا يقدح في الحكم بالجواز بعد ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة العقلائيّة لها، و منها ما أشرنا إليه «4» من الكلاب المعلّمة للتجسّس و استكشاف الموادّ المخدّرة أو الأسلحة المخرّبة، كما لا يخفى.

بقي الكلام من الموارد المستثناة في ذيل المسألة من الامور الثلاثة أمران:

أحدهما: بيع العبد الكافر، و حيث إنّا قد حقّقنا في بحث النجاسات عدم نجاسة الكافر بمجرّد كفره ما لم يكن مشركا «5»، مع أنّ بناء الماتن قدّس سرّه على عدم التعرّض لمسائل العبيد و الإماء، و لذا لم يتعرّض فيه لمثل كتاب العتق و التدبير و مثلهما؛ لعدم

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 54، مستند الشيعة 14: 85، المناهل: 276، رياض المسائل 8: 45، و غيرها من الكتب.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 55- 56، مفتاح الكرامة: 12/ 93- 94.

(3) في ص: 36.

(4) في ص 35.

(5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 207- 233، المقام الثاني.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 41

..........

______________________________

وجود العبيد و الإماء في هذه الأزمنة، أو عدم إمكان الوصول إليهما على فرض الوجود، فالمناسب

الإعراض عن البحث المتعلّق بهذا الأمر.

ثانيهما: عصير العنبي بعد صيرورته مغليّا قبل أن يذهب ثلثاه، بناء على نجاسته كما مرّ البحث فيها في كتاب النجاسات «1»، و الكلام فيه يقع في مقامين:

الأوّل: فيما هو مقتضى القواعد و الضوابط الأوّلية، و أنّها هل تقتضي حرمة التكسّب و التجارة به أم لا؟

فنقول: الظاهر عدم اقتضاء القاعدة ذلك؛ لأنّ مجرّد النجاسة من حيث هي لا تكون موجبة للفساد، و الماليّة و الملكيّة محفوظتان. غاية الأمر أنّه قبل ذهاب الثلثين كالبيع المعيوب القابل لزوال عيبه بذهاب الثلثين، فإذا كان المشتري جاهلا به يكون- كسائر الموارد التي يكون المبيع معيوبا- مخيّرا بين الردّ و الأرش، و ليس ذلك مثل ما إذا كان المبيع خمرا و لو فرض إمكان استحالتها بالخلّ؛ لأنّ ذلك متوقّف على تبدّل الموضوع بخلاف زوال العيب في العصير بذهاب الثلثين.

و لذا حكى الشيخ عن صريح التذكرة بأنّه لو غصب عصيرا فأغلاه حتّى حرم و نجس لم يكن في حكم التالف، بل وجب عليه ردّه، و وجب عليه غرامة الثلثين و اجرة العمل فيه حتّى يذهب الثلثان، معلّلا بأنّه ردّه معيبا و يحتاج زوال العيب إلى خسارة، و العيب من فعله، فكانت الخسارة عليه «2»، و أورد على جامع المقاصد الذي لم يفرّق بينه و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا، حيث حكم فيه بوجوب

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 154- 172، المقام الثالث.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 387، الطبعة الحجرية.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 42

..........

______________________________

غرامة مثل العصير؛ لأنّ الماليّة قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت «1» بالفرق الواضح بين الأمرين؛

لأنّ العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا، و طهارته لا تحتاج إلى زوال موضوعه، نظير طهارة ماء البئر بالنزح «2».

الثاني: الروايات الواردة في مثل المقام، و هي:

رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس «3». و المحكي عن نسخة من التهذيب، و عن الوافي عنه و عن الكافي قوله:

فهو حلال مكان «و» «4»، و الرواية و إن لم تكن معتبرة بعلي بن أبي حمزة الراوي عن أبي بصير، و بقاسم بن محمّد الراوي عن علي بن أبي حمزة، إلّا أنّ البحث في مفادها لا يكون خاليا عن الفائدة العلميّة.

قال الإمام الماتن قدّس سرّه في هذا المجال بعد الاعتراف بالقصور من حيث السند و اغتشاش متنها، ما ترجع خلاصته إلى أنّ الشرطيّة لا مفهوم لها؛ لأنّها سيقت لبيان تحقّق الموضوع؛ فإنّ مفهوم «إذا بعته كذا» هو إذا لم تبعه، و أمّا مفهوم القيد فهو من مفهوم اللقب الذي لا يقال به. و لو قيل به في الشرط و على فرض المفهوم- أي للقيد- فإن قلنا بتعدّد الشرط و اتّحاد الجزاء كقوله: «إذا خفي الأذان فقصّر، و إذا خفي الجدران فقصّر»، فإن لوحظ حال الاضطرار المسوّغ لشرب الخمر تكون

______________________________

(1) جامع المقاصد 6: 293.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 61- 62.

(3) الكافي 5: 231 ح 3، تهذيب الأحكام 7: 136 ح 602، الاستبصار 3: 105 ح 369، و عنها وسائل الشيعة 17:

229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 2.

(4) الوافي 17: 250 ح 17208 و 17209.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 43

..........

______________________________

هذه المسألة عين المثال المذكور، و قد رجّح في محلّه إجمال الدليل و الرجوع إلى الاصول العمليّة «1».

و إن لم يلحظ حال الاضطرار يكون المنطوق في الثانية أخصّ من الاولى، فتقيّد به فيقع إشكال في المتن؛ لأنّ مرجعه إلى أنّ الدخيل هو قيد الحلّية، و إن قلنا بوحدة المنطوق و كون الشرط أمرا واحدا مركّبا، فقد يقال بأنّ المفهوم ثابت مع ارتفاع كلّ قيد، فيدلّ على أنّ العصير إذا حرم ففيه بأس؛ سواء قلنا بنجاسته أم لا «2».

و لكن يرد عليه: أنّه و إن كانت غاية تقريب دلالتها على حرمة بيع العصير المغلي مطلقا، إلّا أنّ فيه- مضافا إلى أنّها بصدد بيان المنطوق لا المفهوم، فلا إطلاق فيه، و المتيقّن منه ما إذا باعه ممّن يجعله خمرا، أو يطبخه و يجعله بختجا؛ فإنّ البختج على ما يظهر من الروايات مسكر يصطنعه الفسّاق «3»؛ و هو على ما قيل: يسمّى «مى پخته» «4» أو «باده».

و كيف كان، لا إطلاق في المفهوم، بل من المحتمل أن يكون المراد بقوله:

«ليطبخه»؛ أي يجعله بختجا؛ لبعد السؤال عن جواز بيع العصير للشيرج، خصوصا من مثل أبي بصير-: أنّ في المنطوق نفي البأس عن بيعه ليطبخه أو يجعله خمرا، و لا يثبت في المفهوم إلّا نفي البأس المطلق، و هو صادق مع ثبوت البأس لأحد طرفي الترديد.

و بعبارة اخرى: لا يدلّ المفهوم إلّا على سلب التسوية بين طرفي الترديد

______________________________

(1) راجع تهذيب الاصول 1: 448.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 124- 126.

(3) وسائل الشيعة 25: 292- 294، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 7.

(4) النهاية في غريب الحديث 1:

101، لسان العرب 1: 168.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 44

..........

______________________________

لا ثبوت التسوية في الحكم المخالف، مع أنّ ثبوت البأس أعمّ من الحرمة، و كون بعض موارده حراما لا يوجب كون البقيّة كذلك، فدعوى الجزم أو الظهور في سائر الموارد في غير محلّها. هذا على تقدير نسخة الوسائل، و أمّا على ما في المحكي عن نسخة من التهذيب، و عن الوافي عنه و عن الكافي «1»، فالرواية تدلّ على جواز بيع العصير قبل صيرورته خمرا و إن عرض له الغليان، كما لا يخفى «2».

ثمّ إنّه أفاد بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقريراته أنّه حيث إنّ أبا بصير الراوي للرواية السائل عن الإمام عليه السّلام يكون كوفيّا، و الكوفة لم تكن محلّا للعنب؛ لأنّ اليوم كذلك فضلا عن تلك الأزمنة، بل محلّ للنخل و التمر، يكون مراده من العصير هو عصير التمر لا العنب الذي هو محلّ الكلام فعلا «3».

و يرد عليه- مضافا إلى أنّ إطلاق العصير في كلام السائل ينصرف إلى العصير العنبي، كإطلاق المتن في أصل المسألة، و لعلّه يؤيّده جعله خمرا المأخوذ في السؤال، مع أنّ الإمام عليه السّلام لم يكن من أهل الكوفة، و سؤال مثل أبي بصير و زرارة و محمّد بن مسلم و أمثالهم لم يكن من المسائل المبتلى بها لأنفسهم، بل لأجل جمع الأحكام و حفظها و إبقائها للقرون التالية، و لذا كان بعض الرواة راويا لآلاف حديث، فلا يكون ارتباطه بالكوفة له دخل في ذلك أصلا.

و الذي يسهّل الخطب ما عرفت من ضعف سند الرواية لا من جهة واحدة، بل من جهات عديدة، فلا اعتبار بها كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوافي 17:

250 ح 17208 ب 39 بيع الخمر و العصير.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني قدّس سرّه 1: 124- 127.

(3) مصباح الفقاهة 1: 177.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 45

..........

______________________________

ثمّ إنّ من جملة الروايات رواية أبي كهمس، و قد نقلها الشيخ الأعظم قدّس سرّه «1» بعين القضيّة الشرطيّة المذكورة في كلام الإمام عليه السّلام في رواية أبي بصير المتقدّمة، لكنّ المذكور في الوسائل في هذا الباب أنّه قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العصير فقال: لي كرم و أنا أعصره كلّ سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال:

لا بأس به، و إن غلى فلا يحلّ بيعه، ثمّ قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا «2».

و ذكر الاستاذ أنّ مثل هذه الروايات متعرّضة لمسألة اخرى سيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى؛ و هي بيع العصير ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، و هي غير ما نحن بصدده «3».

أقول: قوله عليه السّلام: «و إن غلى فلا يحلّ بيعه» ضابطة كلّية مذكورة في كلام الإمام عليه السّلام في مقام الجواب عن السؤال، فلا بدّ من توجيهه إمّا بما أفاده الشيخ «4» من البيع من دون إعلام المشتري بالواقع، و أنّ هذا مغليّ يحتاج إلى ذهاب الثلثين، كما أنّه وجّه عدم الخير و النفع الواقع في بعض المرسلات «5» بذلك. و إمّا مع الإعلام فلا يحلّ البيع، و بدون هذا التوجيه لم لا يستفاد حكم المقام- و هو عدم الجواز- من مثل الرواية؟ اللّهم إلّا أن يقال بثبوت الضعف في الرواية من جهة مجهوليّة

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 63.

(2) الكافي 5: 232 ح

12، و عنه وسائل الشيعة 17: 230، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 127.

(4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 63.

(5) الكافي 6: 419 ح 2، تهذيب الأحكام 9: 120 ح 517، و عنه وسائل الشيعة 25: 285، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 2 ح 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 46

..........

______________________________

أبي كهمس.

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لم ينهض في مقابل العمومات و القواعد الدالّة على الصحّة ما يمنع عن جواز التكسّب بالعصير المغليّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 47

[مسألة 2: الأعيان النجسة- عدا ما استثني- و إن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال]

مسألة 2: الأعيان النجسة- عدا ما استثني- و إن لم يعامل معها شرعا معاملة الأموال، لكن لمن كانت هي في يده و تحت استيلائه حقّ اختصاص متعلّق بها ناشئ إمّا من حيازتها أو من كون أصلها مالا له، و نحو ذلك، كما إذا مات حيوان له فصار ميتة، أو صار عنبه خمرا. و هذا الحقّ قابل للانتقال إلى الغير بالإرث و غيره، و لا يجوز لأحد التصرّف فيها بلا إذن صاحب الحقّ، فيصحّ أن يصالح عليه بلا عوض، لكن جعله عوضا لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد دخوله في الاكتساب المحظور. نعم، لو بذل له مالا ليرفع يده عنها و يعرض فيحوزها الباذل، سلم من الإشكال، نظير بذل المال لمن سبق إلى مكان من الأمكنة المشتركة- كالمسجد و المدرسة- ليرفع يده عنه فيسكن الباذل (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:

الاولى: أنّه استظهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه «1» ثبوت حقّ الاختصاص في الأعيان المذكورة في المتن، و تبعه الماتن قدّس

سرّه، و وجّهه المحقّق الايرواني في محكي التعليقة بعموم دليل من سبق إلى ما لم يسبقه أحد فهو أولى به (أحقّ به) «2». و أمّا فيما إذا كان أصله ملكا للشخص فلاستصحاب بقاء العلقة «3».

أقول: الظاهر أنّه لا إشكال في قيام السيرة القطعيّة من المتشرّعة «4» بالإضافة إلى ثبوت حقّ الاختصاص في الأعيان المذكورة التي لا يعامل معها شرعا معاملة الأموال و إن كانت عند العقلاء مالا كالخمر و نحوها، كما أنّه لا إشكال في قيام

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 106.

(2) وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب 56.

(3) حاشية كتاب المكاسب للإيرواني 1: 76.

(4) مصباح الفقاهة 1: 234- 235.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 48

..........

______________________________

السيرة العقلائيّة على ذلك بالنسبة إلى ما لا يكون مالا عندهم أيضا، كالماء على الشطّ و نحوه، و الظاهر عدم رجوع ذلك إلى ثبوت الملك و الحقّ في زمان واحد حتّى إذا زال الأوّل بقي الثاني من دون حاجة إلى الاستصحاب أو معها، كما أنّ مرجع ما ذكرنا ليس إلى كون الحقّ مرتبة ضعيفة من الملكيّة؛ فإنّ كونها مرتبة ضعيفة منها لا دلالة فيها على بقاء الحقّ مع زوال الملك، و استصحاب الكلّي بنحو القسم الثاني إنّما يجري فيما إذا تردّد أمر الفرد الذي وجد معه الكلّي بين القصير و الطويل.

و ما في كلام المحقّق الإيرواني ممّا تقدّم من استصحاب بقاء العلقة فيما إذا كان أصل المال ملكا للشخص، يرد عليه:

أوّلا: أنّ ثبوت الفرد الطويل في الصورة المفروضة كان معلوما؛ لأنّ الفرض أنّ أصل المال كان ملكا للشخص، كما إذا مات حيوان له.

و ثانيا: أنّ محلّ البحث في استصحاب الكلّي

إنّما هو فيما إذا كان موضوع الحكم الشرعي هو الكلّي بعنوانه؛ ضرورة أنّ استصحاب الكلّي لا يثبت حدوث الفرد الطويل، و لا تكون العلقة بعنوانها موضوعا للحكم الشرعي.

و أمّا ما ذكر في باب المعاطاة من أنّ من جملة أدلّة أصالة اللزوم فيها مع الشكّ في لزومها و جوازها إنّما هو استصحاب بقاء العلقة «1»، فالمراد منه هو استصحاب علقة الملكيّة الثابتة قبل الفسخ بالإضافة إلى البائع بملاحظة الثمن، و بالإضافة إلى المشتري بلحاظ المثمن؛ ضرورة أنّ العلقة الثابتة المتيقّنة كانت هي خصوص علقة الملكيّة التي شكّ في بقائها بعد الفسخ؛ لأجل الشكّ في لزوم المعاطاة و جوازها، و إلّا فالعلقة بإطلاقها لا يكون حكما شرعيّا و لا موضوعا لأثر شرعيّ، و المعتبر في

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3: 51.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 49

..........

______________________________

الاستصحاب ذلك كما حقّق في محلّه «1».

كما أنّه يرد على التمسّك بالعموم المذكور أنّ مورده غير مثل المقام من الأمكنة العامّة المشتركة، فدلالة الدليل على فرض ثبوته على كون السابق أحقّ و أولى لا يرتبط بالمقام الذي لا يكون الأصل ملكا له بالحيازة أو بالبيع أو بغيرهما، مع أنّ الاتّصاف بالسابقيّة الموجبة لتحقّق الأولويّة ممنوع، خصوصا فيما إذا لم يكن المال عنده أصلا، كما لا يخفى.

فالإنصاف أنّ عمدة الدليل هو قيام السيرة القطعيّة كما عرفت، لا الوجوه الاخر المذكورة ممّا تقدّم و غيره.

الجهة الثانية: في أنّ اللازم من ثبوت الحقّ المذكور القابليّة للإسقاط؛ لأنّها أقلّ أثر يتقوّم به عنوان الحقّ، كما أنّ الظاهر الانتقال إلى الوارث بعد موت المورّث؛ لما ورد من الدليل على أنّ كلّ ما كان من مال أو حقّ، فهو لوارثه بعده

«2».

و ممّا ذكرنا يظهر جواز المصالحة عليه بلا عوض. و أمّا مع ثبوت العوض بحيث يتحقّق عنوان المعاوضة فقد نفى في المتن خلوّه عن الإشكال، بل نفى البعد عن دخوله في الاكتساب الممنوع المعنون في المسألة الاولى المتقدّمة، و لعلّ الوجه فيه عدم كونه متّصفا بالماليّة و صلاحيّة المعاوضة، و ليس نفي الاتّصاف بالماليّة لأجل كونه حقّا؛ فإنّ الحقّية لا تنافي الماليّة، كما في مثل حقّ التحجير، بل لأجل عدم كونه مالا رأسا، إمّا في الشرع و إمّا مطلقا و لو عند العقلاء، كالماء على الشط على ما عرفت.

______________________________

(1) كفاية الاصول: 418، سيرى كامل در اصول فقه 15: 256.

(2) وسائل الشيعة 26: 68، كتاب الإرث، أبواب موجبات الإرث ب 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 50

..........

______________________________

الجهة الثالثة: أنّه بعد ثبوت حقّ الاختصاص و الأولويّة و إن كان لا تجوز المعاوضة بالمال؛ لما مرّ من عدم كونه مالا شرعا أو مطلقا، إلّا أنّه يجوز بذل المال لرفع اليد و الإعراض عن مثل الميتة و الخمر ليحوزه الباذل فيصرفه في غذاء كلبه أو تقوية أشجار بستانه، أو رشّ الخمر على الأرض لحصول الرطوبة و الخروج عن اليبوسة و إن كانا لا يصلحان للأكل و الشرب.

و هذا كما في الأمكنة العامّة المشتركة؛ فإنّه يجوز بذل المال للسابق ليرفع اليد عن ذلك المكان المشترك كالمسجد و المدرسة، ثمّ بعد الرفع و الإعراض يجوز للباذل الحيازة و السبقة، كما نراه في صفوف الجماعات المهمّة من سبقة أشخاص إلى الحيازة ثمّ رفع اليد مع بذل المال.

و أمّا إيقاع المعاوضة الماليّة فغير جائز، كما أنّ المزاحمة مع السابق من دون أن يرفع اليد عن مكانه من المدرسة

أو المسجد فكذلك. نعم، الظاهر أنّه لو رفع المالك يده عنه و أعرض مطلقا من دون أن يفوّضه إلى شخص خاصّ يكون الجميع فيه شرع سواء، و السابق أولى من غيره و أحقّ به، كما لو فرض أنّه أعرض عن المدرسة و انتقل إلى دار شخصيّه؛ فإنّه يجوز للسابق الحيازة و هو أحقّ به، كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 51

[مسألة 3: لا إشكال في جواز بيع ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة]

مسألة 3: لا إشكال في جواز بيع ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة، كشعرها و صوفها، بل و لبنها إن قلنا بطهارته، و في جواز بيع الميتة الطاهرة- كالسمك و نحوه- إذا كانت له منفعة و لو من دهنه، إشكال لا يترك الاحتياط (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في موردين:

أحدهما: بيع ما لا تحلّه الحياة ممّا كانت له منفعة محلّلة مقصودة كالشعر و الصوف، و قد تقدّم في مبحث النجاسات الاختلاف بعد الاتّفاق على طهارة تلك الأجزاء، في أنّه هل يكون خروجها عن أدلّة نجاسة الميتة بنحو التخصّص، و أنّ تلك الأدلّة لا تشمل الأجزاء التي لا تحلّها الحياة، فيكون مقتضى القاعدة الطهارة كما اختاره سيّدنا الماتن قدّس سرّه «1»، أو يكون بنحو التخصيص لدلالة الأخبار الكثيرة «2» على الطهارة على خلاف القاعدة، كما اخترناه و حقّقناه «3»؟ و على أيّ حال تكون تلك الأجزاء طاهرة لا نجسة، و مع هذا الفرض لا مجال للحكم بعدم جواز البيع بعد ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة، كما هو المفروض.

ثمّ إنّه لو فرض الحكم بالنجاسة فالظاهر أنّه لا دليل على مجرّد كون النجاسة مانعة عن صحّة البيع، و ذلك لما عرفت «4» في

بحث الدم من جواز بيعه مع ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة له، كالتزريق إلى بعض المرضى، و أنّه لا دليل على عدم الجواز من حيث هو دم نجس.

______________________________

(1) كتاب الطهارة للإمام الخميني رحمه اللّه 3: 138.

(2) وسائل الشيعة 3: 513- 515، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 68.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 68- 87.

(4) في ص 28.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 52

..........

______________________________

ثانيهما: بيع الميتة الطاهرة- كالسمك و نحوه- إذا كانت له منفعة و لو من دهنه، و قد استشكل في المتن في الجواز، بل نهى عن ترك الاحتياط، و لكنّ الشيخ الأعظم استظهر أنّه لا خلاف في جوازه، و علّله بوجود المقتضى و عدم المانع؛ لأنّ أدلّة عدم الانتفاع بالميتة مختصّة بالنجسة، و قال: صرّح بما ذكرنا جماعة «1»، «2»

و لعلّ وجه الإشكال فيه في المتن؛ إمّا دعوى عدم الاختصاص، و إمّا عدم كون المنفعة المذكورة مقصودة، و كلاهما ممنوعان.

______________________________

(1) منهم: المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة 18: 77، و السيّد العاملي في مفتاح الكرامة 12: 58- 64، و صاحب الجواهر فيه: 22: 17.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 40.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 53

[مسألة 4: لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة]

مسألة 4: لا إشكال في جواز بيع الأرواث إذا كانت لها منفعة. و أمّا الأبوال الطاهرة فلا إشكال في جواز بيع بول الإبل، و أمّا غيره ففيه إشكال، لا يبعد الجواز لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة (1).

______________________________

(1) الكلام في المسألة في أمرين:

الأوّل: بيع الأرواث الطاهرة و العذرات غير النجسة كروث الأنعام الثلاثة؛ لما أفاده الشيخ في عبارته المتقدّمة من وجود المقتضى و عدم

المانع؛ لأنّ المفروض أوّلا: الطهارة و عدم النجاسة، و ثانيا: ثبوت المنفعة العقلائيّة المقصودة لها كالاستفادة منها في مقام إيجاد الحرارة في الشتاء في مثل الكرسي و نحوه.

الثاني: بيع الأبوال الطاهرة كأبوال الأنعام الثلاثة، و التقييد بالطهارة فيها دون الأرواث؛ إمّا لأجل أنّ الأرواث لا تشمل غير الطاهرة، بل يطلق عليه العذرة و مثلها، و على هذا التقدير يكون الحكم بجواز البيع ظاهرا، و إمّا لعدم اختصاص الحكم بالأرواث الطاهرة، بل الأرواث النجسة إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كذلك، كما عرفت في مثل الدم «1». و الّذي يخطر بالبال استعمال كلمة «الروث» في موثّقة ابن بكير المفصّلة المعروفة الدالّة على فساد الصلاة في أجزاء الحيوان غير المأكول في رديف سائر أجزائه كشعره و وبره «2».

و لكنّ الذي يساعده النظر عدم شمول الأرواث لغير الطاهرة، خصوصا مع ملاحظة ما تقدّم من «3» البحث في عذرة الإنسان و غيرها.

______________________________

(1) في ص 28.

(2) الكافي 3: 397 ح 1، تهذيب الأحكام 2: 209 ح 818، و عنهما وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 2 ح 1.

(3) في ص 16- 34.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 54

..........

______________________________

و كيف كان، فالكلام في الأبوال الطاهرة تارة: يقع بالإضافة إلى الإبل، و اخرى:

بالنسبة إلى غيره؛ كالبقر و الغنم و الحمار و مثلها.

أمّا الكلام بالنسبة إلى الأوّل، فنقول: قد نقل الشيخ في أوّل البحث وجود الإجماع على الجواز «1» و إن ناقش فيه في ذيل كلامه؛ لمخالفة العلّامة في بعض كتبه «2» و ابن سعيد في النزهة «3»، و استدلّ على الجواز- مضافا إلى الإجماع المذكور بجواز شربه اختيارا- لما ورد في بعض الروايات

من أنّ «أبوال الإبل خير من ألبانها» «4» و بروايتين واردتين في هذا المجال:

إحداهما: موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن بول البقر يشربه الرجل، قال: إن كان محتاجا إليه يتداوى به يشربه، و كذلك أبوال الإبل و الغنم «5».

ثانيتهما: رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شرب الرجل أبوال الإبل و البقر و الغنم تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال: نعم، لا بأس به «6»، «7».

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 14.

(2) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 463.

(3) نزهة الناظر: 78.

(4) الكافي 6: 338 ح 1، تهذيب الأحكام 9: 100 ح 437، و عنهما وسائل الشيعة 25: 114، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 284 ح 832، و عنه وسائل الشيعة 25: 113، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب 60 ح 1.

(6) طب الأئمّة عليهم السّلام: 62- 63، و عنه وسائل الشيعة 25: 115، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 7.

(7) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 21- 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 55

..........

______________________________

و الظاهر أنّ المراد من الاحتياج إليه للتداوي ليس هو الاضطرار الرافع للحكم عقلا و نقلا؛ ضرورة أنّ المراد بالاضطرار هناك هو الاضطرار العقلي المسوّغ لأكل الميتة و شرب الخمر و نحوهما، بل المراد به هو المدخليّة للتداوي و إن لم يكن مضطرّا إليه، كالتداوي بسائر الأدوية، و بمثل هاتين الروايتين يقع التخصيص بالإضافة إلى تحريم الخبائث المذكور في الرواية «1»، كما أنّه ظهر جواز البيع للتداوي و إن كان

في غير الإبل كالبقر و الغنم و نحوهما، و لأجل ما ذكرنا نفى البعد في المتن عن الجواز في غير الإبل لو كانت له منفعة محلّلة مقصودة، فظهر الكلام بالنسبة إلى المقام الثاني أيضا.

______________________________

(1) أي في رواية تحف العقول المتقدّمة في ص 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 56

[بيع المتنجّس]

مسألة 5: لا إشكال في جواز بيع المتنجّس القابل للتطهير، و كذا غير القابل له إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الذي يمكن الانتفاع به بالإسراج و طلي السفن، و الصبغ و الطين المتنجّسين، و الصابون و نحو ذلك. و أمّا ما لا يقبل التطهير، و كان جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته- كالسكنجبين النجس و نحوه- فلا يجوز بيعه و المعاوضة عليه (1).

______________________________

(1) المتنجّس الذي يراد بيعه على أقسام:

الأوّل: المتنجّس القابل للتطهير، و لا إشكال في جواز بيعه؛ سواء كان جواز الانتفاع به متوقّفا على تطهيره؛ كالظروف التي يستفاد منها في الأكل أو الشرب، أم لم يكن كذلك كالخشب و نحوها، و الوجه فيه واضح؛ لوجود المقتضي و عدم المانع؛ لفرض ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة، و لا دليل على مانعيّة النجاسة فضلا عن المتنجّس.

الثاني: المتنجّس غير القابل للتطهير إذا جاز الانتفاع به مع وصف نجاسته في حال الاختيار، كالدهن المتنجّس الذي يمكن الانتفاع به في الإسراج و طلي السفن و نحوهما، و سائر الأمثلة المذكورة في المتن، و الظاهر أنّه لا إشكال في جواز بيعه؛ لأنّ المفروض جواز الانتفاع به في حال الاختيار في هذه الصورة؛ أي مع وصف النجاسة أيضا و إن لم يكن قابلا للتطهير.

الثالث: المتنجّس المذكور مع فرض توقّف جواز الانتفاع

به على طهارته كالسكنجبين النجس، و في هذا القسم لا يجوز بيعه لعدم ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة له في هذه الحالة، و إمكان تطهيره بالماء الكرّ أو الجاري إنّما يتحقّق مع فرض الاستحالة و الخروج عن العنوان؛ لأنّ مجرّد الاتّصال بواحد منهما لا يوجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 57

..........

______________________________

ثبوت وصف الطهارة له؛ لأنّ بقاء العنوان لا يلائم مع ذلك، فما دام كونه كذلك غير طاهر، و مع خروجه عنه يخرج عن عنوان هذا القسم. و لا بأس أن تجعل تتمّة البحث في أنّ الأصل الأوّلي في المتنجّس جواز الانتفاع أو عدمه، فنقول:

بعد الاتّفاق ظاهرا على أنّ مقتضى أصالة الحلّية و الجواز و بعض الآيات الظاهرة في أنّه خلق اللّه لنا ما في الأرض جميعا «1» هو الجواز، ربما يتوهّم حكومة بعض الأدلّة- الدالّة على المنع- عليهما، كعدّة من الآيات و جملة من الروايات.

فمن الآيات قوله- تعالى-: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «2». نظرا إلى أنّ المتنجّس من مصاديق الرجس، فيجب الاجتناب المطلق عنه.

و العمدة في الجواب أوّلا: أنّ الظاهر أنّ الرجس عبارة عن القذارة الباطنيّة كالشرك و مثله، و لا تشمل القذارة الظاهريّة حتّى الأعيان النجسة، و يؤيّده «آية التطهير» «3» الدالّة على إذهاب الرجس عن أهل البيت الشامل لنفس الرسول صلّى اللّه عليه و آله، كما بيّناه في رسالتنا في هذه الآية «4»، و إطلاقه على بعض الأعيان النجسة كالكلب لعلّه إنّما هو لأجل ملازماته من عدم دخول الملائكة بيتا فيه كلب، و على أيّ فلا يشمل المتنجّسات قطعا، كما أنّه تؤيّده نفس الآية الدالّة على أنّ الميسر و

الأنصاب و الأزلام رجس؛ ضرورة عدم ثبوت القذارة الظاهرية فيها.

و ثانيا: أنّ وجوب الرجس إنّما تفرّعت في الآية على الرجس الذي يكون من

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 29.

(2) سورة المائدة 5: 90.

(3) سورة الأحزاب 33: 33.

(4) آية التطهير رؤية مبتكرة: 121- 124.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 58

..........

______________________________

عمل الشيطان؛ سواء كان مفاده أنّ الشيطان علّمه و بيّن صنعه، أم كان مفاده أمره بالارتكاب، كما هو شأنه بالإضافة إلى كلّ قبيح، و من الواضح أنّ المتنجّس لا يكون كذلك.

و ثالثا: أنّ مرجع وجوب الاجتناب إلى عمل يناسب شأن كلّ واحد من هذه الامور، فالاجتناب عن الخمر معناه عدم التعرّض لشربه، و الاجتناب عن الميسر مرجعه عدم اللعب به، و هكذا؛ ضرورة أنّه ليس معنى الاجتناب عن الخمر الاجتناب حتّى عن رؤيتها و مثله، مضافا إلى أنّ الالتزام بالشمول للمتنجّسات يرجع حينئذ إلى رفع اليد عن المتنجّس مطلقا، مع وجود أحكام كثيرة و مسائل متعدّدة بالإضافة إلى تطهير المتنجّسات، كالعصير في بعضها و مثل ذلك.

و أمّا ما أفاده الشيخ بعد استظهار أنّ المراد بالرجس ما كان كذلك في ذاته لا ما عرض له التنجّس، من أنّه لو عمّ المتنجّس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد؛ فإنّ أكثر المتنجّسات لا يجب الاجتناب عنه «1».

فقد أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بأنّه لا يلزم من خروج المتنجّسات كلّها من الآية تخصيص الأكثر، فضلا عمّا إذا كان الخارج بعضها؛ فإنّ الخارج منها عنوان واحد ينطبق على جميع أفراد المتنجّس انطباق الكلّي على أفراده. نعم، لو كان الخارج من عموم الآية كلّ فرد من أفراده للزم المحذور المذكور «2».

أقول: الخارج ليس عنوان المتنجّس مطلقا، بل المتنجّس

القابل للتطهير، أو المتنجّس الذي لا يكون جواز الانتفاع به متوقّفا على طهارته كالأمثلة

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الاعظم) 1: 83.

(2) مصباح الفقاهة 1: 215.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 59

..........

______________________________

المذكورة؛ ضرورة أنّ القسم الاخير من المتنجّس داخل في العموم، أو الإطلاق على فرض الثبوت، كما لا يخفى.

و بالجملة؛ فالاستدلال بالآية على أنّ الأصل الحاكم على أصالة الجواز في المتنجّسات هو عدم جواز الانتفاع ممنوع جدّا.

و من الآيات قوله- تعالى-: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» بناء على كون المتنجّس من مصاديق الرجز، فوجوب الهجر المطلق عنه دليل على وجوب الاجتناب من المتنجّس.

و من جملة من الأجوبة عن الاستدلال بالآية المتقدّمة يظهر الجواب عن الاستدلال بهذه الآية، مع أنّ الآية واقعة في السور الأوّلية النازلة من الكتاب، و من البعيد أن يكون المراد في هذه الحالة هو الشامل للمتنجّس، و لذا استبعدنا سابقا أن يكون المراد بقوله: وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ «2» هو اعتبار طهارة لباس المصلّي «3».

و عليه: فيحتمل قويّا أن يكون المراد بالرجز هو الرجس بمعناه الذي تقدّم، و يحتمل أن يكون المراد به العذاب الذي اريد في الآية موجباته، كما في قوله- تعالى-:

فَأَنْزَلْنٰا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمٰاءِ «4».

و من الآيات قوله- تعالى- في شأن الرسول صلّى اللّه عليه و آله: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «5» نظرا إلى انطباق الخبائث على المتنجّسات أيضا.

______________________________

(1) سورة المدّثر 74: 5.

(2) سورة المدّثر 74: 4.

(3) في ص 30.

(4) سورة البقرة 2: 59.

(5) سورة الأعراف 7: 157.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 60

..........

______________________________

و أجاب عنه الشيخ بأنّ المراد من التحريم خصوص حرمة الأكل بقرينة مقابلته بحلّية الطيّبات «1».

و اورد

عليه بأنّ مقتضى الإطلاق هو حرمة الانتفاع بالخبائث مطلقا، فإذا قلنا بعمومها للمتنجّس يكون مقتضاه هي حرمة الانتفاع بالمتنجّس مطلقا.

و ربما يقال في مقام الجواب عن الاستدلال: أنّ متعلّق التحريم في الآية إنّما هو العمل الخبيث و الفعل القبيح لا الأعيان الخارجيّة، مستشهدا لذلك بقوله- تعالى-:

وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «2»؛ فإنّ المراد بالخبائث فيها اللواط «3».

و لكنّ الظاهر أنّ ما أفاده الشيخ من أنّ المقابلة تقتضي أن يكون المراد خصوص الأكل؛ ضرورة أنّ مقابلة الطيّبات مع الخبيثات لا يمكن معه أن يقال: إنّ المراد بالطيّبات الأعمال الحسنة، بداهة أنّه لا مجال لدعوى أنّ إحلال الأعمال الحسنة من شئون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛ لأنّ حلّيتها ضروريّة، خصوصا مع المسبوقيّة بقوله- تعالى-:

يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ «4». فإنّ التّنزل عن الأمر بالمعروف مع إحلال الطيّبات بالمعنى المذكور ممّا لا يكاد يستقيم.

و عليه: فلا محيص من أن يكون المراد هو إحلال الأكل، و لا محالة يكون مقتضى قرينة المقابلة أن يكون المراد بالخبائث القاذورات، كما لا يخفى.

و أمّا كون المراد بالخبائث في الآية المستشهد بها بمعنى العمل، فلأجل ذكر العمل

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 84.

(2) سورة الأنبياء 21: 74.

(3) مصباح الفقاهة 1: 216.

(4) سورة الأعراف 7: 157.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 61

..........

______________________________

معها، و العمل لا يناسب الأعيان، و الإتيان بالجمع المفيد للعموم إنّما هو باعتبار شيوع هذا العمل القبيح بينهم، لا الإتيان بجميع الخبائث، فتدبّر.

و من الروايات: رواية تحف العقول المتقدّمة «1» الدالّة على النهي عن التجارة بوجوه النجس، بدعوى كون المراد منها أعمّ من المتنجّس.

و نحن و إن ذكرنا اعتبارها مع إرسالها

و عدم سلامة مضمونها و مفادها، إلّا أنّه من الظاهر أنّ المراد من وجوه النجس الأعيان النجسة بالذات، و لا تشمل المتنجّسات التي لا يكون فيها وجه النجس، خصوصا مع ملاحظة التعليل الواقع فيها الذي عرفت «2» مفاده، و ينبغي هنا التنبيه على أمر يحتاج إلى مقدّمة، و هي:

أنّ الأحكام التي بيّنها الرسول صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السّلام تارة: تكون خالية عن ذكر العلّة، كما هو الغالب في تلك الأحكام من الواجبات و المحرّمات و غيرهما، و من الواضح لزوم الأخذ بها كذلك و إن لم تكن العلّة معلومة لنا؛ لقصور عقولنا عن الوصول إليها كما هو مقتضى القاعدة.

و اخرى: تكون مشتملة على ذكر العلّة و متضمّنة للتعليل.

و في هذه الصورة قد تكون العلّة ارتكازيّة و معلومة للمخاطب، كقوله عليه السّلام:

لا تشرب الخمر لأنّه مسكر «3»؛ فإنّ إسكار الخمر أمر عقلائيّ معروف لدى الناس، و الشارع إنّما حكم بالحرمة لأجل هذه العلّة التي يقال لها العلّة المنصوصة،

______________________________

(1) في ص 11.

(2) في ص 11 و 32.

(3) اقتباس من الروايات الواردة في تحريم شرب الخمر، فيراجع وسائل الشيعة 25: 279، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 1 و ص 296 ب 9 و غيرهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 62

..........

______________________________

و كقوله عليه السّلام في صحاح بعض الأخبار على ما تقدّم في بحث المياه «1»: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء «2»، لأنّ له مادّة؛ فإنّ اشتمال البئر على المادّة النابعة أمر عرفيّ عقلائيّ.

و قد تكون العلّة أيضا تعبّدية كأصل الحكم، كالتعليل بالاستصحاب في صحيحة زرارة «3» الواردة في الرجل ينام و هو على وضوء و أنّه

هل توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء أم لا؟ فإنّ الإمام عليه السّلام بعد أن ذكر أنّه قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن، حكم بعدم وجوب الوضوء عليه، معلّلا له بالاستصحاب الذي هو أصل عمليّ تعبّديّ، لا أمارة و لا أصل عقلائيّ كأصالة الحقيقة و نحوها، و هذا بخلاف مقام الاستشهاد ببعض آيات الكتاب اللازم دلالته على ذلك المطلب عند المخاطب، خصوصا إذا لم يكن معتقدا بحجّية أقوالهم؛ لأنّه لا يبقى للاستشهاد مجال بدون ذلك؛ لإمكان ورود الإشكال عليه بأنّ الآية لا دلالة لها على ذلك، فمقام الاستشهاد يغاير مقام التعليل.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ التعليل المذكور الواقع في رواية تحف العقول بالإضافة إلى عدم جواز بيع شي ء من وجوه النجس، من أنّه منهيّ عن أكله و شربه و إمساكه، و أنّ جميع التقلّب فيه حرام، و إن احتمل أنّه من التعليل بالعلّة الارتكازيّة كالمثالين المذكورين، فمن الواضح العدم بالإضافة إلى المتنجّس؛ لعدم ثبوت الارتكاز، بل عدم ثبوت تلك الامور في المتنجّس؛ لجواز الإمساك و التقلّب و اللبس في غير حال الصلاة، و إن كان تعليلا تعبّديا، فشموله للمتنجّس أوّل

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه: 49.

(2) وسائل الشيعة 1: 140- 141، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق ب 3 ح 10 و 12، و ص 170- 172 ب 14 ح 1، 6 و 7.

(3) تهذيب الأحكام 1: 8 ح 11، و عنه وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 63

..........

______________________________

الكلام؛ لأنّ الكلام في مقتضى الأصل الأوّلي، و العمدة ما ذكرنا من أنّ

عنوان وجوه النجس لا يشمل المتنجّسات، و لذا لم يعدوها في العناوين النجسة، كما لا يخفى.

و منها: رواية السكوني الواردة في المرق المتنجّس؛ و هي ما رواه عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام، أنّ عليّا عليه السّلام سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر فأرة؟ قال: يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «1».

و الجواب عن الاستدلال بها عدم الانطباق على المدّعى، فإنّ المدّعى الدلالة على عدم جواز الانتفاع بالمتنجّس، و الدليل يدلّ على عدم جواز الانتفاع بمثل المرق المتنجّس، كالسكنجبين المذكور في المتن، و الوجه فيه: عدم جواز الانتفاع به بدون الطهارة و توقّفه عليها، و خروجها عن عنوانه الأوّلي في صورة الاستهلاك في الكرّ و نحوه، كما سيأتي الكلام «2» في وجه عدم الجواز في مثل السكنجبين، فلا تعمّ جميع موارد المدّعى حتّى القابل للتطهير غير المتوقّف جواز الانتفاع به على الطهارة.

و بعبارة اخرى: يكون مبنى الاستدلال على إلغاء الخصوصيّة من المرق بالإضافة إلى جميع المتنجّسات، مع أنّه مورد للقبول بالنسبة إلى المتنجّسات التي تكون مثل المرق من عدم القابليّة للتطهير و توقّف جواز الانتفاع به على الطهارة، لا بالنسبة إلى الجميع كما هو المدّعى.

هذا، مضافا إلى أنّه ربما يستشكل في اعتبار ما رواه النوفلي، عن السكوني و إن كان السكوني عامّيا ثقة و له روايات كثيرة عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام، و الظاهر أنّ أكثر رواياته بل جميعها تكون منقولة عن جعفر عليه السّلام، و مشتملة على نقله

______________________________

(1) الكافي 6: 261 ح 3، تهذيب الأحكام 9: 86 ح 365، الاستبصار 1: 25 ح 62، و عنها وسائل الشيعة 1: 206، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف و المستعمل ب

5 ح 3.

(2) في ص 69.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 64

..........

______________________________

قول عليّ عليه السّلام أو فعله، كما يظهر بالتتبّع في رواياته؛ و اسمه إسماعيل بن أبي زياد أو مسلم.

و منها: الروايات المتعدّدة الدالّة على أنّ الفأرة إذا ماتت في السمن الجامد و نحوه وجب أن تطرح الفأرة و ما يليها من السمن المذكور؛ كصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان جامدا فألقها و ما يليها، و كل ما بقي «1». و مثلها غيرها «2»

و تقريب الاستدلال أنّه لو جاز الانتفاع بالمتنجّس لما أمر الإمام عليه السّلام بطرحه لإمكان الانتفاع به في غير ما هو مشروط بالطهارة كالتدهين و نحوه.

و قد أجاب عنها الشيخ بأنّ طرحها كناية عن عدم الانتفاع به في الأكل؛ فإنّ ما امر بطرحه من جامد الدهن يجوز الاستصباح به إجماعا، فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للأكل «3».

و لكنّه اورد عليه بظهور الأمر بالطرح في حرمة الانتفاع به مطلقا، و أمّا الاستصباح به فإنّما خرج بالنصوص الخاصّة «4».

و يمكن أن يجاب عن الإيراد- مضافا إلى أنّ كلّ دهن لا يمكن الاستصباح به، و لا مثل التدهين به- إنّ الظاهر خصوصا بعد ملاحظة مقابلته عليه السّلام بقوله: «و كلّ ما بقي» هي الانتفاع في خصوص الأكل.

______________________________

(1) الكافي 6: 261 ح 1، تهذيب الأحكام 9: 85 ح 360، و عنهما وسائل الشيعة 24: 194، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43 ح 2.

(2) وسائل الشيعة 1: 205- 206 ب 5، و ج 17: 97 ب 6، و ج 24: 194 ب 43.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل

موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة؛ ص: 64

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 85.

(4) مصباح الفقاهة 1: 218.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 65

..........

______________________________

و دعوى «1» أنّ ما تلي الفأرة من السمن للإرشاد إلى عدم إمكان الاستصباح به و نحوه لقلّته، فتكون الرواية غريبة عن المقام، واضحة الفساد، خصوصا مع فرض تعدّد الفأرة و عدم وحدتها، كما لا يخفى.

و منها: ما ورد في الإنائين المشتبهين من الماء، الدالّة على أنّه يهريقهما جميعا و يتيمّم؛ كرواية عمّار الساباطي- التي هي موثّقة- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو، و ليس يقدر على ماء غيرهما؟ قال: يهريقهما جميعا و يتيمّم «2»؛ نظرا إلى أنّ الأمر بأن يهريق الإناءين و يتيمّم ظاهر في حرمة الانتفاع بالماء المتنجّس، و بضميمة عدم القول بالفصل يتمّ المطلوب.

و فيه: أنّ الظاهر أنّ الأمر بالإهراق إنّما هو للإرشاد إلى اعتبار طهارة ماء الوضوء، أو مانعيّة النجاسة فيها عنه، و إلّا فالظاهر أنّه لا مجال لإنكار جواز الانتفاع بهما في شرب بعض الحيوانات، أو إيجاد الرطوبة الموجبة لتغيير الهواء.

و ربما يحتمل أن يكون الأمر بالإهراق مولويّا ناظرا إلى أنّه ما دام لم يتحقّق الإهراق لا يتحقّق الانتقال إلى التيمّم الذي مورده صورة فقدان الماء؛ لوجود الماء الطاهر عنده أيضا، و قد حكي ذلك عن بعض الفقهاء رحمه اللّه «3».

و هذا الاحتمال بعيد جدّا؛ لأنّه- مضافا

إلى أنّ لازمه وجوب جعل الشخص نفسه فاقدا للماء في هذه الصورة لأن ينتقل تكليفه إلى التيمّم و هو في غاية البعد-

______________________________

(1) المدّعي هو السيّد الخوئي على ما في مصباح الفقاهة 1: 218.

(2) تهذيب الأحكام 1: 248 ح 712 و ص 407 ح 1281، و عنه وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14.

(3) الحاكي هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 219.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 66

..........

______________________________

خلاف ظاهر الرواية.

و ربما يناقش في الإرشاد الذي ذكرناه «1» بما هو ببالي من سابق الزمان- و إن كان يحتمل أن يكون من الغير- من إمكان الوضوء بالماءين المشتبهين، خصوصا إذا كان كثيرا كالحوضين المشتملين على ما دون الكرّ، و صيرورة أحدهما لا على التعيين متنجّسا بملاقات النجاسة؛ بأن يتوضّأ بأحدهما ثمّ يطهّر مواضع الوضوء بالماء الآخر ثمّ يتوضّأ بالآخر، فإذا فعل ذلك يعلم بتحقّق الوضوء بالماء الطاهر و إن كان يجري استصحاب الطهارة و استصحاب النجاسة بالنسبة إلى الأعضاء؛ لأنّ غاية الأمر وقوع التعارض بين الاستصحابين و تساقطهما، و المرجع حينئذ أصالة الطهارة أي قاعدتها، فالمقام كمجهولي التاريخ من حيث تساقط الأصلين الجاريين فيهما أو عدم جريانه أصلا، و التحقيق في محلّه.

و يمكن الجواب عن المناقشة بأنّه- مضافا إلى أنّه لا يمكن إجراء ذلك بالإضافة إلى جميع الموارد، لإمكان أن يكون الماء ان في غاية القلّة بحيث لا يكون قادرا على ذلك- لا إشكال في صعوبة ذلك بل حرجيّته في بعض الموارد، خصوصا مع كون المفروض في السؤال الإناءين، و لا يكون لهما الظرفيّة إلّا بمقدار قليل كما هو الغالب.

و عليه: فالظاهر أنّ الأمر بالإهراق المذكور

لا يكون إلّا للإرشاد.

و منها: الروايات الدالّة على إهراق الماء المتنجّس؛ كصحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه؟

قال: إن كانت يده قذرة فأهرقه، الحديث «2»؛ نظرا إلى أنّ الأمر بالإهراق ظاهر في

______________________________

(1) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة، أحكام التخلّى و الوضوء: 193- 207.

(2) تهذيب الأحكام 1: 38 ح 103، الاستبصار 1: 20 ح 46، مستطرفات السرائر: 27 ح 9، و عنها وسائل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 67

..........

______________________________

عدم جواز الانتفاع بالماء المتنجّس مطلقا و لو في غير ما هو مشروط بالطهارة.

و يظهر الجواب عن الاستدلال بمثلها مع تعدّدها و كثرتها، من أنّ الأمر بالإهراق إنّما هو للإرشاد إلى اعتبار الطهارة فيما يغتسل به أو يتوضّأ، كما لا يخفى.

و منها: الروايات التي توصف بالاستفاضة عند الخاصّة «1» و العامّة «2» الدالّة على جواز الاستصباح بالدهن المتنجّس؛ نظرا إلى ظهورها في انحصار جواز الانتفاع بها بالاستصباح و الإسراج، و هو ظاهر في عدم جواز الانتفاع بغيره كالتدهين و غيره.

و اورد عليه «3» بأنّ النفع الظاهر للدهن هو الأكل و الإسراج، فإذا كان الأوّل حراما بمقتضى التنجّس لعدم جواز أكل المتنجّس، اختصّ الانتفاع به بالاستصباح و الإسراج، على أنّه يظهر من بعض نفس هذه الروايات جواز الانتفاع به في غير الإسراج أيضا؛ لعطف كلمة «و نحوه» على الإسراج «4»، أو صراحة بعضها في جواز صرفه في عمل الصابون «5» و نحوهما.

______________________________

الشيعة 1: 154، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق ب 8 ح 11، و في بحار الأنوار 2: 273 ح 14 عن التهذيب، و في ج 80: 17 ح

6 عن مستطرفات السرائر.

(1) وسائل الشيعة 17: 97- 99، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 6، و ج 24: 194- 195، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 43، و مستدرك الوسائل 17: 71، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 19.

(2) السنن الكبرى للبيهقي 14: 374- 375 ح 20179- 20183.

(3) المورد هو السيّد الخوئى فى مصباح الفقاهة 1: 221.

(4) قرب الإسناد: 274 ح 1090، مسائل عليّ بن جعفر: 133 ح 128 باختلاف، و عنهما وسائل الشيعة 24:

198، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 45 ح 2 و بحار الأنوار 80: 58 ح 11.

(5) الجعفريات: 26، النوادر للراوندي: 220 ح 445، و عنهما مستدرك الوسائل 2: 578 و 579، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني ب 27 ح 2775 و ملحق ح 2781، و ج 13: 72 و 73، كتاب التجارة، أبواب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 68

..........

______________________________

هذه هي الآيات و الروايات التي استدلّ بها على أنّ الأصل في كلّ متنجّس عدم جواز الانتفاع به، و قد عرفت عدم تماميّة الاستدلال بشي ء منها.

و أمّا الإجماع، فالمحصّل منه غير حاصل، و المنقول منه فاقد للاعتبار كما حقّق في محلّه، مع أنّه على تقديره يكون بالقطع أو الاطمئنان أو الاحتمال القويّ مستندا إلى بعض من الآيات و الروايات المتقدّمة، فهي الأصل دون الإجماع؛ لأنّ الملاك هو المستند كما لا يخفى، مع أنّه أفاد الشيخ الأعظم: و الذي أظنّ- و إن كان الظنّ لا يغني لغيري شيئا- أنّ كلمات القدماء ترجع إلى ما ذكره المتأخّرون، و أنّ المراد بالانتفاع في كلمات القدماء: الانتفاعات الراجعة إلى الأكل و الشرب، و

إطعام الغير، و بيعه على نحو بيع ما يحلّ أكله «1»، انتهى.

و يرد عليه: أنّ الأمر و إن كان كذلك، إلّا أنّ ظنّه لا يغني لنفسه أيضا؛ لأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا «2»، إلّا أن يريد منه الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائيّة، كما مرّ منّا مكرّرا.

إذا عرفت ما ذكرنا من أنّه لا دليل على أنّ الأصل الأوّلي في مطلق المتنجّس هو عدم جواز الانتفاع به، بل مقتضى أصالة الحلّية الجواز، يظهر لك وجه التفصيل بين صور المسألة المذكور في المتن؛ لأنّه في صورة القابليّة للتطهير، و كذا في صورة عدم توقّف جواز الانتفاع على الطهارة- كلبس الثوب النجس في غير حال الصلاة- لا وجه للحكم بالعدم؛ لأنّه في الصورة الاولى يتحقّق البيع ثمّ يقع التطهير لفرض

______________________________

ما يكتسب به ب 6 ح 14781 و 14786، و في بحار الانوار 66: 52 ملحق ح 12 و ج 80: 79 ملحق ح 7 عن النوادر.

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 91.

(2) سورة يونس 10: 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 69

..........

______________________________

القابليّة له، و في الصورة الثانية كما إذا اشترى الثوب النجس للّبس و لو فرض فيه عدم القابليّة فضلا عن صورة القابليّة.

و أمّا الصورة الأخيرة التي حكم فيها بعدم الجواز كمثال السكنجبين، فالوجه فيه ما ذكرنا «1» من أنّه لا يمكن بقاء السكنجبين بعنوانه مع تحقّق الطهارة له بالاتّصال بالكرّ و نحوه؛ لتوقّف الطهارة على الامتزاج الموجب للاستهلاك، و قد ذكرنا سابقا في كتاب الطهارة اعتبار الامتزاج «2» لو اريد تطهير الماء المتنجّس فضلا عن مثل السكنجبين، و لأجله ذكرنا فيه أنّه لا يقبل التطهير؛ لأنّه ما دام كونه كذلك

لا يطهر، و في فرض الطهارة يخرج عن العنوان المزبور، فوجه الفرق بين الصور الثلاثة ظاهر.

هذا كلّه بالإضافة إلى المتنجّس. و أمّا الكلام في نجس العين من حيث أصالة حلّ الانتفاع به في غير ما ثبتت حرمته، أو أصالة العكس. فاعلم أنّه قد استظهر الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الأكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين «3»، بل عن صاحب الحدائق نسبة ذلك إلى الأصحاب «4»، بل عن بعض الإجماع على ذلك «5».

أقول: الأدلّة الواردة في خصوص نجس العين التي يمكن الاستدلال بها في بادئ

______________________________

(1) في ص 56.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه: 75- 76 و 175- 177.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 97.

(4) الحدائق الناضرة 18: 89.

(5) الخلاف 6: 91- 92 مسألة 19، غنية النزوع: 213، تذكرة الفقهاء 10: 25 و 31، التنقيح الرائع 2: 5، و حكاه في مفتاح الكرامة 12: 44 و مكاسب الشيخ عنها و عن حاشية الإرشاد لفخر الدّين، و لكن لم نعثر عليه في الحاشية المطبوعة. نعم، جاء في هامش مفتاح الكرامة: حاشية إرشاد الأذهان في التجارة ص 44 س 12 (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم 2474).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 70

..........

______________________________

النظر لهذا القول، هي الآية الدالّة على تحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير الآية «1»، و قد عرفت «2» أنّ قوله- تعالى-: وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ و إن كان لا يشمل المتنجّس، إلّا أنّ المراد هو تحريم الأكل للمقابلة، و رواية تحف العقول المتقدّمة «3» الدالّة على النهي عن بيع شي ء من وجوه النجس؛ أي العنوانات النجسة مشتملا على التعليل المتقدّم «4».

و قد مرّ أنّ المستفاد من

الآية المذكورة تحريم ما يراد غالبا من تلك العناوين من أكل الميتة و شرب الدم و أكل لحم الخنزير و مثلها، و إلّا فالانتفاع بالدم بمثل ما هو المتداول في زماننا من تزريقه إلى من يحتاج إلى التزريق من المرضى، أو من عرض له اصطدام مثل السيّارة، فلا يستفاد تحريمه من الآية بوجه، فلا مجال لأن يقال: إنّ التحريم المتعلّق بالذوات يعمّ جميع الأفعال المرتبطة بها، بل المتفاهم العرفي هو خصوص الفعل المناسب لها، كما أنّ تحريم الامّهات و البنات و مثلهما لا يستفاد منه إلّا تحريم النكاح معهنّ، لا النظر و مثله.

كما أنّ اشتمال رواية تحف العقول على التعليل بقوله عليه السّلام: «فجميع تقلّبه في ذلك حرام» لا يدلّ على حرمة الانتفاع بالعناوين النجسة بجميع الانتفاعات، و لو بملاحظة ما قدّمنا من أنّ العلّة المذكورة للأحكام لا تلزم أن تكون ارتكازيّة، بل يمكن أن تكون تعبّدية كما مثّلنا لذلك سابقا «5»، خصوصا مع الاحتمال الذي ذكره

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 173.

(2) في ص 59- 60.

(3) في ص 11.

(4) في ص 11، 32 و 61.

(5) في ص 61.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 71

..........

______________________________

الشيخ من أن يكون المراد من «جميع التقلّب» الذي هو حرام، جميع أنواع التعاطي لا الاستعمالات «1».

و ظاهر المتن في المسألة الاولى من مسائل المكاسب المحرّمة، أنّ أصل الانتفاع بالعذرة في التسميد لا مانع منه و إن استشكل في جواز بيعه لذلك، و قد حكي عن مبسوط الشيخ الطوسي قدّس سرّه أنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الإنسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها، و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم و اصول الشجر

بلا خلاف «2». و عن العلّامة في كتابيه التذكرة و القواعد جواز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة «3».

هذا، و يرد على الإجماع المدّعى في المقام ما أوردناه على دعوى الإجماع بالإضافة إلى المتنجّس.

و عليه: فلا مجال للحكم بأنّ الأصل الأوّلي في الأعيان النجسة هي حرمة الانتفاع، بل الظاهر هي الحلّية في غير ما ثبتت حرمته، كالمتنجّس على ما عرفت «4».

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 101.

(2) المبسوط 2: 167.

(3) تذكرة الفقهاء 12: 138، قواعد الأحكام 2: 6.

(4) في ص 56- 69.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 72

[بيع الترياق و الهرّة و ما كان آلة للحرام]

[مسألة 6: لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات]

مسألة 6: لا بأس ببيع الترياق المشتمل على لحوم الأفاعي مع عدم ثبوت أنّها من ذوات الأنفس السائلات، و مع استهلاكها فيه- كما هو الغالب بل المتعارف- جاز استعماله و ينتفع به. و أمّا المشتمل على الخمر فلا يجوز بيعه؛ لعدم قابليّته للتطهير، و عدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار- الذي هو المدار- لا الجواز عند الاضطرار (1).

______________________________

(1) قال في مجمع البحرين: الترياق ما يستعمل لدفع السمّ من الأدوية و المعاجين، و هو روميّ معرّب.

و يقال: الدّرياق. و قيل: مأخوذ من الريق، و التاء زائدة، و وزنه «تفعال» بكسر التاء؛ لما فيه من ريق الحيّات «1»، انتهى.

و يظهر منه أنّه يكون من المأكولات، و جوّز في المتن بيعه و إن كان مشتملا على لحوم الأفاعي بشرطين:

أحدهما: عدم ثبوت أنّ الأفاعي من ذوات الأنفس السائلات؛ لما مرّ «2» من اختصاص حرمة الميتة و نجاستها بما إذا كانت له نفس سائلة، فاللازم في الحكم بالجواز عدم إحراز كونها من ذوات الأنفس السائلات حتّى لا تحرز نجاستها.

ثانيهما: استهلاك المقدار المأخوذ من الأفاعي لئلّا يتحقّق

أكل الخبيث المحرّم و إن لم يكن نجسا، فمع وجود هذين الشرطين لا مانع من جواز بيعه؛ لوجود المنفعة المحلّلة المقصودة فيه؛ و هو دفع السمّ كما عرفت.

______________________________

(1) مجمع البحرين: 1/ 224.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 55- 56، المسألة الثالثة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 73

..........

______________________________

نعم، ما كان منه مشتملا على الخمر التي تكون نجسة من دون فرق بين قليلها و كثيرها فلا يجوز بيعه؛ لعدم وجود العلّة المذكورة فيه؛ لعدم قابليّته للتطهير و عدم حلّية الانتفاع به مع وصف النجاسة حال الاختيار- الذي هو المدار- لا الجواز عند الاضطرار. و قد تقرّر في محلّه «1» من كتاب النجاسات أنّ استهلاك العين النجسة و لو كانت في غاية القلّة لا يوجب بقاء المتنجّس بها على الطهارة.

و ما تقدّم من الشيخ الطوسي في الدم من التفصيل بين ما تراه العين و ما لا تراه، قد مرّ عدم دلالة مستنده على ذلك 2، غاية الأمر عدم دلالته على لزوم الاجتناب عن الذي علم بملاقاته للنجاسة، و احتمل أن تكون الملاقاة بالإضافة إلى خارج الظرف، الذي هو خارج عن محلّ الابتلاء بالنسبة إلى ما في الظرف من المائع أكلا، أو وضوءا أو غيرهما، و إلّا ففي صورة العلم بالوقوع في داخل الظرف يتنجّس ما فيه من المائع؛ سواء كان الدم مرئيا فيه أو مستهلكا، و الظاهر أنّ الشيخ غير قائل بهذا التفصيل في مطلق النجاسات، بل في خصوص الدم لاختصاص دليله به.

و في المقام إذا كان الترياق مشتملا على الخمر و لو كانت في غاية القلّة يكون نجسا، و لا يجوز الأكل بوجه إلّا في صورة

الاضطرار، كما ربما حكي ذلك بالإضافة إلى بعض الأشربة المستعملة بعنوان الدواء للحلقوم؛ فإنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز في صورة الاختيار؛ لاشتماله على مقدار من الخمر و لو كان في غاية القلّة.

و أمّا الترياق المتداول في هذه الأزمنة، فلا يكون مشتملا على لحوم الأفاعي، بل مأخوذا من جلد ما يسمّى في الفارسية بالخشخاش و لا يكون من المأكولات، بل يستفاد من دخانه بمعونة بعض الآلات المعدّة لذلك، و بيعه و إن لم يكن غير جائز

______________________________

(1) 1، 2 أي في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها: 109- 111.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 74

..........

______________________________

بحسب الحكم الأوّلي، إلّا أنّه لا يبعد أن يقال بالحرمة بالعنوان الثانوي، كبيع السلاح من أعداء الدّين على ما سيأتي إن شاء اللّه «1»؛ نظرا إلى أنّ عالم الاستكبار حيث يكون بصدد هدم الإسلام و تضعيف المسلمين، يكون في الباطن مروّجا لإشاعته، خصوصا بين الشباب لتخديرهم و منعهم من ممارسة دورهم في التصدّي لما يسعى الاستعمار إليه من نهب ثرواتهم و السيطرة على بلدانهم الإسلامية، و وضع اليد على كلّ ما وهبهم اللّه تعالى من خيرات و ما منّ عليهم من بركات، و إن كان بحسب الظاهر ينادي بأعلى صوته بالمخالفة معه في جميع الأبعاد من الزرع و التهيئة و الحمل و النقل إلى الممالك المختلفة، لكنّه مخالفة ظاهريّة لا جدّية.

و لذلك نرى على ما نقل الموثّقون المطّلعون أنّ قيمة السكائر في البلدان المترقّية تكون أكثر من قيمتها في بلدان غيرها بكثير، بحيث لا يمكن شراء مقدار منه في الاولى بأضعاف القيمة الرائجة في الثانية.

و من هذا يعلم أنّ غرضهم إشاعة هذه

الامور جدّا بين المسلمين ليسهل عليهم الوصول إلى أغراضهم الفاسدة التي يكون هدم أساس الإسلام في أولويّاتها، خصوصا بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بعد مجاهدات كثيرة و تحمّل مشقّات عديدة من مؤسّسها الإمام الماتن قدّس سرّه، و من تبعه من الناس أعمّ من الروحاني و غيره.

______________________________

(1) ص 128- 138، مسألة 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 75

[مسألة 7: يجوز بيع الهرّة و يحلّ ثمنها بلا إشكال]

مسألة 7: يجوز بيع الهرّة و يحلّ ثمنها بلا إشكال. و أمّا غيرها من أنواع السباع، فالظاهر جوازه إذا كان ذا منفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء. و كذا الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت كذلك، فهذا هو المدار في جميع الأنواع، فلا إشكال في بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، و دود القزّ، و نحل العسل و إن كانت من الحشرات، و كذا الفيل الذي ينتفع بظهره و عظمه و إن كان من المسوخ (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: بيع الهرّة التي تكون من السباع و إن كانت كثيرة في المنازل و غيرها، و الظاهر أنّه لا مانع من الجواز فيه؛ لعدم كونها من الأعيان النجسة، و ثبوت المنفعة المحلّلة المقصودة لها، و قد نفى الإشكال في المتن عن جواز بيعها، و يدلّ عليه بعض الروايات، مثل:

موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ... و لا بأس بثمن الهرّ «1».

الثاني: غير الهرّة من أنواع السباع، و قد استظهر في المتن الجواز إذا كان ذا منفعة محلّلة مقصودة عند العقلاء، و الظاهر أنّه لا مانع من جواز بيعها، خصوصا جلود بعضها على ما سيجي ء من دلالة بعض الروايات عليه، مثل:

صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه

قال: سألته عن جلود السباع و بيعها و ركوبها أ يصلح ذلك؟ قال: لا بأس ما لم يسجد عليها «2»، مضافا إلى أنّه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 6: 356 ح 1017، و عنه وسائل الشيعة 17: 119، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 14 ح 3.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 189 ح 382، و عنه وسائل الشيعة 17: 172، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 76

..........

______________________________

مقتضى القاعدة.

الثالث: الحشرات بل المسوخ أيضا إذا كانت لها منفعة محلّلة مقصودة كما في المتن، و عليه: فيجوز بيع العلق الذي يمصّ الدم الفاسد، و دود القزّ و نحل العسل، و كذا الفيل الذي ينتفع بظهره و عظمه كصنع المشط منه؛ لأنّه- مضافا إلى جريان سيرة المتشرّعة عليه- يكون على طبق القاعدة و مقتضاها، و ما عن الشيخ في المبسوط «1» من دعوى الإجماع على عدم جواز بيع المسوخ و حرمة الانتفاع بها غير ثابتة. و شبهة النجاسة في الجميع مندفعة كمانعيّة مجرّد النجاسة عن جواز البيع.

و هنا روايات دالّة على الجواز في بعضها، مثل:

رواية عبد الحميد بن سعد قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه أو شراؤه الذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: لا بأس، قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط «2».

و الظاهر أنّ الراوي هو عبد الحميد بن سعد؛ و هو من رجال صفوان، و قد وثّقهم جماعة، مثل رجال البزنطي و ابن أبي عمير و إن كان الجميع قابلا للمناقشة؛ لأنّ الوثاقة عندهم لا تدلّ على الثبوت واقعا، و قد ناقشنا «3» فيما اشتهر في باب أصحاب الإجماع من

تصحيح ما يصحّ عنهم، و قلنا بأنّ العبارات الواردة في شأنهم لا تدلّ على أزيد من الإجماع على وثاقة أنفسهم، و لا دلالة في شي ء منها على تصحيح ما يصحّ عنهم بوجه.

نعم، قد مرّ في صحيحة ابن أبي يعفور المعروفة الواردة في بحث العدالة المذكورة

______________________________

(1) المبسوط: 2/ 166.

(2) الكافي 5: 226 ح 1، تهذيب الأحكام 6: 373 ح 1083 و ج 7: 133 ح 585، و عنهما وسائل الشيعة 17:

171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 2.

(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحدود: 448- 452.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 77

..........

______________________________

في باب الاجتهاد و التقليد «1» و بعض الأبواب الاخر أنّ أحمد بن محمد بن يحيى العطار و إن لم يصرّح بوثاقته في الكتب الرجاليّة، إلّا أنّ رواية جمع كثير من أعاظم الرواة و ثقاتهم عنه أمارة على وثاقة الرجل و صحّة روايته، و قد حكينا ذلك عن سيّدنا الاستاذ المحقّق البروجردي قدّس سرّه في مجلس العزاء الذي أقامه في بيته الشريف، فراجع.

لكنّ الذي يسهّل الخطب في المقام أنّ الحكم لا يكون على خلاف القاعدة حتّى يحتاج إلى إقامة دليل معتبر.

نعم، في بعض الروايات النهي بالنسبة إلى القرد؛ و هي رواية مسمع، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن القرد أن يشترى و أن يباع «2».

ثمّ إنّ الظاهر أنّ تقييد الحكم بالجواز في صحيحة عليّ بن جعفر عليه السّلام المتقدّمة بصورة عدم السجود على جلود السباع، يكون المراد به عدم إيقاع الصلاة فيها مطلقا لا مجرّد نفي السجود عليها؛ لأنّ الصلاة في أجزاء غير

مأكول اللحم و لو كانت شعرة منه غير صحيحة، و السباع محرّمة الأكل ظاهرا، فلا بدّ من أن يكون المراد ما ذكرنا، فتدبّر.

كما أنّ الظاهر أنّ النهي المحكيّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في رواية مسمع شامل للتجارة بأجزاء القرد أيضا، و لا يختصّ بالمجموع أو بحال الحياة.

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الاجتهاد و التقليد: 313- 316.

(2) الكافي 5: 227 ح 7، تهذيب الأحكام 6: 374 ح 1086 و ج 7: 134 ح 594، و عنهما وسائل الشيعة 17:

171، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 37 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 78

[مسألة 8: يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرة فيه]

مسألة 8: يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام بحيث كانت منفعته المقصودة منحصرة فيه، مثل آلات اللّهو كالعيدان و المزامير و البرابط و نحوها، و آلات القمار كالنرد و الشطرنج و نحوهما، و كما يحرم بيعها و شراؤها يحرم صنعتها و الاجرة عليها، بل يجب كسرها و تغيير هيئتها. نعم، يجوز بيع مادّتها من الخشب و الصفر مثلا بعد الكسر، بل قبله أيضا إذا اشترط على المشتري كسرها، أو بيع المادّة ممّن يثق به أنّه يكسرها. و مع عدم ما ذكر ففيه إشكال. و يجوز بيع أواني الذهب و الفضّة للتزيين و الاقتناء (1).

______________________________

(1) يحرم بيع كلّ ما كان آلة للحرام محضا بحيث كانت منفعته المقصودة العقلائية منها منحصرة في الحرام، مثل آلات اللهو كالأمثلة المذكورة في المتن، و كآلات القمار لا مثل السيف الذي يمكن استعماله في الحلال و يمكن استعماله في الحرام؛ فإنّ بيعه جائز مع عدم اشتراط استفادة خصوص الحرام منه، كما سيأتي «1» في

مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا.

لكن لا بدّ هنا من التنبيه على أمر؛ و هو أنّ عدم جواز بيع الآلات المذكورة إنّما هو ما دامت الصفة المذكورة المحرّمة باقية فيها غير زائلة عنها، و إلّا فلو فرض زوال عنوان الآلية للأمرين المتقدّمين عنه رأسا بحيث فرض خروجه عن الآلية للهو رأسا، أو عن القمار طرّا، كما ربما يدّعى ذلك بالإضافة إلى مثل الشطرنج الذي كان آلة للقمار و اليوم وسيلة لتكامل الفكر، فلا يكون بيعه غير جائز و إن وردت رواية خاصّة فيه، و هي:

صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: بيع الشطرنج حرام، و أكل ثمنه

______________________________

(1) في ص 91- 103.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 79

..........

______________________________

سحت، و اتّخاذها كفر، و اللعب بها شرك، و السلام على اللّاهي بها معصية و كبيرة موبقة، الحديث «1». إلّا أنّ المراد منها ظاهرا صورة البقاء على الآلية للقمار، و قد صرّح بذلك الإمام الماتن قدّس سرّه في الجواب عن الاستفتاء منه «2».

و في بعض الروايات الواردة في تفسير الميسر التمثيل بالنرد و الشطرنج، مثل:

رواية أبي الجارود- الذي اسمه زياد و اسم أبيه المنذر- قال: و أمّا الميسر: فالنرد و الشطرنج، و كلّ قمار ميسر، الحديث «3». و يستفاد من مثلها أنّ حرمة الشطرنج إنّما هي بعنوان كونه آلة للقمار الذي سيجي ء إن شاء اللّه تعالى أنّه المراهنة بالعوض.

و عليه: فلا بدّ أن تكون آلته ممهّدة لذلك و ممحّضة له، و قد حكى الإمام الماتن قدّس سرّه عن بعض الأعاظم «4» جواز اللعب بآلات القمار مع عدم المراهنة بالعوض «5» فضلا عن غيرها و إن كان ظاهره هنا،

و في كتاب المكاسب المحرّمة «6» حرمة اللعب بالشطرنج و عدم جواز التجارة على مثله مستندا إلى الروايات التي حكم بضعف إسنادها، و دعوى الإجماع و نقله مستفيضا عن الرياض «7».

______________________________

(1) مستطرفات السرائر: 59 ح 29، و عنه وسائل الشيعة 17: 323، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 103 ح 4 و بحار الانوار 103: 53 ح 17.

(2) استفتاءات الإمام الخميني رحمه اللّه 2: 10 سؤال 21.

(3) تفسير القمّي 1: 180- 181، و عنه وسائل الشيعة 17: 321، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 102 ح 12 و تفسير كنز الدقائق 3: 183- 184 و البرهان في تفسير القرآن 2: 352 ح 3275.

(4) جامع المدارك 3: 27- 28.

(5) صحيفه امام رحمه اللّه 21: 151.

(6) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 2: 23- 30.

(7) منتهى المطلب 2: 1011 و 1012 (الطبعة الحجريّة)، مجمع الفائدة و البرهان 8: 41، رياض المسائل 8: 73.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 80

..........

______________________________

و يرد عليه: أنّ رواية أبي بصير المتقدّمة صحيحة غير ضعيفة السند و إن كان الباقي كذلك، حتّى رواية أبي الجارود و إن كان نفسه ثقة زيديّا و مؤسّسا لفرقة من الزيديّة المسمّاة بالجاروديّة، لكن سند عليّ بن إبراهيم صاحب التفسير إليه غير صالح و لا يكون معتبرا.

نعم، هنا رواية صحيحة؛ و هي رواية معمر بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كلّ ما قومر عليه فهو ميسر «1».

و يستفاد من المجموع أنّ اهتمام الشارع بالاجتناب عن الشطرنج إنما هو لأجل كونه من الآلة المهمّة للقمار المتداولة إلى ما يقرب من زماننا هذا،

فلا مجال للحكم بلزوم الاجتناب عنه، و رفع اليد عن التجارة به لو كان خارجا عن الآلية، و تداوله بهذه الجهة بين غير المسلمين من الأجانب، لا يوجب الاجتناب بالإضافة إلينا، خصوصا فيما لو كانت المراهنة به خالية عن العوض و اللعب به للتكامل الفكري و الرشد العقلي، كما ربما يقولون بذلك.

و من هنا يظهر أنّه لو خرج سائر آلات القمار عن هذا العنوان لا مانع من البيع و الشراء بالإضافة إليه، و لا يختصّ ذلك بالشطرنج، و سيجي ء أنّ السيّد في تعليقة مكاسب الشيخ قدّس سرّه فسّر زوال الصفة المحرّمة المذكور في كلام العلّامة بزوال صفة الآلية للقمار أو اللعب و إن كانت الهيئة باقية بحالها، فتدبّر جيّدا.

و كما يحرم بيعها و شراؤها- أي آلات القمار و نحوها- و التجارة بها، تحرم صنعتها و الاجرة عليها؛ لعدم الماليّة لها شرعا بعد الانحصار المذكور، بل اللّازم

______________________________

(1) الكافي 6: 435 ح 1، تفسير العيّاشي 1: 339 ح 182، و عنهما وسائل الشيعة 17: 167، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 11 و ص 323 ب 104 ح 1، و في بحار الأنوار 79: 235 ح 16 عن تفسير العيّاشي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 81

..........

______________________________

وجوب كسرها و تغيير هيئتها بحيث زالت المنفعة المقصودة منها للزوم إفناء مادّة الفساد و إتلاف ما لا منفعة فيه محلّلة عند الشارع.

نعم، لو فرض بيع المادّة من الخشب و الصفر ففيه صورتان:

إحداهما: ما إذا كان البيع بعد الكسر و التغيير، و لا مجال للإشكال في هذه الصورة؛ لعدم كون أجزاء المادّة بعد الكسر و تغيير الهيئة معدودة من آلات اللهو و القمار،

و الخشب و الصفر يجوز بيعهما و لو مع المسبوقيّة بالهيئة المحرّمة، لأنّ المعيار هي الحالة الفعليّة لا ما كانت عليها من الحالة القبليّة، كما لا يخفى.

ثانيتهما: ما إذا كان البيع قبل الكسر و لكن مورد المعاملة هي المادّة، و قد استشكل في الجواز في هذه الصورة إلّا مع وجود أحد أمرين:

أحدهما: اشتراط الكسر على المشتري و البيع مع هذا الشرط.

ثانيهما: كون البائع له وثوق بأنّ المشتري يكسرها و يخرجها عن هذه الحالة.

قال في محكي التذكرة: ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له، فيحرم بيعه كآلات الملاهي مثل العود و الزمر، و هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم، و آلات القمار كالنرد و الشطرنج إن كان رضاضها لا يعدّ مالا، و به قال الشافعي «1». و إن عدّ مالا فالأقوى عندي الجواز مع زوال الصفة المحرّمة «2»، انتهى.

و في محكي المسالك أنّه لو كان لمكسورها قيمة، و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممّن يوثق بديانته، ففي جواز بيعها حينئذ وجهان. و قوّى في التذكرة

______________________________

(1) العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير 4: 30، المجموع شرح المهذّب 9: 243، روضة الطالبين:

3: 70.

(2) تذكرة الفقهاء: 10: 36 مسألة 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 82

..........

______________________________

الجواز مع زوال الصفة، و هو حسن، و الأكثر أطلقوا المنع «1»، انتهى.

و ظاهر هذه العبارة اعتبار كلا الأمرين من الاشتراط و الوثوق بالكسر لا أحدهما على سبيل المنفصلة مانعة الخلوّ، و لعلّه الظاهر لا ما أفاده الماتن من كفاية أحدهما.

و قال الشيخ الأعظم: إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة؛ فلا ينبغي الإشكال في الجواز، و لا ينبغي جعله محلّا للخلاف بين العلّامة و الأكثر «2».

و عن

السيّد في الحاشية: لعلّه أراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به و تركهم له؛ بحيث خرج عن كونه آلة القمار و إن كانت الهيئة باقية «3».

و بعض الأعلام بعد أن أورد على التوجيهين ببعدهما عن مساق كلام العلّامة- لأنّ ظاهر عبارته أنّ الحرمة الفعليّة تدور مدار عدم صدق الماليّة على إكسارها- احتمل وقوع التحريف في كلامه بالتقديم و التأخير، بأن تكون العبارة: و إن عدّ مالا مع زوال الصفة المحرّمة، فالأقوى عندي الجواز «4».

أقول: من المستبعد جدّا جواز المعاملة على الآلات المحرّمة- و إن فرض صدق الماليّة على اكسارها- بدون أحد الأمرين المذكورين في المتن: من الاشتراط، أو الثقة بالكسر في بيع المادّة فضلا عن بيعها صحيحة، كما هو المفروض في عبارة المسالك المتقدّمة و إن كانت الهيئة لا ماليّة لها، مضافا إلى أنّ لازم ما أفاده بعض الأعلام أن يكون القيد توضيحيّا، و هو خلاف الظاهر من كلام العلّامة، و إلى أنّ

______________________________

(1) مسالك الأفهام 3: 122.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 117.

(3) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 48.

(4) مصباح الفقاهة 1: 252.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 83

..........

______________________________

إيراد الشيخ باق على هذا الاحتمال أيضا، كما لا يخفى.

و احتمل بعض الأعلام قدّس سرّه أيضا «1» حذف كلمة «الاشتراط» بعد كلمة «مع»؛ أي بشرط تغيير الهيئة من قبل البائع، ثمّ اعترف بعدم الوصول إلى مراده، و وجه استحسان صاحب المسالك تفصيل العلّامة في مقابل المشهور القائلين بالمنع مطلقا.

أقول: و لا يبعد أن يقال بقرينة كلمة الإطلاق المقابلة للاشتراط بهذا الاحتمال.

و عليه: فمراد العلّامة في صورة بيع الآلات صحيحة الجواز بشرط تغيير الهيئة، و مراد الأكثر المنع و لو مع

الشرط. و أمّا صورة البيع بعد الكسر فلا إشكال و لا خلاف في الصحّة، فتدبّر.

و أمّا أواني الذهب و الفضّة، فحيث إنّ منفعتها لا تنحصر بالأكل و الشرب فيها، بل يجوز الاستفادة منها للتزيين و الاقتناء، و هما لا يعدّان من المنفعة العقلائيّة المحلّلة غير المقصودة، بل كما نشاهد بالوجدان وجود تلك الاستفادة منها للمتموّلين، فلا مانع من جواز البيع و الشراء بالإضافة إليها لهذا الغرض و المقصد غير النادر و إن كان الوضع الأوّل في باب الأواني هي الاستعمال في الأكل و الشرب، و قد فصّلنا في باب المطهّرات «2» بين التزيين و الاقتناء بحرمة الأوّل كالاستعمال، دون الثاني، فراجع.

و كلام المتن يدلّ على عدم التفصيل و جواز كلا العنوانين، بل ربما يشعر بعدم الفرق بينهما بلحاظ العطف بالواو لا ب «أو»، كما لا يخفى، و من الواضح اختلافهما كما أفاده في بحث الأواني من كتاب الطهارة «3».

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 1: 252.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المطهّرات: 686- 688.

(3) كتاب الطهارة للإمام الخميني رحمه اللّه 4: 208.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 84

[بيع الدراهم الخارجة عن الاعتبار، أو المغشوشة]

مسألة 9: الدراهم الخارجة عن الاعتبار، أو المغشوشة المعمولة لأجل غشّ الناس تحرم المعاملة بها و جعلها عوضا أو معوّضا في المعاملات مع جهل من تدفع إليه، بل مع علمه و اطّلاعه أيضا على الأحوط لو لم يكن الأقوى، إلّا إذا وقعت المعاملة على مادّتها و اشترط على المتعامل كسرها، أو كان موثوقا به في الكسر؛ إذ لا يبعد وجوب إتلافها و لو بكسرها دفعا لمادّة الفساد (1).

______________________________

(1) الدراهم التي أصلها من فضّة، إذا خرجت عن الاعتبار الحكومي، أو كانت مغشوشة معمولة

لأجل غشّ الناس، فيها مقامان:

و ينبغي قبل البحث عن المقامين ملاحظة أنّ الماليّة الموجبة لصحّة جعلها عوضا أو معوّضا بالنسبة إلى الدراهم و مثلها- و لا سيّما بالإضافة إلى مثل الورق المتداول في كثير من الممالك في زماننا هذا، مكان الدرهم و الدينار المتداولين في السابق- بما ذا يتقوّم و بم تتحقّق، خصوصا مع ملاحظة بعض التشكيلات التقنينيّة اليوم، من ملاحظة المهريّة المجعولة في الزمان السابق بقيمة اليوم، المعادلة لأضعاف ذلك الزمان، و سمعت هذه الملاحظة بالنسبة إلى سائر الديون أيضا.

و التحقيق أنّ ماليّة مثل الورق متقوّمة بالاعتبار من ناحية الحاكم المستولي على المملكة و بيده زمام امورها، و لا يلزم أن يكون له ما يسمّى ب «پشتوانه»، كالذهب و النفط و الامور الاخر؛ لعدم العلم بوجودها، فضلا عن العلم بالمقدار المساوي للورق الخاصّ، بل ماليّة مثله أمر اعتباري تدوم ما دام بقاء ذلك الاعتبار.

و ممّا اشتهر من بعض من يدّعي التنوّر الفكريّ من الروحانيّين، و من بعض المتجدّدين غير المطّلعين على المباني؛ من أنّ مقدار ماليّته إنّما هو بملاحظة القدرة على الشراء، و من المعلوم أنّ ما كان يشترى بألف تومان (درهم) مثلا، لعلّه كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 85

..........

______________________________

أزيد ممّا يشترى بمائة ألف في هذا الزمان.

يرد عليه: منع ذلك، و أنّ الماليّة و مقدارها ليست دائرة مدار ذلك، بل هي أمر اعتباريّ لا يختلف بحسب الأزمنة و الأعصار، و إلّا فيمكن أن يقال: إنّ الأشياء التي يمكن أن يشترى بالاسكناس (بالورق) مختلفة بحسب الأزمنة، بل يختلف بحسب اليوم فضلا عن الأيّام، و لا معنى لأن يقال بأنّ الدين يختلف بحسب اختلاف القيم في الأيّام، فدين واحد

في يوم أضعافه بحسب اليوم الآخر، و أقلّ من الدين الواقعي كذلك.

و هذا الاعتبار إنّما هو كسائر الامور الاعتباريّة المتداولة بيننا، كالبيع و الزوجيّة و الحريّة و الرقيّة و أشباهها، و لا يكون معناه هو الأمر التخيّلي و الوهمي، كما لا يخفى.

بل التحقيق الدقيق يحكم بأنّ ماليّة الذهب و الفضّة الخالصين إنّما هي بحسب الاعتبار؛ لأنّهما ليسا إلّا من الفلزات، غاية الأمر أنّ الاعتبار فيهما عمومي سار في جميع أقطار العالم، بخلاف الورق الذي له اعتبار من ناحية الحكومة التي يكون رائجا في مملكته، فالفرق إنّما هو من هذه الجهة لا في الاعتبار و الذاتيّة، كما ربما يتخيّل في بادئ النظر، فافهم.

المقام الأوّل، في اتّصافها بالفساد المحض، كآلات القمار و غيرها المذكورة في المسألة السابقة، فيجب إتلافها و لو بكسرها دفعا لمادّة الفساد، كما نفي عنه البعد في المتن، أو يجوز اقتناؤها و التزيين بها و دفعها إلى العشّار و مثله، كالظالم؟ فيه وجهان ربما يمكن أن يقال باستفادة الوجه الأوّل من بعض الروايات، مثل:

رواية المفضل بن عمر الجعفي قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فألقى بين يديه دراهم، فألقى إليّ درهما منها، فقال: ايش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: و ما الستوق؟

فقلت: طبقتين فضّة و طبقة من نحاس، و طبقة من فضّة، فقال: اكسرها؛ فإنّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 86

..........

______________________________

لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه «1».

و في محكي الوافي «الستّوق» بالضمّ و الفتح معا و تشديد التاء، و تستوق بضمّ التاء، الزيف البهرج الملبّس بالفضّة، طبقتين فضّة «2». و الظاهر أنّ الصواب طبقة من فضّة، و إلّا كان اللازم ذكر الألف و النون، لا الياء

و النون كما لا يخفى.

و الظاهر أنّ المفضّل بن عمر الجعفي ثقة، و الراوي عنه هو علي الصيرفي؛ و هو ممّن روى عنه ابن أبي عمير، و قد تقدّم البحث عن الحكم بوثاقته و عدمها «3».

و ربما يقال: إنّ الأمر فيها ليس تكليفيّا ليجب كسره و يحرم تركه، بل هو إرشاد إلى عدم صحّة المعاوضة عليها، و عدم جواز أداء الحقوق الواجبة منها، بقرينة قوله عليه السّلام: «لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه»؛ لأنّ الصدّ عنهما لا ينحصر في الكسر، بل يحصل بغيره أيضا «4».

و يمكن الجواب عنه بأنّ عطف الإنفاق على البيع دليل على أنّ المراد من عدم الحلّية هو عدم الحلّية التكليفيّة، لا الوضعيّة كما في قوله- تعالى-: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «5» إلخ، حيث إنّ ظاهره هو الحلّية الوضعيّة الشرعيّة بالإضافة إلى البيع العرفي العقلائي، و ذلك لأنّه لا معنى لبطلان الإنفاق، خصوصا مع ثبوت الماليّة للمادّة قطعا، كما هو المفروض.

و عليه: فظاهر الرواية هو بيان الحكم التكليفي كما هو ظاهرها، و لعلّه لأجل

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 109 ح 466، الاستبصار 3: 97 ح 333، و عنهما وسائل الشيعة 18: 186، كتاب التجارة، أبواب الصرف ب 10 ح 5.

(2) الوافي 18: 647 ب 101 ح 18037.

(3) في ص 76- 77.

(4) القائل هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 257.

(5) سورة البقرة 2: 275.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 87

..........

______________________________

ذلك ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الرواية فيها، أنّ هذا محمول على كونه غير معلوم التصرّف و لا جائزا بين الناس، فلا يجوز إنفاقه إلّا أن يبيّن حاله، ذكره الشيخ و غيره، ثمّ قال: و يحتمل الحمل على

الكراهة «1».

و يؤيّده أنّ كلمة «الإنفاق» لا تكون ظاهرة في أداء النفقة الواجبة، بل يعمّها و الإنفاقات المستحبّة لو لم نقل بظهورها في خصوص الثانية.

و رواية موسى بن بكر قال: كنّا عند أبي الحسن عليه السّلام و إذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده ثمّ قطّعه بنصفين ثمّ قال لي: ألقه في البالوعة حتّى لا يباع شي ء فيه غشّ «2». و لكنّها رواية مرسلة.

و اورد على دلالتها أيضا بأنّ فعل الإمام عليه السّلام و إن كان حجّة، إلّا أنّ ذلك فيما تكون وجهة الفعل معلومة، و عليه: فلا يستفاد من الرواية أكثر من الجواز الشرعي، و يكون مؤدّاها الإرشاد إلى عدم نفوذ المعاملة عليه؛ لوجود الغشّ فيه بشهادة قوله عليه السّلام: «حتّى لا يباع شي ء فيه غشّ»، و إلّا لما أمر الإمام عليه السّلام بإلقائه في البالوعة؛ لكون هذا الفعل من أعلى مراتب الإسراف و التبذير «3».

و يظهر من الجواب عن الإيراد على الرواية السابقة الجواب عن الإيراد على هذه الرواية، خصوصا مع أنّ الظاهر أنّ بيع شي ء فيه غشّ لا يكون باطلا، بل ثابت فيه خيار الغشّ، كما في مزج الماء باللبن المبيع، فتدبّر؛ فإنّه سيجي ء اختلاف كلامي الشيخ قدّس سرّه من هذه الجهة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 186- 187، كتاب التجارة، أبواب الصرف ذ ح 5.

(2) الكافي 5: 160 ح 3، تهذيب الأحكام 7: 12 ح 50، و عنهما وسائل الشيعة 17: 280، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 5.

(3) المورد هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 258.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 88

..........

______________________________

و التحقيق الكامل موكول إلى باب الصرف من كتاب

البيع إن شاء اللّه تعالى.

المقام الثاني: في حرمة المعاملة على الدراهم المفروضة، فنقول:

بعد فرض وجوب الكسر و الإتلاف بأيّ نحو كان- و لو بغير الكسر؛ لأنّ المتفاهم العرفي من الكسر هو الإمحاء و الإتلاف لا خصوص عنوان الكسر- يكون الحكم في صورة جهل من ينتقل إليه، و عدم علمه و اطّلاعه، هي الحرمة و عدم الجواز؛ لأنّه سيجي ء منه الفساد محضا، مضافا إلى الحكم بعدم الجواز على ما مرّ.

و أمّا في صورة علمه، فاحتاط في المتن لو لم يكن الأقوى بالعدم؛ أي عدم الجواز مع استثناء صورة وقوع المعاملة على المادّة التي لها ماليّة بالشرطين المذكورين في المسألة السابقة، أو أحدهما على ما مرّ. و الوجه في الاقوائيّة إطلاق بعض الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب الكسر و إن كان القدر المتيقّن صورة الجهل بالحال.

و يمكن المناقشة في الجواز في صورة وجود أحد الشرطين أو كليهما نظرا إلى إطلاق قوله عليه السّلام: «فإنّه لا يحلّ بيع هذا و لا إنفاقه»؛ فإنّ ظاهره الشمول لتلك الصورة، إلّا أن يقال بالانصراف عنها، كما أنّه يمكن أن يقال بعدم شمول الإطلاق لصورة العلم أصلا، و لعلّه لذا استشكل في المتن في هذه الصورة مع عدم الشرط، و احتاط لو لم يكن الأقوى.

هذا، و حيث إنّ الإطلاق المزبور واقع في مقام التعليل، و الرواية مسوقة لإفادة وجوب الكسر أو مثله، فلا يبعد أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق للعلّة المذكورة فيها، و قد تحقّق في محلّه أنّ إيجاب شي ء لا يلازم تحريم الترك و بالعكس، و إلّا لكان اللازم وجود حكمين في موارد الوجوب أو الحرمة، مع أنّه من الواضح خلافه، و حرمة البيع في المقام قد استفيدت من العلّة لا

من إيجاب الكسر و مثله، فاللازم في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 89

..........

______________________________

مثله ثبوت إطلاق قويّ للعلّة و هو محلّ تأمّل، و الذي يسهّل الخطب ما عرفت «1» من أنّ رواية ابن أبي عمير عن شخص لا دلالة لها على وثاقته، فلا تكون معتبرة فضلا عن مرسلاته كما اشتهر.

و ينبغي التنبيه على أمرين ذكرهما الشيخ الأعظم قدّس سرّه:

أحدهما: أنّه لو كانت المعاوضة واقعة على شخص الدرهم المذكور، و كان المنتقل إليه جاهلا بالحال فله الخيار، غاية الأمر أنّه لو كانت المادّة مغشوشة يكون الثابت هو خيار العيب؛ لتحقّق النقصان عن الدرهم الرائج بمقدار من الفضّة، فيتحقّق العيب، و لو كانت السكّة مغشوشة يكون الثابت هو خيار الغشّ و التدليس الذي هو أحد الخيارات. «2»

هذا، و لكنّه أفاد في بحث خيار الشرط من كتاب الخيارات أنّ القيود المأخوذة في المبيع إمّا صور نوعيّة عرفيّة، و إمّا جهات كماليّة؛ ففي الأوّل: يكون البيع باطلا مع التخلّف، كما إذا اشترى رقيقا بعنوان أنّه أمة فتبيّن كونه عبدا؛ لأنّ ما جرى عليه العقد غير واقع، و ما هو واقع لم يجر عليه العقد، و لا وجه للحكم بالصحّة مع خيار تخلّف الشرط، و في الثاني: لا مجال لبطلان البيع بل الثابت خيار تخلّف الشرط «3».

و الظاهر أنّ المقام و هو الاختلاف في السكّة من قبيل القسم الأوّل؛ لأنّ الاختلاف بين المسكوكين بسكّتين مختلفتين إنّما هو كالاختلاف بين الصور النوعيّة، و لعلّه لذا أمر بالتأمّل في المقام. و هذا الذي ذكره في خيار تخلّف الشرط هو الموافق للتحقيق.

ثانيهما: أنّه ربما يمكن أن يتوهّم أنّه ما الفرق بين ما إذا باع الخلّ و الخمر بمعاملة

______________________________

(1) في ص 76- 77.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 119- 120.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 6: 95.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 90

..........

______________________________

واحدة و ثمن واحد، حيث إنّ المعاملة صحيحة بالإضافة إلى الخلّ بنسبته من الثمن، و باطلة بالإضافة إلى الخمر. غاية الأمر أنّ للمشتري خيار تبعّض الصفقة، و بين هذه العناوين المذكورة في المسألتين، حيث اخترتم حرمة المعاملة و بطلانها مطلقا، فلم لا تكون المعاملة صحيحة بالإضافة إلى الموادّ فيما لو كانت لها ماليّة، و لو كانت المعاملة متعلّقة بمجموع المادّة و الهيئة ففي الحقيقة أيّ فرق بين الخلّ و الخمر مثلا، و بين المادّة و الهيئة في تلك العناوين.

نعم، لا ننكر الصحّة بالإضافة إلى الموادّ فيما لو تعلّقت المعاملة بخصوصها، و كانت لها ماليّة بعد الكسر مطلقا، و قبله بالشرط، أو الشرطين المذكورين.

و لقد أفاد الشيخ في مقام الفرق ما هذه عبارته: إنّ كلّ جزء من الخلّ و الخمر مال لا بدّ أن يقابل في المعاوضة بجزء من المال، ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير، بخلاف المادّة و الهيئة؛ فإنّ الهيئة من قبيل القيد للمادّة جزء عقليّ لا خارجيّ تقابل بمال على حدة، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادّة حقيقة «1».

و يدلّ على ما أفاده أنّه لو اشترى رقبة مقيّدة بالإيمان بثمن لا يقال عرفا: أنّه وقعت المعاملة على أمرين و يقسّط الثمن عليهما؛ بحيث كان جزء من الثمن واقعا في مقابل نفس الرقبة، و جزؤه الآخر في مقابل الإيمان؛ فإنّ التقيّد بالإيمان و إن كان جزءا، إلّا أنّه جزء عقليّ لا خارجيّ. و قد اشتهر أنّ التقيّد جزء و القيد خارج، فالفرق

بين مثال الخمر و الخلّ، و بين مورد المسألتين واضح لا يمكن أن يقاسا به، كما هو ظاهر.

و عليه: فلا بدّ أن يقال فيهما: إمّا بالصحّة مطلقا، أو بالبطلان كذلك، و حيث إنّه لا سبيل للأوّل لما عرفت فيتعيّن الثاني، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 120.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 91

[بيع العنب و التمر و الخشب و نحوها لفعل الحرام]

مسألة 10: يحرم بيع العنب و التمر ليعمل خمرا، و الخشب مثلا ليعمل صنما، أو آلة للّهو أو القمار و نحو ذلك؛ و ذلك إمّا بذكر صرفه في المحرّم و الالتزام به في العقد، أو تواطئهما على ذلك؛ و لو بأن يقول المشتري لصاحب العنب مثلا:

بعني منّا من العنب لأعمله خمرا، فباعه.

و كذا تحرم إجارة المساكن ليباع و يحرز فيها الخمر، أو ليعمل فيها بعض المحرّمات، و إجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر و شبهها بأحد الوجهين المتقدّمين.

و كما يحرم البيع و الإجارة فيما ذكر يفسدان أيضا، فلا يحلّ له الثمن و الاجرة، و كذا بيع الخشب لمن يعلم أنّه يجعله صليبا أو صنما، بل و كذا بيع العنب و التمر و الخشب ممّن يعلم أنّه يجعلها خمرا و آلة للقمار و البرابط، و إجارة المساكن لمن يعلم أنّه يعمل فيها ما ذكر، أو يبيعها و أمثال ذلك في وجه قويّ، و المسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، و الظاهر أنّها معلّلة (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع:

الأوّل: بيع العنب أو التمر ليعمل خمرا، و الخشب مثلا ليعمل صنما، أو آلة للّهو أو القمار و نحو ذلك، و البيع لهذه الجهة تارة: يتحقّق بذكر صرفه في المحرّم و الالتزام اللفظي به في متن العقد، و اخرى: بالتواطؤ

و التباني على ذلك؛ و لو بأن يقول المشتري للبائع صاحب العنب مثلا: بعني منّا من العنب لأعمله خمرا، فباعه.

و دعوى عدم إمكان وقوع مثل هذا الاشتراط و الإلزام و الالتزام من ناحية البائع المسلم «1»، يدفعها ما نشاهده من الوقوع من المسلم الذي لا يبالي بأحكام

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 125.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 92

..........

______________________________

الدين و الشريعة، مع أنّ الحكم لا يختصّ بالبائع المسلم؛ لما حقّق في محلّه «1» من اشتراك الكفّار مع المسلمين في الفروع كالاصول.

و قد صرّح في المتن بثبوت الحرمة التكليفيّة لهذا البيع و التكسّب بالمعنى الذي تقدّم للحرمة التكليفيّة المتعلّقة بمثل البيع و التجارة، و ليعلم أنّ البحث في هذا الفرع إنّما يرتبط بهذا العنوان الذي يكون المبيع ذا منفعة محلّلة مقصودة، و ذا منفعة محرّمة كذلك مع الاشتراط، أو التواطؤ على صرفه في المنفعة المحرّمة، و هذا الاشتراط و مثله و إن كان فاسدا و مستثنى من عموم «المؤمنون عند شروطهم» «2» إلّا أنّه لا دليل على كون الشرط الفاسد مفسدا، و على تقديره فالكلام فعلا ليس في الفساد و عدمه، بل في الحرمة و عدمها بالإضافة إلى المشروط، فاللّازم إقامة الدليل على هذا الحكم، و أنّه هل يكون في البين ما يدلّ على الحرمة التكليفيّة أم لا؟ فنقول:

قد استدلّ للحرمة بوجوه كثيرة لا يصلح شي ء منها لإثبات الحرمة التي هي مورد للنظر و البحث؛ كالاستدلال بالآية الآمرة بالتعاون على البرّ و التقوى، و الناهية عن التعاون على الإثم و العدوان، قال اللّه- تعالى-: تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ

______________________________

(1) القواعد الفقهيّة للشارح المعظم: 323- 341.

(2) تهذيب الأحكام 7: 371 ذ ح 1503،

الاستبصار 3: 232 ذ ح 835، و عنهما وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور ب 20 ذ ح 4.

و في بحار الأنوار 49: 162، أواخر ح 1 عن عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 159، أواخر ح 23، و في ج 75:

96 ح 18 عن قضاء الحقوق المؤمنين للصوري: 18 ح 5، و في ج 77: 167 قطعة من ح 2 عن عوالي اللئالي 1: 293 ح 173.

و في مستدرك الوسائل 13: 301، كتاب التجارة، أبواب الخيار ب 5 ح 7 عن عوالي اللئالي 1: 218 ح 84 و ج 2: 257 ح 7 و ج 3: 217 ح 77.

و رواه في تلخيص الحبير 3: 63 ح 1195 و كشف الخفاء 2: 291 ح 2672.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 93

..........

______________________________

وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ «1».

و أورد على الاستدلال بها المحقّق الايرواني قدّس سرّه في محكيّ حاشيته على المكاسب؛ تارة بأنّ النهي في الآية لا دلالة له على الحرمة، بل هو حكم تنزيهيّ، و ذلك بقرينة مقابلته بالأمر بالإعانة على البرّ و التقوى الذي ليس للإلزام قطعا، و اخرى بأنّ قضيّة باب التفاعل هو الاجتماع على إتيان الإثم و العدوان، كأن يجتمعوا على قتل النفوس و نهب الأموال، لا إعانة الغير على إتيان المنكر على أن يكون الغير مستقلّا، و هذا معينا له بالإتيان ببعض مقدّماته «2».

و أجاب سيّدنا الماتن قدّس سرّه في كتابه في المكاسب المحرّمة عن الإيراد الأوّل بما يرجع إلى أنّه لو سلّمت قرينيّة المقابلة في سائر الموارد، فلا يسلّم في المقام؛ لأنّ تناسب الحكم و الموضوع و حكم العقل شاهدان

على أنّ النهي للتحريم. مضافا إلى أنّ عطف العدوان الذي هو الظلم على الإثم لا يبقي مجالا لحمل النهي على التنزيه؛ ضرورة حرمة الإعانة على الظلم.

و عن الإيراد الثاني، بأنّ ظاهر مادّة العون عرفا و بنصّ اللغويّين، المساعدة على أمر، و المعين هو الظهير و المساعد، و إنّما يصدق ذلك فيما إذا كان أحد أصيلا في أمر و أعانه غيره عليه، و حكى عن القاموس و المنجد- فيما يرتبط إلى باب التفاعل في المقام- قولهما: تعاونوا و اعتونوا: أعان بعضهم بعضا «3»، و عن مجمع البيان في ذيل الآية قوله: أمر اللّه عباده بأن يعين بعضهم بعضا على البرّ و التقوى- إلى أن قال:-

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 2.

(2) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 97.

(3) القاموس المحيط 4: 249، المنجد: 539.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 94

..........

______________________________

و نهاهم أن يعين بعضهم بعضا على الإثم «1»، إلى أن قال الماتن قدّس سرّه:

إنّ كون التفاعل بين الاثنين لا يلازم كونهما شريكا في إيجاد فعل شخصي ... و لو كان المراد ذلك يكون مقتضى الجمود على ظاهر الآية هي حرمة شركة جميع المكلّفين في إتيان محرّم واحد، و هو كما ترى، فالظاهر من الآية عدم جواز إعانة بعضهم بعضا في إثمه و عدوانه «2»، انتهى.

و يؤيّد عدم كون المراد من التفاعل ما ذكره المورد، كثير من الاستعمالات؛ كالتيامن و التياسر في الصلاة مثلا، و الترقّي و التكامل في العلوم كذلك، و التضامن في بعض التجارات و المراكز التعاونيّة من البنك و غيره و شبه ذلك. و قد ذكرنا في شرح كتاب المضاربة أنّ بعض المحقّقين من محشّي كفاية الاصول أورد في ذيل حديث لا

ضرر و لا ضرار «3» موارد كثيرة قد استعملت فيها الصيغ من باب المفاعلة، الذي يكون كالتفاعل في الشهرة أن يكون بين اثنين مع عدم كونها بينهما، فليراجع «4».

و بعد ذلك يصير محصّل الآية حرمة الإعانة على الإثم و العدوان، و الظاهر عدم تحقّقها في هذا الفرع الذي يكون في البين مجرّد البيع مع الاشتراط أو ما بحكمه؛ فإنّه من الممكن أن لا يسلّم البائع المبيع الذي هو العنب أو التمر إلى المشتري، و لو فرض التسليم فمن الممكن عدم رعاية المشتري لهذا الشرط، خصوصا مع علمه بأنّ

______________________________

(1) مجمع البيان 3: 257- 258.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 197- 198.

(3) الكافى 5: 280 ح 4 و 293- 294 ح 2، 6 و 8، الفقيه 3: 45 ح 154 و ص 147 ح 648، تهذيب الاحكام 7: 146 ح 648 و ص 164 ح 727.

(4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المضاربة: 10، نقلا من نهاية الدراية في شرح الكفاية للأصبهاني 4: 437- 439.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 95

..........

______________________________

الشرط المخالف للكتاب و المحلّل للحرام لا يعبأ به، و مع إمكان عدوله عمّا التزم به في المعاملة من الصرف في الحرام.

و ما ذكره المحقّق الايرواني في ذيل رواية تحف العقول المتقدّمة «1» من أنّ توصيف نفس إنشاء البيع الساذج بعنوان الإعانة إنّما هو لأجل ملازمته العرفيّة للإقباض، فكان ثانيا و بالعرض هو الإعانة على الإثم، و كلّ بيع كان كذلك- و لو ثانيا و بالعرض- حرام «2».

مدفوع؛ بأنّ صدق عنوان الإعانة على البيع كذلك لا يوجب سراية تحريمها إليه، و قد بيّن في الاصول عدم السراية و

لو في الملازمات العقليّة، فضلا عن العرفيّة التي يمكن التخلّف بين الأمرين، و عدم تحقّق الثاني مع تحقّق الأوّل، فتأمّل.

و لعلّه لذلك ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ بين عنوان البيع، و عنوان الإعانة على الإثم عموما من وجه؛ لتقوّم مفهوم الإعانة بالاقباض و التسليط الخارجي على العين و لو بغير عنوان البيع مع العلم بالصرف في الحرام و إن كان ينطبق عنوان الإعانة على البيع في بعض الأحيان. و عليه: فلا تستلزم حرمة الإعانة على الإثم حرمة البيع في جميع الموارد «3»، كما هو المدّعى.

و بالجملة: فالآية لا تدلّ على أزيد من حرمة الإعانة على الإثم و العدوان، و في تحقيق معنى الإعانة و حقيقتها كلام يأتي إن شاء اللّه- تعالى- في فرع بيع العنب ممّن يعلم أنّه يصرفه في الخمر، من دون إلزام و التزام في المعاملة بذلك، و من دون تواطئ عليه، فانتظر.

______________________________

(1) في ص 11.

(2) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 19- 20.

(3) مصباح الفقاهة 1: 265.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 96

..........

______________________________

ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه «1» استدلّ بهذه الآية للحكم الوضعي مضافا إلى الحكم التكليفي أي الحرمة، مع أنّه من الواضح أنّ هذه الآية لا دلالة لها على تقديرها على الحكم الوضعي بوجه، بل مفادها مجرّد حرمة الإعانة على الإثم، كما عرفت.

و ممّا استدلّ به الشيخ الأعظم قدّس سرّه على بطلان المعاملة في هذا الفرع- مضافا إلى حرمتها- قوله- تعالى-: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2»، حيث قال: إنّ الإلزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرّمة الساقطة في نظر الشارع أكل و إيكال للمال بالباطل «3».

و حيث إنّ الآية الشريفة قد استدلّ بها في كثير من أبواب المعاملات، سيّما البيع في موارد متعدّدة، فلا بأس ببسط الكلام فيها إجمالا، فنقول:

قال المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه في محكيّ زبدة البيان في ذيل الآية: أي لا يتصرّف بعضكم في أموال الناس بغير وجه شرعيّ، مثل الربا و الغصب و القمار، و لكن تصرّفوا فيها بطريق شرعيّ؛ و هو التجارة عن تراض من الطرفين و نحو ذلك «4»، انتهى.

و يؤيّده الروايات الكثيرة الواردة في تفسير الآية الدالّة على أنّ المراد بها القمار أو مع بعض المحرّمات الاخر «5».

و يرد على ظاهر عبارته من تفسير الطريق الشرعي بالتجارة عن تراض، أنّ

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 123.

(2) سورة النساء 4: 29.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 123.

(4) زبدة البيان: 542.

(5) وسائل الشيعة 17: 164- 168، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 97

..........

______________________________

مطلق التجارة عن تراض لا يكون طريقا شرعيّا؛ فإنّ البيع الغرريّ المنهيّ عنه فيما نقل عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله تجارة عن تراض، و لكنّه باطل غير صحيح، اللّهم إلّا أن يكون مراده التجارة الشرعيّة الناشئة عن تراض. و يؤيّده قوله: «و نحو ذلك» فتدبّر، إلّا أن يكون مراده من «نحو ذلك» ما لا يكون تجارة أصلا، كالهبة غير المعوّضة و نحوها.

و يظهر ذلك من المحقّق الايرواني، حيث ذكر أنّ الباء للسببيّة دون المقابلة، و تدلّ الآية على حرمة الأكل بالأسباب الباطلة، فالآية لا تكون إلّا للإرشاد «1».

و على ما أفاده يظهر بطلان ما أفاده الشيخ من التمسّك بالآية لكلا الحكمين:

الوضعي و التكليفي، فتدبّر.

مع أنّ الظاهر أنّ العناوين المترتّبة

عليها الأحكام الشرعيّة لا بدّ من الرجوع في مفادّها إلى العرف و العقلاء، إلّا في العناوين المستحدثة للشارع كالصلاة و الصوم و الحجّ و مثلها، و لازم ذلك أنّه لا بدّ من الرجوع في معنى الباطل إلى العرف و العقلاء.

و من المعلوم أنّ النسبة بين ما يقول به العقلاء و يحكم بصحّته، و بين ما عند الشارع عموم و خصوص من وجه؛ فإنّ بعض المعاملات و أنواع التجارات- ممّا يكون رائجا عندهم- يكون محرّما عند الشارع، كبيع الخمر و العين المغصوبة و الربا و القمار، و بعض ما هو جائز عند الشارع يكون مجتنبا عنه عند العقلاء، كبيع الحاكم مال المديون الممتنع عن أداء دينه، أو الزوج القادر الممتنع عن إنفاق زوجته مع عدم رضاهما و عدم إمكان إجبارهما، و هكذا، و مادّة الاجتماع موارد كثيرة

______________________________

(1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 98

..........

______________________________

كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الإيراد على الاحتمال الأوّل؛ بأنّ لازمه كون الآية ناظرة إلى الأدلّة الاخرى الدالّة على الأسباب غير المملّكة و غير الصحيحة، و الأسباب المسوّغة، غير وارد؛ لأنّه لا دليل على كونها واردة لبيان حكم مستقلّ غير تلك الأدلّة، بل هي للإرشاد كما ذكر. كما أنّ تصحيح الإشكال بأنّ الباطل عند الشرع قد لا يكون باطلا عند العقلاء، كالبيع الغرري من طريق الحكومة واضح المنع؛ مثل دعوى أنّ العقلاء إذا رجعوا إلى فطرتهم الأصليّة يحكمون بمنع مثل القمار، فتدبّر.

و بعد ذلك كلّه فالظاهر أنّه لا محيص عن جعل الاستثناء في الآية منقطعا، و قد صرّح بذلك القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن «1»، و هذا من دون فرق بين أن

تكون «تجارة» منصوبة أو مرفوعة، بناء على أنّ كان تامّة أو ناقصة؛ و ذلك لوضوح أنّ المستثنى لا يكون من مصاديق أكل المال بالباطل، بل تناسب الحكم و الموضوع لا يلائم الاستثناء المتّصل بوجه.

نظير الاستثناء من دليل حرمة الشرك؛ فإنّه لا مجال لكون شي ء شركا، و مع ذلك صار بعض أقسامه مستثنى من الحرمة، بخلاف السجود لغير اللّه؛ فإنّه يجوز أن لا يكون منهيّا عنه، بل مأمور به بالأمر الإلهي، كما في سجود الملائكة لآدم، فتدبّر؛ فإنّه كان في الحقيقة سجود له، و مع ذلك أمر اللّه- تعالى- به و تخلّف عنه الشيطان لما توهّمه من علوّه على آدم عليه السّلام؛ لأنّه خلق من طين و خلق الشيطان من النار «2».

ثمّ إنّه لأجل ذلك- أي كون الاستثناء منقطعا، و لازمه كون المستثنى و المستثنى

______________________________

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5: 151.

(2) سورة الأعراف 7: 12، و سورة ص 38: 76.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 99

..........

______________________________

منه دليلين مستقلّين لا ارتباط لأحدهما بالآخر- ذكر سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه في ذيل البحث عن الآية، أنّه لو فرض في مورد صدق الأكل بالباطل، و صدق التجارة عن تراض، يقع التعارض بين صدر الآية و ذيلها بناء على دلالتهما على الحكم الوضعي؛ أي بطلان المعاملة و صحّتها، و لا ترجيح لأحدهما «1»، انتهى.

ضرورة أنّ التعارض بين الصدر و الذيل إنّما يقع بناء على ذلك المبني؛ لأنّه لو كان الاستثناء متّصلا لا مجال لدعوى التعارض بعد كون المستثنى و المستثنى منه كلاما واحدا و دليلا فاردا.

و من الواضح أنّ الاستثناء من السلب إيجاب و من الإيجاب سلب، كما لا يخفى، كما أنّه يستفاد من

فرض التعارض أنّه قدّس سرّه حمل الباطل في الآية على الباطل الشرعي؛ ضرورة أنّه لا وجه لتوهّم التعارض في غير هذه الصورة، كما هو ظاهر.

و الإنصاف أنّ الوصول إلى حقيقة معنى الآية و مفادّها مشكل جدّا؛ لأجل أنّ حمل الباطل المذكور فيها على الباطل الشرعي- بحيث لم تكن الآية إلّا للإرشاد، و الأدلّة الاخرى كانت متصدّية لبيان الأسباب الصحيحة و الباطلة، مع أنّ الظاهر كونها في مقام بيان الضابطة و إفادة القاعدة- بعيد جدّا، و حمل الباطل على الباطل العرفي الذي لا يقول به العقلاء- المستلزم لعدم كون مثل البيع الغرري باطلا، كما هو المتداول في العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام- أيضا بعيد.

كما أنّ حمل الاستثناء على الانقطاع الذي لا محيص عنه- كما عرفت- أيضا بعيد، خصوصا فيما يتعلّق بالدليل الذي هو مسوق لبيان الضابطة الكلّية، خصوصا في الكتاب و القرآن العزيز.

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 243- 244.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 100

..........

______________________________

و بعد ذلك كلّه فلا إشكال في أنّه لا يستفاد من الآية إلّا الحكم الوضعيّ الراجع إلى الصحّة و البطلان، دون الحكم التكليفيّ الذي هو محطّ البحث في هذا الفرع على ما عرفت، فهي غير مرتبطة بالمقام.

و ربما يستدلّ للحكم بالحرمة في هذا الفرع بالحرمة لأجل المقدّميّة «1»، مع أنّه قد ثبت في بحث مقدّمة الواجب من الاصول أنّ مقدّمات الحرام لا تكون محرّمة إلّا المقدّمة التي يترتّب عليها ذو المقدّمة قهرا، و لا مدخل لإرادة المكلّف و اختياره بعدها «2».

و من المعلوم عدم كون المقام كذلك كما هو واضح، مع أنّ المقدّميّة ممنوعة في هذا الفرع؛ لأنّ محلّ الكلام فيه ما لو لم

يكن في البين إلّا بيع العنب مثلا مع اشتراط صرفه في عمل الخمر أو التواطؤ عليه، و من الممكن أن لا يكون عازما على ذلك من أوّل الأمر، أو انصرف عن عزمه، و إنّما تكون المقدّميّة ثابتة بالإضافة إلى الفرع الآتي الذي يعلم بصرف المبيع في الحرام، كما لا يخفى، مع أنّه على تقدير ثبوت الحرمة من باب المقدّمة نقول: إنّ الحرمة المدّعاة حرمة نفسيّة، مع أنّ حرمة المقدّمة تبعيّة.

كما أنّه ربما يستدلّ لما ذكرنا بأدلّة وجوب النهي عن المنكر؛ نظرا إلى أنّ رفع المنكر لو كان واجبا لكان دفعه أيضا كذلك، بل بطريق أولى «3».

و فيه- مضافا إلى اختصاص ذلك على تقدير صحّته بصورة العلم بالصرف في الحرام، مع أنّ موضوع الفرع أعمّ من ذلك-: أنّ أولويّة الدفع عن الرفع لا مجال

______________________________

(1) مستند الشيعة 14: 96.

(2) سيرى كامل در اصول فقه 6: 12- 13.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 8: 47، رياض المسائل 8: 54، مستند الشيعة 14: 99.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 101

..........

______________________________

للالتزام بها لو لم نقل بأنّ الأولويّة بالعكس، كما لا يخفى، هذا ما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه «1».

و أمّا ما أفاده سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه، فهو أنّ وجوب النهي عن المنكر هل هو عقليّ أو شرعيّ، و قد اختار هو تبعا للشيخين الطوسي «2» و الأنصاري «3» و العلّامة «4» و الشهيدين «5» و بعض آخر الأوّل «6»، كما أنّ جمهور المتكلّمين، منهم المحقّق الطوسي الثاني «7». و أفاد أنّه على كلا القولين يكون النهي عن المنكر بترك البيع ممّن يعلم أنّه يصرفه في الخمر لازما و إن كان هذا الدليل لا يجري

في هذا الفرع الذي ليس فيه العلم.

و خلاصة ما أفاده في ضمن كلام طويل: أنّه لا فرق في نظر العقل بين الرفع و الدفع، بل لا معنى لوجوب الرفع؛ فإنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه، فالواجب عقلا هو المنع عن وقوع مبغوض المولى، و ما يشير إليه كلام الشيخ من الاستدلال عليه بوجوب اللطف، فهو غير تامّ؛ لما أفاده السيّد في الحاشية من كفاية ترهيب اللّه و نهيه في تحقّق اللطف «8». هذا لو كان الوجوب عقليّا.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 1: 267.

(2) الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: 147.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 134.

(4) مختلف الشيعة 4: 471- 472 مسألة 83.

(5) اللمعة الدمشقيّة: 46، الروضة البهيّة 2: 409.

(6) نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة: 264، السابع، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، التنقيح الرائع 1: 591- 592.

(7) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 578- 579.

(8) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 60.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 102

..........

______________________________

و أمّا لو كان شرعيّا، فمقتضى إطلاق الأدلّة الشمول للدفع أيضا لو لم نقل بأنّ الواجب هو الدفع و أنّ الرفع يرجع إليه؛ لأنّ النهي عبارة عن الزجر عن إتيان المنكر، و هو لا يتعلّق بالموجود إلّا باعتبار ما لم يوجد؛ فإنّ الزجر عن إيجاد الموجود محال عقلا و عرفا، فهل ترى من نفسك أنّه لو أخذ أحد كأس الخمر يشربها بمرئى و منظر من المسلم، يجوز له التماسك عن النهي حتّى يشرب جرعة منها؟

و من الواضح أنّ النهي في صورة شرب الجرعة إنّما هو باعتبار استمراره، و هو لا يكون إلّا دفعا لا رفعا «1»، انتهى، و هذا متين جدّا.

ثمّ إنّه

أفاد سيّدنا العلّامة الاستاذ الماتن قدّس سرّه وجها آخر للحكم بالحرمة في بعض مصاديق هذا الفرع؛ و هو اشتراء العنب للتخمير؛ و حاصله: أنّ الظاهر المتفاهم من المستفيضة الدالّة على لعن الخمر و غارسها و حارسها و بائعها و مشتريها ... «2» أنّ اشتراء العنب للتخمير حرام، بل كلّ عمل يوصله إليه حرام، لا لحرمة المقدّمة؛ فإنّ التحقيق عدم حرمتها، و لا لمبغوضيّة تلك الامور بعناوينها، بل الظاهر أنّ التحريم نفسيّ سياسيّ لغاية قلع مادّة الفساد.

فإذا كان الاشتراء للتخمير حراما؛ سواء وصل المشتري إلى مقصوده أم لا، تكون الإعانة عليه حراما؛ لكونها إعانة على الإثم بلا إشكال؛ لأنّ قصد البائع وصول المشتري إلى اشترائه الحرام، و الفرض تحقّق الاشتراء أيضا «3»، انتهى موضع الحاجة.

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 203- 206.

(2) وسائل الشيعة 25: 375، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 34 ح 1 و 2.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 215.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 103

..........

______________________________

هذا، و يمكن أن يقال بعدم اختصاص الحكم بالمصداق المذكور، بل يعمّ اشتراء الخشب للصنم مثلا؛ فإنّ الأثر المترتّب عليه غالبا محقّق الشرك في العبادة، الذي كانت الجاهليّة مبتلاة به؛ لأنّهم كانوا مشركين في العبادة، و يقولون: مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلّٰا لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ «1». و من الواضح أنّ الشرك أعظم فسادا من الخمر، فهل يحتمل أن يكون غارس شجر العنب بقصد جعله خمرا ملعونا و مرتكبا للحرام، و غارس الشجر في المثال المذكور غير ملعون و غير مرتكب للحرام؟ و الظاهر أولويّة الثانى من الأوّل.

نعم، بالإضافة إلى آلات اللهو و القمار يمكن منع الأولويّة، بل منع

دعوى إلغاء الخصوصيّة من روايات الخمر بالإضافة إليها و إن كانت تلك الآلات أيضا موادّا للفساد، لكن مراتب الفساد مختلفة، كما لا يخفى.

هذا، و يمكن المناقشة في ثبوت الحكم في المصداق المذكور- و هو اشتراء العنب للتخمير أيضا- بأنّ المفروض في هذا الفرع مجرّد الالتزام و الإلزام اللفظي بالصرف في الخمر، أو التواطؤ عليه كما عرفت، و يمكن أن لا يكون عزم المشتري من الأوّل على ذلك، أو تبدّل عزمه، خصوصا مع علمه ببطلان هذا الشرط و عدم لزوم الوفاء به، فحينئذ لا دليل على حرمة مجرّد الاشتراء حتّى يكون البيع بعنوان الإعانة على الشراء محرّما، و لا يكون هذا الشراء مماثلا للعناوين العشرة المحرّمة المأخوذة في المستفيضة، فتدبّر.

الفرع الثاني: إجارة المساكن ليباع أو يحرز فيها الخمر، أو ليعمل فيها بعض المحرّمات، و كذا إجارة السفن أو الحمولة لحمل الخمر و شبهها، و الظاهر أنّ الحكم

______________________________

(1) سورة الزمر 39: 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 104

..........

______________________________

فيه بلحاظ القواعد و الضوابط إنّما هو كالحكم في الفرع الأوّل من دون فرق.

و أمّا بملاحظة الروايات، فنقول قبلها: إنّه ذكر بعض الأعلام قدّس سرّه أنّ ما يقصد من إجارته الحرام يكون على أربعة أقسام، و لم يذكر منها هنا إلّا اثنين:

الأوّل: أن يكون متعلّق الإجارة من الامور المحرّمة؛ كأن يؤجر نفسه للعمل الحرام، و ذكر أنّ هذا لا ريب في حرمته من حيث الوضع و التكليف.

الثاني: أن يشترط المؤجر على المستأجر أن ينتفع بالعين المستأجرة بالمنافع المحرّمة من دون أن يكون أصل الإيجاد للحرام، كاستئجار مثل الثياب بشرط الانتفاع به في الجهة أو الجهات المحرّمة، و ذكر أنّ المشهور بين علماء الفريقين عدم

الجواز «1».

أقول: قد ذكرنا في كتاب الإجارة و في التعليقة على العروة الوثقى «2»: أنّ الإجارة إضافة خاصّة بالنسبة إلى العين المستأجرة أو الشخص الأجير، تتبعها ملكيّة المنفعة أو المنافع، و لا تكون مرتبطة بالمنفعة مستقيمة، و لذا يقال: أجرت الدار أو استأجرتها، أو أجّر الشخص نفسه و استأجرها.

و أمّا النصّ في المقام- أي في باب الإجارة- فاثنان:

أحدهما: خبر صابر (جابر خ ل) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه (فيها خ ل) الخمر؟ قال: حرام أجره «3».

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 1: 267- 269.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 10، العروة الوثقى مع تعليقات المؤلّف دام ظلّه 2: 465.

(3) الكافي 5: 227 ح 8، تهذيب الأحكام 6: 371 ح 1077 و ج 7: 134 ح 593، الاستبصار 3: 55 ح 179، و عنها وسائل الشيعة 17: 174، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 105

..........

______________________________

ثانيهما: صحيحة ابن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير؟ قال: لا بأس «1».

و ذكر في الوسائل بعد نقل الخبرين أنّه حمل الشيخ الأوّل على من يعلم أنّه يباع فيه الخمر، و الثاني على من لا يعلم ما يحمل عليها. و قد جمع الشيخ الأعظم قدّس سرّه بين الحديثين بأنّ رواية ابن اذينة محمولة على ما إذا اتّفق الحمل من غير أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد؛ بتقريب أنّ خبر جابر نصّ فيما نحن فيه و ظاهر في هذا، و رواية ابن

اذينة بالعكس، فيطرح ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر «2».

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بأنّ المتيقّن الخارج عن مقام التخاطب من الدليلين لا يصحّح الجمع الدلالي بينهما ما لم يساعده شاهد من النقل و الاعتبار، و إنّما هو تبرّعيّ محض «3».

أقول- مضافا إلى أنّ كلا الخبرين خارجان عن الفرع الذي هو مورد البحث؛ لأنّ محلّه ما إذا كانت الإجارة للأمر المحرّم على نحو الاشتراط اللفظي، أو ما بحكمه من التواطؤ.

و إلى أنّ صريح الأوّل الفساد و ظهور الثاني في الصحّة، و الكلام في الحرمة التكليفيّة و عدمها لا في الحرمة الوضعيّة نفيا و إثباتا.

و إلى إمكان المناقشة في سند الأوّل باعتبار احتمال كون الراوي جابرا و هو ضعيف، بخلاف الصابر الذي يقال: إنّه حسن، و إن كنت لم أجده في الممدوحين غير

______________________________

(1) الكافي 5: 227 ح 6، تهذيب الأحكام 6: 372 ح 1078، الاستبصار 3: 55 ح 180، و عنها وسائل الشيعة 17:

174، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 39 ح 2.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 124.

(3) مصباح الفقاهة 1: 270.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 106

..........

______________________________

الموثّقين بالخصوص، و لا في إسناد كامل الزيارات، و لا في إسناد تفسير علي ابن إبراهيم-:

لعلّ مقتضى الجمع بينهما من حيث أنفسهما- مع قطع النظر عن ملاحظة إيرادهما في المقام- هو حمل الأوّل على الحكم الوضعي، للحكم فيه بحرمة الأجر التي لا تجتمع إلّا مع فساد الإجارة و بطلانها، و حمل الثاني على الحكم التكليفي، و يصير محصّل الخبرين عدم الحرمة تكليفا و ثبوت الحرمة وضعا، كما في جملة من الموارد التي يكون البيع مثلا فاسدا، و لكنّه غير محرّم

كما في مثل البيع الغرري.

و لازم ذلك الحكم بالجواز في محلّ البحث و لو فرض كون مقتضى القواعد العدم، كما لو فرض شمول آية التعاون أو مثلها له، خصوصا مع ملاحظة صحّة رواية ابن اذينة على ما هو التحقيق من صحّة روايات علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، كما عرفت مرارا؛ لأنّها بمنزلة المخصّص للعمومات و تلك القواعد.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّه من المستبعد جدّا شرط مثل ابن اذينة- مع كونه من ثقات الرواة- على المستأجر للسفينة أو الدابّة حمل الخمر فيها أو عليها، إلّا أن يكون مراده السؤال عن حكم الفرض مع كونه غير مبتلى به لنفسه، كما لا يخفى.

و يؤيّده ذكر كلمة «الرجل» في السؤال من دون أن ينسب ذلك إلى نفسه، فتدبّر. أو يقال بأنّ آية التعاون على تقدير دلالتها آبية عن الاستثناء، كما عرفت نظيره.

الفرع الثالث: فساد البيع و الإجارة في الفرعين الأوّلين. أمّا فساد البيع، فالظاهر أنّه لا دليل عليه سوى أنّ الشرط الفاسد يكون مفسدا، و هو على خلاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 107

..........

______________________________

التحقيق؛ لأنّ الآية الناهية عن التعاون على الإثم و العدوان «1» و إن كان مفادّها الحكم التكليفي، إلّا أنّك عرفت «2» أوّلا: أنّ موردها الإعانة، و سيجي ء البحث عن معناها.

و ثانيا: أنّ الحرمة في المعاملات لا تقتضي الفساد كما حقّق في محلّه. «3»

و الآية الناهية عن أكل المال بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم «4» لا دلالة لها على حكم المقام؛ لأنّ صدق الباطل الشرعي أوّل الكلام، و الباطل العقلائي ممنوع، و ليس هنا ما يدلّ على الفساد، إلّا أن يقال بدلالة الخبر الوارد في

الإجارة على بطلانها بعد كون المراد من قوله: «فيباع فيه الخمر» هو ليباع فيه الخمر على طريق الاشتراط و الركنية في العقد، كما صنعه الشيخ قدّس سرّه. و بعد ثبوت الحكم في الإجارة يحكم في البيع أيضا بالبطلان إمّا بإلغاء الخصوصيّة، أو بطريق الأولويّة. و يؤيّده ذكر الشيخ قدّس سرّه أخبار الإجارة في باب البيع «5».

و أمّا استبعاد اشتراط بيع الخمر في البيت المستأجر فيه من المسلم، فقد أجاب عنه الشيخ بمنع الاستبعاد المذكور و إمكان وقوع مثل هذا الاشتراط من المسلم كثيرا، و إن كان اشتراط جعل الخشب المبيع صنما أو صليبا لا يكاد يصدر من المسلم المعتقد ببطلانهما «6».

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 2.

(2) في ص 92- 96.

(3) سيرى كامل در اصول فقه 7: 292- 346.

(4) سورة النساء 4: 29.

(5) تهذيب الأحكام 6: 372، و ج 7: 134 و غيرهما.

(6) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 125.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 108

..........

______________________________

و أمّا فساد الإجارة، فالدليل الوحيد في هذا الباب هو خبر صابر المتقدّم بناء على المعنى الذي ذكرناه؛ ضرورة أنّ حرمة الأجر لا تكاد تجتمع مع الاتّصاف بالصحّة.

و دعوى أنّه يكفي في الحكم بالفساد وقوع الاجرة في مقابل المنفعة المحرّمة الساقطة عند الشارع، مدفوعة بما أشرنا إليه من أنّ الاجرة لا تقع في الإجارة في مقابل المنفعة، بل حقيقة الإجارة إضافة خاصّة بين المستأجر و العين المستأجرة، و لا تكون عبارة عن تمليك المنفعة بعوض، كما يدلّ عليه التعبير بها في حقيقة الإجارة في كثير من الكلمات، و يؤيّد ما ذكرنا تعلّق الإيجار و الاستئجار بنفس الدار مثلا.

و كيف كان، فالظاهر أنّه لا دليل على فساد الإجارة و

بطلانها غير الخبر المتقدّم الذي عرفت المناقشة في سنده على كلّ حال، و احتمال استناد المشهور إليها على فرض قولهم بالبطلان غير معلوم.

الفرع الرابع: بيع الخشب ممّن يعلم أنّه يجعله صنما أو صليبا، و كذا بيع العنب و التمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، و هكذا من الأمثلة، و إجارة المساكن ممّن يعلم بأنّه يعمل فيها محرّما لا غير، و شبه ذلك، و الكلام فيه في مقامين:

المقام الأوّل: فيما تقتضيه القواعد و الضوابط في مثل الفرع، و قد قوّى في المتن الحرمة في وجه قويّ، و منشؤها أحد امور على سبيل منع الخلوّ:

الأمر الأوّل: الآية الدالّة على النهي عن التعاون على الإثم و العدوان «1»، بناء على

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 109

..........

______________________________

ما ذكرنا «1» من أنّ المراد من التعاون هي الإعانة، و لكن وقع البحث و الخلاف في بيان معنى الإعانة و حقيقتها، مع أنّها من الاستعمالات العرفيّة الكثيرة.

و محصّل ما ذكروه في هذا المجال يرجع إلى الأقوال التالية:

أحدها: فعل بعض مقدّمات فعل الغير و عمله المحرّم؛ سواء كان مقرونا بقصد حصوله منه، أم لم يكن كذلك، و سواء وقع المعان عليه في الخارج و تحقّق من الغير أم لا.

ثانيها: ما ذكره المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد؛ من أنّ صدق الإعانة على بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا ممنوع، و إنّما تتحقّق المعاونة مع بيعه لذلك «2»، و وافقه على ذلك صاحب الكفاية «3» و جماعة من متأخّري المتأخّرين على ما حكى عنهم «4».

ثالثها: ما حكاه الشيخ الأعظم «5» عن بعض معاصريه من اعتبار وقوع المعان عليه في تحقّق مفهوم الإعانة في الخارج

زائدا على اعتبار قصد المعين ذلك «6».

رابعها: ما حكي عن المحقّق الأردبيلي في زبدة البيان في تفسير الآية المذكورة؛ من أنّ الظاهر أنّ المراد بالإعانة على المعاصي مع القصد أو على الوجه الذي يصدق أنّها إعانة، مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إيّاها، أو يطلب منه القلم لكتابة ظلم فيعطيه إيّاه، و نحو ذلك ممّا يعدّ معاونة عرفا، فلا تصدق

______________________________

(1) في ص 92- 96.

(2) حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي و آثاره 9: 318.

(3) كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 425- 426.

(4) مستند الشيعة 14: 100.

(5) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 133.

(6) عوائد الأيّام: 75- 79.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 110

..........

______________________________

على التاجر الذي يتّجر لتحصيل غرضه أنّه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور، و لا على الحاجّ الذي يؤخذ منه المال في طريقه ظلما، و غير ذلك ممّا لا يحصى، فلا يعلم صدقها على بيع العنب ممّن يعمل خمرا، أو الخشب ممّن يعمل صنما، و لهذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه «1»، و عليه الأكثر، و نحو ذلك ممّا لا يخفى «2»، انتهى.

خامسها: ما اختاره بعض الأعلام قدّس سرّه من أنّه لا يعتبر في صدق الإعانة شي ء إلّا وقوع المعان عليه في الخارج «3»، و لعلّه يقرب من القول الأوّل أو هو نفسه، إلّا أن يراد عدم لزوم كون المعين إنسانا حتّى يشمل مثل العصا و نحوها، فإنّ الظاهر عدم انطباق القول الأوّل عليه.

سادسها: ما اختاره صاحب كتاب العناوين، الذي ذكر أنّه من تقريرات ابني الشيخ جعفر الكبير صاحب كشف الغطاء؛ و هو كتاب نفيس قد استفدت منه كثيرا، سيّما في

كتابنا في القواعد الفقهيّة المشتمل على عشرين قاعدة مهمّة من تلك القواعد، و محصّله: أنّ الضابط في ذلك أحد أمرين:

أحدهما: القصد و النيّة، فكلّ من عمل أو باع أو آجر أو قام أو قعد أو صدر عنه فعل من الأفعال بقصد ترتّب ظلم أو معصية عليه بحيث بني نيّته عليه؛ سواء شرط ذلك بلسانه أم لا، يعدّ إعانة للإثم و لو كان بواسطة أو وسائط؛ و ذلك أمر في العرف واضح- إلى أن قال:-

ثانيهما: قرب العمل من الإعانة و تمحّضه لذلك بحيث يعدّ إعانة و إن لم يكن قاصدا ... كما لو كان مثل الوزراء و العمّال و الكتّاب و الجنود؛ فإنّ هذه الجماعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59.

(2) زبدة البيان: 382- 383.

(3) مصباح الفقاهة 1: 290.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 111

..........

______________________________

و إن لم يكونوا قاصدين من عملهم الإعانة على المعاصي و الظلم، لكن هذه الصنعة و هذه المناصب تعدّ معاونة لقيام الشوكة بهم.

و كذلك قد يكون ذهاب شخص إلى عاص أو ظالم سببا لجرأته و شوكته من جهة كون سيره إليه سببا لبعض قوّة له في عمله «1»، انتهى.

و هذا البيان إمّا راجع إلى ما ذكره المقدّس الأردبيلي في تفسير الآية على ما عرفت أو قريب منه، كما لا يخفى.

و صرّح في ذيل كلامه بأنّه لا يشترط ترتّب المعصية المقصودة عليه، فلو فعل فعلا و نوى الإعانة لكن لم يترتّب المعصية لعروض مانع عنه فصدق الإعانة على الإثم غير مستبعد. 2

و قبل الخوض في بيان الصحيح من الأقوال نقول: إنّه لا شبهة في استعمال الإعانة في موارد عدم ثبوت القصد

أصلا، مثل:

ما ورد في أحاديث الفريقين من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه «3»؛ ضرورة أنّ الآكل للطين لا يكون قاصدا لموته، بل مريدا لدوام حياته بذلك، و في الاستعمالات العرفيّة ينسب كثيرا الإعانة إلى غير الإنسان من الأشياء غير الشاعرة، كالعصا و الهواء و الماء و مسير الريح و غير ذلك من الموارد، و لا مجال لدعوى كون تلك الاستعمالات مع كثرتها مجازية مسامحيّة، خصوصا مثل الحديث

______________________________

(1) 1، 2 العناوين 1: 566- 568.

(3) الكافي 6: 266 ح 8، المحاسن 2: 565 ح 975، تهذيب الأحكام 9: 89 ح 376، و عنها وسائل الشيعة 24:

222، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب 58 ح 7.

المعجم الكبير للطبراني 6: 253 ح 6138، السنن الكبرى للبيهقى 14: 411 ح 20277، مجمع الزوائد 5: 45، كنز العمال 15: 274 ح 40956.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 112

..........

______________________________

المذكور الذي يستفاد منه ترتّب استحقاق العقوبة على أكل الطين، و هو لا يتمّ إلّا بعد كونه إعانة على النفس حقيقة و واقعا، و إلّا فلا وجه للترتّب المذكور، و هكذا صدق المعين على العصا و مثله من الأمثلة المذكورة و الموارد غير الشاعرة.

و التحقيق أن يقال: إنّه لا ينبغي الإشكال في أنّه يعتبر في صدق الإعانة على الإثم وقوع الإثم في الخارج؛ لأنّ الظاهر من قوله: وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ «1» هو تحقّقه، و أنّه لا يصدق إلّا معه، فإذا لم يتحقّق خارجا و لكنّه أوجد شخص مقدّمات عمله- و لو كان مقرونا بقصد صدوره منه- لا يقال: إنّه أعانه على الإثم بعد عدم صدوره منه، بل هو توهّم الإعانة

على الإثم في صورة القصد، و هو لا يكون إلّا تجرّيا لا إثما.

و لكنّه ذكر سيّدنا العلّامة الاستاذ الماتن قدّس سرّه أنّه يمكن أن يقال: إنّ المفهوم العرفي من الإعانة على الإثم هو إيجاد مقدّمات إيجاد عمله الذي هو الإثم و إن لم يوجد، نظرا إلى أنّه من أعطى سلّما لسارق بقصد توصّله إلى السرقة، فقد أعانه على إيجادها، فلو حيل بين السارق و سرقته شي ء و لم تقع منه، يصدق على المعطي للسلّم أنّه أعانه على إيجاد سرقته و إن عجز السارق عن العمل، فلو كان تحقّق السرقة دخيلا في الصدق فلا بدّ و أن يقال: إنّ المعتبر في صدق الإعانة إيجاد المقدّمة الموصلة، أو الالتزام بأنّ وجود السرقة من قبيل الشرط المتأخّر لصدق الإعانة، و كلاهما خلاف المتفاهم العرفي منها، بل هما أمران عقليّان «2». انتهى موضع الحاجة.

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 2.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 211.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 113

..........

______________________________

و يمكن الإيراد عليه بأنّ الكلام ليس في وجوب المقدّمة المبحوث عنه في الاصول حتّى يكون البحث عقليّا؛ لأنّه هناك يكون البحث في حكم العقل بالملازمة و العدم، و يكون القول بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة موردا للمناقشة، كما أنّ البحث لا يرتبط بالبحث عن الشرط المتأخّر الذي صار تصوّره ممكنا مع الصعوبة؛ فإنّ البحث ليس في المقدّمة و لا في الشرط المتأخّر؛ لأنّه ربما يكون في البين عناوين تفتقر إلى ثلاثة أشياء كعنوان الضرب.

فكما أنّه يحتاج في تحقّقه إلى امور ثلاثة؛ الضرب و الضارب و المضروب و أمثاله من الموارد الكثيرة، كذلك عنوان الإعانة على الإثم المتوقّف على امور ثلاثة: المعين و المعان

و المعان عليه، و لا يمكن فرض تحقّقها بدون هذه الامور الثلاثة، من دون أن يرتبط ذلك ببحث المقدّمة و لا بالشرط المتأخّر، كما لا يخفى.

بل لزوم تحقّق الإعانة على الإثم و توقّفها عليه إنّما هو كأصل المعصية الصادرة من المكلّف، فكما أنّه لا يكفي فيه مجرّد النيّة و إن قلنا بأنّها بنفسها معصية لكنّه معفوّ عنها، بل اللازم إيجاد العمل و صدور المعصية منه خارجا، الموجب لترتّب استحقاق العقوبة عليه، كذلك المقام؛ فإنّه لا يتحقّق عنوان الإعانة على الإثم بدون تحقّقه، ففي المثال الذي أفاده هل يمكن أن يقال بأنّ السارق قد ندم عن السرقة قبل إيجادها و لذا لا يستحقّ العقوبة، و أمّا المعطي للسلّم له بقصد السرقة يكون معاقبا على عنوان الإعانة على الإثم؟

و دعوى أنّه يلزم حينئذ أن يكون استحقاق العقوبة متوقّفا على الغير، و هو لا يكون تحت إرادة الإنسان و اختياره، مدفوعة بلزوم مثل ذلك في جميع موارد التجرّي؛ فإنّ استحقاق العقوبة على ارتكاب شرب الخمر يتوقّف على ثبوت هذا العنوان واقعا، فلو شرب الخلّ بتخيّل أنّه خمر لا يكون في البين إلّا التجرّي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 114

..........

______________________________

لا استحقاق العقوبة على ارتكاب شرب الخمر، كما بيّن ذلك في محلّه، فتدبّر.

و عدم استبعاد صاحب العناوين عن تحقّقها بدون تحقّقه ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه، و ممّا يؤيّد ما ذكرناه أنّه لو قصد المعين الإعانة على الإثم، ثمّ انكشف عدم كونه إثما من رأس؛ كما إذا أعطى السيف زيدا بقصد صدور القتل المحرّم منه، ثمّ انكشف كونه- أي المقتول- مهدور الدم و جائز القتل للقصاص و نحوه، فهل يتحقّق عنوان الإعانة على

الإثم، أو لا يكون في البين إلّا مجرّد التجرّي؟ فتدبّر.

و ما أبعد ما بين ما أفاده الاستاذ، و بين ما تقدّم عن بعض الأعلام قدّس سرّه من أنّه لا يعتبر في صدق الإعانة إلّا وقوع المعان عليه في الخارج و إن كان لا يمكن الالتزام بما التزم به؛ من أنّ مسير الحاجّ و متاجرة التاجر مع العلم بأخذ المكوس و الكمارك، و هكذا عدم التحفّظ على المال مع العلم بحصول السرقة منه، فكلّها داخل في عنوان الإعانة؛ فإنّه لا وجه لجعل أمثالها من قبيل الموضوع للإعانة و خروجها عن عنوانها، كما زعمه شيخنا الاستاذ «1» و المحقّق الايرواني «2»، كما لا وجه لما ذهب إليه المصنّف رحمه اللّه من إخراجها عن عنوان الإعانة، من حيث إنّ التاجر و الحاج غير قاصدين لتحقّق المعان عليه؛ لما عرفت من عدم اعتبار القصد في صدقها «3»، انتهى.

و قد ذكر المحقّق الايرواني قدّس سرّه أنّ الإعانة عبارة عن مساعدة الغير بالإتيان بالمقدّمات الفاعليّة لفعله، دون مطلق المقدّمات الشاملة للمادّية، فضلا عن إيجاد نفس الفاعل أو حفظ حياته، فتهيئة موضوع فعل الغير و الإتيان بالمفعول به لفعله ليس إعانة له على الحرام، و من ذلك مسير الحاجّ و تجارة التجّار و فعل ما يغتاب

______________________________

(1) المكاسب و البيع تقرير أبحاث المحقّق النائيني 1: 27، و منية الطالب في شرح المكاسب 1: 37- 38.

(2) حاشية كتاب المكاسب للمحقّق الايرواني رحمه اللّه 1: 97- 98.

(3) مصباح الفقاهة 1: 290- 291.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 115

..........

______________________________

الشخص على فعله. نعم، ربما يحرم لكن لا بعنوان الإعانة، و من ذلك القيادة «1»، انتهى موضع الحاجة.

أقول: لو قلنا بأنّ مسير

الحاجّ و متاجرة التاجر في الفرض المزبور و مثلهما من مصاديق الإعانة و هي حرام، يلزم انسداد هذه الأبواب في زماننا هذا، خصوصا بالنسبة إلى الحجّ و التجارة، فكلّ من الأمرين يترتّب عليهما الحرام و تحقّق المعصية، و لا يمكن الالتزام به.

و دعوى المنع من حرمة الإعانة كما عرفت «2» من بعض، يدفعها أنّها خلاف ظاهر النهي في الآية «3».

و دعوى أنّ وجوب الحجّ في الفرض المزبور إنّما هو لأجل مزاحمته مع حرمة الإعانة، و تقدّمه عليها لأجل الأهمّية، مدفوعة بوضوح خلافه، مضافا إلى أنّه على فرض التماميّة يجري في الحجّ و لا يجري في التجارة، خصوصا مع عدم توقّف معيشته عليهما، كما لا يخفى.

و تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ اعتبار تحقّق المعان عليه الحرام في صدق الإعانة و تحقّق ماهيّتها ممّا لا تنبغي المناقشة فيه.

و أمّا اعتبار القصد فقط زائدا على ما ذكر، فينفيه إسناد الإعانة إلى من لا قصد له، أو شي ء لا يمكن في حقّه القصد لعدم الشعور، كما مرّ في الأمثلة المتقدّمة، و قد عرفت «4» أنّ الإسناد المجازي المسامحي مع أنّه مخالف للظاهر تنفيه كثرة

______________________________

(1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 98.

(2) في ص 93.

(3) سورة المائدة 5: 2.

(4) في ص 111- 112.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 116

..........

______________________________

الاستعمالات المذكورة.

و توجيه الاستعمالات الشرعيّة بأنّ صدق الإعانة على مواردها إنّما هو بنحو الحكومة، مثل «أكل الطين» المحكوم بالإعانة على النفس، يدفعه كثرة الاستعمالات العرفيّة، و وجود بعض الاستعمالات الشرعيّة غير القابلة للحمل على الحكومة، كقول عليّ عليه السّلام لشيعته: أعينوني بورع و اجتهاد، و عفّة و سداد «1»، و مثله.

فاللّازم أن يقال باعتبار أحد أمرين

على سبيل منع الخلوّ، إمّا القصد، و إمّا الصدق العرفي كما اختاره الأردبيلي قدّس سرّه، كالأمثلة المذكورة في كلامه المتقدّم «2»، و قد عرفت أنّ كلام صاحب العناوين إمّا راجع إليه أو قريب منه. 3

نعم، الظاهر أنّه لا يعتبر العلم بتحقّق المعان عليه في الخارج، بل لو ظنّ ذلك أو احتمل احتمالا عقلائيّا، و صدر منه فعل بعض مقدّماته بقصد تحقّق الحرام في الخارج و تحقّق الحرام منه، تتحقّق الإعانة و لو لم يكن عالما به، كما لا يخفى.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه لا مجال للتفصيل المتقدّم 4 المحكي عن حاشية الإرشاد من منع صدق الإعانة على بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، و صدقها فيما إذا باعه لذلك؛ أي مشترطا عليه الصرف في الخمر، مع أنّ الظاهر أنّ التفصيل بالعكس كان أولى؛ فإنّه في صورة الاشتراط قد مرّ أنّه لا داعي للمشتري للعمل بالشرط، خصوصا إذا كان عالما بالمسألة الفقهيّة، و أنّ مثل هذا الشرط غير لازم الوفاء به؛ لاستثنائه من عموم «المؤمنون عند شروطهم» «5» و أنّ الشرط الفاسد

______________________________

(1) نهج البلاغة (صبحي الصالح): 417، من كتاب له عليه السّلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري: الرقم 45.

(2) 2- 4 في ص 109- 111.

(5) تقدّم في ص 92.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 117

..........

______________________________

لا يسري فساده إلى أصل المعاملة المشروطة به.

و هذا بخلاف ما إذا علم بأنّه يصرف المبيع في الخمر خارجا و إن لم يكن هناك اشتراط لذلك؛ فإنّ صدق الإعانة في هذه الصورة أولى لو لم نقل بعدم صدقها في الصورة الاولى، كما ذكرناه سابقا، فتدبّر.

كما أنّه ظهر ممّا ذكرنا عدم تماميّة ما

تقدّم من المحقّق الأردبيلي «1» من أنّه لا يعلم صدق الإعانة في بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا؛ فإنّك عرفت أنّ الظاهر الصدق العرفي و إن لم يكن البائع قاصدا لحصول الإثم من المشتري.

و عليه: فالظاهر تماميّة هذا الأمر الأوّل؛ للحكم بالحرمة التكليفيّة.

الأمر الثاني: ما تقدّم من سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه «2» في مورد خصوص الخمر من دلالة الأخبار المستفيضة- الدالّة على لعن عشرة أشخاص- على حرمة الشراء للتخمير، و لا شبهة في أنّ البيع إعانة على الشراء المحرّم.

و لكنّا و إن ناقشنا في شمول هذا الدليل بالنسبة إلى الفرع الأوّل، و لكن تماميّته بالإضافة إلى الفرع الرابع الذي نحن فيه غير قابلة للمناقشة. نعم، ذكرنا أنّه لا يختصّ بالخمر، بل يجري في بيع الخشب للصنم أو الصليب بطريق أولى، كما عرفت 3.

الأمر الثالث: حكم العقل بأنّ تهيئة مقدّمات فعل الغير الحرام مع العلم أو الاطمئنان بصدوره منه قبيح- سواء كان من قصده ذلك أم لا- و موجب لاستحقاق العقوبة عليه، و قد ايّد ذلك بأنّ القوانين العرفيّة متكفّلة لجعل الجزاء على معين الجرم و إن لم يكن شريكا في أصله، و قد ورد نظيره في الشرع فيما

______________________________

(1) في ص 109- 110.

(2) 2، 3 في ص 102- 103.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 118

..........

______________________________

لو أمسك أحد شخصا و قتله الآخر، كان الثالث مراقبا لهما، و إن اختلفوا في العقوبة من حيث القصاص و الحبس إلى الموت و تسميل العينين «1».

قال سيّدنا الماتن قدّس سرّه بعد ذلك: و لا منافاة بين ذلك، و بين ما حرّرناه في الاصول من عدم حرمة مقدّمات الحرام مطلقا؛ لأنّ ما ذكرناه في

ذلك المقام هو إنكار الملازمة بين حرمة الشي ء و حرمة مقدّماته، و ما أثبتناه هاهنا إدراك العقل قبح العون على المعصية و الإثم لا لحرمة المقدّمة، بل لاستقلال العقل على قبح الإعانة على ذي المقدّمة الحرام و إن لم تكن مقدّماته حراما «2».

و أنا أزيد عليه بأنّ القبح المذكور ثابت و إن لم يكن من قصده وصول الغير إلى المحرّم و ارتكابه له، كما في المقام، فإذا علم بأنّ السارق يريد السرقة و يريد ابتياع السلّم لذلك، يكون تسليم السلّم إليه قبيحا و إن لم يكن التسليم لذلك، و إن كان الأوّل أشدّ قبحا.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الفرق بين هذا الأمر و الأمر الأوّل- مضافا إلى ما عرفت «3» من أنّ المستند للحكم بالتحريم في الأمر الأوّل هي الآية الناهية عن التعاون على الإثم و العدوان، و في هذا الأمر هو حكم العقل؛ و لذا صار سيّدنا الماتن قدّس سرّه بصدد بيان الفرق بين المقام، و بين مسألة المقدّميّة التي يكون البحث فيها عن حكم العقل بالملازمة و عدمه- أنّك عرفت «4» أنّه لا يبعد صدق الإعانة و لو مع عدم العلم

______________________________

(1) الكافي 7: 288 ح 4، الفقيه 4: 88 ح 281، تهذيب الأحكام 10: 219 ح 863، و عنها وسائل الشيعة 29: 50، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3.

(2) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 194- 195.

(3) في ص 108، 109.

(4) في ص 116.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 119

..........

______________________________

بصدور الحرام من المعان، بل يكفي في ذلك الاحتمال العقلائي مع تحقّق الإثم و العدوان، و في هذا الأمر يكون حكم العقل بذلك في

خصوص صورة العلم أو الاطمئنان بتحقّق الحرام، كما ظهر من تقريره، فتأمّل جيّدا.

المقام الثاني: في الروايات الواردة في هذا المجال.

فنقول: هي على طائفتين:

الطائفة الاولى: ما ورد في بيع الخشب ممّن يعلم أنّه يعمله صنما أو صليبا، و فيها ما يدلّ على التفصيل بينه، و بين بيع الخشب ممّن يعمله برابط.

الطائفة الثانية: ما ورد في بيع العنب أو التمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، و لم يكن في المعاملة اشتراط أو تواطئ عليه و لا من قصد البائع ذلك.

أمّا الطائفة الاولى: فهي روايتان:

إحداهما: صحيحة ابن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه برابط؟ فقال: لا بأس به، و عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلبانا؟ قال: لا «1».

ثانيتهما: صحيحة عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب و الصنم؟ قال: لا «2».

و أمّا الطائفة الثانية: فهي على قسمين:

قسم يدلّ على الجواز، الظاهر في عدم الكراهة أيضا، مثل:

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة؛ ص: 119

______________________________

(1) الكافي 5: 226 ح 2، تهذيب الأحكام 6: 373 ح 1082 و ج 7: 134 ح 590، و عنهما وسائل الشيعة 17:

176، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 41 ح 1.

(2) الكافي 5: 226 ح 5، تهذيب الأحكام 6: 373 ح 1084 و ج 7: 134 ح 591، و عنهما وسائل الشيعة 17:

177، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 41

ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 120

..........

______________________________

صحيحة محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع عصير العنب ممّن يجعله حراما، فقال: لا بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما، فأبعده اللّه و أسحقه «1».

و الظاهر أنّ المراد فيجعله «2» حراما لا ليجعله حراما، كما لا يخفى.

و صحيحة عمر بن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا أو سكرا؟ فقال: إنّما باعه حلالا في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله، فلا بأس ببيعه «3».

و رواية أبي بصير- التي رواها عنه عليّ بن أبي حمزة- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال:

إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس «4».

و رواية أبي كهمس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العصير فقال: لي كرم و أنا أعصره كلّ سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي؟ قال: لا بأس به، و إن غلى فلا يحلّ بيعه. ثمّ قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا «5».

و رواية رفاعة بن موسى قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا حاضر عن بيع العصير

______________________________

(1) الكافي 5: 231 ح 6، تهذيب الأحكام 7: 136 ح 604، الاستبصار 3: 105 ح 371، و عنها وسائل الشيعة 17:

230، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 4.

(2) كذا في الكافي و التهذيبين و مرآة العقول 19: 274 ح 2 و ملاذ

الأخبار 11: 205 ح 75، و لكن في الوافي 17: 251- 252 ح 17212: و يجعله.

(3) الكافي 5: 231 ح 8، و عنه وسائل الشيعة 17: 230، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 5.

(4) الكافي 5: 231 ح 3، تهذيب الأحكام 7: 136 ح 602، الاستبصار 3: 105 ح 369، و عنها وسائل الشيعة 17:

229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 2.

(5) الكافي 5: 232 ح 12، و عنه وسائل الشيعة 17: 231، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 121

..........

______________________________

ممّن يخمّره؟ قال: حلال، ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شرابا خبيثا «1».

و قسم يدلّ على الجواز الملائم مع الكراهة، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن بيع العصير ممّن يصنعه خمرا؟

فقال: بعه (بيعه ظ) ممّن يطبخه أو يصنعه خلًّا أحبّ إليّ، و لا أرى بالأوّل بأسا «2».

ثمّ إنّه ذكر في المتن أنّ المسألة من جهة النصوص مشكلة جدّا، و استظهر أنّها معلّلة.

و التحقيق أن يقال: إنّ صحيحة ابن اذينة المتقدّمة في الطائفة الاولى المفصّلة بين بيع الخشب ممّن يتّخذه برابط، و بين بيعه ممّن يعمله صلبانا، بجواز الأوّل و عدم جواز الثاني، شاهدة على عدم كون الفرع الثاني المذكور فيها في عداد مشابهاته، فالحكم فيه عدم الجواز من دون معارض.

و لقد أجاد صاحب الوسائل، حيث عقد لهذا الفرع بابا بعنوان «باب تحريم بيع الخشب ليعمل صليبا و نحوه» «3»، و لمشابهاته بابا آخر بعنوان «جواز بيع العصير و العنب و التمر ممّن يعمل خمرا» «4».

و لهذا يقع الإشكال على الشيخ الأعظم قدّس

سرّه، حيث إنّه قد خلط بين الروايات في جميع فروض هذا الفرع، و إن ذكر في آخر كلامه في مقام الجمع بين الروايات احتمال

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 136 ح 603، الاستبصار 3: 105 ح 370، و عنهما وسائل الشيعة 17: 231، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 8.

(2) تهذيب الأحكام 7: 137 ح 605، الاستبصار 3: 106 ح 375، و عنهما وسائل الشيعة 17: 231 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59 ح 9.

(3) وسائل الشيعة 17: 176، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 41.

(4) وسائل الشيعة 17: 229، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 59.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 122

..........

______________________________

التزام الحرمة في بيع الخشب ممّن يعمله صليبا أو صنما لظاهر أخباره، و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها على الأخبار المجوّزة، ثمّ ذكر أنّ هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولا بالفصل «1».

أقول: أمّا التزام الحرمة في الصورة الاولى، فقد عرفت دلالة الرواية عليه من دون أن يكون له معارض

و الظاهر اختلافها مع الموردين الآخرين المذكورين في هذا الفرع، من جهة شمول جميع القواعد الثلاثة المتقدّمة و عدمه، و ذلك لاختلافها في مراتب الفساد، و وقوع بعضها في أعلى تلك المراتب، و بعضها في الرتبة المتوسطة، و بعضها في الرتبة الدنيّة من المرتبتين المتقدّمتين و إن اشترك الجميع في الإثم و العدوان، و لأجله تشمل الجميع الآية الناهية عن التعاون على الإثم و العدوان، لكنّها مختلفة بملاحظة الأخبار المستفيضة الواردة في لعن عشرة أشخاص المتقدّمة، فإنّ دلالتها على ثبوت الحرمة في مثل بيع الخشب ليعمل صلبانا أو صليبا

إنّما هي بطريق أولى.

و أمّا دلالتها على الثبوت بالإضافة إلى بيع الخشب ليعمل آلة للّعب أو القمار فممنوعة، و لأجله قد وقع التفصيل في صحيحة عمر بن اذينة المتقدّمة بالجواز في الثاني دون الأوّل، و من المعلوم أنّ الإجماع على عدم ثبوت الفصل غير حاصل، فلا مجال للتمسّك به كما احتمله كلام الشيخ المتقدّم، فتدبّر.

و أمّا الصورة الثانية: فقد ذكر سيّدنا الاستاذ الماتن في كتابه في المكاسب المحرّمة أنّ الروايات الدالّة على الجواز في هذه الصورة بما أنّها مخالفة للكتاب و السنّة المستفيضة، و بما أنّها مخالفة لحكم العقل كما تقدّم، و بما أنّها مخالفة لروايات النهي

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 129- 132.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 123

..........

______________________________

عن المنكر، بل بما أنّها مخالفة لاصول المذهب، و مخالفة لقداسة ساحة المعصوم عليه السّلام، حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يبيعون تمرهم ممّن يجعله خمرا و شرابا خبيثا، و لم يبيعوه من غيره، و هو ممّا لا يرضى به الشيعة الإماميّة.

كيف! و لو صدر هذا العمل من أواسط الناس كان يعاب عليه، فالمسلم بما هو مسلم، و الشيعي بما هو كذلك، يرى هذا العمل قبيحا مخالفا لرضا الشارع، فكيف يمكن صدوره من المعصوم عليه السّلام «1»؟

أقول: مع أنّك عرفت منه قدّس سرّه «2» أنّ المستفاد من الأخبار المستفيضة الدالّة على لعن عشرة أشخاص، أنّ شراء العنب بقصد التخمير حرام، و ليس مقامه أقلّ من غرس الشجر لأجله، و من المعلوم أنّ البيع إعانة على الشراء المحرّم على تقدير جميع الأقوال المتقدّمة في معنى الإعانة.

و الآية الناهية عن التعاون على الإثم و العدوان و مثلها آبية عن

التخصيص، فلا مجال لدعوى أنّ اعتبار الأخبار إنّما هو بالإضافة إلى الخبر المخالف للقاعدة؛ نظرا إلى أنّه لا حاجة في الخبر الموافق لها إليه؛ لاقتضاء القاعدة إيّاه.

و لكن ذلك إنّما هو بالنسبة إلى القاعدة غير الآبية عن التخصيص، و إلّا فلا مجال للخبر، أ ترى أنّه يمكن تجويز معاملة كانت أكلا للمال بالباطل، و مع ذلك دلّ الخبر «3» على جوازه؟ و لذا عرفت «4» أنّ الاستثناء المذكور في الآية يكون منقطعا لا متّصلا، فتدبّر.

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 219.

(2) في ص 102- 103.

(3) تقدّم في ص 120- 121.

(4) في ص 98.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 124

..........

______________________________

و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده بعض الأعلام قدّس سرّه على ما في تقريراته، حيث ذكر أنّ الذي ينبغي أن يقال: إنّه إذا تمّ عدم الفصل بين موارد الروايات المجوّزة و المانعة، كان من قبيل تعارض الدليلين، فيؤخذ بالطائفة المجوّزة؛ لموافقتها لعمومات الكتاب، كقوله- تعالى-: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1». و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2». و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «3» و إن لم يثبت عدم الفصل بين مواردها، كما احتمله المصنّف- يعني الشيخ- وجب أن يقتصر بكلّ طائفة على موردها، و لا تصل النوبة إلى التعارض بينهما و العمل بقواعده.

و هذا هو الظاهر من الروايات، و تشهد له أيضا رواية ابن اذينة المفصّلة بين الأصنام و البرابط. قال: و يقرّبه أنّ شرب الخمر و صنعها، أو صنع البرابط و ضربها و إن كانت من المعاصي الكبيرة و الجرائم الموبقة، إلّا أنّها ليست كالشرك باللّه العظيم؛ لأنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك.

و عليه: فيمكن اختلاف مقدّمة

الحرام من حيث الجواز و عدمه باختلاف ذي المقدّمة من حيث الشدّة و الضعف «4». انتهى موضع الحاجة.

ثمّ إنّ الشيخ قدّس سرّه بعد أن حكى الجمع بين الطائفتين: المجوّزة و المانعة- بحمل المانعة على صورة اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما، أو تواطئهما عليه، و الإيراد عليه بأنّ هذا في غاية البعد؛ إذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنما في متن بيعه أو في خارجه، ثمّ يجي ء و يسأل الإمام عليه السّلام عن جواز فعل هذا في المستقبل

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 1.

(2) سورة البقرة 2: 275.

(3) سورة النساء 4: 29.

(4) مصباح الفقاهة 1: 284- 285.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 125

..........

______________________________

و حرمته- قال: فالأولى حمل الأخبار المانعة على الكراهة؛ لشهادة غير واحد من الأخبار على الكراهة، كما أفتى به جماعة «1»، و يشهد له رواية الحلبي المتقدّمة و غيرها «2»، «3».

أقول: على تقدير تسليم الشهادة المذكورة، فالظاهر أنّه ليس في هذا الباب إلّا رواية الحلبي، و الشهادة ممنوعة؛ لأنّ غاية مفادّها أنّ بيعه ممّن يطبخه أو يصنعه خلًّا أحبّ إليه، و من الظاهر أنّ الأحبّية لا تستلزم كراهة مخالفته، خصوصا مع التعبير بنفي البأس المطلق عنها، كما لا يخفى.

و المحكيّ عن السيّد في الحاشية ما ملخّصه: أنّه يمكن الجمع بحمل الأخبار المجوّزة على صورة العلم؛ بأنّ ذلك عمل المشتري و إن لم يعلم بصرف هذا المبيع الخاصّ في المحرّم، و حمل الأخبار المانعة على صورة العلم بصرفه في الحرام، و يمكن الجمع أيضا بحمل المانعة على العلم بقصد المشتري صرفه في الحرام، و حمل المجوّزة على العلم بالتخمير مع عدم العلم بأنّ قصده ذلك «4».

و اورد عليه

بأنّ الوجهين من الجموع التبرّعيّة، و لا شاهد لها أصلا «5».

فالحقّ أن يقال: أمّا بالنسبة إلى بيع الخشب ممّن يعمله صليبا أو صنما، فلا محيص عن الحكم بالحرمة فيه؛ لدلالة العقل و النقل عليه من غير معارض؛

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 10، إرشاد الأذهان 1: 357، اللمعة الدمشقيّة: 61، و نسبه في الجواهر 22: 31 إلى المشهور.

(2) في ص 120- 121.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 130- 131.

(4) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 55.

(5) مصباح الفقاهة 1: 283.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 126

..........

______________________________

و لا مجال لتوهّم ثبوت عدم الخلاف فضلا عن الإجماع على عدم الفصل، خصوصا مع ما عرفت من الوسائل «1».

و أمّا بالنسبة إلى بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا، خصوصا بالإرادة المحقّقة حال المعاملة و البيع، فالأخبار فيه و إن كانت متعارضة، إلّا أنّه لا وجه للحكم باعتبار الأخبار المجوّزة و إن كانت موافقة للعمومات الدالّة على الجواز في الكتاب؛ لمخالفتها للكتاب من جهة اخرى غير قابلة للتخصيص، و لحكم العقل، و للأخبار المستفيضة الواردة في الخمر «2»، فهل ترى من نفسك ثبوت اللعن بالإضافة إلى غارس الخمر، و الجواز لبيع العنب مع العلم بصرفه في الخمر و ثبوت هذا القصد في حال البيع؟!

و أمّا بالنسبة إلى بيع الخشب ممّن يعمله آلة للّهو أو القمار، فرواية ابن اذينة «3» و إن كانت دالّة على الجواز بالإضافة إلى البرابط، إلّا أنّه لا مجال للأخذ بها؛ للمخالفة مع الكتاب الناهي عن التعاون على الإثم و العدوان بعد وضوح الإباء عن التخصيص، كما لا يخفى. و حكم العقل على ما عرفت «4».

فالحكم في الجميع المنع و إن كانت المراتب

مختلفة بالشدّة و الضعف، و لذا ذكر في المتن أنّ المسألة من جهة النصوص مشكلة، و استظهر أنّها معلّلة.

هذا، و لكن يبقى في النفس شي ء؛ و هو أنّه كيف يمكن الحكم بعدم التفصيل

______________________________

(1) في ص: 121.

(2) وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 55، و ج 25: 375، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 34.

(3) تقدّمت في ص 120.

(4) في ص 118- 119.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 127

..........

______________________________

بالإضافة إلى الرواية الصحيحة الصريحة «1» في التفصيل و الحكم بأنّه لا فرق بين البرابط و الأصنام و الصلبان، كما لو فرض إمكان حمل مطلق الأخبار المجوّزة على التقيّة، فالتعليل في جملة منها «2» بأنّا نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا، لا يلائم التقيّة بوجه، و لا مجال لذكر هذه العلّة، فتدبّر جيّدا.

______________________________

(1) و هي صحيحة ابن اذينة المتقدّمة في ص: 120.

(2) مثل روايتي أبي كهمس و ابن موسى المتقدّمتين في ص 120.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 128

[بيع السلاح من أعداء الدين]

مسألة 11: يحرم بيع السلاح من أعداء الدّين حال مقاتلتهم مع المسلمين، بل حال مباينتهم معهم بحيث يخاف منهم عليهم. و أمّا في حال الهدنة معهم أو زمان وقوع الحرب بين أنفسهم و مقاتلة بعضهم مع بعض، فلا بدّ في بيعه من مراعاة مصالح الإسلام و المسلمين و مقتضيات اليوم، و الأمر فيه موكول إلى نظر والي المسلمين، و ليس لغيره الاستبداد بذلك.

و يلحق بالكفّار من يعادي الفرقة الحقّة من سائر الفرق المسلمة، و لا يبعد التعدّي إلى قطّاع الطريق و أشباههم، بل لا يبعد التعدّي من بيع السلاح إلى

بيع غيره لهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ؛ كالزاد و الراحلة و الحمولة و نحوها (1).

______________________________

(1) في بيع السلاح من أعداء الدّين و مخالفي الإسلام و المسلمين فروض:

الأوّل: حال مقاتلتهم مع المسلمين و تحقّق الحرب الفعليّة بين الطرفين، و الأقوال في أصل المسألة كثيرة، كالروايات الواردة فيها، التي منها:

رواية أبي بكر الحضرمي قال: دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له حكم السرّاج: ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج و أداتها؟ فقال: لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج و السلاح «1».

و رواية هند السرّاج قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أصلحك اللّه إنّي كنت أحمل

______________________________

(1) الكافي 5: 112 ح 1، تهذيب الأحكام 6: 354 ح 1005، الاستبصار 3: 57 ح 187، و عنها وسائل الشيعة 17:

101، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 129

..........

______________________________

السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم (فيهم خ ل)، فلمّا عرّفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك و قلت: لا أحمل إلى أعداء اللّه، فقال لي: احمل إليهم و بعهم؛ فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا و عدوّكم- يعني الروم- و بعه، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك «1».

و رواية السرّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: إنّي أبيع السلاح، قال:

لا تبعه في فتنة «2».

و السؤال و إن كان مطلقا، إلّا أنّ الجواب قرينة على أنّ المراد بيع السلاح من أعداء الدّين، و يؤيّده

قوله- تعالى-: وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ* «3»، و لكن في غير نسخة الوسائل السرّاد، و استشكل عليه بأنّ المراد منه إن كان هو ابن محبوب المعروف، فهو لا يروي عن الصادق عليه السّلام بلا واسطة، و إن كان المراد منه غيره فلا بدّ و أن يبحث في حاله، مع أنّه في محكي الاستبصار عن السرّاد عن رجل. و عليه:

فالرواية مرسلة، و الظاهر أنّ نسخة الوسائل غير صحيحة «4».

و صحيحة عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه السّلام قال: سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة؟ قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس «5».

______________________________

(1) الكافي 5: 112 ح 2، الفقيه 2: 107 ح 448، تهذيب الأحكام 6: 353 ح 1004، الاستبصار 3: 58 ح 189، و عنها وسائل الشيعة 17: 101، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 2.

(2) الكافي 5: 113 ح 4، تهذيب الأحكام 6: 354 ح 1007، الاستبصار 3: 57 ح 186، و عنها وسائل الشيعة 17:

102، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 4.

(3) سورة البقرة 2: 193.

(4) مصباح الفقاهة 1 ذ ص 303.

(5) مسائل علي بن جعفر: 176 ح 320، قرب الإسناد: 264 ح 1047، و عنهما وسائل الشيعة 17: 103، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 6، و في بحار الأنوار 103: 61 ب 8 ح 1 عن قرب الإسناد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 130

..........

______________________________

و رواية الصدوق عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام قال: يا عليّ كفر باللّه العظيم من

هذه الامّة عشرة: القتّات- إلى أن قال:- و بائع السلاح من أهل الحرب «1»؛ أي الحرب مع المسلمين و المقاتلين معهم، و القتّات بالتشديد كما في مجمع البحرين «2» النمّام المزوّر، كما أنّه ربما يستعمل و يراد به بائع القتّ؛ و هي الرطب من علف الدوابّ و يابسه، و الظاهر أنّ المناسب للحكم بالكفر و لو مجازا الأوّل دون الثاني.

و رواية أبي القاسم الصيقل قال: كتبت إليه: إنّي رجل صيقل أشتري السيوف و أبيعها من السلطان، أ جائز لي بيعها؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس به «3». و الظاهر أنّ المراد من السلطان سلطان المسلمين و إن كان جائرا غير محقّ.

و رواية محمّد بن قيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما (أ نبيعهما خ ل) السلاح؟ فقال: بعهما ما يكنّهما الدرع و الخفّين و نحو هذا «4».

ثمّ إنّ الشيخ قدّس سرّه بعد أن ذكر أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف قال ما ملخّصه: أنّه يمكن الجمع بينها بحمل الطائفة المانعة على صورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين، و حمل الطائفة المجوّزة على صورة الهدنة و عدم المنازعة، و الشاهد

______________________________

(1) الفقيه 4: 257 ح 821، و عنه وسائل الشيعة 17: 103، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 7.

(2) مجمع البحرين 3: 1437.

(3) تهذيب الأحكام 6: 382 ح 1128، و عنه وسائل الشيعة 17: 103، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 8 ح 5.

(4) الكافي 5: 113 ح 3، تهذيب الأحكام 6: 354 ح 1006، الاستبصار 3: 57 ح 188، و عنها وسائل الشيعة 17:

102، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب

8 ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 131

..........

______________________________

للجمع هي ما يدلّ على التفصيل بين الحالتين «1».

و كيف كان، فالقدر المسلّم المتحصّل من مجموع الروايات الحرمة في هذا الفرض؛ و هو بيع السلاح من أعداء الدّين في حال المقاتلة و المنازعة مع المسلمين، و قد ترقّى في المتن إلى صورة المباينة مع المسلمين بحيث يخاف منهم عليهم و إن لم يكن بالفعل حرب في البين؛ لإطلاق بعض الروايات المانعة و الشمول لهذه الصورة أيضا، كصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة الظاهرة في عدم جواز حمل السلاح إلى المشركين و إن لم نقل بثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة أصلا، على أنّ في رواية أبي بكر الحضرمي المتقدّمة قد جعلت المباينة في مقابل الهدنة، فيظهر منها أنّ تحقّق المباينة كاف في المنع، و التقييد في المتن بصورة الخوف لعلّه لأجل أنّه لا وجه لعدم الجواز، مع عدم تحقّق الخوف بوجه، كما لا يخفى.

الفرض الثاني: في بيع السلاح من أعداء الدّين في حال الهدنة و عدم المباينة، أو تحقّق الحرب بينهم بعضهم مع بعض، و المحكي عن الشهيد قدّس سرّه في حواشيه عدم الجواز؛ لأنّ فيه تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كلّ حال «2».

و أورد عليه الشيخ قدّس سرّه أوّلا: بأنّه لا يمكن المساعدة على دليلة؛ لأنّ بيع السلاح من أعداء الدّين قد لا يوجب تقويتهم على المسلمين؛ لإمكان كونه في حال الصلح، أو عند حربهم مع الكفّار الآخرين، أو كان مشروطا بأن لا يسلّمه إيّاهم إلّا بعد الحرب.

و ثانيا: بأنّ رأيه هذا شبه اجتهاد في مقابل النصّ؛ لأنّه أخذ بظهور المطلقات

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 148- 149.

(2) حكاه صاحب مفتاح

الكرامة فى ج 12: 116 عن حواشي الشهيد على القواعد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 132

..........

______________________________

الدالّة على المنع، و ترك العمل بالمقيّد الذي هو نصّ في مفهومه؛ و هو و إن لم يكن اجتهادا في مقابل النصّ و لكنّه شبيه بذلك. «1»

هذا، و أجاب عن الإيراد على الشهيد بعض الأعلام قدّس سرّه بوجوه:

الأوّل: أنّ ما جعله وجها للجمع بين المطلقات لا يصلح لذلك؛ فإنّ مورده هم الجائرون من سلاطين الإسلام، فتكون الطائفة الاولى المفصّلة بين الهدنة و قيام الحرب مختصّة بغير الكفّار من المخالفين. و أمّا المطلقات فأجنبيّة عن الطائفة المفصّلة؛ لاختصاصها بأعداء الدّين من الكفّار و المشركين.

الثاني: أنّه لا وجه لردّ كلام الشهيد تارة برميه إلى شبه الاجتهاد في مقابل النصّ، و اخرى بتضعيف دليله.

أمّا الأوّل: فلأنّه لا مناص هنا من العمل بالمطلقات؛ لعدم صلاحيّة الطائفة المفصّلة للتقييد.

و أمّا الثاني: فلأنّ تقوية شخص الكافر بالسقي و نحوه و إن كان جائزا، إلّا أنّ تقويته لجهة كفره غير جائزة قطعا، و من الواضح أنّ تمكين المشركين من السلاح يوجب تقويتهم على المسلمين، بل ربما يستقلّ العقل بقبح ذلك.

الثالث: أنّه قد أمر في الآية الشريفة وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ «2» الآية بجمع الأسلحة و غيرها للاستعداد و التهيئة إلى إرهاب الكفّار، فبيعها لهم و لو في حال الهدنة نقض للغرض فلا يجوز. و أمّا ما دلّ على الجواز فلضعف سنده لا يصلح لتقييد الروايات المانعة «3»، انتهى.

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 149.

(2) سورة الأنفال 8: 60.

(3) مصباح الفقاهة 1: 304- 305.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 133

..........

______________________________

أقول: العمدة في هذا الباب هي

الآية الشريفة التي اشير إليها، و مفادّها وجوب التهيّؤ و الاستعداد في مقابل أعداء الدّين بقصد الإرهاب و الإخافة لهم، بحيث لم يروا أنفسهم محفوظين في مقابل المسلمين الذين أعدّوا عليهم ما استطاعوا من قوّة و من رباط الخيل، و لو كنّا نحن و الآية الشريفة فقط لقلنا بأنّ الثابت في المقام حكم وجوبيّ إلزاميّ؛ إذ لا وجه للحكم بأنّ ترك الواجب محرّم و ترك الحرام واجب شرعا، و إلّا يكون اللّازم اجتماع حكمين في مورد ثبوت كلّ واحد منهما، و تحقّق استحقاق عقوبتين في صورة المخالفة، و من الواضح خلافه.

و هذا لا ينافي مثل صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة، خصوصا مع القول بعدم ثبوت المفهوم للقضايا حتّى القضيّة الشرطيّة، و التعبير بأهل الحرب في رواية الصدوق «1»، و النهي عن البيع في الفتنة في بعض الروايات الاخر «2»، يحتمل قويّا أن يكون المراد في معرض الحرب و لو شأنا، و إيقاع الفتنة كذلك؛ لأنّه مقتضى العداوة لهم بالإضافة إلى اللّه و إلى المسلمين، لا ثبوت المحاربة الفعليّة و تحقّق الفتنة كذلك.

و بعد ذلك يتحصّل لنا أنّ الحقّ مع الشهيد في هذا الفرض.

الفرض الثالث: ما ألحقه بالكفّار ممّن يعادي الفرقة المحقّة الإماميّة من سائر فرق المسلمين، كالحرب الواقع بين دولتنا بعد الثورة الإسلاميّة- التي قطعت عروق الطاغوت، و قابلت من يعاضده من القوى العالميّة،- و بين دولة العراق، و امتدّت هذه الحرب لثمان سنوات تقريبا، و لقد استشهد فيها جمع غفير من الشباب المؤمن و طائفة من النساء.

______________________________

(1) المتقدّمة في ص 130.

(2) أي رواية السرّاج المتقدّمة في ص 129.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 134

..........

______________________________

و الظاهر أنّ الدليل على اللحوق

ما يستفاد من الأدلّة المانعة التي في رأسها الآية المتقدّمة الدالّة على لزوم حفظ أهل الحقّ و وقوع غيرهم في رهبة و اضطراب.

و نفى البعد في المتن التعدّي إلى قطّاع الطرق و أشباههم؛ و ذلك لما ذكرنا من تزلزل المسلمين و وقوعهم في الخطر- مع تمكينهم من السلاح- الموجب لضعفهم و تزلزلهم.

و يمكن استفادة ذلك من الآية الواردة في جزاء المحاربين مع اللّه و الرسول؛ و هو قوله- تعالى-: إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ «1» الآية، نظرا إلى أنّ قطّاع الطريق مقصود من الآية، إمّا بالخصوص أو بالعموم بالإضافة إلى كلّ مفسد في الأرض و إن لم يكن بقاطع للطريق.

وجه الاستفادة، أنّ الحكم المترتّب على الموضوع مرجعه إلى قطع السلطة عن المسلمين، و حصول الأمن لهم من جهة إجراء الحكم المذكور، و هو لا يكاد يجتمع مع جواز بيع السلاح لهم و جعله تحت اختيارهم، و إلّا فمن الواضح أنّ مجرّد الارتكاب للحرام لا يستلزم ذلك، فلا ينتقض بمثل المرتدّ، و من يجوز قصاصه، و أمثال ذلك، فتأمّل جيّدا.

كما أنّه نفى البعد فيه عن بيع السلاح إلى بيع غيره منهم ممّا يكون سببا لتقويتهم على أهل الحقّ، كالزاد و الراحلة و الحمولة و أشباهها، و يستفاد التعميم من بعض الروايات المتقدّمة، خصوصا ما عطف فيها السلاح على السروج «2»، فتدبّر.

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 33.

(2) في ص 128.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 135

..........

______________________________

و يمكن دعوى إلغاء الخصوصيّة و إن لم يكن هناك ما يدلّ على التعميم.

ثمّ إنّه أفاد

سيّدنا العلّامة الماتن قدّس سرّه في كلّ المسألة كلاما مفصّلا في كتابه في المكاسب المحرّمة ينبغي إيراده مع رعاية كمال التلخيص؛ لكثرة فوائده، سيّما مع ملاحظة شدّة ذوقه السياسي و حدّة بصره في الامور الاجتماعيّة، قال بعد ذكر أنّ المراد بالسلاح ليس مطلق ما ينطبق عليه عنوانه كائنا ما كان، بل ما كان سلاح الحرب فعلا، و هو يختلف بحسب الأزمنة، و بعد ذكر أنّ المراد من أعداء الدّين هي الدولة المخالفة لا الأشخاص.

ثمّ اعلم أنّ هذا الأمر- أي بيع السلاح من أعداء الدّين- من الامور السياسية التابعة لمصالح اليوم، فربما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح، بل إعطاءه مجّانا لطائفة من الكفّار.

و ذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدوّ قويّ لا يمكن دفعه إلّا بتسليح هذه الطائفة التي يكون المسلمون في أمن منهم، و ربما تقتضي المصالح ترك بيع السلاح و غيره ممّا يتقوّى به الكفّار مطلقا؛ سواء كان موقع قيام الحرب أو التهيّؤ له، أم زمان الهدنة و الصلح و المعاقدة.

و الوجه في الأخير احتمال أنّ تقويتهم موجب للهجمة على بلاد المسلمين و لو بعد حين؛ فإنّ هذا الاحتمال منجّز بالإضافة إلى هذا الأمر الخطير، و لا فرق في ذلك بين الخوف على حوزة الإسلام من غير المسلمين، أو على حوزة حكومة الشيعة من غيرها و لو كان هو المخالفين.

و بالجملة: إنّ هذا الأمر من شئون الحكومة، و ليس أمرا مضبوطا، بل تابع لمصلحة اليوم، فلا الهدنة موضوع مطلقا لدى العقل، و لا المشرك و الكافر كذلك.

فالتمسّك بالاصول و القواعد الظاهريّة في مثل المقام في غير محلّه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 136

..........

______________________________

و الظاهر عدم استفادة شي ء

زائد من الأخبار الواردة في هذا المجال، و لو فرض خلاف ذلك فلا مناص عن تقييده أو طرحه.

ثمّ شرع في بيان أنّ الأخبار التي استدلّ بها على التفصيل- تارة: بين زمان الهدنة و غيره مطلقا، و اخرى: على التفصيل كذلك بين المخالفين و الكفّار- قاصرة عن إثبات هذا التفصيل في المقامين، و استنتج أنّه لا يمكن القول بالجواز بمجرّد عدم الحرب و الهدنة، بل لا بدّ من النظر إلى مقتضيات اليوم و صلاح المسلمين و الملّة، فلا يستفاد أمر زائد عمّا هو مقتضى حكم العقل، كما أنّ رواية عليّ بن جعفر عليه السّلام «1» و رواية الصدوق 2 المشتملة على وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام لا دلالة لهما على عدم الجواز منهم مطلقا؛ لأنّ التحقيق عدم إطلاقهما.

ثمّ بيّن الوجه في ذلك، ثمّ قال: فالمتحصّل من الروايات عدم الفرق بين المخالفين و غيرهم في الحكم، و عدم التفصيل بين الهدنة و المحاربة، كما نسب إلى المشهور «3»، انتهى ملخّصا.

و لعلّ كلامه في المتن ناظر إلى هذا الأمر الذي أفاده، و الوجه في عدم التعليق على رعاية المصالح في صورة المباينة واضح.

هذا، و يستفاد من كلامه المتين أنّ المسائل الفقهيّة لا تكون على نسق واحد و في سياق واحد، بل مع ملاحظة الموضوعات و اختلافها يختلف الحكم، فليست مسائل الجهاد مثلا في رديف مسائل الطهارة و النجاسة في إجراء مثل قاعدة الإطلاق و التقييد بمجرّد ظهور أدلّتها بدوا في ذلك، بل لا بدّ من ملاحظة

______________________________

(1) 1، 2 تقدّمتا في ص 129- 130.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 226- 232.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 137

..........

______________________________

الخصوصيّات، و لا يرجع هذا إلى القياس و الاستحسان.

ثمّ إنّه مع هذه الرؤية التي لاحظتها في بيع السلاح من أعداء الدّين تعلم أنّ مقتضى حكم العقل- الذي يؤيّده بعض الأخبار المتقدّمة- أنّ كلّ ما يوجب تقوية أعداء اللّه و أعداء الشيعة محكوم بالحرمة و عدم الجواز و إن لم يكن مرتبطا ببيع السلاح بالمعنى الذي ذكره، فنقل أسرار المسلمين في أبعاده المختلفة إليهم، و صيرورة المسلم جاسوسا لهم ناقلا الأخبار إليهم كذلك.

كما أنّ جعل الإمكانات الماليّة و الإعانة لهم من هذه الحيثيّة كذلك، و أولى من ذلك بيع النفط لهم و تمكينهم منه الموجب لإمكان استفادتهم من كثير من تجهيزاتهم، و من الأسف عدم توجّه كثير من رؤساء البلدان الإسلاميّة إلى هذه الجهة في زماننا بالإضافة إلى إسرائيل الغاصب الجاني غايته، بحيث يكون عديم النظر في التاريخ.

كما أنّ ترويجهم و إيجاد الرعب لهم في قلوب المسلمين، الموجب لخوفهم و تقوّي الأعداء، كذلك إذا كان الغرض متعلّقا بذلك.

و كذلك تضعيف عقائد المسلمين، و إيجاد التزلزل و الاضطراب بينهم، و التشكيك فيما يعتقدونه، و الطعن في قداسة الروحانيّين و شخصيّاتهم، و الاتّهام بالإضافة إلى المسئولين الموجب لضعف عقيدتهم تجاه الثورة الإسلاميّة.

و من هذا الباب الإعانة لهم في نشر التوطئة و التمهيد للمقدّمات التي تقرّبهم إلى الوصول إلى مقاصدهم المنحرفة.

و يدخل في هذا القسم بعض المطبوعات حيث ينشرون الأكاذيب، و النسل الحديث لأجل صغر سنّه و عدم دركه الصحيح ربما يتأثّر من هذه الامور و يتخيّل ثبوت الحقيقة و الواقعيّة له، خصوصا مع أنّ جملة من متنوّري الفكر بحسب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 138

..........

______________________________

الاصطلاح قد مضى كثير من عمرهم في الجامعات

الأمريكيّة و الأوروبيّة المضادّة بطبعها للإسلام و المسلمين، فاللّازم على المسلم في هذا اليوم الالتفات إلى عمق هذه الامور و رعاية أنظارهم و مقاصدهم.

و ممّا يؤسّف عليه عدم الالتفات إلى ذلك من كثير ممّن لاقيناه و رأيناه في العديد من البلدان الإسلاميّة، المفتقرة إلى الوحدة و الاتّحاد صونا لبلادهم من تجاوز الأجانب و دسائس المشركين، و مع ذلك نرى أنّ خطيب صلاة الجمعة في مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و في محضره يواجه الشيعة الإماميّة و يتّهمهم بالشرك و الخروج عن دائرة الإسلام، مع أنّهم شاركوا الناس في الصلاة و لم يكن غرضهم إلّا الإتيان بالحجّ أو العمرة المفردة اللّتين هما من العبادات الاجتماعيّة الإسلاميّة سيّما الحجّ، عجبا من هذا الجهل و العناد و عدم التوجّه إلى ما يقولون، و إلى أنّ مثل هذا الأمر غاية مراد المشركين المريدين للاختلاف الموجب لتحقّق السيادة لأعدائهم، و قد شاعت هذه الجملة من الأعداء، فرّق تسد، نستعين باللّه عليهم و على مقاصدهم السيّئة، و نعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 139

[تصوير ذوات الأرواح و غيرها و بيع الصور المحرّمة و اقتناؤها]

مسألة 12: يحرم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان و الحيوان إذا كانت الصورة مجسّمة، كالمعمولة من الأحجار و الفلزات و الأخشاب و نحوها، و الأقوى جوازه مع عدم التجسيم و إن كان الأحوط تركه. و يجوز تصوير غير ذوات الأرواح، كالأشجار و الأوراد و نحوها و لو مع التجسيم، و لا فرق بين أنحاء التصوير من النقش و التخطيط و التطريز و الحك و غير ذلك.

و يجوز التصوير المتداول في زماننا بالآلات المتداولة، بل الظاهر أنّه ليس من التصوير. و كما يحرم عمل التصوير من ذوات

الأرواح مجسّمة، يحرم التكسّب به و أخذ الاجرة عليه.

هذا كلّه في عمل الصور، و أمّا بيعها و اقتناؤها و استعمالها و النظر إليها، فالأقوى جواز ذلك كلّه حتّى المجسّمات. نعم، يكره اقتناؤها و إمساكها في البيت (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة أيضا فروع:

الأوّل: تصوير ذوات الأرواح من الإنسان و الحيوان مع كون الصورة مجسّمة، كالأمثلة المذكورة في المتن، و قد حكم فيه في المتن بالحرمة، و الظاهر أنّه لا خلاف في حرمته بين الأصحاب «1»، بل ربما ادّعي عليه الإجماع «2»، و هذا الفرع هو القدر المتيقّن من الروايات الدالّة على الحرمة، كقول علي عليه السّلام: إيّاكم و عمل الصور؛ فتسألوا «3» عنها يوم القيامة. «4»

______________________________

(1) كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 427، جواهر الكلام 22: 41.

(2) جامع المقاصد 4: 23، مجمع الفائدة و البرهان 8: 56- 57، رياض المسائل 8: 58، جواهر الكلام 22: 41.

(3) في المستدرك: فانّكم تسألون، بدل «فتسألون».

(4) الخصال: 635 قطعة من ح 10، و عنه بحار الأنوار 10: 113 قطعة من ح 1 و مستدرك الوسائل 13: 210، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 75 ح 1

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 140

..........

______________________________

و النبويّ المحكي عن سنن البيهقي؛ إنّ أشدّ الناس عذابا عند اللّه يوم القيامة المصوّرون «1». و مثله ما عن الصحيحين: البخاري و مسلم «2».

هذا، و لكنّه أفاد الماتن قدّس سرّه أنّ هذه التوعيدات و التشديدات لا تناسب مطلق عمل المجسّمة، أو تنقيش الصور؛ ضرورة أنّ عملها لا يكون أعظم من قتل النفس المحترمة، أو الزنا، أو اللواط، أو شرب الخمر و مثلها من الكبائر.

و استظهر أنّ المراد منها تصوير التماثيل التي

هم لها عاكفون «3»، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المصوّرون» القائلين بالصورة و التخطيط في اللّه تعالى، كما هو مذهب معروف في ذلك العصر.

ثمّ قال: و المظنون الموافق للاعتبار و طباع الناس، أنّ جمعا من الأعراب بعد هدم أساس كفرهم و كسر أصنامهم بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمره كانت علقتهم بتلك الصور و التماثيل باقية في سرّ قلوبهم، فصنعوا أمثالها حفظا لآثار أسلافهم و حبّا لبقائها، كما نرى حتّى يومنا هذا علاقة جمع بحفظ الآثار المجوسيّة و عبدة النيران في هذه البلاد حفظا لآثار أجدادهم، فنهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه بتلك التشديدات و التوعيدات قمعا لأساس الكفر و مادّة الزندقة، و دفعا عن حوزة التوحيد «4»، انتهى.

______________________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي 11: 78- 79، أبواب الوليمة، باب التشديد في المنع من التصوير ح 14932.

(2) صحيح البخاري 7: 85 ب 89 ح 5950، و صحيح مسلم 3: 1330 ح 2109. و قد رواه الحميدي في المسند 1: 65 ح 117، و ابن أبي شيبة في المصنّف 6: 73 ب 71 ح 2، و ابن حنبل في المسند 2: 8 ح 3558 و ص 114 ح 4050، و النسائي في السنن 8: 216، و الطحاوي في شرح معاني الآثار 4: 286.

(3) سورة الأنبياء 21: 52.

(4) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 257- 258.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 141

..........

______________________________

أقول: الظاهر أنّ المصوّرين كما يستفاد من اللغة هم جماعة قائلون بثبوت الصورة للّه- تعالى- و تجسيمه، و لا يبعد أن يقال: إنّ حرمة التصوير في هذا الفرع

الذي نحن فيه كان لنكتة عدم تشابه الخلق مع الخالق، و إيجاد الانصراف للناس عن صنع المجسّمة؛ لئلّا ينتهون إلى صنع الأصنام و يرجعون إلى ما كانوا عليه، و هذه النكتة موجودة بالإضافة إلى زماننا الذي لم يكن مسبوقا بالجاهليّة و عبادة الأصنام و إن كان يوجد قليلا في بعض الممالك كالهند و نحوه.

ثمّ إنّه مع ذلك لا بدّ من ملاحظة سائر الروايات الواردة في المقام، فنقول:

منها: رواية ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هدم القبور و كسر الصور «1». هذا، و في طريقها سهل.

و منها: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلّا محوتها، و لا قبرا إلّا سوّيته، و لا كلبا إلّا قتلته «2».

و الظاهر أنّ بعث الرسول عليّا- عليهما الصلاة و السلام- كان قبل ورود شخصه صلّى اللّه عليه و آله إليها، و أنّ الصور التي أمر بمحوها هي الأصنام و هياكل العبادة المبتدعة؛ لأجل عدم خروج المدينة عن الجاهليّة بعد وجود تلك الصور فيها

______________________________

(1) الكافي 6: 528 ح 11، المحاسن 2: 453 ح 2562، و عنهما وسائل الشيعة 3: 211، كتاب الطهارة، أبواب الدفن ب 44 ح 6، و ج 5: 305، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 7، و في بحار الأنوار 79: 286 ح 3 عن المحاسن.

(2) الكافي 6: 528 ح 14، المحاسن 2: 453 ح 2561، و عنهما وسائل الشيعة 3: 209، كتاب الطهارة، أبواب الدفن ب

43 ح 2، و ج 5: 306، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 8، و في بحار الأنوار 64: 267 ح 26 و ج 79: 286 ح 2 عن المحاسن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 142

..........

______________________________

على القاعدة.

و يؤيّده أنّه لو كانت الصورة عبارة عمّا ذكرنا لما كان إفناؤها و إعدامها واجبا، كما قد صرّح به في ذيل المسألة من أنّ المحرّم هو عمل الصور لا الاقتناء و النظر، بل البيع و الشراء، فالنهي عن الإبقاء دليل على أنّ المراد غير ما ذكرنا، فتدبّر جيّدا.

و قد نفى البعد عن أن يكون المراد بالكلب في الرواية الثانية بكسر اللّام و هو الذي عرضه داء الكلب؛ و هو داء شبه الجنون يعرضه، فإذا عضّ إنسانا عرضه ذلك الداء «1».

كما أنّه ربما يقال: إنّ الأمر بهدم القبور إنّما هو لأجل تعظيم الناس إيّاها بنحو العبادة للأصنام و كانوا يسجدون عليها، كما يشعر به بعض الروايات الناهية عن اتّخاذ قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبلة و مسجدا. كما فعله اليهود، حيث اتّخذوا قبور أنبياءهم مساجد «2»، «3».

و منها: طائفة من الروايات الواردة في تفسير قوله- تعالى-: يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ وَ جِفٰانٍ كَالْجَوٰابِ «4» مثل ما رواه الفضل أبو العبّاس قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه- عزّ و جلّ-: يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ وَ جِفٰانٍ كَالْجَوٰابِ، قال: ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنّها تماثيل

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني قدّس سرّه 1: 259.

(2) الفقيه 1: 114 ح 532، علل الشرائع: 358 ب 75 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة

3: 235، كتاب الطهارة، أبواب الدفن ب 65 ح 2، و ج 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 26 ح 3 و 5، و في بحار الأنوار 82: 20 عن الفقيه، و في ج 83: 313 ح 4 و ج 100: 128 ح 7 عن العلل.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 259.

(4) سورة سبأ 34: 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 143

..........

______________________________

الشجر و شبهه «1». و في بعضها التصدير بالقسم «2» الموجب لحصول التأكّد الشديد بالإضافة إلى ذلك.

و منها: مرسل ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من مثّل تمثالا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح «3».

فإنّ ظاهره البدوي و إن كان هو الشمول لمطلق التمثال، و لا مانع من ذلك في نفسه، كما حكي لنا من صيرورة نقش الأسد على الستر أسدا بأمر الإمام عليه السّلام، و أكله المستهزئ له بأمره، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد صورة وجود النقص من هذه الجهة و إن كان فيه الكمال من جهات اخر، كالجسميّة و نحوها.

و الحكاية على ما روي عن البحار، عن علي بن يقطين قال: استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام و يقطعه و يخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزّم «4»، فلمّا احضرت المائدة عمل ناموسا «5» على الخبز، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السّلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، و استفزّ «6»

______________________________

(1) الكافي 6: 476 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 5: 305، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 6 و مرآة العقول 22:

367 ح 3.

(2) الكافي 6: 527 ح 7، المحاسن 2: 458 ح 2580، و عنهما وسائل الشيعة 5: 304، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 4، و ج 17: 296، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 1، و بحار الأنوار 14:

74 ح 15 و ج 79: 288 ح 10.

(3) الكافي 6: 527 ح 4، المحاسن 2: 455 ح 2569، و عنهما وسائل الشيعة 5: 304، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 2، و في بحار الأنوار 79: 287 ح 5 عن المحاسن، و في مرآة العقول 22: 438 ح 4 عن الكافي.

(4) المعزّم: الراقي الذي يعمل بالعزيمة، و الرّقى لنفع أو ضرر.

(5) الناموس: ما يتنمّس به من الاحتيال.

(6) استفزّه الضحك: استخفّه و غلب عليه حتّى جعله يضطرب لشدّة ضحكه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 144

..........

______________________________

هارون الفرح و الضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن عليه السّلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور، فقال له: يا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه. قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزّم، فخرّ هارون و ندماؤه على وجوههم مغشيّا عليهم، و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، الخبر «1».

فمفاد الرواية إلزامه بنفخ الروح فيمن مثّل التمثال لأجل أن يصير كاملا، و المفروض أنّه غير قادر على ذلك؛ لأنّ إفاضة الروح إنّما هي له تعالى، فالأمر و إن كان للتعجيز، إلّا أنّ العجز بلحاظ ما ذكر لا من جهة عدم قابليّة المحلّ.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟

فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «2».

و الظاهر أنّ ذكر الشمس و القمر قرينة على أنّ المراد بالتماثيل هي التماثيل غير المجسّمة، فتدبّر.

و على تقدير الإطلاق فمقتضى القدر المتيقّن من الإطلاق ما ذكرنا و إن قلنا بعدم ثبوت المفهوم أصلا.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه في هذا الفرع حرمة التصوير، و أنّه لا إشكال فيها في هذه الصورة و إن لم نقل بالاختصاص.

ثمّ الظاهر أنّ المراد بالمجسّمة المحرّمة من ذوات الأرواح هي ما كانت حاكية ظاهرا عن موجود متّصف بما ذكر، لا ما كانت مشتملة على جميع أجزائه سوى

______________________________

(1) بحار الأنوار 48: 41- 42 ح 17 و 18 عن عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 96 ب 8 ح 1 و أمالي الصدوق: 212 ح 236 و مناقب آل أبي طالب عليهم السّلام 4: 299.

(2) المحاسن 2: 458 ح 2581، و عنه وسائل الشيعة 17: 296، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 3 و بحار الأنوار 79: 288 ح 11، و في ج 76: 160 ح 11 عن مكارم الأخلاق 1: 287 ح 891.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 145

..........

______________________________

الروح، حتّى ما في بطنه من الأمعاء و الأحشاء و القلب و الرية و غيرها، و ما في مخّه من المغز و شبهه؛ فإنّه من الضروري عدم إمكان ذلك، خصوصا بالإضافة إلى العروق الدّمية الكبيرة و الصغيرة التي لعلّها لا تحصى.

كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالمجسّمة هي الكاملة من حيث الظاهر، فإذا كانت حاكية عن جملة كبيرة من البدن- مثل الرأس و الوجه و اليدين و البطن فقط- تكون محرّمة، كما نراها

في هذه الأزمنة في الداخل و الخارج، و ما ورد من الروايات بالإضافة إلى قطع الرأس أو التغيير من جهة اخرى «1»؛ فإنّما هو بالنسبة إلى البيت الذي يصلّى فيه، و الكلام في المقام في الصنع و التصوير، فلا ارتباط له بذلك المقام أصلا، كما لا يخفى.

ثمّ الظاهر أنّ الوجه في حرمة المجسّمة في الفرع المذكور غير معلوم لنا، فالتشابه

______________________________

(1) المحاسن 2: 459 ح 2584، و عنه بحار الأنوار 83: 288 ملحق ح 1.

و في ج 76: 288 ح 15 و ج 83: 245 عن مكارم الأخلاق 1: 286 ح 890.

و في وسائل الشيعة 4: 440، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 13 و ملاذ الأخيار 4: 587 ب 17 ح 35 عن تهذيب الأحكام 2: 363 ح 1503، و في ص 441- 442 ح 18، 20 و 21 و بحار الأنوار 83:

288 ملحق ح 1 و ص 290 ملحق ح 3 عن قرب الإسناد: 185- 186 ح 690، 692 و 693.

و في ج 5: 171، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 32 ح 5 و منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان 1: 492 عن الكافي 6: 527 ح 9.

و في ص 173 ح 10 و 12 و بحار الأنوار 83: 290 ملحق ح 3 و ج 79: 288 ح 14 عن قرب الإسناد 205:

ح 793 و المحاسن 2: 459 ح 2587.

و في وسائل الشيعة 5: 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3 عن الكافي 6: 527 ح 8 و المحاسن 2: 458 ح 2583، و في بحار الأنوار 76: 160 ح 9 عن المحاسن.

و في ص 309

ح 7 عن مكارم الأخلاق 1: 286 ح 887.

و رواه عليّ بن جعفر في مسائله: 226 ح 516.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 146

..........

______________________________

لعمل الخالق، أو الانجرار إلى تصوير الأصنام و مثل ذلك، لا يصلح لأن يكون علّة بعد عدم قيام الدليل على حرمة مطلق التشابه، خصوصا مع ما نراه بالوجدان من وجود الحيوانات المصنوعيّة كثيرا، و مع العلم بعدم الانجرار إلى صنع الأصنام نوعا.

الفرع الثاني: تصوير ذوات الأرواح من دون تجسّم، و قد قوّى المتن فيه الجواز مع جعل الاحتياط الاستحبابي في الترك، و قد استدلّ على المنع في كلام الشيخ الأنصاري قدّس سرّه «1» بوجوه:

منها: ما يدلّ على النهي عن تزويق البيوت؛ و هي رواية أبي بصير- غير المعتبرة على أحد الطريقين- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أتاني جبرئيل و قال: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام و ينهى عن تزويق البيوت.

قال أبو بصير: فقلت: و ما تزويق البيوت؟ فقال: تصاوير التماثيل «2».

و رواه صاحب الوسائل في باب واحد متعدّدا «3» مع اختلاف يسير، و من الواضح وحدة الرواية لا تعدّدها كما نبّهنا على مثل ذلك مرارا، و التزويق بمعنى النقش و التزيين.

هذا، و لكنّ الظاهر عدم انطباق الرواية على المقام؛ لأنّ الكلام فيه إنّما هو في

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 183- 184.

(2) الكافي 6: 526 ح 1، المحاسن 2: 453 ح 2564، و عنهما وسائل الشيعة 5: 303، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 1، و في بحار الأنوار 76: 159 ح 2 عن المحاسن، و في مرآة العقول 22: 437 ح 1

عن الكافي.

(3) المحاسن 2: 453 ح 2563، و عنه وسائل الشيعة 5: 307، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3 ح 11 و بحار الأنوار 79: 286 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 147

..........

______________________________

صدور الصورة من المصوّر مباشرة؛ بمعنى أنّ البحث إنّما هو في حرمة التصوير و إيجاده بعد انعدامه في أيّ محلّ و موضع و لو كان قرطاسا، و النهي في الرواية إنّما هو عن خصوص النقش على البيوت، و لعلّ الاختصاص كان لأجل كونه مركزا للصلاة، و النقش يقدح في كمال التوجّه الذي هو الغرض من الصلاة و عباديّتها، مع أنّه لا يلزم أن يكون التزويق المنهي عنه بالمباشرة، بل هو مثل قوله عليه السّلام من بنى مسجدا فله كذا «1»، حيث لا يعتبر في صدقه اشتغاله بالبناء و سائر الأعمال بالمباشرة، كلّ ذلك على فرض دلالة كلمة النهي على الحرمة، مع أنّه يحتمل فيه الكراهة، كما قد وقع التعبير بها في بعض الروايات الاخر «2».

و بالجملة: الظاهر عدم صلاحيّة الرواية لإثبات الحرمة في مفروض المقام، كما عرفت.

و منها: الفقرة التي تشتمل عليها رواية تحف العقول الطويلة- التي أثبتنا اعتبارها من طريق خفيّ «3»- و هي قوله عليه السّلام: و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 203- 205 ح 1، 2، 4 و 6 عن الكافي و التهذيب و المحاسن و الفقيه و عقاب الأعمال.

و في بحار الأنوار 8: 192 ح 173 و ج 76: 369 قطعة من ح 30 و ج 83: 368 ح 25 عن ثواب الأعمال.

و في ج 69: 382 ح 44 و ج 77: 123 ح 20 و ج

84: 4 ملحق ح 76 عن أمالي الطوسي. و في ج 84 أيضا: 11 ح 86 عن المحاسن.

و في مستدرك الوسائل 3: 366- 367 ح 1، 2 و 5 عن دعائم الإسلام و أمالي الطوسي و لبّ اللباب.

(2) وسائل الشيعة 3: 211، كتاب الطهارة، أبواب الدفن ب 44 ح 3، و ج 4: 440، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 14، و ج 5: 170، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 32 ح 3 و ص 304- 307، أبواب المساكن ب 3 ح 3، 9، 13 و 14 و غيرها، من أراد فليراجع الوسائل و البحار و غيرهما.

(3) في ص 13- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 148

..........

______________________________

مثال «1» الروحاني «2»؛ نظرا إلى أنّ المراد بالروحاني مطلق ما فيه روح من الإنسان أو الحيوان، و كلمة «مثال» أعمّ من المجسّمة و غيرها، مع أنّ كلاهما في محلّ النظر، بل المنع؛ فإنّ إرادة الروحاني بنحو ما ذكر ممّا لا يكون معهودا في الأخبار، كما أفاده السيّد المحقّق الماتن قدّس سرّه في مكاسبه المحرّمة «3».

بل المحتمل، بل الظاهر أنّ المراد به هو الموجود الذي غلب فيه الجهات الروحانيّة مقابل الجسمانية، و لذا يطلق الروحاني على العالم الديني العامل بأحكامه من جهة شدّة اعتنائه بالامور الاخرويّة و إن كان هذا الإطلاق مخالفا للأدبيّة العربيّة ظاهرا، مع أنّ الظاهر عدم ثبوت المفهوم للقضايا و لو الشرطيّة، كما ذكرنا مرارا.

مضافا إلى أنّ شمول كلمة المثال للصورة الخالية عن الجسميّة غير معلوم، و لذا عرفت في الرواية المتقدّمة تفسير التزويق بتصاوير التماثيل، الظاهر في كون التماثيل مجسّمة، كما لا يخفى.

و كما لعلّه يظهر من

قوله- تعالى- حكاية: مٰا هٰذِهِ التَّمٰاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهٰا عٰاكِفُونَ «4».

و منها: ما رواه الصدوق عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام في حديث المناهي قال:

______________________________

(1) كذا في مفتاح الكرامة 12: 162 و رياض المسائل 8: 58 و مستند الشيعة 14: 107 و جواهر الكلام 22: 42 و المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 184 و في بعض كتب اخر، لكن لم أعثر عليه في نسخ تحف العقول التي لاحظتها، بل فيها و فى أكثر الكتب: «مثل الروحانى».

(2) تحف العقول: 335، و عنه وسائل الشيعة 17: 85، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2 قطعة من ح 1 و بحار الأنوار 103: 48 قطعة من ح 11.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 273- 274.

(4) سورة الأنبياء 21: 52.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 149

..........

______________________________

نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن التصاوير، و قال: نهى أن يحرق شي ء من الحيوان بالنار، و نهى عن التختّم بخاتم صفر أو حديد، و نهى أن ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم «1».

و يرد عليه- مضافا إلى ضعف السند كما اعترف به بعض الأعلام قدّس سرّه «2»-:

ما ذكرناه سابقا «3» من أنّ الظاهر أن يكون المورد صورة قابليّة المحلّ لنفخ الروح لأجل كونه جسما خاليا عن الروح فقط.

و التوجيهان المذكوران في كلام الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في قضيّة أمر الإمام عليه السّلام بنقش الأسد المنقوش على الستار، بافتراس الساحر الموجب للاستهزاء، بقوله عليه السّلام على ما هو المحكيّ: «يا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه»، و صيرورة النقش أسدا مفترسا من كون ذلك بملاحظة المحلّ و هو الستار، أو بملاحظة اللون الذي هو

في الحقيقة ذرّات و أجسام لطيفة، خارجان عمّا هو المتفاهم عرفا من هذه الرواية، كما اعترف نفسه قدّس سرّه بأنّ إرادة التجسيم مقدّمة للنفخ، ثمّ النفخ خلاف الظاهر «4».

و أمّا ما في ذيل الرواية من النهي عن «أن ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم» فلعلّه لأجل كون الخاتم ملازما للإنسان غالبا في الصلاة و غيرها، و يمكن أن يكون الوجه هو منعه عن التوجّه المطلوب في الصلاة، كما في الصلاة في بيت فيه نقش، فتدبّر.

______________________________

(1) الفقيه 4: 3 و 5 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 297، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 6، و روضة المتّقين 9: 339، 340 و 350، و في بحار الأنوار 76: 329 و 331 عن أمالي الصدوق: 510 و 512.

(2) مصباح الفقاهة 1: 358 هامش الصفحة.

(3) في ص 142- 144.

(4) كتاب المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 184.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 150

..........

______________________________

ثمّ إنّه سيأتي البحث عن المراد بالحيوان المذكور في هذه الرواية، و في بعض الروايات الاخر إن شاء اللّه تعالى.

الفرع الثالث: تصوير غير ذوات الأرواح شجرا كان أو وردا أو غيرهما، و الظاهر أنّه لا مجال للإشكال في جوازه، و يدلّ عليه- مضافا إلى أنّ الجواز مقتضى القاعدة، بعد عدم ثبوت ما يدلّ على حرمة التصوير بنحو الإطلاق- الروايات الخاصّة الصريحة في الجواز، مقيّدة للإطلاق على فرض ثبوته سندا و دلالة، مثل:

صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا بأس بتماثيل الشجر «1».

و الظاهر أنّه لا خصوصيّة للشجر، بل المراد مطلق غير ذوات الأرواح، مثل الإنسان و الحيوان.

و صحيحة أبي العبّاس البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام في قول اللّه- عزّ و جلّ-:

يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ «2» قال: و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنّها الشجر و شبهه «3»؛ فإنّ مقتضى المقابلة أن يكون المراد بالرجال و النساء مطلق الحيوان و ما له روح، أعمّ من الإنسان و غيره.

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان 4.

و المراد هو الحيوان المنطقي أعمّ من الإنسان، فيشمل كلّ حسّاس متحرّك بالإرادة، و لا غرو في المنع عن ثبوت المفهوم بعد دلالة ظهور المنطوق على الجواز

______________________________

(1) المحاسن 2: 458 ح 2582، و عنه وسائل الشيعة 17: 296، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2 و بحار الأنوار 79: 288 ح 12.

(2) سورة سبأ 34: 13.

(3) 3، 4 تقدّمتا في ص 142- 144.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 151

..........

______________________________

في صورة العدم، و هو المطلوب.

و مع ذلك استظهر الشيخ الأعظم الأنصاري عن جماعة تعميم الحكم لغير ذي الروح و لو لم يكن مجسّما «1»؛ لبعض الإطلاقات التي يجب تقييدها بمثل الروايات المتقدّمة، و لو لم يناقش في سندها أو دلالتها، كما أنّه استظهر من بعض حرمة التصوير بنحو التجسيم و لو لم يكن من ذوات الأرواح؛ لتعبيره بالتماثيل المجسّمة «2».

و دعوى كون التمثال أعمّ من الحيوان.

و أورد عليه بأنّ هذا الظهور لو اعتبر لسقط الإطلاقات عن نهوضها لإثبات حرمة المجسّم، فاللازم تعيّن الحمل على الكراهة، دون التخصيص بالمجسّمة «3».

أقول: مضافا إلى ضعف الإطلاقات من حيث السند، كما عرفت.

بقي الكلام بعد

الفروع الثلاثة في أمر وقع التعرّض له في جملة من كتب أساطين الفقه، و هو حرمة تصوير الملك، و الجنّ، و الشيطان الذي كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه، كما في الكتاب العزيز «4» نفيا و إثباتا؛ فإنّ الظاهر وجود قولين فيها:

أحدهما: الحرمة، و هي المحكيّة عن بعض شروح القواعد «5»، و استظهرها صاحب الجواهر «6».

______________________________

(1) الكافي في الفقه: 281، المهذّب لابن البرّاج: 1: 344، السرائر 2: 215، الروضة البهيّة 3: 212، رياض المسائل 8: 61.

(2) المقنعة: 587، النهاية: 363، المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة: 172، إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: 246.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 187- 188.

(4) سورة الكهف 18: 50.

(5) مفتاح الكرامة 12: 166، شرح القواعد، كتاب المتاجر لكاشف الغطاء 1: 191.

(6) جواهر الكلام 22: 43.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 152

..........

______________________________

ثانيهما: العدم.

قال السيّد في حاشية المكاسب ما ملخّصه: إنّ مبنى المسألة بعد وجود العمومات فيها اختلاف ما يدلّ على الترخيص؛ ففي صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «1» قوله عليه السّلام في الجواب عن السؤال عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر «لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان».

و في رواية تحف العقول «2»- غير المعتبرة عندهم و إن ذكرنا طريقا لاعتبارها «3»:

و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل (مثال خ ل) الروحاني، فمقتضى الاولى الجواز بناء على عدم كونهما من الحيوان، و مقتضى الثاني المنع لصدق الروحاني عليهما.

و حيث إنّ كلا الدليلين مشتملان على عقد تحريميّ و عقد ترخيصيّ، يقع بينهما التنافي و التعارض، و إن كان العموم و الخصوص خارجين عن موضوع المتعارضين في عالم جعل القانون، و إن كان بينهما التعارض بحسب

المنطق؛ لأنّ نقيض الموجبة الكلّية هي السالبة الجزئيّة، و نقيض السالبة الكلّية هي الموجبة الجزئيّة، إلّا أنّه لا تعارض بينهما عند العقلاء في مقام التقنين.

و التعارض في المقام إنّما هو بين منطوق الصحيحة و مفهوم الرواية بالعموم من وجه بعد ثبوت المفهوم في المقام، و إن كان مفهوم اللقب لوقوعهما في مقام التحديد، فالنتيجة حينئذ هو القول بالجواز، لا لتقديم الصحيحة من جهة دلالتها بالمنطوق؛ لعدم قصور مفهوم الحدّ عنه في الظهور، بل لكونها أقوى من حيث السند، و على

______________________________

(1) في ص: 144.

(2) تقدّمت في ص 147- 148.

(3) في ص 13- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 153

..........

______________________________

فرض التكافؤ فالحكم التخيير و لازمه الجواز.

و لكن يمكن تقوية المنع بوجهين:

أحدهما: أنّ المتعارف من تصوير الجنّ و الملك ما هو بشكل واحد من الحيوانات، فيحرم من هذه الجهة بناء على عدم اعتبار قصد كونه حيوانا، مع فرض العلم بكونه صورة له.

ثانيهما: دعوى أنّ المراد من الحيوان المعنى اللغوي؛ و هو مطلق الحيّ لا العرفي، أو دعوى أنّه مثال المطلق ذي الروح، و لا يبعد الحكم بظهور إحدى الدعويين، فالأقوى الحكم بالحرمة، خصوصا إذا كان على الوجه المتعارف في زماننا «1»، انتهى.

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بعد دعوى أنّ المراد بالحيوان في المقام ما هو المصطلح عليه في المنطق من كونه جسما حسّاسا متحرّكا بالإرادة؛ و هو يصدق على كلّ مادّة ذات روح؛ سواء كانت المادّة من عالم العناصر- المعروفة- أو من عالم آخر فوقه، كالملك و الجنّ.

و دعوى كونهما من المجرّدات و ليس لها مادّة، يدفعها أنّها جزافية؛ للخدشة في أدلّة القول بالمجرّدات ما سوى اللّه، و مخالفتها لظاهر

الشرع، كما حكي عن المجلسي قدّس سرّه في اعتقاداته «2» من الحكم بكفر من أنكر جسميّة الملك.

قال: و إن أبيت إلّا عن إرادة المفهوم العرفي من الحيوان، فاللازم هو القول بانصرافه عن الإنسان أيضا، كانصرافه عن الجنّ و الملك، و لذا قلنا: إنّ العمومات

______________________________

(1) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 108- 109.

(2) انظر بحار الأنوار 59: 203 و 209.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 154

..........

______________________________

الدالّة على حرمة الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه «1» منصرفة عن الإنسان قطعا، مع أنّه لم يقل أحد بالانصراف بوجهين:

أحدهما: أنّ خبر تحف العقول ضعيف السند و مضطرب الدلالة، فلا يجوز العمل به في نفسه، فضلا عمّا إذا كان معارضا لخبر صحيح.

و ثانيهما: أنّ أقوائيّة السند لا تكون مرجّحة في التعارض بالعموم من وجه، بل لا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات الاخر، و حيث لا ترجيح فيحكم بالتساقط و يرجع إلى المطلقات الدالّة على حرمة التصوير مطلقا، لكنّها بأجمعها ضعيفة السند، فاللازم الرجوع إلى البراءة «2».

أقول: لعلّ الوجه في عدم كون أقوائيّة السند مرجّحة في التعارض بالعموم من وجه: أنّ لازمه طرح السند بالإضافة إلى مادّة الافتراق من ناحية الرواية المرجّح عليها، و التبعيض في رواية واحدة و إن كان ممكنا، إلّا أنّه فيما إذا كانت الرواية ذات أحكام متعدّدة مستقلّة، لا بنحو العموم و الإطلاق كما في المقام، و التحقيق الأزيد موكول إلى محلّه.

نعم، ذكرنا نحن «3» إمكان جعل رواية تحف العقول معتبرة و إن كانت مرسلة، كما في بعض مرسلات الصدوق قدّس سرّه.

و الحقّ أن يقال: إنّ المراد من الحيوان المذكور في الصحيحة هو ما كانت له حياة؛ سواء كان ناطقا

أم غير ناطق، و قد عرفت ثبوت المفهوم لها للوقوع في مقام التحديد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 345- 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 2.

(2) مصباح الفقاهة 1: 364- 366.

(3) في ص 13- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 155

..........

______________________________

و أمّا قوله عليه السّلام: «ما لم يكن مثل الروحاني» أو مثاله «1»، فالظاهر أنّ المراد به مطلق ما كان له حياة و إن لم يكن بأبعاده محسوسا و مبصرا، كسائر المحسوسات و المبصرات.

و هذا من دون فرق بين القول باختصاص التجرّد به تعالى، و بين القول بالعدم، غاية الأمر أنّ المجرّدات لا تكون في رتبة واحدة.

و دعوى عدم معهوديّة إطلاق الروحاني على الحيوان ذات الروح في الروايات، يدفعها على فرض التسليم عدم معهوديّة تصوير الملك و الجنّ نوعا مع عدم تعلّق الرؤية بهما.

و عليه: فلا يبعد أن يكون المراد بالروحاني في الرواية هو الحيوان؛ و يؤيّده رواية البقباق المتقدّمة التي وقع فيها التقابل بين الرجال و النساء، و بين الشجر و شبهه، فتدبّر.

كما أنّه يؤيّده ما أفاده سيّدنا المحقّق الاستاذ في مكاسبه، من أنّ العمدة في الأدلّة أخبار النفخ «2»، و الظاهر منها أنّ المحرّم هو تمثال موجود يكون نحو إيجاده بالتصوير و النفخ، و أمّا غيره ممّا يكون بدعيّا دفعيّا فخارج عن مساق تلك الأخبار «3».

و يؤيّده أيضا إطلاق كلمة الروح على خصوص بعض الملائكة المتنزّلين في ليلة القدر في بعض آيات سورة القدر «4»، و احتمال كون الروح علما و اسما له من دون جهة، بعيد في الغاية.

______________________________

(1) تقدّم في ص 147- 148.

(2) وسائل الشيعة 5: 304- 307، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب 3 ح 2، 5

و 12.

(3) المكاسب المحرّمة للإمام الخميني رحمه اللّه 1: 271- 272.

(4) سورة القدر 97: 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 156

..........

______________________________

ثمّ إنّك عرفت «1» أنّ التصوير ببعض الآلات المعدّة له، المسمّى في عرفنا الفارسي ب «عكس» خارج عن محلّ البحث، خلافا لما عن السيّد في الحاشية، فحكم بعدم الفرق بين أنحاء التصوير، و أنّه يشمل العكس المتداول في زماننا «2».

و لكنّه أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بما يرجع إلى أنّ الظاهر من الأدلّة هو النهي عن إيجاد الصورة، و العكس المتعارف في زماننا لا يكون إيجادا للصورة المحرّمة، بل إنّما هو أخذ للظلّ مع إبقائه بسبب الدواء، نظرا إلى أنّ الإنسان إذا وقف في مقابل الكامرة، كان حائلا بينها و بين النور، فيقع ظلّه على الكامرة و يثبت فيها لأجل الدواء، فيكون صورة لذي ظلّ، و أين هذا من التصوير المحرّم، و إلّا يلزم القول بحرمة النظر إلى المرآة، نظرا إلى كونه إيجادا للصورة فيهما كما لا يخفى «3».

مع أنّك عرفت «4» أنّ التصوير خاليا عن التجسيم لا يكون محرّما و إن كان مخالفا للاحتياط الاستحبابي.

أقول: مقتضى السيرة المستمرّة عند المتشرّعة عدم تحريم تصوير العكس؛ لشيوع تداولها، كما أنّ المستفاد من تحريم النظر إلى المرآة في خصوص حال الإحرام للحجّ أو العمرة، عدم حرمة النظر في غير تلك الحال، فخروج الصورتين غير قابل للمناقشة تخصيصا أو تخصّصا، و لا ينبغي البحث فيه.

ثمّ إنّه بعد خروج الصورتين المذكورتين آنفا، لا فرق بين أنحاء التصوير المذكورة في المتن؛ لعدم الدليل على الفرق.

______________________________

(1) أي من عبارة المتن.

(2) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 109.

(3) مصباح الفقاهة 1: 370- 371.

(4) في ص 146-

149.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 157

..........

______________________________

الفرع الرابع: حرمة التكسّب بالتصوير المحرّم؛ أي التكسّب بإيجاد الصورة المحرّمة كالفرع الأوّل على ما عرفت، و ذلك لما قد حقّق في كتاب الإجارة «1» من اعتبار أن يكون العمل في الإجارة على الأعمال غير محرّم في نفسه، و مثّلوا له بإجارة الحائض لكنس المسجد، أو إجارة الدكان لخصوص صنع الخمر فيه، أو جعله محرسا لها، فلو كان إيجاد الصورة محرّما يكون التكسّب به كذلك، كما لا يخفى.

الفرع الخامس: في بيع الصور المحرّمة و اقتنائها و النظر إليها، فالذي قوّاه في المتن هو الجواز تبعا للمحقّقين في جامع المقاصد «2» و مجمع الفائدة «3»، لكن حكى الشيخ الأنصاري قدّس سرّه عن جماعة من القدماء ما يظهر منه المنع، كالمقنعة «4» و النهاية «5» و السرائر «6»، و استدلّ له «7» أوّلا بوجوه كثيرة، ثمّ تنظّر في الجميع.

منها: أنّ الظاهر من تحريم الشارع إيجاد الصورة، هي ممنوعيّة وجودها و إبقاؤها أيضا؛ لأنّ التحريم يدلّ على مبغوضيّته له، و لا فرق من هذه الجهة بين الأمرين.

و أورد عليه بمنع الملازمة إلّا مع الاستلزام العرفي، أو قيام الدليل الخارجي،

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 41- 50، الأمر الأوّل من المقام الثاني.

(2) جامع المقاصد 4: 16، و قال في حاشية الإرشاد، المطبوع مع حياته و آثاره ج 9 ص 319: و لا دليل على تحريم النظر إلى الصور المجسّمة.

(3) مجمع الفائدة و البرهان 2: 93، و كذا قال بالجواز العاملي في مفتاح الكرامة 12: 163- 165.

(4) المقنعة: 587.

(5) النهاية: 363.

(6) السرائر 2: 215.

(7) أي الشيخ في المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 191- 197.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 158

..........

______________________________

كحرمة تنجيس المسجد، و وجوب إزالة النجاسة عنه، و في المقام مقتضى الدليل هي حرمة الإيجاد، و لا دليل على وجوب الرفع و المحو.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة «1»، بناء على أنّ الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل، سؤاله عن حكم الفعل المتعارف، المتعلّق بها العامّ البلوى؛ و هو «الاقتناء».

و أمّا نفس الإيجاد، فهو عمل مختصّ بالنقّاش، ألا ترى أنّه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة، ينصرف الذهن إلى شربها دون صنعتها؟ بل ما نحن فيه أولى بالانصراف؛ لأنّ صنعة الخمر يقع من كلّ أحد، بخلاف صنعة التماثيل.

و أورد عليه بما حاصله، منع الظهور المزبور؛ لأنّ عمل الصور ممّا هو مركوز في الأذهان، حتّى أنّ السؤال عن حكم اقتنائها إنّما هو بعد معرفة حرمة عملها؛ إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله.

و منها: الحصر في رواية تحف العقول المتقدّمة «2» في قوله عليه السّلام: إنّما حرّم اللّه الصناعة التي هي حرام كلّها، التي يجي ء منها الفساد محضا ... و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه و تعلّمه- إلى قوله عليه السّلام:- و جميع التقلّب فيه «3»؛ فإنّ ظاهره أنّ كلّ ما تحرم صنعته- و منها التصاوير على الفرض- يجي ء منها الفساد محضا، فيحرم جميع التقلّب فيه.

و الحقّ في الجواب أن يقال- مضافا إلى إمكان منع شمول التقلّب للاقتناء، فضلا

______________________________

(1) في ص: 144.

(2) في ص: 11.

(3) تحف العقول: 335- 336، و عنه وسائل الشيعة 17: 85، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2 قطعة من ح 1 و الحدائق الناضرة 18: 70.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 159

..........

______________________________

عن مثل النظر-: إنّ غاية مفاد الرواية ثبوت الملازمة الشرعيّة بين حرمة الصناعة، و بين ما يجي ء منه الفساد محضا، و لا صلاح فيه أصلا. و أمّا العكس، فلا دلالة في الرواية على ثبوته، و أنّ كلّ ما تحرم صناعته يجي ء منه الفساد محضا، بل هو محلّ البحث و أوّل الكلام. فاللّازم أن يقال بأنّ الحصر في الرواية إضافيّ بالنسبة إلى القسمين المذكورين فيها، و إن كان يبعّده أنّ اللازم الالتزام بعدم تعرّض الرواية لحكم مثل المقام، و هو لا يخلو عن بعد، فتدبّر جيّدا.

و منها: ما ورد- ممّا تقدّم «1»- في إنكار أنّ المعمول لسليمان على نبيّنا و آله و عليه السلام هي تماثيل الرجال و النساء؛ فإنّ الإنكار إنّما يرجع إلى مشيئة سليمان للمعمول- كما هو ظاهر الآية- دون أصل العمل، فدلّ على كون مشيئة وجود التمثال من المنكرات التي لا يليق بمنصب النبوّة.

و أورد عليه بأنّ الظاهر رجوع الإنكار إلى مشيئة سليمان عليه السّلام لعملهم؛ بمعنى إذنه فيه، أو إلى تقريره لهم في العمل.

و منها: غير ذلك من الامور المذكورة في كلام الشيخ قدّس سرّه مع تنظّره فيه أو ظهور بطلانه من الامور المتقدّمة هنا.

و على فرض صحّة الامور المذكورة كلّا أو بعضا، فهنا ما يكون أظهر في الجواز و عدم الحرمة و إن كان الجواز لا يحتاج إلى الدليل بعد عدم تماميّة دليل الحرمة، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ربما قمت فاصلّي و بين يدي الوسادة

______________________________

(1) في ص 150.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 160

..........

______________________________

فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا «1».

و صحيحة زرارة بن أعين،

عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت إذا غيّرت رءوسها منها، و ترك ما سوى ذلك «2».

و يؤيّد الكراهة و عدم الحرمة الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت، و الكلب، و الإناء الذي يجتمع فيه البول في الروايات الكثيرة، مثل:

رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ جبرئيل عليه السّلام قال: إنّا لا ندخل بيتا فيه صورة، و لا كلب- يعني صورة إنسان- و لا بيتا فيه تماثيل «3».

و في بعض الروايات هذا التعبير: «و لا بيتا فيه بول مجموع في آنية»، مثل:

مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال الصادق عليه السّلام: لا يصلّى في دار فيها كلب، إلّا أن يكون كلب الصيد و اغلقت دونه بابا، فلا بأس، فإنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، و لا بيتا فيه تماثيل، و لا بيتا فيه بول مجموع في آنية «4».

و رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن الخاتم يكون فيه نقش

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 226 ح 892، و عنه وسائل الشيعة 5: 170، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 32 ح 2.

(2) الكافي 6: 527 ح 8، المحاسن 2: 458 ح 2583، و عنهما وسائل الشيعة 5: 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 4 ح 3، و في بحار الأنوار 76: 160 ح 9 عن المحاسن؛ و في مرآة العقول 22: 439 ح 8 عن الكافي.

(3) الكافي 6: 527 ح 3، المحاسن 2: 454 ح 2565، و عنهما وسائل الشيعة 5: 175- 176، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 33 ح 2 و 5.

و في بحار الأنوار 76: 159 ح

3 و ج 83: 291 ح 6 عن المحاسن.

(4) الفقيه 1: 159 ح 744، و عنه وسائل الشيعة 5: 175، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 33 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 161

..........

______________________________

تماثيل سبع، أو طير أ يصلّى فيه؟ قال: لا بأس «1».

و عنه عن أخيه عليه السّلام قال: سألته عن البيت فيه صورة سمكة، أو طير، أو شبهها، يعبث به أهل البيت، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال: لا حتّى يقطع رأسه منه و يفسد «2».

و الظاهر منها فرض ما إذا كانت الصورة مجسّمة و إن كانت دلالة ما قبلهما و لو بالإطلاق على هذه الصورة التي هي مورد الفرض محلّ إشكال بل منع، كما لا يخفى.

و روايات متعدّدة واردة في موارد مختلفة يظهر من الجميع عدم الحرمة و ثبوت الكراهة في البيت، إمّا مطلقا، أو في خصوص حال الصلاة «3».

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأقوى ما عليه المتن من الجواز بالإضافة إلى الامور المذكورة فيه.

نعم، ينبغي التنبيه على أمر؛ و هو أنّه على فرض القول بالحرمة، فالظاهر أنّ الحرام هو الاقتناء و البيع و الشراء. و أمّا النظر المجرّد فلا دليل على تحريمه، بل الظاهر عدم التزام القائل بالحرمة في الأمرين، بها في النظر، و إلّا فيشكل الأمر؛ لوجود الابتلاء به في السفر إلى بعض البلدان الداخليّة و الخارجيّة، بل في الامور

______________________________

(1) قرب الإسناد: 211 ح 827، مستطرفات السرائر: 123 ح 2، و عنهما وسائل الشيعة 4: 442، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 23.

و في ج 5: 173، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 32 ذ ح 10 و البحار 83: 252

ح 20 عن القرب.

(2) المحاسن 2: 459 ح 2587، قرب الإسناد: 185 ح 690، و عنهما وسائل الشيعة 4: 441، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 45 ح 18، و ج 5: 173، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 32 ح 12، و بحار الأنوار 79: 288 ح 14 و ج 83: 288 ملحق ح 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 5: 170- 174، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب 32 و غيره، و قد ذكرنا بعض مواردها في ص 147.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 162

..........

______________________________

المصنوعة للصغار بعنوان أسباب اللعب من المجسّمات الكثيرة الشائعة، و إن كان أصل إحداثها و لو في المعامل الكبيرة مع أدوات خاصّة و مكائن مخصوصة محرّما- على ما هو المفروض من كونه بعنوان المجسّمة، كما لا يخفى- إلّا في موارد يكون إيجادها في الخارج بأيدي الكفّار و الشراء منهم للغرض المذكور أو مثله، فتدبّر جيّدا.

ثمّ إنّه ربما يتخيّل كما في بعض المقالات المنسوبة إلى بعض الماضين من الفضلاء رحمه اللّه- تعالى- أنّه لا يكون إيجاد صورة ذات الروح محرّما و لو كان بنحو التجسيم؛ نظرا إلى ما اشتهر «1» من سيّدنا الاستاذ الماتن قدّس سرّه من أنّ لعنصريّ الزمان و المكان دخلا في استنباط الحكم و الوصول إلى ما هو الحقّ.

و في المقام يقال: إنّ الأخبار و إن كان مفادها الحرمة في الصورة المذكورة، إلّا أنّه حيث كانت الأصنام المتداولة في الجاهليّة صور ذوات الأرواح المختلفة غالبا، يبدو في النظر أنّ الحكم بالحرمة في الصورة المذكورة إنّما هو لأجل أن لا يرجعوا إلى ما كان عليه أهل الجاهليّة. و من المعلوم انتفاء هذا الوجه في مثل

زماننا الذي لا تكون عبادة الأصنام معمولة و لا يكون الزمان قريبا إلى ذلك الزمان، مع أنّ الظاهر أنّ مدخليّة العنصرين إنّما هي في صورة تبدّل عنوان الموضوع، كالشطرنج الذي كانت آلة للقمار، و الآن وسيلة لارتقاء الفكر و خارجا عن آلية القمار.

مضافا إلى أنّ ما دلّ على حرمة المجسّمة من ذوات الأرواح صادر عن

______________________________

(1) لم نجده عاجلا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 163

..........

______________________________

الصادقين عليهما السّلام «1»، و الفصل بينهما، و بين زمان الجاهليّة يكون أزيد من مائة و خمسين سنة، فكيف يجوز حمل رواياتهما على ما ذكر، فتدبّر جيّدا.

و إلى أنّ الأمر التعجيزي يوم القيامة بالنفخ لا يلائم ما ذكره.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 5: 303- 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب 3، و ج 17: 295- 298 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 94.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 164

[حرمة الغناء]

مسألة 13: الغناء حرام فعله و سماعه و التكسّب به، و ليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه و ترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو، و محافل الطرب، و آلات اللهو و الملاهي، و لا فرق بين استعماله في كلام حقّ؛ من قراءة القرآن و الدعاء و المرثية، و غيره من شعر أو نثر، بل يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يطاع به اللّه تعالى.

نعم، قد يستثنى غناء المغنّيات في الأعراس، و هو غير بعيد، و لا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس و المجلس المعدّ له مقدّما و مؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات:

المقام الأوّل: في حكم الغناء من

حيث حرمة الفعل، و السماع، و التكسّب به و عدمه، و يدلّ على الحرمة- مضافا إلى دعوى الإجماع عليها من أصحابنا الإماميّة و فقهائنا، بل دعوى الضرورة الدينيّة من جملة من الأجلّاء «1» و إن نوقش «2» فيها بعدم دلالة مثلها على الكشف عن رأي المعصوم عليه السّلام بعد وجود روايات مستفيضة في تفسير جملة من الآيات الكريمة الآتية، بل ادّعاء التواتر من محكي الإيضاح «3»- طائفة من الآيات:

منها: قوله- تعالى- وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «4»، حيث وردت في تفسيره

______________________________

(1) رياض المسائل 8: 62، جواهر الكلام 22: 44، مستند الشيعة 14: 126.

(2) المناقش هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 477.

(3) إيضاح الفوائد 1: 405.

(4) سورة الحجّ 22: 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 165

..........

______________________________

روايات، مثل:

صحيحة زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله- عزّ و جلّ-:

وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: قول الزور: الغناء «1».

و مرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه- تعالى-: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: قول الزور: الغناء «2».

و رواية أبي بصير- التي في طريقها سهل بن زياد- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال:

الغناء «3».

و ما عن تفسير علي بن إبراهيم- صحيحا- عن هشام، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله- تعالى-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الرجس من الأوثان: الشطرنج، و قول الزور: الغناء «4».

و بعض آخر من الروايات الواردة في تفسير الآية «5» و إن كان الأمر بالاجتناب

______________________________

(1) الكافي 6:

435 ح 2، الفقيه 4: 41 ح 135، و عنهما وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 2 و ص 318 ب 102 ح 1.

و في بحار الأنوار 79: 244 ح 17 عن أمالي الطوسي 294 ح 575 بسند آخر عن الصادق عليه السّلام.

(2) الكافي 6: 436 ح 7، و عنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 8 و ص 318 ب 103 ح 3، و مرآة العقول 22: 308 ح 7، و رواه في بحار الأنوار 67: 135 مرسلا.

(3) الكافي 6: 431 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 9، و مرآة العقول 22: 300 ح 1.

(4) تفسير القمّي 2: 84، و عنه وسائل الشيعة 17: 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 26.

(5) وسائل الشيعة 17: 303- 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99، و بحار الأنوار 79: 239- 247 ب 99 و غيرهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 166

..........

______________________________

لا دلالة له على الحرمة كما ذكرناه مرارا.

و قوله- تعالى-: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «1» فقد ورد في تفسيره روايات دالّة على أنّه الغناء، أو منه الغناء، مثل:

رواية مهران بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: الغناء ممّا قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ «2».

و رواية الوشاء قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السّلام يقول: سئل أبو عبد

اللّه عليه السّلام (يسأل خ ل) عن الغناء، فقال: هو قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ «3».

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته يقول: الغناء ممّا و عد اللّه عليه النار، و تلا هذه الآية وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «4».

و يستفاد من هذه الرواية كون الغناء من المحرّمات الكبيرة؛ لوجود الضابطة المذكورة للمعاصي الكبيرة؛ و هو إيعاد اللّه- تعالى- عليه في الكتاب النار فيها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) سورة لقمان 31: 6.

(2) الكافي 6: 431 ح 5، و عنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 7، و مرآة العقول 22: 301 ح 5.

(3) الكافي 6: 432 ح 8، و عنه وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 11، و مرآة العقول 22: 302 ح 8.

(4) الكافي 6: 431 ح 4، و عنه وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 6، و مرآة العقول 22: 301 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 167

..........

______________________________

و منها: قوله- تعالى-: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ «1».

فقد ورد في تفسيره صحيحة محمّد بن مسلم و أبي الصباح الكنائي، أو عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال: (هو خ ل) الغناء. «2»

و منها: قوله- تعالى-: وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ

مُعْرِضُونَ «3».

فإنّه قد ورد في تفسير القمّي عن الصادق عليه السّلام وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ التفسير بالغناء و الملاهي «4».

هذا كلّه بالإضافة إلى الكتاب.

و أمّا السنّة، فتدلّ على الحرمة روايات مستفيضة:

منها: صحيحة زيد الشحّام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملك «5».

و دلالتها على أزيد من الكراهة ممنوعة.

و منها: رواية يونس- التي في طريقها سهل- قال: سألت الخراساني عليه السّلام عن الغناء و قلت: إنّ العبّاسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء؟ فقال: كذب الزنديق

______________________________

(1) سورة الفرقان 25: 72.

(2) الكافي 6: 431 و 433 ح 6 و 13، و عنه وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 3 و 5، و مرآة العقول 22: 301 و 304 ح 6 و 13، و رواه في بحار الأنوار 69: 262 مرسلا، و في ج 79: 240 ح 3 عن تفسير القمّي 2: 117 مرسلا.

(3) سورة المؤمنون 23: 3.

(4) تفسير القمّي 2: 88، و عنه بحار الأنوار 69: 45 و ج 79: 240 ح 2.

(5) الكافي 6: 433 ح 15، و عنه وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 1، و مرآة العقول 22: 305 ح 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 168

..........

______________________________

ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت: إنّ رجلا أتى أبا جعفر عليه السّلام فسأله عن الغناء؟ فقال: يا فلان إذا ميّز اللّه بين الحقّ و الباطل فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت «1».

و أمّا ما في

المستند؛ من أنّ التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع، لأنّ عدم ترخيص الإمام عليه السّلام أعمّ من المنع، بل كلامه عليه السّلام صريح في أنّ التكذيب ليس للمنع، بل لذكره خلاف الواقع، مع أنّه يمكن أن يكون التكذيب لأجل أنّه نسب الرخصة في المطلق، و هو كذب صريح، و لا يتوهّم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة؛ إذ لا يفيد ذلك أزيد من الكراهة الخ. «2»

فمدفوع بظهور الرواية في حرمة نفس الغناء بعنوانه و لو لأجل كونه باطلا، و السائل كأنّما تعجّب من ترخيص الإمام عليه السّلام هذا العنوان، كما لا يخفى.

و منها: مرسلة الصدوق الآتية.

و منها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة «3».

و قد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم بالحرمة في الجملة في هذا المقام، إلّا أنّه لا بدّ من تتميم المقام بذكر امور:

الأوّل: أنّ الحكم هل هو ثابت بنحو الإطلاق، أو يكون مقيّدا بما حكي عن

______________________________

(1) الكافي 6: 435 ح 25، عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 14 ح 32، قرب الإسناد: 342 ح 1250، اختيار معرفة الرجال، المعروف ب «رجال الكشي»: 501 ح 958، و عنها وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 13 و 14، و في بحار الأنوار 49: 263 ح 6 عن قرب الإسناد و العيون، و في ج 79: 242 و 243 ح 11 و 14 عنهما و عن الكشي.

(2) مستند الشيعة 14: 137.

(3) راجع وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 169

..........

______________________________

المحدّث الكاشاني قدّس سرّه من اختصاص الحرام منه بما

اشتمل على محرّم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو، و دخول الرجال على النساء، و الكلام بالباطل، و إلّا فهو في نفسه غير محرّم، حيث ذكر في محكي الوافي:

أنّ الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه، اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلّق به من الأجر، و التعليم، و الاستماع، و البيع و الشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني اميّة و بني العبّاس؛ من دخول الرجال عليهنّ و تكلّمهنّ بالأباطل، و لعبهنّ بالملاهي من العيدان و القصب و غيرهما، دون ما سوى ذلك من أنواعه، كما يشعر به قوله عليه السّلام: ليست بالتي يدخل عليها الرجال «1».

إلى أن قال: و على هذا فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة و النار، و التشويق إلى دار القرار، و وصف نعم اللّه الملك الجبّار، و ذكر العبادات، و الترغيب في الخيرات، و الزهد في الفانيات، و نحو ذلك، كما اشير إليه في حديث الفقيه بقوله عليه السّلام: فذكّرتك الجنّة «2». و ذلك لأنّ هذا كلّه ذكر اللّه، و ربما «تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر اللّه» «3».

و بالجملة: لا يخفى على أهل الحجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حقّ الغناء عن باطله، و أنّ أكثر ما يتغنّى به المتصوّفة في محافلهم من قبيل الباطل «4»، انتهى.

و ذكر الشيخ بعد نقل ما ذكر ما محصّله: أنّه لو لا استشهاده بقوله عليه السّلام: «ليست

______________________________

(1) الكافي 5: 120 ح 3، الفقيه 3: 98 ح 376، تهذيب الأحكام 6: 357 ح 1022، الاستبصار 3: 62 ح 205، و عنها وسائل الشيعة 17: 121، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب

به ب 15 ح 3، و تأتى بتمامها في ص 187.

(2) الفقيه 4: 42 ح 139، و عنه وسائل الشيعة 17: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 2.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة؛ ص: 169

(3) اقتباس من سورة الزمر 39: 23.

(4) الوافي 17: 218- 223.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 170

..........

______________________________

بالتي يدخل عليها الرجال» أمكن تطبيق كلامه على أنّ المحرّم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي، و التكلّم بالأباطيل، و دخول الرجال على النساء؛ لحظّ السمع و البصر من شهوة الزنا، دون مجرّد الصوت الحسن الذي يذكّر امور الآخرة و ينسي شهوات الدّنيا.

إلّا أنّ الاستشهاد المذكور ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه «1».

و حكي نظير ذلك عن السبزواري صاحب الكفاية «2».

و اورد عليه بإيرادات:

منها: أنّ الظاهر من الروايات الكثيرة التي عرفت جملة منها، بل المتواترة من حيث المعنى، هو النهي عن الغناء من حيث نفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوين المحرّمة.

و منها: أنّه إذا كان تحريم الغناء إنّما هو للعوارض المحرّمة، كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغوا محضا، لورود النهي عن سائر المحرّمات بأنفسها.

و منها: أنّ رواية الفقيه مرسلة لا اعتبار بها، كما أنّ رواية أبي بصير و إن كانت صحيحة، إلّا أنّه لا دلالة فيها على قصد المحدّث المذكور؛ فإنّ غاية ما يستفاد منها

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 299- 300.

(2) كفاية الفقه

المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 432- 434، و قال بعد نقل كلام عن الشيخ أبي علي الطبرسي في مجمع البيان (ج 1 ص 17- 18): و هذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن و التغنّي به مستحبّ عنده، و أنّ خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء، و كلام السيّد المرتضى في الغرر و الدرر (أمالي المرتضى 1: 57- 58) لا يخلو عن إشعار واضح بذلك.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 171

..........

______________________________

و من رواية اخرى لأبي بصير «1» استثناء الغناء في العرائس، فلا دلالة لهما على حكم المطلق.

و الروايات الواردة في استحباب قراءة القرآن بالصوت الحسن لا ارتباط لها بالمقام؛ لعدم الملازمة بين الصوت الحسن و بين الغناء، و ثبوت المغايرة بينهما «2».

قلت: رواية الفقيه و إن كانت مرسلة، إلّا أنّها من المرسلات المعتبرة عندنا؛ لإسناد الصدوق المتن إلى الإمام عليه السّلام من دون واسطة، حيث قال: سأل رجل عليّ ابن الحسين عليهما السّلام عن شراء جارية لها صوت؟ فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكّرتك الجنّة- يعني بقراءة القرآن- و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء، فأمّا الغناء فمحظور.

و لكنّ المفروض في السؤال ثبوت الصوت للجارية، و المراد منه و إن كان هو الصوت الحسن، إلّا أنّه غير الغناء المحظور، و إن كان توصيف قراءة القرآن و الزهد و الفضائل، بما لا يكون غناء، ربما يشعر بما قاله المحدّث المذكور، فتدبّر؛ فإنّ القيد احترازيّ لا توضيحي، و هو وصف للقراءة لا للامور المقرّرة، كما أنّ الظاهر أنّ التفسير من كلام الإمام عليه السّلام، لا من الصدوق.

و يؤيّد ما ذكرنا من أنّ العنوان الغناء موضوعيّة، و ليس المعتبر في الحرمة الاقتران

بالمحرّمات الخارجيّة، أنّه قد يكون الغناء خاليا عن الكلام رأسا، و لا يكون فيه أمر مثل دخول الرجال على النساء، و الالتزام بعدم الحرمة في مثل ذلك في كمال البعد.

______________________________

(1) الكافي 5: 119 ح 1، تهذيب الأحكام 6: 358 ح 1024، الاستبصار 3: 62 ح 207، و عنها وسائل الشيعة 17:

120، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 1، و في الوافي 17: 205 ح 17121 عن الكافي و التهذيب، و في مرآة العقول 19: 80 ح 1 عن الكافي.

(2) مصباح الفقاهة 1: 482- 483.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 172

..........

______________________________

الأمر الثاني: أنّه لا محيص عن الالتزام بحرمة التكسّب بالغناء بعد ثبوت الحرمة؛ لما عرفت «1» من اعتبار أن يكون متعلّق الإجارة في الإجارة على الأعمال من الأعمال المباحة غير المحرّمة، فالقول بأنّ الغناء حرام يستلزم القول بحرمة التكسّب به بلا إشكال.

و أمّا الاستماع، فهل هو حرام كما في المتن، أم لا؟ نظير التصوير الذي عرفت أنّ إيجاد الصورة من ذوات الأرواح بنحو التجسيم حرام «2»، و لكن اقتناء تلك الصورة المحرّمة، و بيعها و شراؤها حلال، فضلا عن مجرّد النظر «3».

ربما يستدلّ على الحرمة بالإجماع، كما ادّعى القطع به الفاضل النراقي في المستند «4».

و برواية الطاطري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال: شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق «5».

و مقتضى إطلاق المنع عن الاستماع الشمول للمحارم أيضا، كما أنّ الظاهر أنّ التعبير بالنفاق أهمّ من التحريم.

و مثلها رواية إبراهيم بن أبي البلاد قال: أوصى إسحاق بن عمر بجوار له مغنّيات أن تبيعهنّ (يبعن خ ل)

و يحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن عليه السّلام. قال إبراهيم:

فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم و حملت الثمن إليه، فقلت له: إنّ مولى لك يقال

______________________________

(1) في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 44- 49.

(2) في ص 139- 146، الفرع الأوّل.

(3) في ص 157- 161، الفرع الخامس.

(4) مستند الشيعة 14: 133.

(5) الكافي 5: 120 ح 5، تهذيب الأحكام 6: 356 ح 1018، الاستبصار 3: 61 ح 201، و عنها وسائل الشيعة 17:

124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 7، و في الوافي 17: 207 ح 17125 و مرآة العقول 19: 81 ح 5 عن الكافي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 173

..........

______________________________

له: إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات و حمل الثمن إليك، و قد بعتهنّ و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال: لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت، و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت «1».

و رواية عنبسة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: استماع اللّهو و الغناء ينبت النفاق، كما ينبت الماء الزرع «2».

و مرسلة إبراهيم بن محمّد المدني- التي في طريقها سهل أيضا- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الغناء و أنا حاضر؟ فقال: لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها «3». و دلالتها على حرمة الاستماع ممنوعة، كما لا يخفى.

و رواية مسعدة بن زياد قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال له رجل: بأبي أنت و أمّي إنّي أدخل كنيفا لي، و لي جيران عندهم جوار يتغنّين و يضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعا منّي لهنّ، فقال: لا تفعل، فقال

الرجل: و اللّه ما آتيهنّ إنّما هو سماع أسمعه باذني، فقال: للّه أنت، أ ما سمعت اللّه يقول: وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «4»؟ فقال: بلى و اللّه لكأنّي لم أسمع بهذه الآية- إلى أن قال:- قم فاغتسل و صلّ ما بدا لك؛ فإنّك

______________________________

(1) الكافي 5: 120 ح 7، تهذيب الأحكام 6: 357 ح 1021، الاستبصار 3: 61 ح 204، و عنها وسائل الشيعة 17:

123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 16 ح 5، و في الوافي 17: 208 ح 17128 و مرآة العقول 19: 81 ح 7 عن الكافي.

(2) الكافي 6: 434 ح 23، و عنه وسائل الشيعة 17: 316، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 1 و الوافي 17: 216 ح 17151 و مرآة العقول 22: 306 ح 23.

(3) الكافي 6: 434 ح 18، و عنه وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 99 ح 12 و الوافي 17: 215 ح 1746 و مرآة العقول 22: 305 ح 18.

(4) سورة الإسراء 17: 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 174

..........

______________________________

كنت مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك، الحديث «1».

و مسعدة بن زياد ثقة على ما حكي عن النجاشي و العلّامة «2»، و تعبير الإمام عليه السّلام في الجواب يدلّ على أنّه لم يكن جاهلا قاصرا، و أنّه لم يكن كأنّه لم يسمع بهذه الآية التي استشهد بها الإمام عليه السّلام؛ ضرورة أنّه لو كان جاهلا قاصرا لم يكن مقيما على أمر

عظيم، و متّصفا بسوء الحال عند الموت.

و رواية أبي أيّوب الخزّاز- و في سندها سهل بن زياد- قال: نزلنا بالمدينة فأتينا أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقال لنا: أين نزلتم؟ فقلنا: على فلان صاحب القيان، فقال: كونوا كراما، فو اللّه ما علمنا ما أراد به، و ظننا أنّه يقول: تفضّلوا عليه، فعدنا إليه فقلنا:

لا ندري ما أردت بقولك: «كونوا كراما»؟ فقال: أ ما سمعتم اللّه- عزّ و جلّ- يقول:

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «3»، «4».

و رواية ياسر- و في سندها سهل أيضا- عن أبي الحسن عليه السّلام قال: من نزّه نفسه عن الغناء فإنّ في الجنّة شجرة يأمر اللّه- عزّ و جلّ- الرياح أن تحرّكها فيسمع منها صوتا لم يسمع مثله، و من لم يتنزّه عنه لم يسمعه «5».

______________________________

(1) الكافي 6: 432 ح 10، الفقيه 1: 45 ح 177، تهذيب الأحكام 1: 116 ح 303، و عنها وسائل الشيعة 3: 331، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1، و في الوافي 17: 211 ح 17138 و مرآة العقول 22:

303 ح 10 عن الكافي.

(2) رجال النجاشي: 415، الرقم 1109، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 281، الرقم 1029، معجم رجال الحديث 18: 134، الرقم 12273.

(3) سورة الفرقان 25: 72.

(4) الكافي 6: 432 ح 9، و عنه وسائل الشيعة 17: 316، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 2 و الوافي 17: 211 ح 17137 و مرآة العقول 22: 306 ح 9.

(5) الكافي 6: 434 ح 19، و عنه وسائل الشيعة 17: 317، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 101 ح 3 و الوافي 17: 215 ح 17147 و مرآة العقول 22:

306 ح 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 175

..........

______________________________

و رواية الحسين بن علي بن يقطين، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن اللّه- عزّ و جلّ- فقد عبد اللّه، و إن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان «1».

فالإنصاف أنّ هذه الروايات مع كثرتها كافية للحكم بأصل الحرمة و إن كان كثير منها لو خلّي و نفسه غير خال عن المناقشة في السند أو المتن، مضافا إلى ما عرفت «2» من ادّعاء الإجماع القطعي عليها، و إلى ما هو الثابت عند المتشرّعة من الحرمة، فتدبّر.

الأمر الثالث: صريح المتن أنّه لا فرق في حرمة الغناء بين أن يكون في كلام حقّ من قراءة القرآن أو الدعاء أو المرثية، أو غيرها من نثر أو شعر أو في غيره، بل ربما يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يطاع به اللّه تعالى، و لكنّ المحكي عن جماعة عدم ثبوت الحرمة في القرآن و الدعاء و المرثية، كما عرفت حكاية عن الفاضلين الكاشاني و السبزواري في الوافي و الكفاية «3».

و حكى مثله الشيخ عن المحقّق الأردبيلي، حيث إنّه- بعد ما وجّه استثناء المراثي و غيرها من الغناء، بأنّه ما ثبت الإجماع إلّا في غيرها، و الأخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا- أيّد استثناء المراثي بأنّ البكاء و التفجّع مطلوب مرغوب، و فيه ثواب عظيم، و الغناء معين على ذلك، و أنّه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا هذا من غير نكير، ثمّ أيّده بجواز النياحة

______________________________

(1) الكافي 6: 434 ح 24، و عنه وسائل الشيعة 17: 317، كتاب التجارة، أبواب

ما يكتسب به ب 101 ح 5 و الوافي 17: 216 ح 17152 و مرآة العقول 22: 306 ح 24.

(2) في ص 172.

(3) في ص: 168- 170.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 176

..........

______________________________

و جواز أخذ الاجرة عليها، و الظاهر أنّها لا تكون إلّا معه، و بأنّ تحريم الغناء للطرب على الظاهر، و ليس في المراثي طرب، بل ليس إلّا الحزن «1»، «2» انتهى.

و قد صرّح بعدم ثبوت الحرمة في الامور الثلاثة المتقدّمة من قراءة القرآن و الدعاء و المرثية صاحب المستند «3». و العمدة ملاحظة ما يدلّ بأنظارهم على الجواز بعد ثبوت الإطلاق في أدلّة حرمة الغناء، و عدم التقييد فيها، و وضوح أنّه لا يجدي في الحكم بجواز الحرام كونه مقدّمة لأمر مستحبّ أو مباح.

نعم، هنا روايات ربما يستدلّ بها على الجواز، مثل:

مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرءوه بالحزن «4».

و مثلها رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أوحى إلى موسى بن عمران عليه السّلام: إذا وقفت بين يديّ فقف موقف الذليل الفقير، و إذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين «5».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 8: 61- 63.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 311.

(3) مستند الشيعة 14: 144- 152.

(4) الكافي 2: 614 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 6: 208، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 1.

و رواه الطبراني في المعجم الأوسط 3: 427 ح 2923، و السيوطي في الجامع الصغير 1: 83 ح 1335 عن بريدة باختلاف يسير.

و رواه الشيخ البهائي في الكشكول 2: 16 مرسلا.

(5)

الكافي 2: 615 ح 6، و عنه وسائل الشيعة 6: 208، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 2 و بحار الأنوار 13: 358 ح 64، و في ج 92: 191 ح 3 و مستدرك الوسائل 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 19 ح 4672 عن دعوات الراوندي 23 ح 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 177

..........

______________________________

و أيضا مثلها رواية حفص قال: ما رأيت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى ابن جعفر عليه السّلام، و لا أرجى للناس منه، و كانت قراءته حزنا، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانا «1».

و رواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل لا يرى أنّه صنع شيئا في الدعاء و في القراءة حتّى يرفع صوته، فقال: لا بأس، إنّ عليّ بن الحسين عليه السّلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار، و إنّ أبا جعفر عليه السّلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان إذا قام من الليل و قرأ رفع صوته فيمرّ به مارّ الطريق من الساقين و غيرهم فيقومون فيستمعون إلى قراءته «2».

و رواية اخرى لعبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لكلّ شي ء حلية، و حلية القرآن الصوت الحسن «3».

و رواية أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنّما ترائي بهذا أهلك و الناس، قال: يا أبا محمّد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، و رجّع بالقرآن صوتك، فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يحبّ

______________________________

(1) الكافي 2:

606 ح 10، و عنه وسائل الشيعة 6: 209، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 22 ح 3 و بحار الأنوار 48: 111 ح 18، و في ج 92: 191 ذ ح 3 و مستدرك الوسائل 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ذ ح 4672 عن دعوات الراوندي 23 ذ ح 30.

(2) مستطرفات السرائر: 97 ح 17، و عنه وسائل الشيعة 6: 209، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 2 و بحار الأنوار 85: 82 ح 23 و ج 92: 194 ح 9.

(3) الكافي 2: 615 ح 9، و عنه وسائل الشيعة 6: 211، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 3.

و رواه في بحار الأنوار 92: 190 ضمن ح 2 و مستدرك الوسائل 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 20 ح 4680 عن جامع الأخبار: 131 ح 263 عن أنس، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 178

..........

______________________________

الصوت الحسن، يرجّع فيه ترجيعا «1».

و ذكر في الوسائل بعد نقل الحديث أنّ هذا محمول على التقيّة.

و رواية دارم بن قبيصة، عن الرضا، عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

حسّنوا القرآن بأصواتكم؛ فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا الخ. «2».

و غير ذلك من الروايات «3» الدالّة على رجحان رفع الصوت بالقرآن أوّلا، و قراءته بالصوت الحسن ثانيا، و لكنّه غير الغناء الذي كان مقتضى إطلاق أدلّة حرمته الشمول للقرآن و الدعاء و نحوهما.

و يدلّ عليه رواية ثالثة لعبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر؛ فإنّه سيجي ء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم «4».

______________________________

(1) الكافي 2: 616 ح 13، و عنه وسائل الشيعة 6: 211- 212، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 5.

(2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 69 ح 322، و عنه وسائل الشيعة 6: 212، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 7، و بحار الأنوار 79: 255 ح 4 و ج 92: 193- 194 ح 6، و تفسير كنز الدقائق 8: 318، و تفسير نور الثقلين 4: 350 ح 23.

و رواه في كنز العمّال 1: 605 ح 2765 عن البراء بن عازب، عنه صلّى اللّه عليه و آله مثله، و في المستدرك على الصحيحين 1: 768 ح 2125 عن البراء، عنه صلّى اللّه عليه و آله باختلاف يسير.

(3) وسائل الشيعة 6: 210- 212، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 24، و بحار الأنوار 79: 254- 256 ب 101 و ج 92: 190- 195 ب 21 و غيرها.

(4) الكافي 2: 614 ح 3، مجمع البيان 1: 17- 18، الكشكول للبهائي 2: 16، و عنها وسائل الشيعة 6: 210، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 24 ح 1.

و في بحار الأنوار 92: 190 ضمن ح 2 و مستدرك الوسائل 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 179

..........

______________________________

و سيأتي في المقام الثاني تحقيق معنى الغناء إن شاء اللّه تعالى.

المقام الثاني: في تحقيق موضوع الغناء و

مفهومه، و قبل الخوض في هذا المجال ينبغي التنبيه على نكتة نافعة في التفسير و في الفقه في الموارد التي يكون لها ارتباط بالكتاب؛ و هي أنّ الاصول التي يعتمد عليها في التفسير و الوصول إلى مراد اللّه- تعالى- من الكتاب- كما بيّناها في مدخل التفسير «1»- قد تكون هي ظواهر الكتاب بلحاظ ما قرّر في الاصول «2» من حجّية ظواهر الكتاب كالروايات.

و من الواضح توقّفها على عدم وجود قرينة على خلافها و لو كانت القرينة عقليّة، ففي مثل قوله- تعالى-: وَ جٰاءَ رَبُّكَ «3» قامت القرينة العقليّة القائمة على عدم جسميّة الربّ و عدم إمكان المجي ء في حقّه، فلا بدّ من أن يحمل على حذف المضاف و يقال: إنّ المراد «و جاء أمر ربّك».

و قد تكون هي الرواية المعتبرة عن الأئمّة عليهم السّلام، الدالّة على أنّ المراد خلاف ما يقتضيه ظهور الآية، أو أنّ المراد من المتشابهات ما ذا؟ فإنّ قولهم عليهم السّلام قرينة عليه بعد اعتقادنا بأنّ ما أفادوه فهو مأخوذ من الوحي و متّك عليه.

نعم، لو كانوا في مقابل مخالفيهم في مقام الاستشهاد بالآية على مرامهم لا بدّ و أن يكون المستند ظاهر الآية و دلالتها في نفسها على ذلك، و إلّا لا يبقى مجال

______________________________

ب 20 ح 4675 و 4677 عن دعوات الراوندي: 24 ح 32 و جامع الأخبار: 130 ح 260.

و رواه في المعرفة و التاريخ 2: 480 و المعجم الأوسط للطبراني 8: 108 ح 7219 و شعب الإيمان 4:

208 ح 2406، و العلل المتناهية 1: 118 ح 160، و مجمع الزوائد 7: 169، و مختصر قيام الليل: 135، و الجامع الصغير للسيوطي 1: 83 ح 1339 باختلاف يسير، و

في ربيع الأبرار 2: 555 ذيله باختلاف يسير.

(1) مدخل التفسير: 161- 172.

(2) سيرى كامل در اصول فقه 10: 241- 275.

(3) سورة الفجر 89: 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 180

..........

______________________________

للاستشهاد و التمسّك بالكتاب في قبالهم، كما أنّهم قد يستدلّون بالقرآن. و لا بدّ و أن يكون الاستدلال بالظاهر في مقابل بعض رواة الشيعة لحديث المسح على بعض الرأس، الذي سأل فيه زرارة عن الإمام عليه السّلام من أين علمت و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس؟ ... فقال: لمكان الباء «1»، مشيرا إلى قوله- تعالى-: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «2».

هذا، و لكنّ القرينة مطلقا- و لو في الاستعمالات العرفيّة- إنّما تجدي في مورد يكون أصل الاستعمال صحيحا، غاية الأمر تردّد المراد بين أن يكون معناه الحقيقي أو المجازي مثلا، ففي مثل قوله: «رأيت أسدا يرمي» إنّما يجدي القرينة و تفيد أنّ المراد المعنى المجازي الأعمّ من الاستعارة فيما لو كان الرجل شبيها بالأسد في الشجاعة، بحيث كانت علاقة المشابهة موجودة. و من المعلوم صحّة الاستعمالات المجازيّة و كثرتها كالحقيقيّة أو أزيد.

و أمّا لو اريد بالأسد رجل لا يكون شبيها بالأسد بوجه، و لم يكن في الاستعمال شي ء من علائق المجاز مع كثرتها، كما هي المذكورة في محلّة، فالقرينة لا تفيد تصحيح الاستعمال، و لا تجدي في ذلك أصلا، فالاستعمال الصحيح الذي يكون أمر المراد

______________________________

(1) الفقيه 1: 56 ح 212، علل الشرائع: 279 ب 190 ح 1، الكافي 3: 30 ح 4، تهذيب الأحكام 1: 61 ح 168، الاستبصار 1: 62- 63 ح 186، و عنها وسائل الشيعة 1: 412- 413، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب 23 ح 1.

و في تفسير الصافي

2: 18 عن الفقيه و تفسير العيّاشي 1: 299 ح 52.

و في البرهان في تفسير القرآن 2: 256 ح 2974 عن الكافي، و في ص 259 ح 2984 عن العيّاشي.

و في بحار الأنوار 80: 289 ح 46 عن العلل و العيّاشي.

و في تفسير كنز الدقائق 3: 27- 28 عن الكافي.

(2) سورة المائدة 5: 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 181

..........

______________________________

فيه دائرا بين المعنى الحقيقي، و بين المعنى المجازي مثلا، يحمل بمعونة القرينة على خلاف الظاهر مع قطع النظر عن القرينة.

و بعبارة اخرى: تنقلب أصالة الظهور في المعنى الحقيقي بمقتضى الوضع إلى أصالة الظهور في المعنى المجازي بمعونة القرينة، و قد قرّر في محلّه «1» أنّ أصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة، فتدبّر.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ العناوين القرآنيّة المفسّرة في الروايات بالغناء- و فيها صحاح و موثّقات معتبرات- عناوين أربعة: و هي عبارة عن قول الزور، و لهو الحديث، و الزور، و اللّغو كما مرّ «2»، هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى: قد فسّر الغناء كما في المتن بمدّ الصوت و ترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو، و محافل الطرب، و آلات اللهو و الملاهي، و لا ارتياب في أنّ الغناء بناء على ذلك كيفيّة للصوت مشتملة على خصوصيّة مذكورة.

و عليه: يقع السؤال عن أنّه إذا كان الغناء عبارة عن الكيفيّة، و لم يكن له أيّ ارتباط بالكلام الذي يقع فيه الغناء- و لذا عرفت «3» جريان الحرمة في الغناء في القرآن و الأدعية و المراثي- كيف يقع تفسيرا لعنواني قول الزور، و لهو الحديث، بناء على كونه من إضافة الصفة إلى الموصوف، كما هو الظاهر و إن كان

وقوعه تفسيرا لعنواني الزور و اللغو ممّا لا مانع منه؛ ضرورة أنّ العنوانين الأوّلين من مقولة الكلام، و الغناء من خصوصيّات كيفيّة الصوت، فكيف يقع تفسيرا لهما.

و قد عرفت أنّ قول الإمام عليه السّلام و إن كان حجّة علينا بالإضافة إلى خلاف الظاهر،

______________________________

(1) نهاية الأفكار 3: 86.

(2) في ص 164- 167.

(3) في ص 175- 178.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 182

..........

______________________________

إلّا أنّ القرينة لا تجدي في تصحيح الاستعمال، فاستعمال ما ظاهره أنّه من مقولة الكلام، و إرادة ما لا تكون من هذه المقولة، كأنّه غير مناسب عندنا.

و أمّا ما أفاده المحقّق الايرواني في حاشية المكاسب في ذيل آية قول الزور ممّا يرجع إلى أنّ تفسير قول الزور بالغناء لا يقتضي أن يكون الغناء من مقولة الكلام؛ لصحّة هذا التفسير و إن كان الغناء من كيفيّة الكلام؛ لاتّحاد الكيفيّة في الخارج مع المكيّف بالكيفيّة، فإذا كانت الكيفيّة زورا باطلا صدق أنّ الكلام زور باطل «1».

فيدفعه: أنّ مجرّد الاتّحاد في الخارج لا يصحّح الاستعمال، أ ترى أنّ اتّحاد الصلاة مع التصرّف في مال الغير بغير إذنه في مسألة اجتماع الأمر و النهي المعروفة يصحّح استعمال كلّ من العنوانين مكان الآخر، و إن أراد أنّ علاقة الكيفيّة بالإضافة إلى ذي الكيفيّة من علاقة الحالّ و المحلّ، فمن الواضح خلافه، اللّهم إلّا أن يريد عدم لزوم انحصار العلاقة بالعلائق المعهودة المذكورة في محلّها.

و يرد عليه أيضا: أنّك عرفت أنّ الغناء في القرآن أيضا حرام بل أشدّ حرمة، و لازم كلامه قدّس سرّه- نعوذ باللّه- أن يكون الغناء إذا تحقّق في ضمن القرآن أن يتّصف القرآن بالعنوان المذكور في الآية، كلّا من تصوّر ذلك.

كما أنّ

ما أفاده في ذيل آية لهو الحديث ممّا يرجع إلى أنّ الإضافة لو كانت من إضافة الصفة إلى الموصوف لا بيانيّة، لا تدلّ الآية أيضا على أنّ الغناء من مقولة الكلام، فلعلّ صفة لهويّته هي صفة غنائيّة و كيفيّة أداء ألفاظه «2».

يدفعه أنّ البحث ليس في حرمة الغناء من جهة اللهويّة، بل إنّما هو في استعمال

______________________________

(1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 180.

(2) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 181.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 183

..........

______________________________

اللهو المضاف إلى الحديث بما لا يكون مرتبطا إلّا بالكيفيّة، لا بالكلام أصلا، و لذا عرفت جريانه في القرآن أيضا.

و لم يظهر لي إلى الآن ما يحقّ جوابا عن السؤال و حلّا للإشكال، فالأولى البحث في تعريف الغناء، فنقول:

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد قوله: و إن اختلفت فيه عبارات الفقهاء و اللغويين ما لفظه: فعن المصباح: أنّ الغناء الصوت «1»، و عن آخر: أنّه مدّ الصوت «2»، و عن النهاية، عن الشافعي: أنّه تحسين الصوت و ترقيقه. و عنها أيضا: أنّ كلّ من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء «3».

ثمّ قال: و كلّ هذه المفاهيم ممّا يعلم عدم حرمتها، و عدم صدق الغناء عليها، فكلّها إشارة إلى المفهوم المعيّن عرفا «4».

و الظاهر أنّ المراد من الذيل أنّ هذه التعاريف لفظيّة و في مقام شرح اللفظ، و ليست بصدد بيان الحقيقة و التعريف المنطقي بجميع أبعاده، فهو نظير ما ذكره المحقّق الخراساني قدّس سرّه «5» في أغلب التعاريف من أنّها تعريفات لفظيّة لا حقيقيّة، مثل قول اللغوي: سعدان نبت «6»، فتدبّر.

______________________________

(1) المصباح المنير: 455.

(2) لم نظفر به عاجلا. نعم، جعله المحقّق النراقي في المستند

14: 124 ثامن الأقوال من دون إسناد إلى قائل معيّن.

(3) النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير 3: 391، و فيه: تحسين القراءة، و في معجم تهذيب اللغة 3:

2703 «تحزين القراءة و ترقيقها».

(4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 291.

(5) كفاية الاصول: 95.

(6) الصحاح 1: 417، القاموس المحيط 1: 418، المعجم الوسيط: 430.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 184

..........

______________________________

و أمّا الفقهاء، فالمحكيّ عن المشهور «1» أنّ الغناء عبارة عن مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب.

و الطرب خفّة تصيب الإنسان لشدّة حزن أو سرور، كما عن الصحاح «2»، أو خفّة من سرور أو همّ، كما عن أساس الزمخشري «3».

ثمّ إنّ الظاهر أنّ حسن الصوت مأخوذ في الغناء، و يظهر ذلك من المتن، حيث نفى كونه مجرّد التحسين و إن لم يؤخذ فيه في التعريف، فما يظهر من الشيخ الأعظم «4» من دخول قبيح الصوت في الغناء، كأنّه في غير محلّه.

نعم، الظاهر أنّ المراد شأنيّة الإطراب و إيجاد الطرب، فلو لم يحصل الطرب بالفعل لكثرة الاعتياد بالغناء و سماعه لا يكون قادحا في الصدق، بل سبيله سبيل حرمة الخمر للإسكار؛ فإنّ الحرمة ثابتة و لو بالنسبة إلى من يتحقّق له الإسكار لكثرة الشرب و تعدّده.

و عليه: فقوله في المتن: «تناسب مجالس اللهو، و محافل الطرب» كأنّه للإشارة إلى هذا الأمر؛ و هو عدم مدخليّة الإطراب الفعلي، فلا يكون أمرا زائدا على أصل التعريف، و لا حاجة إلى إضافة «أو ما يسمّى في العرف غناء» كما في بعض الكتب «5»، كما أنّه لا وجه لدعوى كون الطرب المأخوذ في التعريف غير الطرب

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 8: 57، مفاتيح الشرائع 2: 20،

رياض المسائل 8: 62، مستند الشيعة 14: 125، جواهر الكلام 22: 45، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 291.

(2) الصحاح 1: 184.

(3) أساس البلاغة: 385.

(4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 293.

(5) التنقيح الرائع 2: 11، الروضة البهيّة 3: 212، مسالك الأفهام 3: 126، مجمع الفائدة و البرهان 8: 57، شرح اصول الكافي و الروضة للمولى محمّد صالح المازندراني 1: 39، الحدائق الناضرة 18: 101.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 185

..........

______________________________

المفسّر بما تقدّم بعد عدم وجود الاشتراك اللفظي في مادّة الطرب، كما هو ظاهر.

و الظاهر أنّ الغناء بالمعنى المذكور المعروف من مصاديق عنوان «الموسيقى» بالألف المقصورة الذي هو كلمة يونانيّة أو سريانيّة أو فرنجيّة، و مركّب من كلمتين «موسى» بمعنى النغمة «وقى» بمعنى الموزون المنتظم.

قال ابن خلدون في مقدّمته في تعريف الغناء ما محكيّ لفظه: «هذه الصناعة هي تلحين الأشعار الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة يوقّع على كلّ صوت منها توقيعا (إيقاعا خ ل) عند قطعة فتكون نغمة. ثمّ تؤلّف تلك النّغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة، فيلذّ سماعها لأجل ذلك التناسب، و ما يحدث عنه من الكيفيّة في تلك الأصوات. و ذلك أنّه تبيّن في علم الموسيقى أنّ الأصوات تتناسب، فيكون صوت نصف صوت، و ربع آخر، و خمس آخر، و جزء من أحد عشر من آخر، و اختلاف هذه النسب عند تأديتها إلى السمع يخرجها من البساطة إلى التركيب، و ليس كلّ تركيب منها ملذوذا عند السّماع، بل تراكيب خاصّة؛ و هي التي حصرها أهل علم الموسيقى و تكلّموا عليها، كما هو مذكور في موضعه، و قد يساوق ذلك التّلحين في النغمات الغنائيّة بتقطيع أصوات اخرى من

الجمادات؛ إمّا بالقرع، أو بالنّفخ في الآلات تتّخذ لذلك فيزيدها لذّة عند السماع، «1» انتهى.

و قال الشيخ الرئيس فيما حكي عنه في كتاب الشفاء في رسم الموسيقى ما لفظه:

الموسيقى علم رياضي يبحث فيه عن أحوال النغم؛ من حيث تأتلف و تتنافر و أحوال الأزمنة المتخلّلة بينها؛ ليعلم كيف يؤلّف اللحن، و قد دلّ حدّ الموسيقى على أنّه يشتمل على بحثين:

______________________________

(1) مقدّمة ابن خلدون: 423.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 186

..........

______________________________

أحدهما: البحث عن أحوال النغم أنفسها، و هذا القسم يختصّ باسم التأليف.

و الثاني: البحث عن أحوال الأزمنة المتخلّلة بينها، و هذا البحث يختصّ باسم علم الإيقاع «1».

أقول: هذا التعريف ينطبق على الغناء أيضا و إن لم يكن مذكورا في كلامه، كما أنّ تعريف ابن خلدون ظاهر أو كالصريح في كون الغناء من الموسيقى، و أنّ الغناء إذا ساوق الموسيقى الاصطلاحي- أي الأصوات الموزونة الخارجة عن الآلة الجماديّة- يكون أثره زيادة الالتذاذ، و لا محالة لا بدّ من الالتزام بتحقّق حرمتين و مخالفة حكمين موجبة لاستحقاق عقوبتين.

و أمّا إشعار صدر التعريف الأوّل بأنّ الغناء هو تلحين الأشعار، فالظاهر أنّه لا مدخليّة للشعريّة في ذلك، بل قوام الغنائيّة بانتظام الأصوات بالنحو المذكور، و ذكر الأشعار لعلّه للغلبة، و حيث جرى في الكلام ذكر الشعر فلا بأس بالإشارة إلى حكم فروضه، فإن كان متضمّنا للعقائد الحقّة فيما يتعلّق بالخالق، أو مشتملا على مراثي أو مدائح الرسول و أهل بيته عليهم السّلام، فالظاهر أنّه مضافا إلى عدم حرمته، يكون لشاعره عند اللّه ثواب و أجر.

و إن كان مدلوله التعشّق بزوجته و بيان خصوصيّاتها، فالظاهر أيضا أنّه لا مانع منه، و إن كان مفاده التعشّق بموجود

معلوم غير زوجته الحليلة، فالحكم فيه عدم الجواز و وجهه واضح.

كما أنّه لو كان مفاده التعشّق بموجود و همي خياليّ، أو كان في مدح بعض من له سلطان، فالظاهر أنّه مكروه، و لعلّه المراد من قوله- تعالى-: وَ الشُّعَرٰاءُ يَتَّبِعُهُمُ

______________________________

(1) الشفاء، الفنّ الثالث من الرياضيات؛ و هو في علم الموسيقى: 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 187

..........

______________________________

الْغٰاوُونَ «1» و إن كان التحقيق في مفاده يحتاج إلى مراجعة التفاسير.

المقام الثالث: فيما استثناه في المتن من حرمة الغناء بقوله: «نعم، قد يستثنى غناء المغنّيات في الأعراس، و هو غير بعيد، و لا يترك الاحتياط بالاختصار على زفّ العرائس و المجلس المعدّ له مقدّما و مؤخّرا، لا مطلق المجالس، بل الأحوط الاجتناب مطلقا». و قد تبع في ذلك الأكثر «2»، و قد أطلق جماعة حرمة الغناء من دون استثناء «3».

نعم، صريح فخر المحقّقين فيما حكي عنه المنع «4»؛ لتقديم أدلّة الحرمة المتواترة على مستند الجواز مع كونه نصّا فيه.

و المستند رواية أبي بصير- التي رواها المشايخ الثلاثة عنه- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال «5».

و صاحب الوسائل قد روى فيها في باب واحد ثلاث روايات عن أبي بصير، و ظاهرها كصريح الشيخ الأعظم الأنصاري «6» التعدّد، مع أنّه من الواضح- كما نبّهنا

______________________________

(1) سورة الشعراء 26: 224.

(2) النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى: 367، الاستبصار 3: 62، المختصر النافع: 196، مختلف الشيعة 5:

49- 50 مسألة 14، تحرير الأحكام 2: 259، الرقم 3012، الدروس الشرعيّة 3: 162، الروضة البهيّة 3: 213، كفاية الفقه،

المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 434، رياض المسائل 8: 62، مستند الشيعة 14: 141، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 313- 314. مصباح الفقاهة 1: 491- 492.

(3) المقنعة: 588، الكافي في الفقه: 281، المراسم العلويّة: 172، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 2: 224، إرشاد الأذهان 1: 357.

(4) إيضاح الفوائد 1: 405.

(5) الكافي 5: 120 ح 3، الفقيه 3: 98 ح 376، تهذيب الأحكام 6: 357 ح 1022، الاستبصار 3: 62 ح 205، و عنها وسائل الشيعة 17: 121، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 15 ح 3، و قد تقدّمت قطعة منه في ص 169.

(6) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 305.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 188

..........

______________________________

عليه مرارا- وحدة الرواية و عدم التعدّد و إن كان الرواة عن أبي بصير مختلفين.

و كيف كان، فالبحث في الرواية تارة: من حيث السند، و اخرى: من جهة الدلالة.

أمّا من الجهة الاولى، فقد صرّح الشيخ الأعظم «1» بأنّ رواية أبي بصير غير صحيحة، و الشهرة الجابرة غير محقّقة، و لكن الرواية الثانية لأبي بصير وصفت بالصحّة على ما في تقريرات بعض الأعلام قدّس سرّه في المكاسب المحرّمة «2».

و أمّا من الجهة الثانية، فقوله عليه السّلام: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» لا دلالة له على الحلّية في مطلق ما إذا لم يكن كذلك، بل لا بدّ من حفظ الموصوف و التقييد بأنّها ليست كذلك، فالمغنّية التي تزفّ العرائس إذا لم تكن كذلك لا مانع من أخذها الاجرة، و لا محالة لا يكون عملها محرّما؛ لعدم اجتماع جواز الأخذ مع حرمة العمل، كما أنّه لا بدّ من التوسعة إلى الغناء الذي لم يكتف بمحرّم آخر؛ كالتكلّم بالأباطيل،

و الاستفادة من آلات الملاهي؛ لعدم خصوصيّة لدخول الرجال.

نعم، لا بدّ كما في المتن من الاقتصار على زفّ العرائس و المجالس المعدّة له مقدّما أو مؤخّرا؛ لذكر هذا العنوان في الرواية على ما عرفت، و إن كان الأحوط بلحاظ ما عرفت من تصريح بعض بالمنع، و ظهور كلمات جماعة فيه الترك مطلقا، كما في المتن.

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 306.

(2) مصباح الفقاهة 1: 482.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 189

[معونة الظالمين]

مسألة 14: معونة الظالمين في ظلمهم- بل في كلّ محرّم- حرام بلا إشكال، بل ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: من مشى إلى ظالم ليعينه و هو يعلم أنّه ظالم، فقد خرج من الإسلام «1». و عنه صلّى اللّه عليه و آله: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة و أعوان الظلمة «2» حتّى من برى لهم قلما، و لاق لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمى بهم في جهنّم «3».

و أمّا معونتهم في غير المحرّمات، فالظاهر جوازها ما لم يعدّ من أعوانهم و حواشيهم و المنسوبين إليهم، و لم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم و ديوانهم، و لم يكن ذلك موجبا لازدياد شوكتهم و قوّتهم (1).

______________________________

(1) يقع البحث في المسألة في مقامين:

______________________________

(1) تنبيه الخواطر 1: 54 و ج 2: 232، و عنه وسائل الشيعة 17، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 15.

و في بحار الأنوار 75: 377 ح 31 و ص 381 ضمن ح 45، و مستدرك الوسائل 13: 125، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 14966 عن كنز الفوائد للكراجكي 1: 351، و

جامع الأخبار: 436 ح 1223 باختلاف.

و رواه البخاري في التاريخ الكبير 4: 250 رقم الترجمة 2693، و الطبراني في المعجم الكبير 1: 227 ح 619، و شعب الإيمان 10: 127 ح 7269، و الفردوس بمأثور الخطاب 3: 547 ح 5709، و مشكاة الأنوار 2: 293 ح 1822، و إرشاد القلوب للديلمي: 351، و الترغيب و الترهيب للمنذري 3: 199 ح 6، و مشكاة المصابيح 2: 300 ح 5135، و مجمع الزوائد 4: 205.

(2) في تنبيه الخواطر و الوسائل: و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة، إلخ.

(3) تنبيه الخواطر 1: 54، و عنه وسائل الشيعة 17: 182، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 16.

و في معالم الزلفى 2: 608 ح 29 عن إرشاد القلوب للديلمي 1: 351، و في مستدرك الوسائل 13: 124، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35 ذ ح 14962 ح عن عوالي اللئالي 4: 69 ذ ح 31 نحوه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 190

..........

______________________________

المقام الأوّل: معونة الظالمين في ظلمهم، بل في كلّ محرّم؛ فإنّها حرام بلا ريب و لا إشكال، و يدلّ عليه الأدلة الأربعة؛ فمن الكتاب: قوله- تعالى-: تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ «1» بناء على ما تقدّم «2» في مسألة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا؛ من أنّ المراد بالتعاون في الآية هي الإعانة، كما في كثير من الاستعمالات العرفيّة، كالتيامن و التياسر في الصلاة، و التكامل في العلوم و الصنائع، و التضامن في بعض المؤسّسات. و قد ورد تفسيره بها في اللغة و في كتب التفاسير.

و عرفت «3» عبارة المحقّق الأردبيلي في

تفسير الآية، كما أنّا ذكرنا «4» أنّ حمل النهي في الآية على التنزيه- كما عن بعض محشّي المكاسب- في غير محلّه.

نعم، قدّمنا «5» الاحتمالات الستّة في معنى الإعانة، و محلّ الكلام في المقام يصدق عليه الإعانة قطعا، فالآية الشريفة أعظم دليل على الحرمة في المقام.

و منه أيضا قوله- تعالى-: وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «6»؛ بناء على كون المحرّم هو الميل إليهم لأجل هذه الجهة، فتدلّ على حرمة المعاونة لهم بطريق أولى. و أمّا بناء على كون المراد هو الاعتماد إليهم في فعل الظلم و صدوره من الشخص، فهي أجنبيّة عن المقام.

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 2.

(2) في ص 93- 95 و 108- 115.

(3) في ص: 109- 110.

(4) في ص: 93- 94.

(5) في ص: 109- 111.

(6) سورة هود 11: 113.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 191

..........

______________________________

و من السنّة: روايات كثيرة أورد منها روايتين في المتن، حكاهما صاحب الوسائل عن كتاب ورّام بن أبي فراس، و في الثانية عطف «و أشباه الظلمة» على «أعوان الظلمة».

و من الإجماع: أنّه لا خلاف في ذلك بين جميع المسلمين فضلا عن علماء الشيعة «1». نعم، الظاهر أنّه لا أصالة لهذا الإجماع بعد وضوح مستند المجمعين، و ثبوت الأدلّة الاخرى الواضحة الظاهرة.

و من العقل: وضوح حكم العقل بقبح إعانة الظالم في ظلمه، كحكمه بقبح أصل الظلم. نعم، القدر المسلّم منه هي المعاونة لهم في الظلم. و أمّا المعاونة لهم في محرّم آخر فالعقل لا يحكم بذلك، لا بالنسبة إلى الظالم و لا بالنسبة إلى غيره، فقوله في المتن في ظلمهم، بل في كلّ محرّم لا بدّ للاستناد إليه بغير حكم العقل؛ كالنهي عن التعاون

على الإثم، و في هذه الصورة لا يختصّ بالظالم، بل يعمّ كلّ مرتكب للإثم، فتدبّر.

المقام الثاني: معونة الظالمين في الأعمال المباحة غير المحرّمة، كالخياطة لهم، و البناية، و الجنازة، و أمثال ذلك، و مقتضى القاعدة في هذا المقام الجواز؛ لعدم جريان شي ء من الأدلّة الأربعة المتقدّمة في المقام الأوّل هنا، خصوصا آية النهي عن التعاون على الإثم و العدوان؛ لأنّ المفروض كون المعان عليه غير محرّم، و سياق الكلام في الرواية الاولى المذكورة في المتن يشهد بكون المراد هو إعانة الظالم في جهة ظلمه و إن كان الإطلاق ربما يتوهّم منه الخلاف.

______________________________

(1) رياض المسائل 8: 79، مفتاح الكرامة 12: 201، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 52، مصباح الفقاهة 1: 654- 655.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 192

..........

______________________________

و بالجملة: لا ريب في أنّ مقتضى القاعدة هنا الجواز، إلّا أنّ هنا روايات يستدلّ بها على المنع في هذا المقام أيضا، مثل:

موثّقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة، أو ربط كيسا، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم «1».

و فيه: أنّ أعوان الظلمة مستثنى من الجواز في هذا المقام كما سيأتي أدلّته، و ظاهر أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله: «و من لاق لهم دواة» إلخ؛ راجع إلى جهة ظلمه و الإعانة عليه في هذا الأمر، فلا دلالة لها على حرمة الإعانة للظالم مطلقا.

و حسنة يونس بن يعقوب قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تعنهم على بناء مسجد «2».

و الظاهر أنّ المراد هو

النهي عن إعانتهم على بناء المسجد لأجل كونه ازديادا في شوكتهم و عظمتهم، و هذا الأمر أيضا من المستثنى في هذا المقام كما سيأتي.

و رواية محمّد بن عذافر، عن أبيه قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عذافر نبّئت أنّك تعامل أبا أيّوب و الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبي، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام لمّا رأى ما أصابه: أي عذافر إنّي إنّما خوّفتك بما

______________________________

(1) عقاب الأعمال: 309 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 181، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 11، و بحار الأنوار 75: 372 ح 17.

و في ص 380 ضمن ح 41 و مستدرك الوسائل 13: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 14960 عن النوادر للراوندي: 158 ح 234.

(2) تهذيب الأحكام 6: 338 ح 941، و عنه وسائل الشيعة 17: 180، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 193

..........

______________________________

خوّفني اللّه- عزّ و جلّ- به.

قال محمّد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتّى مات «1».

و فيه- مضافا إلى ضعف السند-: أنّ معاملة عذافر معهما كانت بنحو يعدّ من أعوان الظلمة عرفا، و إلّا فدعوى تطبيق هذا العنوان تعبّدا من دون تحقّقه عند العرف في غاية البعد، بل غير تامّة و غير صحيحة.

و رواية ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل (فدخل خ ل) عليه رجل من أصحابنا، فقال له: جعلت فداك (أصلحك اللّه خ ل) إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدّة فيدعى إلى

البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما احبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، و إنّ لي ما بين لابتيها، لا و لا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يحكم اللّه بين العباد «2».

و الوكاء بالكسر و المدّ خيط يشدّ به السرّة، و الكيس و القربة و نحوها.

و فيه- مضافا إلى ضعف السند أيضا-: ما مرّ من الجواب عن الاستدلال بالرواية السابقة، خصوصا مع ملاحظة التعليل الواقع فيها، و مع التعبير بقوله عليه السّلام:

______________________________

(1) الكافي 5: 105 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 178، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 3 و الوافي 17: 151 ح 17028 و مرآة العقول 19: 61 ح 1.

(2) الكافي 5: 107 ح 7، تهذيب الأحكام 6: 331 ح 919، و عنهما وسائل الشيعة 17: 179، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 6 و الوافي 17: 155 ح 17034.

و في مرآة العقول 19: 63 ح 7 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار 10: 274 ح 40 عن التهذيب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 194

..........

______________________________

«ما احبّ» إلى آخره، الظاهر في الكراهة و إن كان ذلك بالإضافة إلى شخص الإمام عليه السّلام.

و رواية صفوان بن مهران الجمّال المعروفة قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السّلام فقال لي: يا صفوان كلّ شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، قلت: جعلت فداك أيّ شي ء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل؛ يعني هارون، قلت: و اللّه ما أكريته أشرا

و لا بطرا و لا للصيد و لا للّهو، و لكنّي أكريته لهذا الطريق- يعني طريق مكّة- و لا أتولّاه بنفسي، و لكنّي أبعث معه غلماني.

فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: فقال لي:

أ تحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار.

قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنّك بعت جمالك؟ قلت: نعم، قال: و لم؟ قلت: أنا شيخ كبير و أنّ الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات هيهات، إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه السّلام، قلت: ما لي و لموسى بن جعفر؟

فقال: دع هذا عنك، فو اللّه لو لا حسن صحبتك لقتلتك «1».

و فيه- مضافا إلى ضعف السند أيضا-: أنّ غاية مدلولها أنّ من أحبّ بقاءهم فهو منهم، و ظاهره تحقّق ذلك في مورد لم يصل إلى المكري الجمّال جميع الكراء قبلا، و إلّا ففي صورة الوصول لا يتحقّق عنوان المحبّة أيضا، فهي على الجواز أدلّ من

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال، المعروف ب «رجال الكشّي»: 441 ح 828، و عنه وسائل الشيعة 17: 182، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 17 و بحار الأنوار 75: 376 ح 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 195

..........

______________________________

المنع، و لو كانت الرواية معتبرة لقلنا بأنّ محبّة بقاء الظالمين محرّمة و لو كان الحبّ في غير جهة ظلمه، كأداء بقيّة الكراية كما في مفروض الرواية، أو أداء قرضه فيما لو اقترض من مقرض، كما لا يخفى.

و غير ذلك من

الروايات «1» القاصرة من حيث السند، أو من جهة الدلالة، أو من كلتا الحيثيتين.

و قد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض في مقابل القاعدة الدالّة على الجواز ما يصلح لأن يكون دليلا على العدم. نعم، هنا بعض المستثنيات، مثل:

كون الشخص منطبقا عليه عنوان أعوان الظلمة، و هو محرّم لإحدى الروايتين المذكورتين في المتن، و بعض الروايات المتقدّمة، مثل موثّقة السكوني.

و موثّقته الاخرى بالسند المتقدّم:

قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما اقترب عبد من سلطان جائر إلّا تباعد من اللّه، و لاكثر ماله إلّا اشتدّ حسابه، و لا كثر تبعه إلّا كثرت شياطينه «2».

و موثّقته الثالثة بالسند المتقدّم أيضا:

قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إيّاكم و أبواب السلطان و حواشيها، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم من اللّه عزّ و جلّ، و من آثر السلطان على اللّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 177- 186، أبواب ما يكتسب به ب 42- 44.

(2) عقاب الأعمال: 310 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 181، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 12 و بحار الأنوار 75: 372 ح 18.

و في بحار الأنوار 72: 67 ح 27 و ج 75: 379 ح 41، و مستدرك الوسائل 13: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 14955 عن النوادر للراوندي: 89 ح 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 196

..........

______________________________

أذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا «1».

و رواية ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم القيامة خنزيرا «2».

و الظاهر

أنّ السابع مقلوب عبّاس، و المقصود خلفاء بني العبّاس، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من تسويد الاسم هو كونه من أعوانهم و حواشيهم و لو بالإضافة إلى الأعمال غير المحرّمة؛ كالخياطة و بناء المسجد و غيرهما.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ قوله في المتن: «و لم يكن اسمه مقيّدا في دفترهم» إلخ، ليس أمرا آخر وراء كونه من الأعوان و الحواشي؛ ضرورة أنّ الفقير مثلا إذا كان اسمه مقيّدا في دفترهم لأجل الإعانة إليه من دون توقّع أمر، لا يكون مجرّد تسويد اسمه في الدفتر محرّما و لو كان بتسبيبه.

نعم، الأمر الأخير- و هو كون عمله موجبا لازدياد شوكة الظالم و قوّته- يكون محرّما و إن لم يكن من نيّته الإعانة بالإضافة إلى الظالم، و يدلّ عليه بعض الروايات المتقدّمة «3» الدالّة على النهي عن إعانتهم على بناء المسجد؛ فإنّ الظاهر أنّ تأسيس

______________________________

(1) عقاب الأعمال: 310 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 17: 181، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 13 و بحار الأنوار 75: 372 ح 19.

و في نفس البحار: 380 ضمن ح 41، و مستدرك الوسائل 13: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 35 ح 14958 عن النوادر للراوندي باختلاف.

و رواه في الغايات: 202 مثله، و في كنز العمّال 6: 70 ح 14887 باختلاف.

(2) تهذيب الأحكام 6: 329 ح 913، و عنه وسائل الشيعة 17: 180، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 9 و ملاذ الأخيار 10: 270 ح 34.

و في بحار الأنوار 75: 372 ح 20 عن عقاب الأعمال: 310 ح 1.

(3) في ص: 192.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص:

197

..........

______________________________

المسجد يكون موجبا لشهرتهم و اهتمامهم بالامور المستحسنة، فيزيد شوكتهم و قوّتهم. و الرواية حسنة كما مرّ.

بقي الكلام في المسألة في أنّ المراد بالظالم لا يكون هو المتلبّس بالظلم و لو مرّة أو مرّات و لو قلنا بأنّ المشتقّ حقيقة فيما انقضى، بل الذي يعدّ في العرف كذلك لأجل اشتغاله بالظلم نوعا، و من أظهر مصاديقه خلفاء الجور الغاصبين للولاية الحقّة و الحكومة الإلهيّة.

و أمّا العاصي، فلا يكون مقصودا في هذه المسألة و إن اطلق عليه الظالم في بعض التعبيرات القرآنية، و يؤيّد ما ذكرنا مقابلة العاصين مع الظالمين في بعض الروايات «1»، فتدبّر.

______________________________

(1) الكافي 8: 14 ح 2، و عنه وسائل الشيعة 17: 177، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42 ح 1.

و في بحار الأنوار 78: 157 قطعة من ح 11 و 12 عن تحف العقول: 254 و أمالي المفيد: 203 قطعة من ح 33.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 198

[حفظ كتب الضّلال]

مسألة 15: يحرم حفظ كتب الضلال و نسخها و قراءتها و درسها و تدريسها إن لم يكن غرض صحيح في ذلك؛ كأن يكون قاصدا لنقضها و إبطالها، و كان أهلا لذلك و مأمونا من الضلال. و أمّا مجرّد الاطّلاع على مطالبها، فليس من الأغراض الصحيحة المجوّزة لحفظها لغالب الناس؛ من العوام الذين يخشى عليهم الضلال و الزلل، فاللّازم على أمثالهم التجنّب عن الكتب المشتملة على ما يخالف عقائد المسلمين، خصوصا ما اشتمل منها على شبهات و مغالطات عجزوا عن حلّها و رفعها، و لا يجوز لهم شراؤها و إمساكها و حفظها، بل يجب عليهم إتلافها (1).

______________________________

(1) قال الشيخ قدّس سرّه في محكي الغنائم من المبسوط:

إذا وجد في المغنم كتب نظر فيها- إلى أن قال- و إن كانت كتبا لا تحلّ إمساكها كالكفر و الزندقة و ما أشبه ذلك، كلّ ذلك لا يجوز بيعه، ثمّ حكم بوجوب تمزيقها و إتلافها، و حكم بكون التوراة و الإنجيل من هذا القبيل؛ لوقوع التحريف فيهما «1»، و مثله العلّامة في محكيّ غنائم التذكرة «2» و المنتهى «3».

ثمّ إنّه يستفاد من حكم الشيخ بكون التوراة و الإنجيل من هذا القبيل- أي كتب الكفر و الزندقة و ما أشبه ذلك، نظرا إلى وقوع التحريف فيهما- أنّه لا ينحصر عنوان كتب الضلال بخصوص ما كان موضوعا لإضلال الناس و إغوائهم و انحرافهم عن العقائد الحقّة، بل يشمل العنوان المذكور ما كان مشتملا على المطالب الضالّة و إن لم يكن للغرض المذكور.

______________________________

(1) المبسوط 2: 30.

(2) تذكرة الفقهاء 9: 127.

(3) منتهى المطلب 2: 1013، الطبعة الحجريّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 199

..........

______________________________

كما أنّه يستفاد عدم الاختصاص بالكتب التي يكون جميع مطالبه من الأوّل إلى الآخر كذلك، بل يشمل ما كان فيه مطالب غير صحيحة و لو كانت تلك المطالب جملة من مطالب الكتاب و قسما من مباحثه، فالكتب التي صنّفها أرباب المسالك الباطلة كلّها من هذا القبيل، كما أنّ بعض المجلّات سيّما المجلّات المنتشرة في زمن الطاغوت- كالمجلّة المنتشرة فيما يرتبط بالنساء- من هذا القبيل.

و كيف كان، فقد استدلّ للحرمة و عدم الجواز بامور:

منها: ما ابتدأ به الشيخ الأعظم و جعله أوّل الأدلّة؛ و هو حكم العقل بوجوب قلع مادّة الفساد «1».

و أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بما يرجع إلى أنّ مدرك حكمه إن كان هو حسن العدل و قبح الظلم، فيرد

عليه: أنّه لا دليل على وجوب دفع الظلم في جميع الموارد، و إلّا لوجب على اللّه الممانعة من الظلم تكوينا، مع أنّه أقدر الإنسان على فعل الخير و الشرّ.

و إن كان مدرك حكمه وجوب الإطاعة و حرمة المعصية؛ نظرا إلى أمره تعالى بقلع مادّة الفساد، فيرد عليه: أنّه لا دليل على ذلك إلّا في موارد خاصّة، كما في كسر الأصنام و الصلبان.

نعم، لو كان الفساد موجبا لسدّ باب الحقّ و إحياء الباطل و تشييد كلمته، وجب دفعه؛ لأهميّة حفظ الشريعة المقدّسة، و لكنّه أيضا وجوب شرعيّ في مورد خاصّ، فلا يرتبط بحكم العقل بقلع مادّة الفساد «2».

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 233.

(2) مصباح الفقاهة 1: 402.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 200

..........

______________________________

و منها: قوله- تعالى-: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «1»، و قد قيل في شأن النزول: إنّ الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة؛ لأنّه كان يشتري كتبا فيها أحاديث الفرس من حديث رستم و اسفنديار؛ و كان يلهي الناس بذلك ليصدّهم عن سماع القرآن و تدبّر ما فيه «2».

و يرد عليه:

أوّلا: أنّه قد ورد في روايات كثيرة متقدّمة «3»- و فيها الصحيحة- تفسير الآية المزبورة بالغناء، و إن ناقشنا «4» في ذلك بأنّ قول الإمام عليه السّلام و إن كان بمنزلة القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي للظواهر القرآنيّة، إلّا أنّ ذلك فيما إذا لم يكن الاستعمال غير صحيح، بل مجازيا مثلا، و تفسير ما هو من مقولة الكلام بما لا يكون إلّا مرتبطا مع الكيفيّة؛ لما عرفت 5 في حقيقة الغناء و معناها ممّا لا يكون مناسبا بنظرنا، فتدبّر.

و ثانيا:

إنّ المستفاد من الآية و من شأن النزول هو ثبوت التحريم فيما إذا كان الغرض من الاشتراء هو الإضلال عن سبيل اللّه، فلا دلالة لها على حرمة الحفظ و مثله فيما إذا لم يكن الغرض ذلك.

و ثالثا: ما عن المحقّق الايرواني في الحاشية من أنّ المراد من الاشتراء هو التعاطي؛ و هو كناية عن التحدّث به، و هذا داخل في الإضلال عن سبيل اللّه،

______________________________

(1) سورة لقمان 31: 6.

(2) التبيان 8: 244، مجمع البيان 8: 69، تفسير كنز الدقائق 8: 7، و في الكشّاف 3: 490 نحوه.

(3) في ص: 166.

(4) 4، 5 في ص: 179- 182.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 201

..........

______________________________

و هو غير ما نحن فيه من إعدام ما يوجب الضلال «1».

و منها: قوله- تعالى-: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «2» نظرا إلى أنّ كتب الضلال من مصاديق قول الزور.

و اورد عليه بأنّ قول الزور قد فسّر بالكذب، و قد مرّ «3» في بحث الغناء تفسير قول الزور بالغناء، و إن اجيب عن ذلك بأنّه لا منافاة بين التفسيرين؛ فإنّ كلّا منهما لبيان المصداق، و القرآن لا يختصّ بطائفة و لا بمصداق «4»، و لكن مرّت منّا المناقشة في ذلك، كما أشرنا إليها في الجواب عن الآية الاولى.

و كيف كان، فالآية بكلا تفسيريها أجنبيّة عن المقام، و لا يمكن الاستدلال بها فيه.

و منها: بعض فقرات رواية تحف العقول المعروفة التي سلكنا مسلكا للحكم باعتبارها «5»، مثل:

قوله عليه السّلام: إنّما حرّم اللّه الصناعة التي هي حرام كلّها التي يجي ء منها الفساد محضا «6»، بدعوى أنّ مفهوم الحصر يقتضي حرمة الصناعة المحرّمة بجميع منافعها التي منها الحفظ.

و فيه: أنّ حرمة الصناعة لا تلازم

حرمة الحفظ، كما ذكرنا في بحث التصوير

______________________________

(1) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 152.

(2) سورة الحجّ 22: 30.

(3) في ص: 164- 165.

(4) مصباح الفقاهة 1: 404.

(5) في ص 13- 15.

(6) تحف العقول: 335، و عنه وسائل الشيعة 17: 85، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2 قطعة من ح 1، و الحدائق الناضرة 18: 70.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 202

..........

______________________________

من حرمة الإيجاد و عدم حرمة الاقتناء بوجه «1».

و قوله عليه السّلام: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا- إلى قوله:- و جميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها إلخ «2».

و قد عرفت في أوائل الكتاب «3» أنّ صدق التقلّب في مثل ذلك ممنوع، و قد مثّلنا هناك أنّ صاحب الميتة إذا نقل الميتة من المنزل إلى محلّ بعيد للتحفّظ عن عفونتها لا يصدق على عمله التقلّب، و هكذا الحفظ في المقام.

و قوله عليه السّلام: أو يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحقّ، فهو حرام محرّم بيعه و شراؤه و إمساكه «4».

و فيه: أنّه خارج عن المدّعى؛ لأنّ الغرض من الحفظ و مثله ليس هو الإضلال و حصول الوهن للحقّ، و إلّا فهو حرام بلا إشكال.

و منها: حسنة عبد الملك بن أعين، حيث سأل الإمام عليه السّلام عن ابتلائه بالنجوم- الى أن قال-: فقال لي: تقضي؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك «5». بناء على كون الأمر بالإحراق للوجوب، لا للإرشاد عن الابتلاء بالنجوم.

و فيه: أنّ استفصال الإمام عليه السّلام عن القضاء بالنجوم دليل على عدم وجوب

______________________________

(1) في ص 157- 161.

(2) تحف العقول: 335- 336، و عنه وسائل الشيعة 17:

85، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2 قطعة من ح 1 و الحدائق الناضرة 18: 70.

(3) في ص 11.

(4) تحف العقول: 333، و عنه وسائل الشيعة 17: 84- 85، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 1 قطعة من ح 1 و الحدائق الناضرة 18: 68.

(5) الفقيه 2: 175 ح 779، و عنه وسائل الشيعة 11: 370، كتاب التجارة، أبواب آداب السفر ب 14 ح 1 و روضة المتّقين 4: 196- 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 203

..........

______________________________

الإهراق مع عدم القضاء.

و أمّا التمسّك بالإجماع «1» في المقام، فيدفعه- مضافا إلى فرض تحقّقه- أوّلا: أنّه لا أصالة للإجماع في مثل المسألة ممّا كانت له أدلّة متعدّدة و وجوه مختلفة و إن ناقشنا في الجميع كما عرفت، و ثانيا: أنّه دليل لبّي لا إطلاق له يشمل جميع فروض المدّعى.

و قد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لم ينهض دليل معتبر على الحكم بالحرمة في جميع صور المسألة، خصوصا إذا عمّمنا الحفظ للحفظ عن ظهر القلب، كما هو ظاهرهم، و قد صرّح به الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في آخر البحث «2».

ثمّ الظاهر أنّ المراد بالضلال في العنوان مقابل الهداية، فكتاب الضلال إن كان الغرض من تأليفه و جمعه إضلال الناس و إغوائهم و انحرافهم عن طريق الحقّ، فلا إشكال في كونه مصداقا لكتاب الضلال، و إن كان مثله بحسب الغالب المتعارف لا يكون جميع مطالبه من الصدر إلى الذيل كذلك، بل مختلط نوعا، غاية الأمر أنّ أكثره كذلك و إن لم يكن موضوعا للإضلال و الانحراف، بل مترتّبا عليه الضلالة، و لو كان ذلك لأجل قصور إدراكه عن الوصول إلى عمق المطلب و

حقيقته، كبعض مسائل الفلسفة و العرفان، فالظاهر أنّه بالإضافة إليه يكون كذلك و إن كان بالإضافة إلى غيره لا يكون كذلك.

و أمّا الكتب السماويّة، كالتوراة و الإنجيل، فالظاهر عدم كونها من هذا القبيل؛ أمّا على تقدير عدم التحريف فواضح، و أمّا على تقدير التحريف كما هو الظاهر، فالدليل على العدم كونها منسوخة بنظر المسلمين و باعتقادهم، فلا معنى لحصول الإضلال

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 12: 206، جواهر الكلام 22: 58- 59.

(2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 238.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 204

..........

______________________________

بالإضافة إليهم، و إن كانت عبارة الشيخ في المبسوط المتقدّمة «1» دالّة على هذا المعنى.

و أمّا الكتب المصنّفة لغيرنا، فإن كانت في مثل موضوع الفقه و الاصول و التاريخ و الشعر و الأدب و نحوها، فالظاهر أنّها ليست من كتب الضلال. و أمّا إن كانت في الموضوعات الاعتقاديّة المخالفة لعقائد الشيعة، فهي من كتب الضلال، كالموضوعة في الجبر و التجسيم، و الولاية غير الحقّة، و مثل ذلك.

و من الأسف ما نراه بالوجدان في هذا العصر من وجود كتب مختلفة متعدّدة في ردّ عقائد الشيعة الإماميّة الحقّة، و أصلها ينشأ من الاستعمار و الاستكبار العالمي و إن كان لبعض المعاندين مدخليّة في ذلك غير قابلة للإنكار، كما نرى في بعض تأليفاتهم في الحطّ من شأن الشخصيّات و الرموز الشيعيّة العظيمة؛ مثل فاطمة الزهراء- سلام اللّه عليها- التي افتخر بامومتها الأئمّة المعصومون عليهم السّلام «2»، فكلّها من كتب الضلال بلا إشكال.

ثمّ إنّك عرفت أنّ عنوان مورد البحث لم يقع موضوعا للحكم في شي ء من الأدلّة حتّى يؤخذ بإطلاقه، و يحكم بثبوت الحرمة في جميع الموارد، بل مقتضى تناسب الحكم و الموضوع

أنّه إذا كان الغرض من حفظ كتب الضلال الجواب عنها و عن شبهاتها، و كان الشخص أهلا لذلك و قادرا على النقض و الحلّ، لا يكون الحفظ محرّما بالإضافة إليه.

نعم، اللازم عليه رعاية عدم الوصول إلى غير الصالح و لو في شطر من الزمان.

هذا، و لو كان الغرض مجرّد الاطّلاع على مطالب الكتاب من دون أن يكون

______________________________

(1) في ص 198.

(2) تفسير العياشى 2: 303 ح 120، الارشاد للشيخ المفيد 2: 15 و 97- 98، مقاتل الطالبيّين: 70، مناقب آل أبي طالب عليهم السّلام 4: 36 و 51، الاحتجاج 1: 422 و ج 2: 96.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 205

..........

______________________________

الشخص قادرا على الجواب لأجل قصور مرتبته العلميّة، و من دون أن يصير متأثّرا من مطالبه بوجه؛ للعلم الإجمالي بمخالفته للعقائد الحقّة، فيمكن أن يقال بأنّ المستفاد من المتن الجواز؛ لعدم خوف الضلال و خشية الزلل؛ للحكم فيه بعدم الجواز بالإضافة إلى العوام الذين يخشى عليهم الزلل.

و قد فرّع على ذلك أنّ اللازم عليهم التجنّب عن مثل الكتب المشتملة على خلاف عقائد المسلمين، خصوصا إذا كانت مشتملة على شبهات يكونوا عاجزين عن دفعها و حلّها، و قد عرفت «1» في أوائل البحث أنّه ليس المراد بالكتاب ما هو معناه الاصطلاحي المشتمل على صفحات متكثّرة، بل يشمل المجلّات المطبوعة و شبهها، كبعض المجلّات المنتشرة في زمن الطاغوت، و الوجه فيه واضح.

______________________________

(1) في ص: 199.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 206

[عمل السحر و ما يلحق به]

مسألة 16: عمل السحر و تعليمه و تعلّمه و التكسّب به حرام، و المراد به ما يعمل من كتابة أو تكلّم أو دخنة أو تصوير أو

نفث أو عقد و نحو ذلك يؤثّر في بدن المسحور، أو قلبه أو عقله، فيؤثّر في إحضاره، أو إنامته، أو إغمائه، أو تحبيبه، أو تبغيضه، و نحو ذلك.

و يلحق بذلك استخدام الملائكة، و إحضار الجنّ و تسخيرهم، و إحضار الأرواح و تسخيرها، و أمثال ذلك، بل يلحق به- أو يكون منه- الشعبذة؛ و هي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة.

و كذلك الكهانة؛ و هي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الامور بمقدّمات و أسباب يستدلّ بها على مواقعها.

و القيافة؛ و هي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض، و سلب بعض عن بعض على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق و عدمه؛ من الفراش و عدمه.

و التنجيم؛ و هو الإخبار عن البتّ و الجزم عن حوادث الكون؛ من الرخص و الغلاء و الجدب و الخصب، و كثرة الأمطار و قلّتها، و غير ذلك من الخير و الشرّ و النفع و الضرر، مستندا إلى الحركات الفلكيّة و النظرات و الاتّصالات الكوكبيّة، معتقدا تأثيرها في هذا العالم على نحو الاستقلال أو الاشتراك مع اللّه- تعالى عمّا يقول الظالمون- دون مطلق التأثير، و لو بإعطاء اللّه- تعالى- إيّاها إذا كان عن دليل قطعيّ.

و ليس منه الإخبار عن الخسوف و الكسوف و الأهلّة، و اقتران الكواكب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 207

و انفصالها، بعد كونه ناشئا عن اصول و قواعد سديدة، و الخطأ الواقع منهم أحيانا ناشئ من الخطأ في الحساب و إعمال القواعد كسائر العلوم (1).

______________________________

(1) قد وقع التعرّض في هذه المسألة لجملة من العناوين المحرّمة التي

منها:

عمل السحر و تعليمه و تعلّمه و التكسّب به؛ فإنّه حرام بلا خلاف «1» ظاهرا، بل ربما يدّعى أنّه ضروريّ «2»، و الظاهر أنّ المراد كونه من ضرورة الفقه لا ضروريّ الدّين، و الأخبار الواردة في ذلك مستفيضة، و يدلّ على حرمته ثبوت حدّ القتل في مورده مع عدم ثبوت مثل هذا الحدّ حتّى في الزنا إلّا في بعض موارده؛ كالزنا مع الإحصان «3»، أو مع ذات النسب «4»، و مثلهما.

و بالجملة: لا إشكال في حرمته، و التعبيرات الواقعة بالإضافة إليه في الروايات تدلّ على بلوغه في الحرمة المرتبة العالية.

ففي موثّقة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفّار لا يقتل، قيل: يا رسول اللّه لم لا يقتل ساحر

______________________________

(1) الخلاف 5: 329 مسألة 15، منتهى المطلب 2: 1014، الطبعة الحجريّة، كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام» 1: 440، مستند الشيعة 14: 111، جواهر الكلام 22: 75، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1:

257، مصباح الفقاهة 1: 445.

و في مجمع الفائدة و البرهان 8: 78، أنّه إجماع (إجماعيّ خ ل) بين المسلمين.

(2) جواهر الكلام 22: 75، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 257.

و في إيضاح الفوائد ج 1/ 405: كلّ ذلك محرّم في شريعة الإسلام، و مستحلّه كافر. و كذا في التنقيح الرائع ج 2/ 12 مثله، إلّا أنّ فيه: و الكلّ حرام.

(3) وسائل الشيعة 28: 61- 67، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا ب 1.

(4) وسائل الشيعة 28: 113- 116، كتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا ب 19.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 208

..........

______________________________

الكفّار؟ قال: لأنّ الشرك أعظم من

السّحر؛ لأنّ السحر و الشرك مقرونان «1».

و في رواية أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ثلاثة لا يدخلون الجنّة: مدمن خمر، و مدمن سحر، و قاطع رحم، الحديث «2».

و في رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام، أنّ عليّا عليه السّلام قال: من تعلّم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربّه و حدّه أن يقتل إلّا أن يتوب «3».

ثمّ إنّه حكى الشيخ الأعظم قدّس سرّه عن بعض أهل اللغة: أنّ السحر ما لطف مأخذه و دقّ «4». و عن بعضهم: أنّه صرف الشي ء عن وجهه «5»، و عن ثالث: أنّه

______________________________

(1) الكافي 7: 260 ح 1، تهذيب الأحكام 10: 147 ح 583، الفقيه 3: 371 ح 1752، علل الشرائع: 546 ب 338 ح 1، و عنها وسائل الشيعة 17: 146، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2، و ج 28: 365، كتاب الحدود، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات ب 1 ح 1.

و في بحار الأنوار 79: 212 ح 9 عن العلل، و في ص 214 ح 13 عن النوادر للراوندي: 90 ح 24، و في مستدرك الوسائل 13: 106، 107، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 22 ح 14906 و 14908، و ج 18:

191، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات ب 1 ح 22474 و 22476 عن الجعفريّات: 128 و دعائم الإسلام 2: 482 ح 1725 باختلاف يسير.

(2) الخصال: 179 صدر ح 243، معاني الأخبار: 330 صدر ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 15: 346، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 49

صدر ح 19، و ج 17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 6 و ج 25:

304، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب 9 صدر ح 21، و بحار الأنوار 79: 129 ح 15.

(3) قرب الإسناد: 152 ح 554، و عنه وسائل الشيعة 17: 148، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 7 و بحار الأنوار 79: 210 ح 1.

و في وسائل الشيعة 28: 367، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات ب 3 ح 2 عن تهذيب الأحكام 10: 147 ح 586.

(4) الصحاح 1: 555، القاموس المحيط 2: 108.

(5) النهاية في غريب الحديث و الأثر 2: 346.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 209

..........

______________________________

الخدع «1»، و عن رابع: أنّه إخراج الباطل في صورة الحقّ «2»، «3».

و التحقيق أن يقال- بعد كون معنى السحر كما يقتضيه ملاحظة موارد استعماله و مشتقّاته هو الصرف-: إنّ التأمّل القرآني يقتضي الذهاب إلى ثبوت أمرين في السحر، خصوصا ما ورد في قصّة السحرة مع موسى عليه السّلام:

أحدهما: كون الصور المبدعة فيه تخيّليّة، لا بمعنى التخيّل المجامع لاحتمال الخلاف، بل بمعنى التخيّل المقرون بزعم كونها الصور الواقعيّة و الامور الحقيقيّة.

ثانيهما: تأثير تلك الصور المرئيّة و نظيرها حقيقة و تكوينا، فانظر إلى قوله- تعالى-: فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسىٰ «4»، حيث جمع فيه بين كون الحبال و العصيّ يخيّل أنّها تسعى، و بين حصول الخوف لموسى النبيّ عليه السّلام، مع أنّه كان طرف المقابلة.

و كذا يستفاد ممّا ورد في قصّة الملكين النازلين ببابل بعد شيوع السحرة المموّهون بعد

نوح عليه السّلام «5»، و كان الغرض من إنزالهما تعليم الناس السحر بواسطة نبيّ الوقت ليستطيعوا إبطال السحر الرائج، و في هذه القصّة قوله- تعالى-:

______________________________

(1) الصحاح 1: 555، معجم تهذيب اللغة 2: 1640.

(2) مجمل اللّغة: 488، تاج العروس 6: 503، لسان العرب 3: 253.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 258.

(4) سورة طه 20: 66- 67.

(5) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 1: 267- 268 قطعة من ح 1، التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام: 473- 474 قطعة من ح 304، و عنهما بحار الأنوار 59: 320 قطعة من ح 3، و في وسائل الشيعة 17: 147، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 4 عن العيون.

و في البرهان في تفسير القرآن 1: 293- 294 قطعة من ح 569 عن تفسير الإمام العسكري عليه السّلام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 210

..........

______________________________

فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ «1»؛ فإنّ ظاهره تأثير السحر في حصول التفرقة جدّا حقيقة، و كذا قوله- تعالى-: وَ مِنْ شَرِّ النَّفّٰاثٰاتِ فِي الْعُقَدِ «2» الظاهر في ثبوت الشرّ واقعا لهذه الطائفة، و غير ذلك من الموارد.

و بالجملة: السحر لا يكون قادرا على تغيير الحقيقة النوعيّة و إيجاد الصور الواقعيّة، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة الموجبة لأثرات تكوينيّة خاصّة، و لعلّه لذلك يكون أصل معناه الصرف. قال في مجمع البحرين: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلّٰا رَجُلًا مَسْحُوراً* «3»؛ أي مصروفا عن الحقّ «4»، و يظهر ذلك من بعض الروايات أيضا، و لا منافاة بين ما ذكرناه، و بين المعنى الذي ذكره بعض أهل اللغة؛ من أنّ السحر ما لطف

مأخذه و دقّ؛ فإنّ لطافة المأخذ و دقّته لا يرجع إلى تغيير الحقيقة النوعيّة، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ عمدة الفرق بين السحر و المعجزة ترجع إلى أمرين:

الأوّل: ما عرفت من أنّ السحر لا يقدر على الحقيقة النوعيّة و إيجاد الصور الواقعيّة، بل له القدرة على إيجاد الصور التخيّليّة؛ و إن كان يترتّب عليها آثار تكوينيّة حقيقيّة.

و أمّا المعجزة، فهي قادرة على إيجاد الصور الواقعيّة، غاية الأمر أنّ خرق العادة الموجود فيه إنّما هو بالإضافة إلى تقريب الأسباب و رفع الموانع؛ فجعل الشجر اليابس أخضر في فصل الشتاء مرجعه إلى تقريب الأزمنة المؤثّرة في ذلك عادة

______________________________

(1) سورة البقرة 2: 102.

(2) سورة الفلق 113: 4.

(3) سورة الإسراء 17: 47.

(4) مجمع البحرين 2: 823.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 211

..........

______________________________

ليحصل فصل الربيع الذي يكون فيه الأخضر، أو بحسب العادة الرائجة في باب الأشجار، فكأنّه يقرّب فصل الربيع و يوجده في فصل الشتاء.

الثاني: أنّ الإتيان بالمعجزة لا يكون إلّا بإذن اللّه و إقداره للآتي بالمعجزة، و لأجله لا يقدر عليه في كلّ حين و زمان شاء، و هذا بخلاف السحر الذي يأتي به كلّ من يكون عالما بكيفيّة في كلّ زمان شاء و أراد، و جميع الامور و إن كان مربوطا بإذن اللّه، إلّا أنّ المراد من الإذن فيها هي القدرة التي أعطاها اللّه تبارك و تعالى إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً «1».

ثمّ إنّ ما ذكرناه في معنى المعجزة يجري في مثل عصا موسى الذي صار ثعبانا كما في الكتاب «2». و في مثل الأسد المنقوش على الستر الذي صار حيوانا مفترسا بأمر الإمام عليه السّلام و أكل المستهزئ له،

و قد تقدّم «3».

و قد ذكرنا في كتابنا مدخل التفسير الفرق بين المعجزة و السحر، و قد كتبنا هذا الكتاب في سالف الزمان، و قد طبع مرّتين، فراجع «4».

ثمّ إنّه في المتن بعد عنوان السحر موضوعا و حكما قال: «و يلحق بذلك استخدام الملائكة، و إحضار الجنّ و تسخيرهم، و إحضار الأرواح و تسخيرها، و أمثال ذلك-». و الظاهر أنّ مراده هو اللحوق الحكمي لا الموضوعي بحيث تكون الامور المذكورة من مصاديق السحر و أفراده، بل غاية الأمر جريان حكم السحر عليه من جهة الحرمة و عدم الجواز، لا من حيث الحدّ أيضا الذي هو القتل كما عرفت.

______________________________

(1) سورة الإنسان (الدهر) 76: 3.

(2) سورة الأعراف 7: 107.

(3) في ص: 143- 144.

(4) مدخل التفسير: 19- 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 212

..........

______________________________

و يؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا التعبير باللحوق خصوصا مع ملاحظة الجملة البعديّة التي وقع التعبير فيها بأنّه «يلحق به أو يكون منه»، كما لا يخفى.

مضافا إلى أنّ الامور المذكورة كما عرفت في تعريف السحر ليست من الصور التخيّليّة، بل من الامور الواقعيّة؛ فإنّ استخدام الملائكة أو الجنّ- و كذا مثلهما- امور حقيقيّة، و لكن حكى الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه في مكاسبه عن الشهيدين قدّس سرّهما أنّهما عدّا من السحر استخدام الملائكة، و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب، و استحضارهم و تلبيسهم ببدن صبيّ أو امرأة، و كشف الغائبات على لسانه «1».

كما أنّه حكى عن العلّامة المجلسي قدّس سرّه في البحار، أنّه بعد ما نقل عن أهل اللغة «أنّه ما لطف و خفي سببه»: إنّه في عرف الشرع مختصّ بكلّ أمر يخفى سببها (سببه ظ)

و يتخيّل على غير حقيقته، و يجري مجرى التمويه و الخداع، و أنّه ذكر بعد ذلك أنّ السحر على أقسام ثمانية، ثمّ حكى تلك الأقسام «2»، «3»، مع أنّ جملة منها لا ينطبق عليه عنوان السحر بالمعنى الشرعي الذي ذكره، و من الظاهر أنّ المقسم لتلك الأقسام هو السحر الشرعي، و إلّا كان عليه البيان، مضافا إلى أنّ البحث إنّما هو في هذا السحر لا بمعنى آخر.

و كيف كان، فالظاهر أنّ المراد من المتن هو اللحوق من حيث الحكم لا الانطباق من حيث الموضوع. نعم، الكلام إنّما هو في الدليل على هذا اللحوق، و الظاهر أنّ

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 164، مسالك الأفهام 3: 128، الروضة البهيّة 3: 214- 215.

(2) بحار الأنوار 59: 277- 297 نقلا من التفسير الكبير للفخر الرازي 1: 619- 625.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 259- 263.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 213

..........

______________________________

الدليل عليه هو ادّعاء الضرورة من مثل فخر المحقّقين في الإيضاح «1» و ظاهر الشهيد في محكي الدروس «2»؛ نظرا إلى أنّ ادّعاء الضرورة ليس مثل نقل الإجماع في عدم الحجّية و الاعتبار، بل يكشف عن ثبوت الاتّفاق عليه، كما أفاده الشيخ المزبور «3»، خصوصا مع التصريح بأنّ مستحلّه كافر، لكنّ اللازم الاقتصار على القدر المتيقّن؛ لكونه من الأدلّة اللبّية كما لا يخفى.

ثمّ إنّه ذكر في المتن قوله: «بل يلحق به- أو يكون منه- الشعبذة؛ و هي إراءة غير الواقع واقعا بسبب الحركة السريعة».

أقول: الشعبذة كالشعوذة زنة و معنى، كما عن جماعة من أكابر اللغويين «4»، و هي إعمال في العين ترى الشي ء بغير ما هو عليه، و هي التي يعبّر عنها في الفارسية

ب «تردستى و چشم بندى»، و قد وقع الترديد في المتن بين كونها ملحقة بالسحر حكما؛ أي من جهة الحرمة، و بين كونها من أفراده و مصاديقه؛ نظرا إلى ما عرفت من رؤية العين معها الشي ء على غير ما هو عليه. فإن كانت من مصاديق السحر و أفراده تدلّ على حرمتها الإطلاقات الواردة في السحر، و إن أشرنا إلى عدم ترتّب بعض أحكام السحر كحدّ القتل عليها جزما، و إن لم نقل بذلك بل باللحوق الحكمي فقط يحتاج الحكم بذلك إلى قيام الدليل عليه، و المفروض عدم وجود دعوى الضرورة فيها، كاستخدام الملائكة و استنزال الشياطين على ما مرّ.

و منها: الكهانة؛ و هي كما في المتن تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 405.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 164.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 265- 266.

(4) المعجم الوسيط: 484 و 486، معجم المصطلحات و الألفاظ الفقهيّة 2: 339.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 214

..........

______________________________

الزمان بزعم أنّه يلقي إليه الأخبار عنها بعض الجانّ، أو بزعم أنّه يعرف الامور بمقدّمات و أسباب يستدلّ بها على مواقعها.

قلت: لا بأس بنقل الرواية التي رواها الشيخ الأعظم «1» عن احتجاج الطبرسي للاطّلاع على بعض خصوصيّات الكهانة و إن كانت الرواية غير معتبرة في نفسها.

فنقول: روى الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبد اللّه عليه السّلام:

قال الزنديق: فمن أين أصل الكهانة، و من أين يخبر الناس بما بحدث؟

قال عليه السّلام: إنّ الكهانة كانت في الجاهليّة في كلّ حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم عن أشياء تحدث، و ذلك

من وجوه شتّى: فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح مع قذف في قلبه؛ لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلم الشيطان و يؤدّيه إلى الكاهن، و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف.

و أمّا أخبار السماء؛ فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك، و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم، و إنّما منعت من استراق السمع لئلّا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء، و يلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه- تعالى- لإثبات الحجّة و نفي الشبهة، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه في خلقه فيختطفها، ثمّ يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيختلط الحقّ بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر ممّا كان يخبر به، فهو ما أدّاه إليه شيطانه ممّا

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 34- 36.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 215

..........

______________________________

سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة.

و اليوم إنّما تؤدّي الشياطين إلى كهّانها أخبارا للناس ممّا يتحدّثون به، و ما يحدّثونه، و الشياطين تؤدّي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث: من سارق سرق، و من قاتل قتل، و من غائب غاب، و هم بمنزلة الناس أيضا، صدوق و كذوب إلى آخر الخبر «1».

و في الرواية امور قابلة للملاحظة و الدقّة:

أحدها: قوله عليه السّلام: «مع قذف في قلبه»، و قد احتمل الشيخ قدّس سرّه أن يكون قيدا للأخير، و أن يكون قيدا للجميع.

ثانيها: أنّ

المراد من قوله عليه السّلام: «انقطعت الكهانة» هي الكهانة الكاملة المتضمّنة لأخبار السماء، و إلّا فأصل الكهانة فلم تنقطع.

ثالثها: أنّ أخبار الشياطين بالامور المستقبلة الأرضيّة مع عدم تحقّقها بعد، من أيّ طريق يكون و يحصل.

و كيف كان، فالبحث في الكهانة تارة: من جهة أنّها فعل الكاهن و عمله، فالكلام يقع في جوازه و عدمه، و اخرى: من جهة الرجوع إلى الكاهن و تصديقه فيما يقول، و ترتيب الأثر الشرعي على قوله. و على أيّ تقدير فالبحث تارة: من جهة مقتضى القواعد، و اخرى: من جهة الروايات الواردة.

فنقول:

أمّا من جهة القاعدة، فالظاهر أنّ جواز إخباره على سبيل الجزم و البتّ إنّما

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 218- 219، و عنه بحار الأنوار 10: 168 قطعة من ح 2 و ج 63: 76 ح 30.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 216

..........

______________________________

ينحصر بما إذا كان عالما به و قاطعا بوقوعه، سيّما بالإضافة إلى الامور المستقبلة التي عرفت أنّ اطّلاع الشياطين عليها غير معلوم الوجه. و أمّا لو لم يتحقّق له القطع به من أيّ سبب، فلا يجوز له الإخبار بالكيفيّة المذكورة؛ لأنّه من الظنّ الذي لا يغني عن الحقّ شيئا «1»، فالتعويل في جواز الإخبار على الظنّ الذي لم يقم على اعتباره دليل غير جائز.

و أمّا تصديقه فيما يقول، فلا يجوز مطلقا و إن كان العلم حاصلا للكاهن؛ لاختصاص حجّية القطع بالقاطع دون غيره، فإذا أخبر الكاهن بأنّ المال الذي سرق من زيد قد سرقه عمرو، و لم يكن دليل على ذلك من بيّنة و نحوها، فلا يجوز لزيد التقاصّ من مال عمرو، و ترتيب الأثر العملي على قول الكاهن و إن كان قاطعا بذلك.

و

أمّا من جهة الروايات، فما ورد فيها عبارة عن:

صحيحة الهيثم- التي رواها ابن إدريس في مستطرفات السرائر- قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله، فقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من مشى إلى ساحر، أو كاهن، أو كذّاب يصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل اللّه من كتاب «2».

و الظاهر أنّ استشهاد الإمام عليه السّلام بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله إنّما هو لأجل عدم كون المخبر المذكور خاليا عن واحد من العناوين الثلاثة، و إلّا فلا وجه للاستشهاد المزبور، خصوصا مع التقييد بقوله عليه السّلام: «يصدّقه بما يقول» كما لا يخفى.

______________________________

(1) اقتباس من سورة يونس 10: 36.

(2) مستطرفات السرائر: 83 ح 22، و عنه وسائل الشيعة 17: 150، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 3، و بحار الأنوار 2: 308 ح 66 و ج 79: 212 ح 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 217

..........

______________________________

و عليه: فلا وجه لما حكي عن تقريرات بعض الأعلام قدّس سرّه من أنّه لا دلالة في الرواية على انحصار المخبر عن الامور المغيبة بالكاهن و الساحر و الكذّاب، بل الظاهر منها أنّ الأخبار المحرّم منحصر بإخبار هذه الطوائف الثلاث، فالإمام بين ضابطة حرمة الإخبار عن الغائبات.

و نظيره ما إذا سئل أحد عن حرمة شرب العصير التمري، فأجاب بأنّ الحرام من المشروبات إنّما هو الخمر و النبيذ و العصير العنبي إذا غلا؛ فإنّ هذا الجواب لا يدلّ على حصر جميع المشروبات بالمحرّم، و إنّما يدلّ على حصر المشروبات المحرّمة بالامور المذكورة، و إذن

فلا دلالة في الرواية على حرمة مطلق الإخبار «1».

و فيه- مضافا إلى أنّ محطّ السؤال في الرواية ليس هو جواز إخبار المخبر و عدمه، بل جواز الرجوع إليه و تصديقه فيما يقول-: أنّك عرفت ظهور الاستشهاد المزبور في عدم خروج المخبر المذكور عن هذه الطوائف الثلاث بعد وضوح عدم كونه نبيّا و لا وصيّا.

و عليه: فيمكن الاستدلال بالرواية على عدم جواز الإخبار أيضا بعد ثبوته في الساحر و الكذّاب و كون الكاهن مثلهما، كما أنّه يمكن الاستدلال بها على عدم جواز الإخبار بالامور المستقبلة بطريق أولى، فتدبّر.

و منها: رواية أبي بصير- التي رواها عنه عليّ بن أبي حمزة- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من تكهّن أو تكهّن له فقد برئ من دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

قال: قلت: فالقيافة (فالقافة خ ل) قال: ما احبّ أن تأتيهم. و قيل: ما يقولون شيئا إلّا كان قريبا ممّا يقولون، فقال: القيافة فضلة في النبوّة ذهبت في الناس حين

______________________________

(1) مصباح الفقاهة 1: 643.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 218

..........

______________________________

بعث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. «1»

و منها: رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام في حديث المناهي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن إتيان العرّاف، و قال: من أتاه و صدّقه فقد برئ ممّا أنزل اللّه- عزّ و جلّ- على محمّد صلّى اللّه عليه و آله «2».

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية: فسّر بعض أهل اللغة العرّاف بالكاهن و بعضهم بالمنجّم «3».

هذا، و لكنّ الرواية ضعيفة كسابقتها، مضافا إلى ما عرفت من تفسير بعض أهل اللغة العرّاف بالمنجّم.

و قد تحصّل ممّا ذكرنا

انحصار الرواية المعتبرة بالاولى؛ و هي صحيحة الهيثم، و قد استظهرنا منها حرمة إخبار الكاهن من جهة أنّ الكهانة فعله و إن كان مقتضى القاعدة الجواز في صورة العلم.

و منها: القيافة؛ و هي الاستناد إلى علامات خاصّة في إلحاق بعض الناس ببعض، و سلب بعض عن بعض على خلاف ما جعله الشارع ميزانا للإلحاق و عدمه من الفراش و عدمه.

أقول: الوجه في ذلك المخالفة لما جعله الشارع ميزانا للإلحاق، و قد ذكر الميزان

______________________________

(1) الخصال: 19 ح 68، و عنه وسائل الشيعة 17: 149، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 2 و بحار الأنوار 79: 210 ح 4.

(2) الفقيه 4: 3 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 149، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 26 ح 1 و روضة المتّقين 9: 341- 342.

(3) لسان العرب 4: 310، النهاية في غريب الحديث و الأثر 3: 218، مجمع البحرين 2: 1200، القاموس الفقهي: 248.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 219

..........

______________________________

في كتاب النكاح في بحث الولادة من ثبوت الفراش و رعاية أقصى الحمل بعدم الانقضاء عنه، و أقل مدّة الحمل بعدم ثبوت الأقلّ منها «1»، و غير ذلك، فرفع اليد عن ذلك و الاستناد إلى علامات خاصّة- و إن كان مفيدا للظنّ- مخالف للميزان الشرعي.

و في رواية أبي بصير المتقدّمة: «القيافة فضلة في النبوّة ذهبت في الناس حين بعث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله».

نعم، ربما يتحقّق الالتجاء إلى الرجوع إلى القافة مع اجتماع شرائط الإلحاق، كما في مورد الرواية المفصّلة «2» التي أوردها الشيخ «3» في عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، الذي صار ذات ولد بعد

مضيّ مدّة كثيرة من عمره الشريف، و دغدغة بعض المخالفين و حتّى من الأقرباء في ذلك، مع أنّ الاعتقاد بإمامته و شهادته بذلك أدلّ دليل على ذلك، فراجع.

و بالجملة: فالقيافة لا تسوّغ مخالفة الشارع و مناقشته فيما جعله ميزانا للإلحاق إثباتا و نفيا، و هذا واضح جدّا.

و منها: التنجيم؛ و هو بالخصوصيّات المذكورة في المتن لا ينبغي أن يعدّ من الأعمال المحرّمة في عداد المحرّمات المذكورة في هذه المسألة، كالكهانة و القيافة، بل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 169- 170، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء ب 56 و ص 172- 175 ب 58 و ص 193 ب 74، و ج 22: 430، كتاب اللعان ب 9 ح 3.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة؛ ص: 219

و يراجع تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح: 503- 514.

(2) الكافي 1: 322 ح 14، و عنه مرآة العقول 3: 378- 382 ح 14، و شرح اصول الكافي و الروضة للمولى محمد صالح المازندراني 6: 194- 197 ح 14.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 220

..........

______________________________

هو موجب للكفر و الزندقة؛ فإنّ الاعتقاد بتأثير الكواكب السماويّة في العناصر الأرضيّة- سواء كان بنحو الاشتراك أو الاستقلال- لا يلائم إلّا مع مذاق الدهريّة أو الثنويّة، أو القول بالتفويض الذي مرجعه إلى انعزال البارئ عن التصرّف في مخلوقاته.

و في بعض الروايات جوابا عن سؤال التفصيل بين ساحر المسلمين و ساحر

الكفّار في وجوب القتل في الأوّل دون الثاني قوله صلّى اللّه عليه و آله: لأنّ الشرك أعظم من السحر «1».

و كيف كان، فالتنجيم بالمعنى المذكور لا يكاد ينطبق على الاعتقادات الحقّة، بل نقول: إنّ في الامور الأرضيّة مثل قوله: النار حارّة، و لو في فرض كون العلّية تامّة، كما إذا كانت هناك محاذات و لم يكن المانع مثل الرطوبة موجودا، فإن كان المراد أنّ النار باستقلالها تكون مؤثّرة في الحرارة، فهو خلاف معتقدنا، و إن كان المراد تأثيرها فيها بإرادة اللّه سبحانه، فلا ينافي كونها بردا و سلاما، كما في قصّة إبراهيم- على نبيّنا و آله و عليه السلام- «2»، فهذا هو الموافق للواقع و الكتاب و السنّة.

و عليه: فالتنجيم بالنحو المذكور خلاف للضرورة و موجب للكفر و الزندقة.

بقي في التنجيم شي ء؛ و هو أنّ الإخبار بالخسوف و الكسوف و الأهلّة و مثلها

______________________________

(1) الفقيه 3: 371 ح 1752، علل الشرائع: 546 ب 338 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 17: 146، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2، و ج 28: 365، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات ب 1 ح 1.

و في بحار الأنوار 79: 212 ح 9 عن العلل، و في ج 95: 131 عن مكارم الأخلاق 2: 288 ذ ح 2646.

و في مستدرك الوسائل 13: 106 و 107 ح 14906 و 14908، و ج 18: 191 و 192 ح 22474 و 22476 عن الجعفريّات: 128 و دعائم الإسلام 2: 482 ح 1725.

(2) سورة الأنبياء 21: 69.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 221

..........

______________________________

يبتني على اصول و قواعد سديدة لو لم يقع

في المحاسبة خطأ و اشتباه لما وقع بين المنجّمين الاختلاف، و إن كان قوله لأجل هذه الجهة لا يكون حجّة، و قد ذكر في كتاب الصوم طرق ثبوت الهلال و لا يكون قول المنجّم منها، و إن كان هناك اختلاف في أنّ الرؤية بالآلة هل تكون كافية، أو أنّه لا بدّ أن يكون بدونها، كما أنّه وقع الاختلاف في اعتبار وحدة الافق و عدمه على قولين، و التحقيق في محلّه «1».

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصوم: 231- 267.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 222

[بعض أحكام التّجارة و آدابها]

[مسألة 17: يحرم الغشّ بما يخفى في البيع و الشراء]

مسألة 17: يحرم الغشّ بما يخفى في البيع و الشراء، كشوب اللبن بالماء و خلط الطعام الجيّد بالردي ء، و مزج الدهن بالشحم أو بالدهن النباتي، و نحو ذلك، من دون إعلام. و لا يفسد المعاملة به و إن حرم فعله، و أوجب الخيار للطرف بعد الاطّلاع. نعم، لو كان الغشّ بإظهار الشي ء على خلاف جنسه- كبيع المموّه على أنّه ذهب، أو فضّة، أو نحو ذلك- فسد أصل المعاملة (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في الحرمة التكليفيّة المتعلّقة بعنوان الغشّ الذي هو بمعنى إراءة غير الخالص خالصا؛ و هو كما في المنجد «1» اسم مصدر من الغشّ بالفتح بمعنى الخيانة، و قبل التعرّض للقيدين المذكورين في المتن للغشّ المحرّم لا بدّ من التعرّض بأنّ نفس عنوان «الغشّ» حرام كسائر العناوين المحرّمة كالغيبة و نحوها، أو أنّ المحرّم ليس هذا العنوان، بل العناوين الثانويّة كالكذب و أكل أموال الناس بلا رضا منهم، فالمحكي عن المحقّق الايرواني قدّس سرّه في حاشية المكاسب هو الثاني «2»، مع أنّ ظاهر النصّ و الفتوى هو

الأوّل.

ففي صحيحة هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في الظلال، فمرّ بي أبو الحسن موسى عليه السّلام راكبا، فقال لي: فقال لي: يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحلّ «3».

______________________________

(1) المنجد: 552.

(2) حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 174.

(3) الكافي 5: 160 ح 6، تهذيب الأحكام 7: 13 ح 54، الفقيه 3: 172 ح 770، و عنها وسائل الشيعة 17: 280، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 3 و ص 466، أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 223

..........

______________________________

و السابري ثوب رقيق جيّد «1».

و في رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أن يشاب اللبن بالماء للبيع «2»، و غيرهما من الروايات الكثيرة التي رواها الفريقان «3».

و بالجملة: لا مجال لرفع اليد عن ظاهر النصوص و الفتاوى الدالّة على موضوعيّة الغشّ بعنوانه في الحرمة و تعلّق النهي.

نعم، ظاهر المتن اعتبار القيدين المذكورين:

أحدهما: كونه بما يخفى.

و ثانيهما: كونه في البيع و الشراء.

و لعلّ الوجه في الأوّل عدم صدق الغشّ مع عدم الخفاء؛ لعدم تحقّق الخدعة و المكر بدونه.

و الوجه في الثاني هو وضوح الجواز في غير مثل البيع و الشراء، فهل يحتمل أحد عدم جواز إهداء اللبن المشوب بالماء إلى الصديق، أو جعله في مقابل الضيف ليأكله و يشربه، أو يحتمل أحد عدم جواز إعطاء الدرهم المغشوش إلى الفقير بعنوان الصدقة المستحبّة، و هكذا. فالحقّ الاختصاص بمثل البيع و نحوه.

المقام الثاني: في الحكم الوضعي المتعلّق به، و ينبغي قبل الورود في بيانه التعرّض لأمرين:

______________________________

(1) لسان العرب 3: 235.

(2)

الكافي 5: 160 ح 5، الفقيه 3: 173 ح 771، تهذيب الأحكام 7: 13 ح 53، و عنها وسائل الشيعة 17: 280، أبواب ما يكتسب به ب 86 ح 4.

(3) وسائل الشيعة 17: 279- 283 ب 86، السنن الكبرى للبيهقي 8: 209 باب ما جاء في التدليس و كتمان العيب بالمبيع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 224

..........

______________________________

الأوّل: أنّ موضوع البحث في جميع المسألة هو المزج و الغشّ بما يخفى، فما يفيده في بادئ النظر من كون قوله بعد «نعم» مرتبطا بغير ذلك ليس على ما ينبغي، بل هو استدراك و استثناء لبعض الموارد، كما يأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: أنّ محلّ الكلام في المسألة فيما إذا كان المبيع شخصيّا، و أمّا إذا كان كلّيا فعنوانه لا ينطبق على الفاقد لبعض الخصوصيّات، و اللازم على البائع تحصيل الفرد الذي ينطبق عليه الكلّي و دفعه إلى المشتري من دون أن يكون هناك خيار.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد حكم في المتن في الحكم الوضعي بالتفصيل بين الصورتين؛ فإنّه في مثل شوب اللبن بالماء ممّا لم تتغيّر حقيقته النوعيّة- و إن كان متّصفا بالعيب لأجل الشرب بالماء- لا تكون المعاملة باطلة، كما في جميع موارد خيار العيب. غاية الأمر ثبوت الخيار للمشتري بعد الاطّلاع بين الفسخ، و الإمضاء مجّانا و أخذ الارش بالكيفيّة المقرّرة في محلّه.

و أمّا إذا كان الغشّ بما يخفى مع تغيّر الحقيقة النوعيّة كالأمثلة المذكورة في المتن، فالحكم فيها فساد المعاملة و بطلانها من رأس؛ لأنّ ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

و أمّا الحرمة التكليفيّة؛ فهي ثابتة في الصورتين بعد تحقّق عنوان الغشّ بما يخفى فيهما،

و قد عرفت أنّ ظاهر الروايات كون الغشّ بعنوانه موضوعا لها، و إن كان في بعض الروايات المتقدّمة نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن أن يشاب اللبن بالماء.

و قد انقدح ممّا ذكرنا ثبوت الحكم بنحو الإطلاق بالإضافة إلى الحكم التكليفي، و بنحو التفصيل بالنسبة إلى الحكم الوضعي.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون من مصاديق الغشّ ما تعارف في بعض بلادنا في إيران من الاستفادة من بعض الموادّ الكيميائيّة لأن يحصل لون الفاكهة كلون الفاكهة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 225

..........

______________________________

الأصليّة، من دون أن يكون طعمه مماثلا للفاكهة الأصليّة، بل الغاية صيرورة لونه كلونه أو مثله، و كذا الاستفادة من بعض الأغذية غير المتعارفة لصيرورة الحيوان كالدجاج سمينا و يتخيّل في بادئ النظر أنّه سمين بنفسه و من الطريق المتعارف، و نظائرهما التي هي كثيرة جدّا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 226

[مسألة 18: يحرم أخذ الاجرة على ما يجب عليه فعله عينا]

مسألة 18: يحرم أخذ الاجرة على ما يجب عليه فعله عينا، بل و لو كفائيّا على الأحوط فيه، كتغسيل الموتى و تكفينهم و دفنهم. نعم، لو كان الواجب توصّليّا- كالدفن- و لم يبذل المال لأجل أصل العمل، بل لاختيار عمل خاصّ، لا بأس به، فالمحرّم أخذ الاجرة لأصل الدفن. و أمّا لو اختار الوليّ مكانا خاصّا و قبرا مخصوصا، و أعطى المال لحفر ذلك المكان الخاصّ، فالظاهر أنّه لا بأس به. كما لا بأس بأخذ الطبيب الاجرة للحضور عند المريض و إن اشكل أخذها لأصل المعالجة و إن كان الأقوى جوازه.

و لو كان العمل تعبّديا يشترط فيه التقرّب كالتغسيل، فلا يجوز أخذها عليه على أيّ حال. نعم، لا بأس بأخذها على

بعض الامور غير الواجبة، كما تقدّم في غسل الميّت.

و ممّا يجب على الإنسان تعليم مسائل الحلال و الحرام، فلا يجوز أخذها عليه، و أمّا تعليم القرآن، فضلا عن غيره من الكتابة و قراءة الخطّ و غير ذلك، فلا بأس بأخذها عليه. و المراد بالواجبات المذكورة ما وجب على نفس الأجير.

و أمّا ما وجب على غيره و لا يعتبر فيه المباشرة، فلا بأس بأخذ الاجرة عليه حتّى في العبادات التي يشرع فيها النيابة، فلا بأس بالاستئجار للأموات في العبادات، كالحجّ و الصوم و الصلاة (1).

______________________________

(1) قد تكلّمنا في هذه المسألة مفصّلا بما لا مزيد عليه في شرح المسألة الرابعة و الثلاثين من كتاب الإجارة «1» المطبوع مرّتين، و لكنّه ينبغي التذكّر لامور:

الأوّل: أنّه لم يفصّل هناك بين الدفن و التغسيل و إن كان الأوّل واجبا توصّليا،

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 505- 528.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 227

..........

______________________________

و الثاني تعبّديا يعتبر في سقوط أمره قصد القربة، بل فصّل بين ما إذا كان الوجوب الكفائي متعلّقا بعنوان خاصّ، كالتغسيل و التكفين و التدفين، و بين ما إذا كان متعلّقا بحفظ النظام و حاجة الأنام، كالخياطة و الطبابة و سائر الصنائع و الحرف، مع أنّه لم يتعرّض هنا لذلك إلّا بالإضافة إلى الطبابة.

الثاني: أنّه لم يعرف الفرق بين الدفن و التغسيل بعد اشتراكهما في عدم جواز أخذ الاجرة على أصلهما، و جواز أخذها في مقابل الخصوصيّات غير الواجبة و إن كان الثاني أبعد من الأوّل بلحاظ اعتبار قصد التقرّب فيه دونه.

الثالث: أنّ مسألة ضمان الطبيب المعنونة في كتاب الإجارة «1» مطلقا أو في الجملة تغاير مسألة جواز أخذ الاجرة

على الطبابة و لو كان مباشرا للمعالجة، و المذكور هنا هي المسألة الثانية. و قد تعرّضنا هناك «2» للتفصيل المحكي عن المحقّق النائيني بجواز أخذ الاجرة على الواجبات النظاميّة، و أنّه لا يلتئم مع الاستدلال لعدم الجواز بمسلوبيّة القدرة، كما أنّ استثناء القضاء من الواجبات النظاميّة لا يستند إلى ركن وثيق، و الظاهر أنّه لا فرق بينه و بين غيره، فراجع.

الرابع: ثبوت الفرق بين تعليم مسائل الحلال و الحرام الذي يكون واجبا بالوجوب الكفائي، و بين تعليم القرآن فضلا عن غيره من الكتابة و قراءة الخط و غيرهما، و إن كان يمكن أن يقال بوجوب تعليم القرآن التي هي المعجزة الوحيدة الخالدة للنبوّة إذا خيف صيرورته منسيّا مع عدم التعليم؛ لما عرفت من أنّ اللازم الاحتفاظ على المعجزة الكذائيّة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 556 مسألة 41.

(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 508- 510.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 228

[مسألة 19: يكره اتّخاذ بيع الصرف و الأكفان و الطعام حرفة]

مسألة 19: يكره اتّخاذ بيع الصرف و الأكفان و الطعام حرفة، و كذا بيع الرقيق؛ فإنّ شرّ الناس من باع الناس، و كذا اتّخاذ الذبح و النحر صنعة، و كذا صنعة الحياكة و الحجامة، و كذا التكسّب بضراب الفحل، بأن يؤاجره لذلك مع ضبطه بالمرّة و المرّات المعيّنة أو بالمدّة، أو بغير الإجارة. نعم، لا بأس بأخذ الهديّة و العطيّة لذلك (1).

______________________________

(1) ينبغي قبل التعرّض لروايات المسألة من بيان أمرين:

الأوّل: أنّ موضوع الكتاب مع أنّه المكاسب المتّصفة بالحرمة، مع ذلك قد وقع في المتن التعرّض لجمع من المكاسب المكروهة، و في بعض المسائل الآتية المكاسب المستحبّة بل الواجبة.

الثاني: أنّ الموضوع في أخبار من بلغ «1» التي

وقع التعرّض لها في علم الاصول هو ما كان من السنن؛ لأنّه عبارة عن بلوغ الثواب على عمل؛ سواء قلنا باختصاص البلوغ بخصوص الروايات الواردة في هذا المجال، أو قلنا بأنّه أعمّ منها و من الفتاوى.

و أمّا المكروهات، فالظاهر أنّه لا دليل على إجراء قاعدة التسامح فيها، و لذا اشتهرت بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، و لا مجال لدعوى كون النظر في القاعدة إلى الحكم غير الإلزامي؛ سواء كان من السنن أو المكروهات؛ لاختصاص أدلّة القاعدة بالاولى أوّلا، و احتمال كون التسامح فيها لأجل إعطاء الثواب تفضّلا و عناية ثانيا.

إذا عرفت هذين الأمرين فاعلم أنّ الروايات الواردة في المسألة جلّا أو بعضا

______________________________

(1) بحار الأنوار 2: 256 ب 30، وسائل الشيعة 1: 80- 84، أبواب مقدّمة العبادات ب 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 229

..........

______________________________

كثيرة جدّا، و مذكورة في الوسائل في أبواب متعدّدة متفرّقة، و إليك بعضها:

كرواية إسحاق بن عمّار قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فخبّرته أنّه ولد لي غلام، قال: ألا سمّيته محمّدا؟ قلت: قد فعلت، قال: فلا تضرب محمّدا و لا تشتمه جعله اللّه قرّة عين لك في حياتك، و خلف صدق بعدك.

قلت: جعلت فداك في أيّ الأعمال أضعه؟ قال: إذا عدلته (عزلته خ ل) عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلّمه صيرفيّا؛ فإنّ الصيرفي لا يسلم من الربا، و لا تسلّمه بيّاع الأكفان؛ فإنّ صاحب الأكفان يسرّه الوباء إذا كان، و لا تسلّمه بيّاع الطعام؛ فإنّه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلّمه جزّارا؛ فإنّ الجزّار تسلب منه الرحمة، و لا تسلّمه نخّاسا؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: شرّ

الناس من باع الناس «1».

و رواية القاسم بن عبد الرحمن، عن محمّد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن عليّ عليهم السّلام في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن خصال تسعة: عن مهر البغي، و عن عسيب «2» الدابّة؛- يعني كسب الفحل- و عن خاتم الذهب، و عن ثمن الكلب، و عن مياثر «3» الأرجوان، الحديث «4».

______________________________

(1) الكافي 5: 114 ح 4، تهذيب الأحكام 6: 361 ح 1037، الاستبصار 3: 62 ح 208، علل الشرائع: 530 ح 1، و عنها وسائل الشيعة 17: 135، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 21 ح 1.

و في الوافي 17: 183 ح 17077 عن الكافي و التهذيب، و في مرآة العقول 19: 72 ح 4 عن الكافي، و في بحار الأنوار 103: 77 ح 3 عن العلل.

(2) العسيب: الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل. الصحاح «عسب» 1: 292.

(3) المياثر: الحمر التي جاء فيها النهي؛ فإنّها كانت من مراكب العجم؛ من ديباج أو حرير. الصحاح 1: 677 «وثر».

(4) الخصال: 417 ح 10، و عنه وسائل الشيعة 17: 95، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 13 و 14 و بحار الأنوار 103: 43 ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 230

..........

______________________________

و من الظاهر أنّ المراد من النهي عن كسب الفحل هي الكراهة بقرينة الروايات الكثيرة الدالّة على الجواز «1»، كما أنّ المراد من الكسب إمّا الإجارة مع الشرائط المعتبرة فيها، التي هي التعيين في المقام بالمدّة أو بالمرّة و المرّات، و إمّا مثلها كالصلح و نحوه.

و رواية أبي بصير- يعني المرادي- عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

سألته عن كسب الحجّام؟ فقال: لا بأس به إذا لم يشارط «2».

و المراد من البأس في صورة المشارطة هي الكراهة، كما يدلّ عليه الروايات الاخر «3».

و رواية أبي إسماعيل الصيقل الرازي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و معي ثوبان، فقال لي: يا أبا إسماعيل يجيئني من قبلكم أثواب كثيرة و ليس يجيئني مثل هذين الثوبين، فقلت: جعلت فداك تغزلهما أمّ إسماعيل و أنسجهما أنا، فقال لي:

حائك؟ قلت: نعم، فقال: لا تكن حائكا، فقلت: فما أكون؟ قال: كن صيقلا، و كانت معي مائتا درهم، فاشتريت بها سيوفا و مرايا عتقا و قدمت بها الرّي فبعتها بربح كثير «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 111، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 12.

(2) الكافي 5: 115 ح 1، تهذيب الأحكام 6: 354 ح 1008، الاستبصار 3: 58 ح 190، و عنها وسائل الشيعة 17:

104، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 9 ح 1.

و في الوافي 17: 191 ح 17093 عن الكافي و التهذيب، و في مرآة العقول 19: 74 ح 1 عن الكافي.

(3) وسائل الشيعة 17: 104- 107، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 9 و الوافي 17: 191- 193 ب 31.

(4) الكافي 5: 115 ح 6، تهذيب الأحكام 6: 363 ح 1042، الاستبصار 3: 64 ح 213، و عنها وسائل الشيعة 17: 140، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 23 ح 1.

و في الوافي 17: 184 ح 17079 عن الكافي و التهذيب- و في مرآة العقول 19: 72 ح 6 عن الكافي.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 231

..........

______________________________

و غير ذلك من الروايات «1».

ثمّ إنّه من الواضح أنّه

لا منافاة بين كراهة بيع الرقيق حرفة، و بين استحباب تصدّي الشخص لشرائه بنفسه؛ لكونه من الأشياء غير الحقيرة- كالعقار و نحوه- في مقابل الأشياء اليسيرة الحقيرة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 104، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 232

[مسألة 20: لا ريب في أنّ التكسّب و تحصيل المعيشة بالكدّ و التعب محبوب عند اللّه تعالى]

مسألة 20: لا ريب في أنّ التكسّب و تحصيل المعيشة بالكدّ و التعب محبوب عند اللّه تعالى، و قد ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام الحثّ و الترغيب عليه مطلقا، و على خصوص التجارة و الزراعة و اقتناء الأغنام و البقر روايات كثيرة. نعم، ورد النهي عن إكثار الإبل (1).

______________________________

(1) أمّا محبوبيّة التكسّب و تحصيل المعيشة بالكدّ و التعب، فمضافا إلى أنّه تقتضيه الكراهة الإنسانيّة يدلّ عليه روايات كثيرة، مثل:

صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الكادّ على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل اللّه «1».

و رواية الفضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا كان الرجل معسرا يعمل بقدر ما يقوت به نفسه و أهله لا يطلب حراما، فهو كالمجاهد في سبيل اللّه «2».

و غير ذلك من التعبيرات الواردة في هذا المجال المذكورة في الروايات «3».

______________________________

(1) الكافي 5: 88 ح 1، الفقيه 3: 103 ح 418، و عنهما وسائل الشيعة 17: 67، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 23 ح 1.

و في بحار الأنوار 96: 324 قطعة من ح 13 و ج 104: 72 ذ ح 14، و مستدرك الوسائل 7: 378 ذ ح 8462 و ج 13: 5 ذ ح 14727 عن الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السّلام: 208 و

255.

و في بحار الأنوار 100: 7 قطعة من ح 1 و ج 103: 103 ذ ح 49، و مستدرك الوسائل 13: 54 ح 2 عن الهداية للصدوق: 314.

و في بحار الأنوار 103: 13 ح 59 عن عدّة الداعي: 82.

و في مستدرك الوسائل 13: 55 ح 14729 عن عوالي اللئالي 1: 268 ح 73.

(2) الكافي 5: 88 ح 3، و عنه وسائل الشيعة 17: 67، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 23 ح 3، و الوافي 17: 97 ح 16939، و مرآة العقول 19: 37 ح 3.

(3) وسائل الشيعة 17: 66- 68، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 23، و مستدرك الوسائل 13: 54- 55، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 233

..........

______________________________

و يستفاد من مثل الرواية الثانية أمران:

أحدهما: اختصاص الكدّ و التعب بما إذا كان الرجل معسرا، و أمّا لو فرض كونه موسرا لأجل الإرث و غيره فلا مجال لكدّه و تعبه.

ثانيهما: أنّ ذكر العيال ليس له مفهوم و إن قلنا بثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة؛ لأنّا قائلون بعدم ثبوت المفهوم مطلقا، خصوصا مفهوم اللقب كما في المقام، فإذا لم يكن للرجل عيال أصلا و لا يكون موسرا يثبت في حقّه هذا التشبيه، كما لا يخفى.

و في رواية معلّى بن خنيس، قال: سأل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل و أنا عنده؟

فقيل أصابته الحاجة، قال: فما يصنع اليوم؟ قيل: في البيت يعبد ربّه، قال: فمن أين قوته؟ قيل: من عند بعض إخوانه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: و اللّه للذي يقوته أشدّ عبادة منه «1».

و أمّا ما ورد في الحثّ و الترغيب على التجارة، فهي الروايات الكثيرة

الدالّة أكثرها على أنّ «تسعة أعشار الرزق في التجارة»:

مثل رواية روح، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: تسعة أعشار الرزق في التجارة «2».

و رواية عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

البركة عشرة أجزاء: تسعة أعشارها في التجارة، و العشر الباقي في الجلود، قال

______________________________

(1) الكافي 5: 87 ح 4، تهذيب الأحكام 6: 324 ح 889، و عنهما وسائل الشيعة 17: 25، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 5 ح 3 و الوافي 17: 22 ح 16790.

(2) الفقيه 3: 147 ح 647، و عنه وسائل الشيعة 17: 10، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 1 ح 3.

و في مستدرك الوسائل 13: 9 ح 14573 عن روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، المشهور ب «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي» 4: 63.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 234

..........

______________________________

الصدوق فيما حكي عنه: يعني بالجلود الغنم «1».

و مثلها: رواية زيد بن علي، عن آبائه عليهم السّلام، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «2».

و أمّا الروايات الواردة في الزراعة و اقتناء الغنم و البقر، فليطلب من محالّها؛ و هي زكاة الأنعام الثلاثة «3» و كتاب المزارعة «4».

و أمّا ما ورد من النهي عن إكثار الإبل «5»، فالظاهر- بعد وضوح كون النهي محمولا على الكراهة و غير باق على ظاهره التي هي الحرمة- أنّ علّة النهي على ما يخطر بالبال، إمّا كون إكثاره موجبا لطمع سلاطين الجور الحاكمين في أزمنة صدور الروايات و لو للاستئجار في طريق الحجّ، كما مرّ في قصّة صفوان الجمّال مع هارون «6»، و إمّا كونه بمرئى و منظر من الناس

نوعا، و إمّا لأجل قلّة منفعته بالإضافة إلى البقر و الغنم، و إمّا لغير ما ذكر ممّا لا نعرفه.

ثمّ إنّه لا ينبغي الاغترار بظاهر الروايات الدالّة على أنّ «تسعة أعشار الرزق في التجارة» بالإضافة إلى الطلّاب و المشتغلين في الحوزات العلميّة المرتزقين من الوجوه الشرعيّة؛ نظرا إلى ما يخطر بالبال في أوّل الحال من أنّ مفادّها أنّه عند

______________________________

(1) الخصال: 445 ح 44، و عنه وسائل الشيعة 17: 10، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 1 ح 4، و بحار الأنوار 64: 118 ح 1 و ج 100: 5 ح 13.

(2) الخصال: 446 ح 45، و عنه وسائل الشيعة 17: 11، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ح 5، و بحار الأنوار 64:

118 ملحق ح 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 118، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام ب 7.

(4) وسائل الشيعة 17: 41- 42، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 10 و ج 19: 32- 36، كتاب المزارعة و المساقاة ب 3.

(5) وسائل الشيعة 11: 501- 502، كتاب الحجّ، أبواب أحكام الدوابّ ب 24 و ص 537- 540 ب 48.

(6) في ص 194.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 235

..........

______________________________

دوران الأمر بين التجارة، و تحصيل العلم و المعارف و القدرة على تبليغ الإسلام يكون الترجيح مع الأوّل؛ فإنّه مضافا إلى أنّ التحصيل في الحوزات العلميّة واجب كفائيّ، بل عينيّ بالنسبة إلى بعضهم، نقول:

إنّ الدفاع عن حريم الإسلام الذي هو التشيّع بمعناه الواقعي في هذا الزمان لعلّه كان أوجب من الأزمنة السالفة و الأعصار المتقدّمة، خصوصا مع ملاحظة أمرين:

هما وجود الأدوات و الوسائل الحديثة؛ مثل «الانترنيت» و ما يسمّى في الفارسية ب «ماهواره»، في حال كون المرتبطين بها

يذعنون بسوء تأثيرهما، خصوصا بالنسبة إلى الشباب المستغرقين في بحار الشهوات، و غير الراسخين في العقائد الحقّة الصحيحة، و اشتمالها على إلقاء الأفكار الباطلة و العقائد الفاسدة بأنحاء مختلفة، و في جميع الامور المعنويّة مضافا إلى المسائل السياسيّة المنافية للثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، التي أسّسها الإمام الماتن قدّس سرّه الشريف مع تضحيات كثيرة و مشقّات شديدة- هذا أوّلا.

و ثانيا: انحصار المدافعين عن حريم التشيّع بهذه الطائفة؛ فإنّ غيرهم إمّا أن يكونوا غير منقادين، و إمّا أن يكونوا مهاجمين على التشيّع من طرق مختلفة، خصوصا بالنسبة إلى فاطمة سلام اللّه عليها، التي هي محور التشيّع و أمّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، و أوّل شهيدة هذا الطريق؛ فإنّه مع ملاحظة الأمرين المذكورين، هل يسوغ للطلّاب أو لمن له أهليّة ذلك أن تكون مرجّحة للتجارة و مثلها على الاشتغال في الحوزات العلميّة و تحصيل المعارف الإسلامية مع التحفّظ على الشرائط و العمل بالوظيفة و الارتزاق من الوجوه الشرعيّة، و إنّي لا أظنّ احتمال ذلك من أحد أصلا، فضلا عن الترجيح.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 236

[مسألة 21: يجب على كلّ من يباشر التجارة و سائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها]

مسألة 21: يجب على كلّ من يباشر التجارة و سائر أنواع التكسّب تعلّم أحكامها و المسائل المتعلّقة بها ليعرف صحيحها عن فاسدها، و يسلم من الربا، و القدر اللازم أن يكون عالما- و لو عن تقليد- بحكم التجارة و المعاملة التي يوقعها حين إيقاعها، بل و لو بعد إيقاعها إذا كان الشكّ في الصحّة و الفساد فقط، و أمّا إذا اشتبه حكمها من جهة الحرمة و الحلّية- لا من جهة مجرّد الصحّة و الفساد- يجب الاجتناب عنها، كموارد الشكّ في أنّ المعاملة ربويّة، بناء على حرمة نفس المعاملة

أيضا، كما هو كذلك على الأحوط (1).

______________________________

(1) كما أنّه يجب على كلّ من يباشر التجارة و سائر أنواع التكسّب، تعلّم الأحكام الوجوبيّة العباديّة التي قد تتحقّق في ضمنها، كالخمس بالإضافة إلى ما يرتبط به ممّا يفضل من الأرباح عن مئونة السنة و سائر الامور المتعلّقة له إذا كان كسبا له، كالمعدن و الكنز و غيرهما، و كالزكاة فيما إذا تحقّق النصاب في ملكه و كان كسبه متعلّقا للزكاة، كالحنطة و الشعير و الغنم و الإبل و غيرهما.

كذلك يجب عليه تعلّم أحكام نفس التجارة و سائر أنواع التكسّب من حيث الصحّة و الفساد، و من حيث الحلّية و الحرمة كما في الربا، بناء على ثبوت الحرمة التكليفيّة للمعاملة الربويّة أيضا، و الدليل على وجوب التعلّم في الأمرين واحد، مضافا إلى ما اشتهر في المقام عن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله: الفقه ثمّ المتجر «1»، فلا إشكال في لزوم التعلّم ليعرف الصحيح من الفاسد و يسلم من الرّبا.

______________________________

(1) الكافي 5: 150 ح 1، الفقيه 3: 121 ح 519، تهذيب الأحكام 7: 6 ح 16، و عنها وسائل الشيعة 17: 381، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 1 ح 1.

و في بحار الأنوار 103: 117 ح 16 عن روضة الواعظين: 465.

و في مستدرك الوسائل 13: 248 ح 15265 عن عوالي اللئالي 3: 201 ح 31.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 237

..........

______________________________

لكنّ القدر اللازم كما في المتن أنّه إذا كان الأمر دائرا بين الصحّة و الفساد من دون أن يكون هناك حكم تكليفيّ متعلّق بنفس المعاملة، كما إذا دار الأمر بين كون المعاملة واجدة لشرط التأثير، أو فاقدة له، فاللّازم أن يكون

عالما بحكم المعاملة و لو عن تقليد، إمّا حين إيقاعها، و إمّا بعد الإيقاع من دون ترتيب الأثر عليها؛ لجريان أصالة الفساد و عدم ترتّب الأثر، و لا مجال لجريان أصالة الصحّة، أمّا بالإضافة إلى صورة عدم الإيقاع بعد فواضح.

و أمّا بالإضافة إلى صورة الإيقاع؛ فلأنّ مجرى أصالة الصحّة إنّما هي الشبهات الموضوعيّة، دون الشبهات الحكميّة المفروضة في المقام، فإذا شككنا مثلا في أنّ العقد الواقع هل يكون إيجابه مقدّما على القبول أم لا؟ و فرض لزوم تأخّر القبول مطلقا، فأصالة الصحّة تحكم بصحّة العقد الواقع. و أمّا إذا شككنا في أنّ العقد الواقع مع غير الصيغة العربيّة قطعا، و شككنا في اعتبار العربيّة مثلا، فلا مجال لإجراء أصالة الصحّة و الحكم بها، كما لا يخفى.

و إذا كان الأمر دائرا بين الحلّية و الحرمة مضافا إلى الصحّة و الفساد، فاللازم أن يكون عالما بحكم المعاملة حين الإيقاع، و لا مجال لإجراء أصالة الحلّية؛ فإنّها و إن كانت جارية في الشبهات الحكميّة و الشبهات الموضوعيّة معا، فكما أنّه يجري فيما إذا دار أمر مائع بين أن يكون خلًّا أو خمرا، كذلك يجري في مثل شرب التتن من الشبهات الحكميّة، كما في المثال المعروف في باب أصالة البراءة من علم الاصول «1».

و الوجه في عدم جريانها في المقام و لزوم الاجتناب عن المعاملة التي يريد إيقاعها مع الشكّ في حلّيتها، هو أنّ جريان أصالة الحلّية و مثلها إنّما هو فيما إذا

______________________________

(1) فرائد الاصول (تراث الشيخ الأعظم) 2: 46- 49 و غيره.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 238

..........

______________________________

تفحّص بالمقدار اللازم و صار مأيوسا عن الظفر بدليل الحرمة، و المفروض في المقام القدرة

على تعلّم الحكم و لو تقليدا.

فانقدح أنّه لا مجال لجريان أصالة الصحّة مطلقا، و لا لجريان أصالة الحلّية حال الإيقاع؛ إذ لا معنى لها بعده، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه ظهر أنّ قوله في المتن: «إذا كان الشكّ في الصحّة و الفساد فقط» راجع إلى أصل المطلب لا خصوص ما بعد الإيقاع؛ لأنّه لا معنى للزوم الاجتناب بالإضافة إلى هذه الصورة، فالتفصيل مرتبط بأصل المطلب. غاية الأمر أنّ عدم جريان أصالة الصحّة بالإضافة إلى الصورتين، و أمّا عدم جريان أصالة الحلّية فإنّما يتصوّر بالنسبة إلى صورة عدم الإيقاع.

ثمّ إنّ التشقيق في التجارة و جعل دوران أمرها بين الصحيحة و الباطلة، و بين الحلّية و الحرمة التكليفيّة مضافة إلى الوضعيّة، كما يدلّ عليه أصل التفصيل، و يشعر به قوله: «لا من جهة مجرّد الصحّة و الفساد» ربما يظهر منه أنّه لا يكون في التجارة شقّا ثالثا متمحّضا في الحكم التكليفي المشتبه في المقام كما هو المفروض، مع أنّه يوجد فيها هذا الشق، كالبيع وقت النداء الذي يدلّ على تحريمه قوله- تعالى-:

وَ ذَرُوا الْبَيْعَ «1»، و الظاهر أنّه في فرض مثله المشتبه لا مجال لإجراء أصالة الحلّية أيضا؛ لما ذكرنا من الوجه.

ثمّ إنّ التحقيق في باب الربا من جهة ثبوت الحكمين في المعاملة الربويّة و عدمه و إن كان محلّه غير المقام، خصوصا مع وجود فروع كثيرة و ثبوت الحيل الشرعيّة فيها أو عدمه، إلّا أنّه ينبغي الإشارة في كمال الإجمال إلى أنّ المراد من

______________________________

(1) سورة الجمعة 62: 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 239

..........

______________________________

قوله- تعالى-: وَ حَرَّمَ الرِّبٰا «1» بعد قوله: وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ 2، و إن كان هي الحرمة

الوضعيّة بقرينة حلّية البيع التي لا محالة يكون المراد منها هي الحلّية الوضعيّة الإمضائية، إلّا أنّ التعبيرات في الكتاب العزيز بمثل قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ «3».

و في الروايات بأنّ الربا أعظم من الزنا بذات المحرم، و في بعضها إضافة في بيت الحرام «4» ربما يلائم الحرمة التكليفيّة الشديدة، خصوصا مع التوجّه إلى عدم ثبوت المراتب في الحكم الوضعي و هو البطلان، و ثبوته في الحكم التكليفي من أجل ثبوت المعاصي الكبيرة و الصغيرة، و اختلاف المعاصي الكبيرة، و عمدتها الشرك باللّه تعالى، كما هو المذكور في محلّه. «5»

______________________________

(1) 1، 2 سورة البقرة 2: 275.

(3) سورة البقرة 2: 279.

(4) وسائل الشيعة 18: 117- 118، كتاب التجارة، أبواب الرباب 1 ح 1، 5، 6، 12، 18، 19 و 22، و الوافي 17:

375 ح 17458، و ص 381 ح 17472 و 17473، و بحار الأنوار 103: 116 ح 5 و ص 117 ح 13 و ص 119 ح 22، و مستدرك الوسائل 13: 331 ح 15503.

(5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد و التقليد: 344.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 240

[مسألة 22: للتجارة و التكسّب آداب مستحبّة و مكروهة]

اشارة

مسألة 22: للتجارة و التكسّب آداب مستحبّة و مكروهة:

[أمّا المستحبّة]

أمّا المستحبّة: فأهمّها: الإجمال في الطلب و الاقتصاد فيه بحيث لا يكون مضيّعا و لا حريصا.

و منها: إقالة النادم في البيع و الشراء لو استقاله.

و منها: التسوية بين المتبايعين في السعر، فلا يفرّق بين المماكس و غيره، بأن يقلّل الثمن للأوّل و يزيده للثاني. نعم، لا بأس بالفرق بسبب الفضل و الدّين و نحو ذلك ظاهرا.

و منها: أن يقبض لنفسه ناقصا و يعطي راجحا (1).

______________________________

(1) يدلّ على استحباب الإجمال في الطلب و الاقتصار فيه بالنحو المذكور في المتن رواية عبد اللّه بن سليمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- وسّع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، و يعلموا أنّ الدّنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة «1».

و مرسلة ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيّع، و دون طلب الحريص الراضي بدنياه، المطمئنّ إليها، و لكن أنزل

______________________________

(1) الكافي 5: 82 ح 10، تهذيب الأحكام 6: 322 ح 884، و عنهما وسائل الشيعة 17: 48، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 13 ح 1 و الوافي 17: 55 ح 16850.

و في مرآة العقول 19: 30 ح 10 عن الكافي.

و في ملاذ الأخبار 10: 258 ح 5 عن التهذيب.

و في بحار الأنوار 103: 28 ح 47 و مستدرك الوسائل 13: 33 ح 14663 عن علل الشرائع: 92 ب 83 ح 1.

و في بحار الأنوار 103: 34 ذ ح 63 عن تنبيه الخواطر و نزهة النواظر 1: 14، و في ص 35 ح 70 عن التمحيص: 53 ح 102.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 241

..........

______________________________

نفسك من ذلك بمنزلة المنصف (النصف خ ل) المتعفّف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، و تكسب ما لا بدّ للمؤمن منه، إنّ الذين اعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم «1».

و غير ذلك من الروايات «2» التي تدلّ على ما ذكر. و من المعلوم أنّه لا حاجة إلى ملاحظة أسانيدها بعد وجود قاعدة التسامح في أدلّة السنن المحرّرة في الاصول.

و يدلّ على استحباب الإقالة رواية هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

أيّما عبد أقال مسلما في بيع، أقاله اللّه عثرته يوم القيامة «3».

و مرسلة الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أيّما مسلم أ قال مسلما بيع ندامة أقاله اللّه- عزّ و جلّ- عثرته يوم القيامة «4».

و غير ذلك من الروايات التي ورد في بعضها إقالة النادم من دون التقييد

______________________________

(1) الكافي 5: 81 ح 8، تهذيب الأحكام 6: 322 ح 882، و عنهما وسائل الشيعة 17: 48، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 13 ح 3 و الوافي 17: 53 ح 16848.

و في مرآة العقول 19: 27 ح 8 عن الكافي.

و في بحار الأنوار 103: 33 ح 63 عن تنبيه الخواطر و نزهة النواظر 1: 13، و في ص 36 ح 75 عن التمحيص: 54 ح 107.

(2) وسائل الشيعة 17: 48- 51، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها ب 13 و الوافي 17: 51- 57 ب 5 و بحار الأنوار 103: 18- 40 ب 2.

(3) الكافي 5: 153 ح 16، الفقيه 3: 122 ح 526، مصادقة الإخوان 178 ب 31 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 8 ح 26، و عنها وسائل الشيعة 17: 386،

كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 3 ح 2.

و في الوافي 17: 440 ح 17595 عن الكافي و التهذيب و الفقيه.

(4) المقنع: 299، و عنه وسائل الشيعة 17: 387، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 3 ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 242

..........

______________________________

بالمسلم «1»، كما أنّ التقييد بالبيع كما في المتن و إن كان موجودا في أكثر الروايات، إلّا أنّ بعضها خال عنه.

و يدلّ على استحباب التسوية بين المتبايعين من دون فرق بين المماكس و غيره، رواية عامر بن جذاعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في رجل عنده بيع فسعّره سعرا معلوما، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر، و من ماكسه و أبى أن يبتاع منه زاده، قال: لو كان يزيد الرجلين و الثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأمّا أن يفعله بمن أبى عليه و كايسه و يمنعه من لم يفعل فلا يعجبني إلّا أن يبيعه بيعا واحدا «2».

و استدرك في المتن ما إذا كان الفرق و عدم التسوية لأجل الفضل أو الدّين أو السيادة أو الفقر أو مثلها دون المماكسة، و الوجه فيه: رجحان ملاحظة هذه الامور في نفسها.

و يدلّ على استحباب الأخير رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: مرّ أمير المؤمنين عليه السّلام على جارية قد اشترت لحما من قصّاب و هي تقول: زدني، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: زدها فإنّه أعظم للبركة «3».

______________________________

(1) الخصال: 224 ح 55، و عنه وسائل الشيعة 17: 387، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 3 ح 5، و ج 20:

46، كتاب النكاح، أبواب مقدّماته و آدابه ب 12 ح 4، و

بحار الأنوار 7: 269 ح 48، و ج 75: 19 ح 13، و ج 103: 96 ح 24، و ج 104: 193 ح 3.

(2) الكافي 5: 152 ح 10، تهذيب الأحكام 7: 8 ح 25، و عنهما وسائل الشيعة 17: 398، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 11 ح 1.

و في الوافي 17: 456 ح 17628 و مرآة العقول 19: 136 ح 10 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 10: 465 ح 25 عن التهذيب.

(3) الكافي 5: 152 ح 8، تهذيب الأحكام 7: 7 ح 20، الفقيه 3: 122 ح 524، و عنها وسائل الشيعة 17: 392،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 243

..........

______________________________

و مرسلة إسحاق بن عمّار قال: قال: من أخذ الميزان بيده فنوى أن يأخذ لنفسه وافيا لم يأخذ إلّا راجحا، و من أعطى فنوى أن يعطي سواء، لم يعط إلّا ناقصا «1». و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال «2»، فراجع.

______________________________

كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 7 ح 1، و الوافي 17: 485 ح 17687، و روضة المتّقين 7: 19.

و في بحار الأنوار 41: 129 ح 39 و مرآة العقول 19: 136 ح 8 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 10: 463 ح 20 عن التهذيب.

(1) الكافي 5: 159 ح 2، الفقيه 3: 123 ح 534، تهذيب الأحكام 7: 11 ح 46، و عنها وسائل الشيعة 17: 393، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 7 ح 5، و الوافي 17: 485 ح 17681.

و في مرآة العقول 19: 147 ح 2 عن الكافي.

و في روضة المتّقين 7: 25- 26 عن الفقيه.

و في ملاذ الأخيار 10: 475 ح 46 عن

التهذيب.

(2) وسائل الشيعة 17: 392- 394، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 7، و الوافي 17: 483- 486 ب 76.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 244

[و أمّا المكروهة]

و أمّا المكروهة، فأمور:

منها: مدح البائع لمتاعه.

و منها: ذمّ المشتري لما يشتريه.

و منها: اليمين صادقا على البيع و الشراء.

و منها: البيع في موضع يستتر فيه العيب.

و منها: الربح على المؤمن إلّا مع الضرورة، أو كان الشراء للتجارة، أو كان اشتراؤه للمتاع أكثر من مائة درهم؛ فإنّ ربح قوت اليوم منه غير مكروه.

و منها: الربح على من وعده بالإحسان إلّا مع الضرورة.

و منها: السوم ما بين الطلوعين.

و منها: الدخول في السوق أوّلا و الخروج منه آخرا.

و منها: مبايعة الأدنين الذين لا يبالون بما قالوا و ما قيل لهم.

و منها: التعرّض للكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة إذا لم يحسنه.

و منها: الاستحطاط من الثمن بعد العقد.

و منها: الدخول في سوم المؤمن على الأظهر. و قيل بالحرمة، و لا يكون منه الزيادة فيما إذا كان المبيع في المزايدة (1).

______________________________

(1) يدلّ على كراهة مدح البائع لما يبيعه و كذا ذمّ المشتري لما يشتريه روايات:

منها: رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال، و إلّا فلا يشترينّ و لا يبيعنّ: الربا، و الحلف، و كتمان العيب، و الحمد إذا باع، و الذمّ إذا اشترى «1».

______________________________

(1) الكافي 5: 150 ح 2، تهذيب الأحكام 7: 6 ح 18، الفقيه 3: 120 ح 515، الخصال: 285 ح 38، و عنها وسائل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 245

..........

______________________________

و النهي محمول على

الكراهة، و لا يكون ذكر الربا قرينة على الحرمة، و إلّا يلزم حرمة الحلف و إن كان صادقا، مع أنّه من المعلوم خلافه، و الراوي عن السكوني هو النوفلي الذي هو من ثقات تفسير عليّ بن إبراهيم.

و الرواية بإطلاقها تدلّ على كراهية الحلف صادقا في البيع و الشراء، و هنا روايات كثيرة اخرى بعضها صريح في الحلف صادقا و حرمة الحلف كاذبا «1».

و أمّا البيع في موضع يستتر فيه العيب، فيدلّ على كراهته رواية هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري «2» في الظلال فمرّ بي أبو الحسن الأوّل عليه السّلام راكبا، فقال لي:

يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ، و الغشّ لا يحلّ «3». بناء على أنّه لا خصوصيّة للظلّ إلّا جهة ستره.

ثمّ إنّه لا ينافي استفادة الكراهة من الرواية، مع ما مرّ منّا من دلالتها على حرمة الغشّ؛ لأنّ الظاهر أنّ تطبيق عنوان الغشّ على المورد إنّما هو على سبيل المسامحة، و لذا نقول فيها بالكراهة، فتدبّر.

و أمّا كراهية الربح على المؤمن إلّا في الموارد الثلاثة المذكورة في المتن، فيدلّ

______________________________

الشيعة 17: 383، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 2 ح 2.

و في الوافي 17: 437 ح 17586 عن الكافي و التهذيب و الفقيه.

و في بحار الأنوار 103: 95 ح 18 عن الخصال.

(1) وسائل الشيعة 17: 382- 385، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 2 و ص 419- 421 ب 25.

(2) السابري: ضرب من الثياب الرّقاق تعمل بسابور، موضع بفارس، مجمع البحرين 2: 808.

(3) الكافي 5: 160 ح 6، الفقيه 3: 172 ح 770، تهذيب الأحكام 7: 13 ح 54، و عنها وسائل الشيعة 17: 466، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 58

ح 1، و الوافي 17: 467 ح 17650، و روضة المتّقين 7: 265.

و في مرآة العقول 19: 149 ح 6 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 10: 477 ح 54، عن التهذيب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 246

..........

______________________________

عليها- سوى الضرورة التي لا مجال لاحتمال الكراهة فيها- رواية سلمان بن صالح و أبي شبل جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ربح المؤمن على المؤمن ربا إلّا أن يشتري بأكثر من مائة درهم، فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة، فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم «1».

و الروايات الكثيرة الاخرى «2».

و يدلّ على كراهية الربح على من وعده بالإحسان رواية علي بن عبد الرحيم، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا قال الرجل للرجل هلمّ أحسن بيعك، يحرم عليه الربح «3».

و ذكر صاحب الوسائل أنّه حمله بعض الأصحاب على الكراهة «4»، و غير ذلك من الروايات «5» الاخر.

______________________________

(1) الكافي 5: 154 ح 22، تهذيب الأحكام 7: 7 ح 23، الاستبصار 3: 69 ح 232، و عنها وسائل الشيعة 17:

396، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 10 ح 1.

و في الوافي 17: 458 ح 17634، و مرآة العقول 19: 140 ح 22 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 10: 464 ح 23 عن التهذيب.

(2) وسائل الشيعة 17: 396- 398، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 10.

(3) الكافي 5: 152 ح 9، تهذيب الأحكام 7: 7 ح 21، الفقيه 3: 173 ح 774، و عنها وسائل الشيعة 17: 395، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 9 ح 1، و الوافي 17: 457- 458 ح 17632 و 17633، و روضة المتّقين

7: 268.

و في مرآة العقول 19: 136 ح 9 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 10: 464 ح 21 عن التهذيب.

(4) شرائع الإسلام 2: 20، مسالك الأفهام 3: 185، الحدائق الناضرة 18: 25، رياض المسائل 8: 160، جواهر الكلام 22: 456، و مفتاح الكرامة 12: 437.

(5) وسائل الشيعة 17: 395- 396، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 247

..........

______________________________

و أمّا السوم ما بين الطلوعين، فيدلّ على حكمه قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في مرفوعة علي ابن اسباط و نهيه عن السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس «1».

و أمّا الدخول في السوق أوّلا و الخروج منه آخرا، فيدلّ على حكمه مثل مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: جاء أعرابيّ من بني عامر إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فسأله عن شرّ بقاع الأرض و خير بقاع الأرض؟

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: شرّ بقاع الأرض الأسواق؛ و هي ميدان إبليس، يغدو برايته، و يضع كرسيّه، و يبثّ ذرّيته، فبين مطفّف في قفيز، أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعة، فيقول: عليكم برجل مات أبوه و أبوكم حيّ، فلا يزال مع ذلك أوّل داخل و آخر خارج.

ثمّ قال عليه السّلام: و خير البقاع المساجد، و أحبّهم إلى اللّه أوّلهم دخولا و آخرهم خروجا منها «2».

و أمّا كراهة مبايعة الأدنين، فلم أظفر فيها برواية دالّة عليها بعد الفحص بالمقدار اللازم في الوسائل، إلّا أنّ الاعتبار يساعدها؛ لعدم الاعتماد على أقوالهم و تعهّداتهم بالنسبة إلى الثمن و المثمن، أو الجهات الاخرى المتعلّقة بالمبايعة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي 5:

152 ح 13، الفقيه 3: 122 ح 529، تهذيب الأحكام 7: 8 ح 28، و عنها وسائل الشيعة 17: 399، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 12 ح 2، و الوافي 17: 445 ح 17610، و روضة المتّقين 7: 22.

(2) الفقيه 3: 124 ح 539، معاني الأخبار: 168 ح 1، و عنهما وسائل الشيعة 5: 293، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد: ب 68 ح 1، و ج 17: 468، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 60 ح 1.

و في بحار الأنوار 84: 11 ح 87 و ج 103: 97 ح 228 عن المعاني.

و في روضة المتّقين 7: 28- 36 عن الفقيه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 248

..........

______________________________

و أمّا كراهية التعرّض للكيل أو الوزن أو مثلهما إذا لم يحسنه، فيدلّ عليه مرسلة مثنّى الحنّاط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل من نيّته الوفاء و هو إذا كان لم يحسن أن يكيل، قال: فما يقول الذين حوله؟ قلت: يقولون:

لا يوفي، قال: هذا «1» لا ينبغي له أن يكيل «2».

و يدلّ على كراهة الاستحطاط من الثمن بعد العقد رواية إبراهيم الكرخي (الكلابي خ ل) قال: اشتريت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جارية، فلمّا ذهبت أنقدهم قلت:

أستحطّهم؟ قال: لا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة «3».

و أمّا الدخول في سوم المؤمن، فقد جعل الأظهر الكراهة و نسب الحرمة إلى القيل، و منشأ الخلاف ما ورد في حديث المناهي عن الصادق، عن آبائه عليهم السّلام قال:

و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم

«4».

______________________________

(1) في الفقيه: هو ممّن، بدل «هذا».

(2) الكافي 5: 159 ح 4، تهذيب الأحكام 7: 12 ح 47، الفقيه 3: 123 ح 533، و عنها وسائل الشيعة 17: 394، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 8 ح 1، و الوافي 17: 484 ح 17683 و 17684، و روضة المتّقين 7:

24- 25.

(3) الكافي 5: 286 ح 1، تهذيب الأحكام 7: 80 ح 345 و ص 233 ح 1017، الاستبصار 3: 73 ح 343، الفقيه 3:

145 ح 641، و عنها وسائل الشيعة 17: 452، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 44 ح 1، و روضة المتّقين 7: 143.

و في الوافي 17: 471 ح 17660 عن الكافي و التهذيب و الفقيه.

و في مرآة العقول 19: 383 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 11: 450- 451 عن التهذيب.

(4) الفقيه 4: 3 ح 1، و عنه وسائل الشيعة 17: 459، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 49 ح 3، و روضة المتّقين 9: 340.

و في بحار الأنوار 76: 329 قطعة من ح 1، و ج 103: 80 صدر ح 1 عن أمالي الصدوق: 510 قطعة من ح 707.

و رواه في مكارم الأخلاق 2: 307 قطعة من ح 2655.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 249

..........

______________________________

و النهي و إن كان ظاهرا في الحرمة، إلّا أنّه حيث لا يكون حديث المناهي نقيّ السند، فلا مجال لأزيد من الحكم بالكراهة، كما لا يخفى، ثمّ إنّ مورد الحكم ما إذا لم يكن البيع بالمزايدة، و إلّا فلا كراهة فضلا عن الحرمة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 250

و منها: تلقّي الركبان و القوافل و استقبالهم للبيع عليهم

أو الشراء منهم قبل وصولهم إلى البلد. و قيل: يحرم و إن صحّ البيع و الشراء، و هو الأحوط و إن كان الأظهر الكراهة، و إنّما يكره بشروط:

أحدها: كون الخروج بقصد ذلك.

ثانيها: تحقّق مسمّى الخروج من البلد.

ثالثها: أن يكون دون الأربعة فراسخ، فلو تلقّى في الأربعة فصاعدا لم يثبت الحكم، بل هو سفر تجارة. و الأقوى عدم اعتبار كون الركب جاهلا بسعر البلد، و هل يعمّ الحكم غير البيع و الشراء، كالإجارة و نحوها؟ وجهان (1).

______________________________

(1) قد نقل صاحب الوسائل في الباب الذي عقده لذلك روايات متعدّدة، أربعة منها عن منهال القصّاب، و من الظاهر أنّ الجميع رواية واحدة، غاية الأمر الاكتفاء في البعض على البعض، و لم أجد المنهال المزبور في الموثّقين بالخصوص، أو بالعموم، كالوقوع في أسناد كامل الزيارات، أو تفسير علي بن إبراهيم، و أجمعها من حيث المتن قوله: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تلقّ، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن التلقّي، قال: و ما حدّ التلقّي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة. قلت: و كم الغدوة و الرّوحة؟ قال: أربعة فراسخ.

قال ابن أبي عمير- الراوي عن المنهال بواسطة-: و ما فوق ذلك فليس بتلقّ «1».

و بعض الروايات الاخرى «2» أيضا فاقدة من حيث الاعتبار سندا بل

______________________________

(1) الكافي 5: 169 ح 4، تهذيب الأحكام 7: 158 ح 699، و عنهما وسائل الشيعة 17: 442، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 36 ح 1، و الوافي 17: 401 ح 17518.

و في مرآة العقول 19: 161 ح 4 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 11: 264- 265 عن التهذيب.

(2) وسائل الشيعة 17: 442- 444، كتاب التجارة، أبواب آداب

التجارة ب 36، و مستدرك الوسائل 13:

280- 281 ب 29.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 251

..........

______________________________

و دلالة، فراجع.

و لأجل ما ذكرنا جعل الأظهر في المتن الكراهة و إن احتاط بالحرمة، و لكن لا يخفى أنّ المعاملة مع تلقّي الركبان غير باطلة؛ سواء كان بيعا أو شراء؛ لعدم دليل على البطلان مطلقا، مع أنّه لم يقل بالفساد إلّا الإسكافي «1»، و عن ظاهر المنتهى الاتّفاق على خلافه «2»، و يعتبر في ثبوت الحكم امور:

الأوّل: كون قصده من ذلك الخروج للاستفادة من التجارة معهم لأجل عدم اطّلاعهم نوعا على قيمة الأشياء، و الوجه في اعتبار هذا الأمر- مضافا إلى أنّه القدر المتيقّن- انصراف كلمة التلقّي المذكورة نصّا و فتوى إلى هذه الصورة.

الثاني: أن يكون دون الأربعة فراسخ الموجب لعدم تحقّق السفر الشرعي و لو رجع ليومه كما هو المتعارف، و قد صرّح باعتبار هذا الأمر في رواية المنهال المتقدّمة، فإذا بلغ أربعة فراسخ فهو سفر، و السفر للتجارة لا كراهة فيه.

الثالث: كون الراكب جاهلا بسعر البلد، و قد قوّى في المتن عدم اعتباره، و الوجه فيه إطلاق الدليل و عدم ما يدلّ على التقييد، و هل يعمّ الحكم غير البيع و الشراء كالإجارة و نحوها؟ فقد احتمل وجهين في هذه الجهة: من إطلاق التلقّي المنهيّ عنه كما في الرواية، و من أنّ الظاهر خصوص البيع و الشراء؛ لإمكان وقوعهما نوعا في خارج المصر بخلاف غيرهما، فتدبّر.

نعم، لا يبعد إلحاق غير البيع ممّا هو مثله به، كالصلح مع العوض بخلاف الإجارة.

______________________________

(1) حكى عنه في مختلف الشيعة 5: 74 مسألة 37.

(2) منتهى المطلب 2: 1005- 1006، الطبعة الحجريّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

المكاسب المحرمة، ص: 252

[حرمة الاحتكار]

مسألة 23: يحرم الاحتكار؛ و هو حبس الطعام و جمعه يتربّص به الغلاء، مع ضرورة المسلمين و حاجتهم و عدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم. نعم، مجرّد حبس الطعام انتظارا لغلوّ السعر مع عدم ضرورة الناس و وجود الباذل، ليس بحرام و إن كان مكروها، و لو حبسه في زمان الغلاء لصرفه في حوائجه لا للبيع فلا حرمة فيه و لا كراهة. و الأقوى عدم تحقّقه إلّا في الغلّات الأربع و السمن و الزيت.

نعم، هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لا يثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار، و يجبر المحتكر على البيع، و لا يعيّن عليه السعر على الأحوط، بل له أن يبيع بما شاء إلّا إذا أجحف، فيجبر على النزول من دون تسعير عليه، و مع عدم تعيينه يعيّن الحاكم بما يرى المصلحة (1).

______________________________

(1) قد تعرّض الشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه لمسألة الاحتكار في أواخر كتاب البيع من مكاسبه «1» قبل الورود في بحث الخيارات، و تحقيق البحث فيه يستدعي التكلّم في مقامات:

الأوّل: أنّه قد حكي عن الصحاح و المصباح «2» أنّ معنى الاحتكار هو جمع الطعام و حبسه يتربّص به الغلاء و علوّ القيمة، و في سعة معناه و ضيقه كلام سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: في حكمه من جهة الحرمة و الكراهة بعد أنّه لا خلاف في مرجوحيّته،

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 363- 374.

(2) الصحاح 1: 524، المصباح المنير: 145، النهاية في غريب الحديث و الأثر 1: 417.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 253

..........

______________________________

فالمحكي عن جمع من الكتب الفقهيّة الكراهة «1»، و عن جمع كثير من

الكتب الاخرى الحرمة «2».

و يدلّ على التحريم في الجملة- مع أنّه خلاف الأصل، و خلاف قاعدة السلطنة على الأموال- روايات:

منها: صحيحة أبي الفضل سالم الحنّاط قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما عملك؟

قلت: حنّاط، و ربما قدمت على نفّاق، و ربما قدمت على كساد فحبست، قال: فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون: محتكر، فقال: يبيعه أحد غيرك؟ قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا، قال: لا بأس، إنّما كان ذلك رجل من قريش يقال له:

حكيم بن حزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:

يا حكيم بن حزام إيّاك أن تحتكر «3»، فإنّ التحذير عن الاحتكار لا يلائم إلّا مع حرمته.

______________________________

(1) المقنعة: 616، المبسوط في فقه الإماميّة 2: 195، الكافي في الفقه: 283، المراسم العلويّة: 171، شرائع الإسلام 2: 21، المختصر النافع: 201، مختلف الشيعة 5: 69 مسألة 31، اللمعة الدمشقيّة: 61، جواهر الكلام 22: 477- 481.

(2) المقنع: 372، الاستبصار 3: 115 ذ ح 408، المهذّب 1: 346، السرائر 2: 238- 239، تحرير الأحكام 2:

254، منتهى المطلب 2: 1006، إيضاح الفوائد 1: 409، الدروس الشرعيّة 3: 180، جامع المقاصد 4: 40، مسالك الأفهام 3: 191، الروضة البهيّة 3: 218 و 298، التنقيح الرائع 2: 42، رياض المسائل 8: 171- 172، مفتاح الكرامة 12: 353- 354، مستند الشيعة 14: 44- 48، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 363- 367.

(3) الكافي 5: 165 ح 4، تهذيب الأحكام 7: 160 ح 707، الاستبصار 3: 115 ح 410، الفقيه 3: 169 ح 747، و عنها وسائل الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 28 ح

3، و روضة المتّقين 7: 244.

و في الوافي 17: 391 ح 17493 عن الكافي و التهذيب و الفقيه.

و في مرآة العقول 19: 155 ح 4 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 11: 268 ح 12 عن التهذيب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 254

..........

______________________________

و الظاهر أنّ المراد من قوله: «ما أبيع أنا من ألف جزء جزءا» هو الكناية عن تعدّد من يبيع بحيث تكون النسبة بينه، و بين غيره من البائعين كالواحد أو أقلّ بالإضافة إلى الألف، كما أنّ التحذير عن الاحتكار لا يرجع إلى تحقّقه مع اشتراء طعام المدينة بمجرّد دخوله، بل مرجعه إلى إمكان تحقّق الاحتكار بعد ذلك، فتدبّر.

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربّص به هل يصلح ذلك؟ قال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به، و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام «1»؛ فإنّ الظاهر أنّ المراد بالكراهة الحرمة لا الكراهة المصطلحة في مقابلها.

و يؤيّده تقييد الكراهة بصورة كون الطعام قليلا لا يسع الناس، مع أنّ الكراهة الاصطلاحية مطلقة كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

و مثلها: صحيحة اخرى للحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الحكرة؟

فقال: إنّما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع (يباع خ ل) غيره فلا بأس أن تلتمس بساحتك (بسلعتك خ ل) الفضل «2».

______________________________

(1) الكافي 5: 165 ح 5، تهذيب الأحكام 7: 160 ح 708، الاستبصار 3: 115 ح 411، و عنها وسائل الشيعة 17:

424، كتاب

التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 2.

و في الوافي 17: 391 ح 17494 عن الكافي و التهذيب.

و في مرآة العقول 19: 156 ح 5 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 11: 268 ح 13 عن التهذيب.

(2) الفقيه 3: 168 ح 746، التوحيد: 389 ح 36، الكافي 5: 164 ح 3، تهذيب الأحكام 7: 160 ح 706، الاستبصار 3: 115 ح 409، و عنها وسائل الشيعة 17: 427- 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 28 ح 1 و 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 255

..........

______________________________

و لا تكون هذه الصحيحة متّحدة مع ما قبلها بعد اختلاف السؤال و كونه في إحداهما من الحلبي و في الثانية من غيره و لو فرض وحدة الحلبي فيهما.

و منها: مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ «1».

و منها: ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السّلام في كتابه إلى مالك الأشتر قال:

فامنع من الاحتكار؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منع منه، و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به و عاقبه في غير إسراف «2».

و منها: رواية أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أيّما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثمّ باعه فتصدّق بثمنه لم يكن كفّارة لما صنع «3».

______________________________

و في الوافي 17: 390 ح 17492 عن الكافي و الفقيه و التهذيب.

و في مرآة العقول 19: 155 ح 3 عن الكافي.

و

في ملاذ الأخيار 11: 267 ح 11 عن التهذيب.

(1) الفقيه 3: 169 ح 749، تهذيب الأحكام 7: 159 ح 701، الاستبصار 3: 114 ح 403، و عنها وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 8 و 12، و روضة المتّقين 7: 246.

و في الوافي 17: 394 ح 17501، و ملاذ الأخيار 11: 265 ح 6 عن التهذيب.

و في مستدرك الوسائل 13: 274 ح 15336 عن دعائم الإسلام 2: 35 ح 77.

(2) نهج البلاغة لصبحي صالح: 438 قطعة من كتاب 53، و عنه وسائل الشيعة 17: 427، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 13، و بحار الأنوار 33: 607 قطعة من ح 744، و ج 103: 89 ذ ح 9، و مستدرك الوسائل 13: 275 ح 15339.

و في بحار الأنوار 77: 258- 259 قطعة من ح 1 عن تحف العقول: 140- 141.

(3) الأمالي للطوسي: 676 ح 1427، و عنه وسائل الشيعة 17: 425، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 6، و بحار الأنوار 103: 89 ح 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 256

..........

______________________________

قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه بعد ذكر الرواية: و في السند بعض بني فضّال، و الظاهر أنّ الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه السّلام عند سؤاله عنها: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا «1»، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم، فيستغنى بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند، و قد ذكرنا أنّ هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عمّا قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادّعاه الكشّي «2» على تصحيح ما يصحّ عن جماعة «3»،

انتهى.

أقول: قد مرّ منا مكرّرا أنّ الإجماع الذي ادّعاه الكشّي و مثله غايته الدلالة على كون أصحاب الإجماع مجمعين على وثاقتهم بحيث لا يكون فيهم ترديد من هذه الجهة، و أمّا عدم لزوم رعاية حال من قبلهم في السند فلا دلالة للإجماع المذكور عليه.

و الظاهر أنّ ما أفاده العسكري عليه السّلام من القول المزبور أيضا راجع إلى وثاقة بني فضّال في مقام نقل الرواية و حكايتها، و أمّا عدم لزوم رعاية حال من قبلهم في السند من حيث الوثاقة و عدمها فلا، فتدبّر.

و قد انقدح ممّا ذكرنا أنّ ملاحظة أخبار الباب و روايات المسألة تدلّ على حرمة الاحتكار في الجملة و إن كانت مخالفة لقاعدة السلطنة على الأموال، و أمّا كون موردها خصوص الطعام أو الأعمّ، فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

كما أنّه يأتي حكم التفصيل بين الثلاثة أيّام في الغلاء، و الخصب في الأربعين كما

______________________________

(1) الغيبة للطوسي: 389 ح 355، و عنه وسائل الشيعة 27: 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 13، و بحار الأنوار 2: 252 ح 72 و ج 51: 358، و عوالم العلوم 3: 573 ح 73.

(2) اختيار معرفة الرجال، المعروف ب «رجال الكشي»: 238، الرقم 431 و ص 375، الرقم 705 و ص 556، الرقم 1050.

(3) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 366- 367.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 257

..........

______________________________

في رواية السكوني الآتية، و أنّه هل للحدّين خصوصيّة، أو أنّ المناط هي الضرورة و الاحتياج نفيا و إثباتا، فانتظر.

ثمّ إنّ هنا بعض ما يؤيّد القول بالحرمة، مثل إلزام المحتكر بالبيع؛ فإنّ الإلزام كما سيجي ء «1» لا يلائم الكراهة؛ إذ لا وجه

للإلزام فيها.

المقام الثالث: في مورد الاحتكار و مجراه، ظاهر عبارة بعض اللّغويّين- مثل ما تقدّم «2»- أنّ مورده الطعام، إلّا أن يقال: إنّ ذكره إنّما هو من باب المثال أو الغلبة، و في بعض الروايات عدم الاختصاص بالطعام، ففي رواية السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السّلام، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن و الزبيب «3».

و في صحيحة حمّاد- التي هي مثل صحيحة الحلبي المتقدّمة- إضافة قوله:

و سألته عن الزيت (الزبيب خ ل)؟ فقال: إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه «4».

و في رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام، أنّ عليّا عليه السّلام كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، فقال: ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن «5».

______________________________

(1) في ص 259.

(2) في ص: 252.

(3) الخصال: 329 ح 23، و عنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 10 و بحار الأنوار 103: 87 ح 2.

(4) الكافي 5: 164 ذ ح 3، تهذيب الأحكام 7: 160 ذ ح 706، الاستبصار 3: 115 ذ ح 409، و عنها وسائل الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 28 ح 2.

(5) قرب الإسناد: 135 ح 472، و عنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 7 و بحار الأنوار 103: 87 ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 258

..........

______________________________

و يؤيّده إطلاق بعض الروايات بالنهي عن الحكرة، مثل:

مرسلة اخرى للصدوق معتبرة أيضا، قال: و

نهى أمير المؤمنين عليه السّلام عن الحكرة في الأمصار «1».

و الظاهر أنّه لا مجال للإنكار في الغلّات الأربع، و كذا الزيت و السمن «2» كما في المتن.

و أمّا الأرز، فيمكن أن يقال بثبوت الاحتكار فيه أيضا بالإضافة إلى البلاد التي يكون تغذّي أهلها به نوعا؛ نظرا إلى أنّ المستفاد من النصّ أنّ الملاك حاجة الناس إلى الشي ء في التغذّي، و لعلّه لذا ألحق جماعة غير قليلة الملح بالامور الستّة المذكورة «3»، و الحصر في مثل رواية أبي البختري إضافيّ، و يؤيّده عدم ذكر الزيت أيضا.

المقام الرابع: قد وردت في رواية السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدّة و البلاء ثلاثة أيّام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد على ثلاثة أيّام في العسرة فصاحبه ملعون «4».

______________________________

(1) الفقيه 3: 169 ح 752، و عنه وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 9 و روضة المتّقين 7: 254.

(2) قال به جماعة من الأصحاب، كابن إدريس في السرائر 2: 238، و الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 455، و الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان 8: 26 و غيرهم.

(3) الدروس الشرعيّة 3: 180 اللمعة الدمشقية: 66، مسالك الأفهام 3: 192، الروضة البهيّة 3: 299، جامع المقاصد 4: 40.

(4) الكافي 5: 165 ح 7، الفقيه 3: 169 ح 753، تهذيب الأحكام 7: 159 ح 703، الاستبصار 3: 114 ح 405، و عنها وسائل الشيعة 17: 423، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 27 ح 1، و روضة المتّقين 7: 255.

و في الوافي 17: 392 ح 17496 عن الكافي و التهذيب

و الفقيه.

و في مرآة العقول 19: 156 ح 7 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 11: 266 ح 8 عن التهذيب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 259

..........

______________________________

و يؤيّدها بالإضافة إلى أربعين، رواية أبي مريم المتقدّمة، و هل للحدّين موضوعيّة كما هو ظاهر الجمود على الرواية، أو أنّ ذكرهما ملحوظ بالنظر إلى حاجة الناس، فلو تحقّقت الحاجة قبل الثلاثة، أو لم تتحقّق الحاجة بعد الأربعين لا يتّصف صاحبه بالملعونيّة، الظاهر- خصوصا بعد ملاحظة جملة كثيرة من الروايات و حكمة تحريم الاحتكار- هو الثاني.

المقام الخامس: ظاهر ما تقدّم من الصحاح و المصباح من أنّ الاحتكار هو حبس الطعام، أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون حصول الحنطة مثلا عنده بالاشتراء، أو بغيره من أسباب النقل و حصول الملكيّة له، لكن ظاهر جملة من الروايات الواردة في هذا المجال هو التعبير بالاشتراء، خصوصا مع مقرونيّته بكلمة «إنّما» الظاهرة في الحصر، كما في صحيحة الحلبي الثانية المتقدّمة.

هذا، و لكنّ الأقوى هو الأوّل و إن كان يظهر من بعض العبارات الثاني، و الحصر المتوهّم لا يكون بهذه الملاحظة، بل بملاحظة ما بعده.

و يؤيّده ما ذكرنا التفريع المذكور في الرواية، و رعاية نكتة حفظ الطعام و حبسه مع احتياج الناس إليه، و عدم وجود باذل غيره.

المقام السادس: في أنّه يجبر الحاكم المحتكر على البيع مطلقا حتّى على القول بالكراهة و إن تقدّم «1» أنّ الإجبار يلائم الحرمة طبيعة و لا يناسب الكراهة، إلّا أنّ ظاهر الكلمات جواز الإجبار كذلك، و كأنّه مستثنى من قاعدة عدم ثبوت الإكراه في غير اللّازم، كما أنّ أصل جواز الإجبار مستثنى من قاعدة السلطنة، و الدليل

______________________________

(1) في ص 256.

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 260

..........

______________________________

عليه ثبوت الجواز بينهم بلا خلاف «1».

نعم، الإشكال في التسعير عليه، و احتاط في المتن وجوبا بالعدم إلّا في صورة الإجحاف بالناس، و جعل الثمن أضعافا مضاعفة، فيجبر على النزول عنه بحيث لم يكن في البين إجحاف عليهم، من دون التسعير في هذه الصورة أيضا؛ لعدم الدليل عليه.

و يدلّ عليه ما تقدّم ممّا كتبه أمير المؤمنين عليه السّلام إلى مالك الأشتر «2» حين ولّاه مصر.

كما أنّه يدلّ على أصل جواز الإجبار- مع أنّه مخالف للقاعدة- رواية حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: نفد الطعام على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء إلّا عند فلان، فمره ببيعه.

قال: فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا فلان إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفذ إلّا شي ء (شيئا خ ل) عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه «3».

______________________________

(1) المقنعة: 616، المبسوط في فقه الإماميّة 2: 195، النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى: 374، السرائر 2: 239، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 260، الدروس الشرعيّة 3: 180، التنقيح الرائع 2: 42، المهذّب البارع 2: 370، الحدائق الناضرة 18: 64، رياض المسائل 8: 175، مفتاح الكرامة 12: 361، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 373.

(2) في ص: 255.

(3) الكافي 5: 164 ح 2، تهذيب الأحكام 7: 159 ح 705، الاستبصار 3: 114 ح 407، و عنها وسائل الشيعة 17:

429، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب 29 ح 1.

و في الوافي 17: 390 ح 17491 عن الكافي و التهذيب.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 261

..........

______________________________

و في السند محمّد بن سنان، و نفى البعد عن وثاقته الإمام الماتن قدّس سرّه في كتابه في البيع «1» في هذه المسألة.

نعم، مع الإجبار على أصل البيع لو لم يعيّن القيمة بوجه عيّنها الحاكم بما يراه، و لا محالة يراعى عدم الإجحاف كما هو ظاهر.

______________________________

و في مرآة العقول 19: 155 ح 2 عن الكافي.

و في ملاذ الأخيار 11: 267 ح 10 عن التهذيب.

(1) كتاب البيع للإمام الخميني رحمه اللّه 3: 603.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 262

[الدخول في الولايات من قبل الجائر و بعض فروعاته]

[مسألة 24: لا يجوز مع الاختيار الدخول في الولايات و المناصب و الأشغال من قبل الجائر]

مسألة 24: لا يجوز مع الاختيار الدخول في الولايات و المناصب و الأشغال من قبل الجائر و إن كان أصل الشغل مشروعا مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كجباية الخراج، و جمع الزكاة، و تولّي المناصب الجنديّة و الأمنيّة، و حكومة البلاد و نحو ذلك، فضلا عمّا كان غير مشروع في نفسه؛ كأخذ العشور و المكوس، و غير ذلك من أنواع الظلم المبتدعة.

نعم، يسوغ كلّ ذلك مع الجبر و الإكراه بإلزام من يخشى من التخلّف عن إلزامه على نفسه، أو عرضه، أو ماله المعتدّ به، إلّا في الدماء المحترمة، بل في إطلاقه بالنسبة إلى تولّي بعض أنواع الظلم- كهتك أعراض طائفة من المسلمين، و نهب أموالهم، و سبي نسائهم، و إيقاعهم في الحرج، مع خوفه على عرضه ببعض مراتبه الضعيفة، أو على ماله إذا لم يقع في الحرج، بل مطلقا في بعضها- إشكال بل منع.

و يسوّغ خصوص القسم الأوّل- و هو الدخول في الولاية على أمر مشروع في نفسه- القيام بمصالح المسلمين و إخوانه في الدّين، بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى

المؤمنين، و دفع الضرر عنهم كان راجحا، بل ربما بلغ الدخول في بعض المناصب و الأشغال لبعض الأشخاص أحيانا إلى حدّ الوجوب، كما إذا تمكّن شخص بسببه من دفع مفسدة دينيّة، أو المنع عن بعض المنكرات الشرعيّة مثلا، و مع ذلك فيها خطرات كثيرة إلّا لمن عصمه اللّه تعالى (1).

______________________________

(1) وقع التعرّض في هذه المسألة للدخول في الولايات و المناصب و الأشغال من قبل الجائر، و فيه فروض:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 263

..........

______________________________

الأوّل: الدخول فيها و إن كان أصل الشغل مشروعا في نفسه مع قطع النظر عن تولّيه من قبله، كالأمثلة المذكورة في المتن، و قد حكم فيه في المتن بعدم الجواز و ثبوت الحرمة.

و يدلّ عليه- مضافا إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهرا «1»، و إلى رواية تحف العقول المفصّلة المتقدّمة التي حكمنا باعتبار سندها «2»، المشتملة على قوله عليه السّلام: «إنّ في ولاية الوالي الجائر دوس الحقّ كلّه، و إحياء الباطل كلّه، و إظهار الظلم و الجور و الفساد، و إبطال الكتب، و قتل الأنبياء و المؤمنين و هدم المساجد، و تبديل سنّة اللّه و شرائعه، فلذلك حرم العمل معهم، و معونتهم، و الكسب معهم، إلّا بجهة الضرورة، نظير الضرورة إلى الدّم و الميتة «3».

فإنّ مقتضى إطلاقه حرمة ولاية والي الجائر و إن لم تكن الولاية إلّا في عمل مشروع؛ لاقتضاء طبع ولايته الامور المذكورة لأجل كونه جائرا، كما هو المفروض.

و مضافا إلى إطلاق بعض الروايات المتقدّمة في مسألة معونة الظالمين «4» روايات مستفيضة بل متواترة، مثل:

صحيحة محمّد بن مسلم قال: كنّا عند أبي جعفر عليه السّلام على باب داره بالمدينة،

______________________________

(1) منتهى المطلب 2: 1024، الطبعة الحجريّة،

الحدائق الناضرة 18: 134، رياض المسائل 8: 106، جواهر الكلام 22: 156، مصباح الفقاهة 1: 668.

(2) في ص 11- 15.

(3) تحف العقول: 332، و عنه وسائل الشيعة 17: 84، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 2 قطعة من ح 1 و بحار الأنوار 103: 45 قطعة من ح 11، و فيهما و في المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 69 «دروس» بدل دوس.

(4) في ص 190- 197.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 264

..........

______________________________

فنظر إلى الناس يمرّون أفواجا، فقال لبعض من عنده: حدث بالمدينة أمر؟ فقال:

أصلحك اللّه (جعلت فداك خ ل) ولي المدينة وال فغدا الناس (إليه خ ل) يهنّئونه، فقال: إنّ الرجل ليغدي عليه بالأمر يهنّئ به، و أنّه لباب من أبواب النار «1».

و رواية داود بن زربي قال: أخبرني مولى لعليّ بن الحسين عليه السّلام قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد اللّه عليه السّلام الحيرة، فأتيته فقلت: جعلت فداك لو كلّمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لأفعل- إلى أن قال:- جعلت فداك ظننت أنّك إنّما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم، و إنّ كلّ امرأة لي طالق، و كلّ مملوك لي حرّ، و عليّ و عليّ إن ظلمت أحدا، أو جرت عليه (على أحد خ ل) و إن لم أعدل.

قال: كيف قلت؟ فأعدت عليه الأيمان، فرفع رأسه إلى السماء فقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك «2». بناء على أن لا يكون المراد من «تناول السماء» إلخ الأيسريّة من عدم الظلم و الجور.

و موثّقة مسعدة بن صدقة قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم من الشيعة

يدخلون في أعمال السلطان يعملون لهم و يحبّون لهم و يوالونهم، قال: ليس هم من الشيعة و لكنّهم من اولئك.

ثمّ قرأ أبو عبد اللّه عليه السّلام هذه الآية: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ

______________________________

(1) الكافي 5: 107 ح 6، و عنه وسائل الشيعة 17: 188، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 2، و الوافي 17: 155 ح 17033، و مرآة العقول 19: 63 ح 6.

(2) الكافي 5: 107 ح 9، و عنه وسائل الشيعة 17: 188، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 4، و الوافي 17: 156 ح 17036، و مرآة العقول 19: 64 ح 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 265

..........

______________________________

دٰاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ- إلى قوله:- وَ لٰكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فٰاسِقُونَ «1» قال:

الخنازير على لسان داود، و القردة على لسان عيسى كٰانُوا لٰا يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ «2» قال: كانوا يأكلون لحم الخنزير، و يشربون الخمور، و يأتون النساء أيّام حيضهنّ.

ثمّ احتجّ اللّه على المؤمنين الموالين للكفّار فقال: تَرىٰ كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مٰا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ- إلى قوله:- وَ لٰكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فٰاسِقُونَ «3»، فنهى اللّه عزّ و جلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلّا عند التقيّة «4».

و غير ذلك من الروايات الواردة «5» في هذا المجال.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى حرمة الدخول في ولاية الجائر و إن كان أصل الشغل محلّلا في نفسه من حيث هو، و أمّا لو كان الشغل محرّما كذلك، كالعشور، و المكوس، و غيرهما، فيدلّ على حرمة الدخول في ولايته في هذه الامور- مضافا إلى ما مرّ-

ما يدلّ على حرمة الشغل و بطلان الاستئجار على العمل المحرّم «6»؛ لأنّه يشترط في صحّة الإجارة على الأعمال إباحتها، فلا يجوز

______________________________

(1) سورة المائدة 5: 78- 81.

(2) سورة المائدة 5: 79.

(3) سورة المائدة 5: 80- 81.

(4) تفسير القمّي 1: 176، و عنه وسائل الشيعة 17: 190، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 10، و تفسير الصافي 2: 74 و 75، و البرهان في تفسير القرآن 2: 342 و 344 ح 3238 و 3244، و بحار الأنوار 14: 63 ح 15 و ج 79: 126 ح 6، و تفسير كنز الدقائق 3: 168 و 169، و تفسير نور الثقلين 1: 660 و 661 ح 309 و 314.

(5) وسائل الشيعة 17: 177- 192، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 42- 45.

(6) وسائل الشيعة 17: 174، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 39، و ج 19: 101- 102، كتاب الإجارة ب 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 266

..........

______________________________

إجارة الحائض لكنس المسجد و مثلها «1».

الفرض الثاني: الدخول في الولاية من قبل الجائر مكرها عليه، و يظهر من المتن أوّلا الجواز في هذه الصورة إلّا بالإضافة إلى الدم؛ فإنّ مشروعيّة التقيّة إنّما هي لأن تحقن بها الدماء، فلا تسوّغ التقيّة إراقة الدم، لكنّه أشكل في المتن في إطلاق حكم التقيّة بالنسبة إلى غير إراقة الدم، و شموله لبعض أنواع الظلم، كالأمثلة المذكورة في المتن، بل منع من ذلك.

و لعلّ الوجه فيه ما ذكرناه في بعض موارد هذا الشرح؛ من أنّه لا مجال للالتزام برفع الحرمة عن العمل المكره عليه في غير الدم مطلقا؛ أي و لو كان العمل المكره

عليه أعظم من حيث مرتبة الحرمة، و أشدّ ممّا توعّد به من الضرر المالي أو العرضي مثلا، كما لو فرض إكراه الشخص على الزنا بزوجة ذات بعل؛ فإنّه هل يمكن توهّم الجواز بمجرّد كون الضرر المتوعّد به ماليّا أو عرضيا لا يبلغ العمل المكره عليه من حيث مرتبة الحرمة بوجه، كسبّه مثلا و لو بمحضر من الناس.

و لا ينافي ذلك ما اشتهر من قصّة عمّار و أبويه «2»، حيث إنّ العمل المكره عليه و القول على طبق مقالتهم و إن كان مرتبطا بالشرك و بإنكار الرسالة المحمّدية صلّى اللّه عليه و آله، إلّا أنّ ما توعّد به على الترك كان هو القتل، كما ارتكبوه بالإضافة إلى من لم يطعهم

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 17- 37.

(2) الكشف و البيان، المعروف ب «تفسير الثعلبي» 6: 45، تفسير البغوي 3: 98، الكشّاف 2: 636، مجمع البيان 6: 191، التفسير الكبير للفخر الرازي 7: 273- 274، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10: 180، أنوار التنزيل و أسرار التأويل، المعروف بتفسير البيضاوي 3: 241، تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان 4:

309، إرشاد العقل السليم، المعروف ب «تفسير أبي السعود» 4: 384، وسائل الشيعة 16: 226 و 230، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب الأمر و النهي ب 29 ذ ح 2 و 13، و تفسير كنز الدقائق 5: 404 و 405 و 407.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 267

..........

______________________________

و انصرفوا عن قتل من أطاعوهم، و لذا وردت الآية الشريفة «1» و قوله- تعالى-:

إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «2».

و محصّل المقال في هذا المجال أن يقال- و على

اللّه الاتّكال-: إنّه إذا كان الأمر الذي وقع التوعيد عليه عند عدم الإتيان بالمكره عليه هو القتل يسوغ بسبب هذا النحو من الإكراه كلّ محرّم سوى القتل و إن كان في أعلى درجة الكبر، كالشرك الذي صرّح في بعض الروايات بأنّه أكبر الكبائر «3».

و لعلّه يدلّ عليه قوله- تعالى-: إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ* «4»، و الظاهر أنّه لا فرق بين أنواع الشرك و لو الشرك في العبادة، كما كان هو المعمول بين أعراب الجاهليّة و الشائع في بدو الإسلام.

و أمّا القتل المكره عليه، فلا يجوز بالإكراه الذي تكون مشروعيّة رفعه تحقّن الدماء و حفظها. و أمّا إذا كان الأمر الذي وقع التوعيد عليه غير القتل من المال و العرض و مثلهما، فالظاهر أنّه لا مجال للالتزام برفع الإكراه في مثله، بل لا بدّ من ملاحظة النسبة من حيث الأهمّية، فهل يتوهّم الحلّية في المثال الذي ذكرناه بمجرّد عروض لطمة لعرضه و لو ببعض المراتب الضعيفة، أو عروض خسارة ماليّة عليه و لو كانت كثيرة جدّا، إلّا أن يتمسّك بالإطلاق في

______________________________

(1) أي قوله تعالى- في سورة آل عمران آية 28: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً إلخ.

(2) سورة النحل 16: 106.

(3) وسائل الشيعة 15: 319، 322، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ح 2، 8 و بحار الأنوار 79: 6 ح 7 و ج 88: 26.

(4) سورة النساء 4: 48.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 268

..........

______________________________

حديث الرفع «1»، و من الواضح عدم

الجواز.

نعم، يشكل الأمر في الموارد التي لم تظهر أهمّية أحد الطرفين خصوصا مع ظهور كلامهم في الإطلاق، و عدم وقوع التعرّض لهذه الجهة إلّا في مثل المتن الذي عرفت أنّ ظاهر ابتداء كلامه الجواز بمجرّد تحقّق الإكراه. نعم، قد وقعت الخدشة منه في كتاب البيع «2» في بعض الامور التي اعتبره الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في الإكراه، لكنّه أمر آخر يغاير المقام.

و كيف كان، لا مجال للالتزام بأنّ الإكراه يرفع الحرمة عن كلّ محرّم سوى الدم، بل لا بدّ من ملاحظة الموارد و مراتب الحرمة.

و منه ينقدح الإشكال بل المنع في الموارد المذكورة في المتن من هتك أعراض طائفة من المسلمين، و نهب أموالهم، و سبي نسائهم، و مثل ذلك من الموارد؛ فإنّه

______________________________

(1) الفقيه 1: 36 ح 132، الخصال: 417 ح 9، التوحيد: 353 ح 24، و عنها وسائل الشيعة 7: 293، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة ب 37 ح 2، و ج 8: 249، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.

و في ج 15: 369- 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1- 3 عن الخصال و التوحيد: 353 ح 24 و الكافي 2: 462، 463 ح 1 و 2.

و في ج 16: 218، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أبواب الأمر و النهي ب 25 ح 10 عن تفسير العيّاشي 1: 160 ح 534.

و في ج 23: 237، كتاب الأيمان ب 16 ح 3- 6 عن نوادر ابن عيسى: 74- 75 ح 157- 160 و المحاسن 2:

70 ح 1195.

و في بحار الأنوار 5: 303- 305 ح 13- 18 عن الخصال و التوحيد و نوادر ابن عيسى، و

في ج 104:

154 ح 60 و ص 195 ح 12 و ص 288 ح 24 عن المحاسن.

و في مستدرك الوسائل 12: 23- 25 ح 13402- 13408، 13410 و 13411 عن الاختصاص: 31 و تفسير العيّاشي و نوادر ابن عيسى وفقه الرضا عليه السّلام: 386 و دعائم الإسلام 1: 274 و ج 2: 95 ح 299.

(2) كتاب البيع للإمام الخميني رحمه اللّه 2: 84.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 269

..........

______________________________

لا يجوز بمجرّد الإكراه و لو كان الضرر المتوعّد به على تركه كثيرا معتدّا به، بل و لو كان بالغا حدّ الحرج.

الفرض الثالث: الدخول في ولاية الجائر للقيام بمصالح المسلمين و إخوان الدّين، و في المتن: بل لو كان دخوله فيها بقصد الإحسان إلى المؤمنين و دفع الضرر عنهم، كان راجحا.

و استدلّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه على الجواز في هذه الصورة بوجوه، عمدتها: أنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها، كان ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هي أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر، و إن كانت لاستلزامها الظلم على الغير، فالمفروض عدم تحقّقه هنا. «1»

و لكنّه أورد عليه بعض الأعلام قدّس سرّه بأنّه إن كان المراد من المصالح حفظ النفوس و الأعراض و نحوهما، فالمدّعى أعمّ من ذلك، و إن كان المراد منها أنّ القيام بامور المسلمين، و الإقدام على قضاء حوائجهم، و بذل الجهد في كشف كرباتهم من الامور المستحبّة، و الجهات المرغوب بها في نظر الشارع المقدّس، فلا شبهة أنّ مجرّد ذلك لا يقاوم الجهة المحرّمة؛ فإنّ المفروض أنّ الولاية من قبل الجائر حرام في نفسها، و كيف ترتفع حرمتها لعروض بعض العناوين المستحبّة عليها

«2».

أقول: يمكن أن يقال بانصراف أدلّة حرمة الولاية المذكورة- و إن كانت ذاتية كما هو ظاهرها- بالانصراف عن الصورة المفروضة، فالحرمة لا تكون مرتفعة بالامور المستحبّة، بل دليلها قاصر عن الشمول لهذه الصورة.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة؛ ص: 269

______________________________

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 2: 72.

(2) مصباح الفقاهة 1: 670.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 270

..........

______________________________

و منه يظهر أنّه لا يشمل صورة حفظ النفوس و الأعراض و نحوهما بطريق أولى، و لا تلزم ملاحظة الأهمّ من مصلحة الامور المذكورة و مفسدة الانسلاك في أعوان الظلمة، بل اللازم رعاية المصلحة.

و الظاهر أنّ قبول عليّ بن يقطين «1» الولاية من قبل الرشيد- لعنه اللّه- كان من هذا القبيل.

و كذلك قوله- تعالى- حكاية عن يوسف عليه السّلام مخاطبا للملك: اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «2»، فتدبّر.

______________________________

(1) قرب الإسناد: 305 ح 1198، و عنه وسائل الشيعة 17: 198، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 46 ح 16، و بحار الأنوار 48: 158 ح 32.

و في نفس البحار ص 38 ح 14 و ص 59- 60 ح 72 و 73 و ص 136- 137 ح 10- 12 و ص 158 ح 31، و عوالم العلوم 21: 99 ح 6 و 106 ح 16 و ص 378 ح 38 عن الإرشاد للمفيد 2: 225- 229 و إعلام الورى 2:

19- 22 و مناقب آل أبي طالب عليهم السّلام لابن شهرآشوب 4: 288-

289، و الخرائج و الجرائح 1: 334- 336 ح 25 و 26 و ج 2: 656 ح 9، و عيون المعجزات: 260- 261 و قضاء حقوق المؤمنين للصوري: 24 ح 25، و الكافي 5: 110 ح 3.

و في إثبات الهداة 3: 193- 195 ح 73 و 74 عن إعلام الورى و الإرشاد و كشف الغمّة 2: 224- 227 نقلا من الإرشاد.

و في وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب 32 ح 3 عن الإرشاد.

و في مدينة المعاجز 6: 202- 206 ح 1946 و 1947 و ص 344- 350 ح 2042 و 2043 عن دلائل الإمامة: 322 ح 273، و إعلام الورى و الإرشاد و المناقب، و الثاقب في المناقب: 449- 453 ح 379 و 380 و عيون المعجزات و الخرائج و الجرائح.

و في الصراط المستقيم 2: 192 ح 21 عن الخرائج و الجرائح و غيره مختصرا.

و رواه في الفصول المهمّة 2: 947- 949، و نور الأبصار: 304- 305.

(2) سورة يوسف 12: 55.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 271

..........

______________________________

و أمّا قبول علي بن موسى الرضا عليهما السّلام الولاية «1» من قبل المأمون- لعنة اللّه عليه- فهو إمّا أن يكون بالإكراه المقرون بتوعيد القتل، كما هو الظاهر و له قرائن و شواهد.

و إمّا أن يكون صوريّا لم يترتّب عليه فعل و انفعال، كما يشهد به قرائن اخرى، و على كلا التقديرين فله حكم خاصّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 201- 206، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 48، و بحار الأنوار 49: 128- 156 ب 13، و عوالم العلوم 22: 243- 286 ب 5- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

المكاسب المحرمة، ص: 272

[مسألة 25: ما تأخذه الحكومة يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل]

مسألة 25: ما تأخذه الحكومة من الضريبة على الأراضي مع شرائطها- جنسا أو نقدا- و على النخيل و الأشجار، يعامل معها معاملة ما يأخذه السلطان العادل، فيبرأ ذمّة الدافع عمّا كان عليه من الخراج الذي هو اجرة الأرض الخراجيّة، و يجوز لكلّ أحد شراؤه و أخذه مجّانا و بالعوض، و التصرّف فيه بأنواع التصرّف، بل لو لم تأخذه الحكومة و حوّل شخصا على من عليه الخراج بمقدار، فدفعه إلى المحتال يحلّ له، و تبرأ ذمّة المحال عليه عمّا عليه، لكن الأحوط- خصوصا في مثل هذه الأزمنة- رجوع من ينتفع بهذه الأراضي، و يتصرّف فيها في أمر خراجها- و كذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء- إلى حاكم الشرع أيضا.

و الظاهر أنّ حكم السلطان المؤالف كالمخالف، و إن كان الاحتياط بالرجوع إلى الحاكم في الأوّل أشدّ (1).

______________________________

(1) لا إشكال في أنّ الأراضي الخراجيّة ملك لجميع المسلمين «1»، و لا بدّ من أن تصرف منافعها- سواء كانت خراجا أو مقاسمة- في مصالح جميع المسلمين. و كذا لا إشكال في أنّ أمر الخراج و المقاسمة بيد الإمام عليه السّلام مع حضوره 2. و أمّا مع غيبته كما في زماننا هذا، فقد ذكر السيّد الطباطبائي في تعليقة المكاسب أقوالا متعدّدة في هذا المجال «3».

و الظاهر أنّه يجوز دفعه إلى السلطان اختيارا؛ من دون فرق بين المؤالف و المخالف و إن كان الثاني غاصبا للخلافة و الإمامة، و يبدو في بادئ النظر أنّه لا يجوز الأخذ

______________________________

(1) 1، 2 حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 233، حاشية كتاب المكاسب للايرواني 1: 355، مصباح الفقاهة 1: 830.

(3) حاشية كتاب المكاسب للسيّد اليزدي 1: 234- 236.

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 273

..........

______________________________

منه، كما أنّه لا يجوز أخذه و يكون ضامنا، إلّا أنّه قد دلّت الروايات الكثيرة «1» على جواز الردّ إليه و الأخذ منه تسهيلا على الشيعة بعدم وقوعهم في الحرج في المعاملات و مثلها.

نعم، الظاهر عدم جواز دفع الصدقات إلى الجائر، كما هو مقتضى القاعدة، و إن كان ربما يستأنس من بعض الروايات سيّما مع ملاحظة التعليل في بعضها الجواز «2»، لكنّه مجرّد استئناس لا دليل عليه.

هذا، و قد احتاط في المتن وجوبا رجوع من ينتفع بهذه الأراضي، و يتصرّف فيها في أمر خراجها- و كذلك من يصل إليه من هذه الأموال شي ء- إلى الفقيه و حاكم الشرع أيضا، خصوصا فيما إذا أخذه السلطان الغاصب و إن كان الاحتياط فيه أشدّ، كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 251- 254، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة ب 20، و ج 15: 155 و 157، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب 71 ح 1 و 6، و ج 17: 213- 221، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب 51- 53.

(2) راجع وسائل الشيعة 9: 251- 253، كتاب الزكاة أبواب المستحقّين للزكاة ب 20.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 274

[مسألة 26: يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة]

مسألة 26: يجوز لكلّ أحد أن يتقبّل الأراضي الخراجيّة، و يضمنها من الحكومة بشي ء، و ينتفع بها بنفسه بزرع أو غرس أو غيره، أو يقبلها و يضمنها لغيره و لو بالزيادة، على كراهية في هذه الصورة، إلّا أن يحدث فيها حدثا؛ كحفر نهر أو عمل فيها بما يعين المستأجر، بل الأحوط ترك التقبيل بالزيادة إلّا معه (1).

______________________________

(1) الأراضي الخراجيّة التي لها شرائط مخصوصة مذكورة

في محلّه، مثل كونها مأخوذة بالفتح و معمورة حال الفتح، و كون الفتح بإذن الإمام عليه السّلام، و إن كان في اعتبار بعض الشروط اختلاف يجوز أخذها من السلطان المدّعي للرئاسة العامّة، و إن كان مخالفا غاصبا للخلافة الإلهيّة؛ لما عرفت من رعاية الشارع التسهيل على الامّة و عدم إيقاعهم في الحرج و المشقّة.

و حينئذ فتارة: ينتفع بها بنفسه ببناء أو غرس أو زرع أو غيرها. غاية الأمر أنّه يضمنها من الحكومة بشي ء لأجل صرفه في مصالح المسلمين و حوائجهم.

و اخرى: يقبّلها و يضمنها لغيره مع الزيادة أو بدونها. غاية الأمر أنّه إن أحدث فيها حدثا كحفر نهر أو عمل فيها بما يعين المستأجر، فلا إشكال في الجواز و لو على نحو الكراهة، و إن لم يحدث فيها حدثا فقد حكم فيه في المتن بالكراهة، بل احتاط وجوبا بالترك.

و قد فصّلنا الكلام في هذا المجال في شرح كتاب الإجارة «1»، و إن كان يبدو في النظر أنّ بين المقامين فرقا؛ من جهة أنّ موضوع البحث هناك ما إذا استأجر العين الشخصيّة من مالكها أو مالك منفعتها مع عدم شرط المباشرة، و هنا تكون

______________________________

(1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 349- 420 مسألة 25 و 26.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 275

..........

______________________________

الأراضي ملكا لجميع المسلمين و لا اختصاص لخصوص المؤجر بها، و اللازم صرف منافعها فيما يصلح لعموم المسلمين، إلّا أنّ الظاهر أنّ الحكم جار في مورد الإجارة، و الظاهر أنّه لا فرق بين الصورتين، فيجري ما ذكرناه هناك هنا أيضا، فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 276

..........

______________________________

و قد وقع الفراغ من شرح

كتاب المكاسب المحرّمة من تحرير الوسيلة الذي هو من المتون المتقنة الجامعة، و مؤلّفه سيّدنا المحقّق الاستاذ الماتن الإمام الخميني صاحب الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة و مؤسّسها، و أنا الأحقر الفاني و العاصي الجاني محمّد الموحدي، الشهير بالفاضل اللنكراني، عفي عنه و عن والديه الماضين بحقّ محمّد و آله الطاهرين.

و كان تاريخ الفراغ أوائل العشر الأخير من شهر جمادى الأولى من سنة 1424 من الهجرة النبويّة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 277

مصادر التحقيق

القرآن الكريم 1- آية التطهير رؤية مبتكرة، لآية اللّه العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني و آية اللّه الشيخ شهاب الدّين الإشراقي، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الثانية، 1421 ه.

2- إثبات الهداة، للشيخ محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن الحسين، المعروف بالحرّ العاملي (1033- 1104) المطبعة العلميّة، قم، 1404 ه.

3- الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (من أعلام القرن السادس) دار الاسوة، قم، الطبعة الثالثة، 1422 ه.

4- الاختصاص، لأبي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336- 412) دار المفيد، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

5- اختيار معرفة الرجال، المعروف ب «رجال الكشي» لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن ابن عليّ الطوسي (385- 460) جامعة مشهد، 1348 ش.

6- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1410 ه.

7- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (تفسير أبي السعود) لأبي السعود محمّد بن محمّد ابن مصطفى العمادي الحنفي (893- 982) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى، 1421 ه.

8- الإرشاد في

معرفة حجج اللّه على العباد، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336- 412) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 278

9- إرشاد القلوب، المنجي من عمل به من أليم العقاب، لأبي محمّد الحسن بن أبي الحسن عليّ بن محمّد الديلمي (من أعلام القرن الثامن) دار الاسوة للطباعة و النشر، قم، الطبعة الثانية، 1424 ه.

10- أساس البلاغة، لجار اللّه أبي القاسم محمود بن عمر بن محمّد بن عمر الخوارزمي الزمخشري (467- 538) دار بيروت للطباعة و النشر، بيروت، 1404 ه.

11- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1390 ه.

12- استفتاءات، للإمام الراحل السيّد روح اللّه الموسوي الخميني (1281- 1368 ش) مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1366 ش.

13- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، لأبي الحسن محمّد بن الحسين بن تاج الدّين الحسن بن زين الدين محمّد بن الحسين بن أبي المحامد البيهقي الكيدري (من أعلام القرن السادس و السابع) مؤسّسة الإمام الصادق عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1416 ه.

14- إعلام الورى بأعلام الهدى، لأمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (م 548) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

15- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (385- 460) مطبعة خيّام، قم، 1400 ه.

16- الأمالي، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ بن الحسن الطوسي (385- 460) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة

الاولى، 1414 ه.

17- الأمالي، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

18- الأمالي، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، الملقّب بالشيخ المفيد (338- 413) منشورات جماعة المدرّسين، قم المقدّسة، بالافست عن المطبعة الإسلاميّة، طهران، 1403 ه.

19- أمالي المرتضى (غرر الفوائد و درر القلائد) لأبي القاسم عليّ بن الحسين بن موسى بن محمّد ابن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام، المعروف ب «الشريف المرتضى و علم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 279

الهدى» (355- 436) المكتبة العصريّة، بيروت، الطبعة الاولى 1425 ه.

20- أنوار التنزيل و أسرار التأويل، المعروف ب «تفسير البيضاوي» لناصر الدّين أبي سعيد عبد اللّه ابن عمر بن محمّد بن عليّ البيضاوي الشافعي (م 685) شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده، مصر، الطبعة الثانية، 1388 ه.

21- إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد، لفخر المحقّقين محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682- 771) المطبعة العلميّة، قم، الطبعة الاولى، 1387 ه.

22- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، للعلّامة المولى محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1110، 1111) دار الكتب الإسلاميّة، طهران.

23- البرهان في تفسير القرآن، للسيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد بن عليّ بن سليمان بن السيّد ناصر الحسيني البحراني التوبلي الكتكاني (م 1107) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاولى، 1415 ه.

24- تاج العروس، لمحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق، الشهير بمرتضى الحسيني الحنفي الواسطي الزبيدي (1145- 1205) دار الفكر، بيروت، 1414 ه.

25- التاريخ الكبير،

لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي (194- 256) دار الكتب العلميّة، بيروت.

26- تأسيس الشيعة، لأبي محمّد الحسن بن الهادي بن محمّد علي بن صالح بن محمّد بن إبراهيم، المعروف ب «السيّد حسن الصدر» (1272- 1354)، منشورات أعلمي، طهران، بالافست عن شركة النشر و الطباعة العراقيّة المحدودة.

27- التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (385- 460) مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، بالافست عن مكتبة الأمين في النجف الأشرف.

28- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة الإمام الصادق عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1420- 1422 ه.

29- تحرير الوسيلة، للإمام الراحل السيّد روح اللّه الموسوي الخميني قدّس سرّه (1281- 1368 ش)

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 280

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى، 1421 ه.

30- تحف العقول عن آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله، لأبي محمّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني الحلبي (من أعلام القرن الرابع) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ه.

31- تذكرة الفقهاء، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، و المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، الطبعة الحجريّة، طهران.

32- الترغيب و الترهيب من الحديث الشريف، لأبي محمّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اللّه ابن سلامة بن سعد المنذري الشامي (581- 656) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1388 ه.

33- تفسير البغوي، المسمّى معالم

التنزيل، لأبي محمّد الحسين بن مسعود بن محمّد، المعروف بابن الفرّاء البغوي (433- 516) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1423 ه.

34- تفسير الصافي، لمحمّد بن المرتضى بن محمود، المدعوّ بالمولى محسن، المشتهر بالفيض الكاشاني (1007- 1091) المكتبة الإسلاميّة، طهران، 1362 ش.

35- تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي، المعروف بالعيّاشي (من أعلام القرن الثالث الهجري) المكتبة العلميّة الإسلاميّة، طهران، الطبعة الاولى، 1381 ه.

36- تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، لنظام الدّين الحسن بن محمّد بن حسين القمّي النيسابوري (كان حيّا 828) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1416 ه.

37- تفسير القمّي، لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي (من أعلام قرني 3 و 4) مطبعة النجف، النجف الأشرف، الطبعة الثانية، بيروت، 1387 ه.

38- التفسير الكبير، لأبي عبد اللّه محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي التيمي البكري الطبرستاني، المعروف بالفخر الرازي (543- 606) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1420 ه.

39- تفسير كنز الدقائق و بحر الرغائب، لميرزا محمّد المشهدي ابن محمّد رضا بن إسماعيل بن جمال الدّين القمّي (م حدود 1125) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 281

الاولى، 1407- 1413 ه.

40- التفسير المنسوب إلى الإمام أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهما السّلام، مدرسة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف، قم، الطبعة الاولى، 1409 ه.

41- تفسير نور الثقلين، لعبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112) تحقيق هاشم الرسولي المحلّاتي، المطبعة العلميّة، قم، 1383 ه.

42- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، الاجتهاد و التقليد، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاج

الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الرابعة، 1426 ه.

43- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، المياه، لسماحة الفقيه آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مطبعة مهر، قم، 1400 ه.

44- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، أحكام التّخلي و الوضوء، لسماحة المجاهد آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، جامعة المدرّسين، قم، 1403 ه.

45- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، غسل الجنابة- التيمّم- المطهّرات، لآية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مؤسّسة العروج، قم، الطبعة الاولى، 1419 ه.

46- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات و أحكامها، لسماحة الفقيه آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، المطبعة العلميّة، قم، الطبعة الاولى، 1368 ش.

47- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الصوم، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1426 ه.

48- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى المحقّقة، 1423 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 282

49- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المضاربة و ...، لآية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1425 ه.

50- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب النكاح، لآية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1421 ه.

51- تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة،

كتاب الحدود، لسماحة الفقيه آية اللّه العظمى الحاجّ الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

52- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لشهاب الدّين أبي الفضل أحمد بن عليّ ابن محمّد بن حجر العسقلاني الشافعي (773- 852) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1419 ه.

53- التمحيص، للشيخ أبي علي محمّد بن همام بن سهيل الكاتب الإسكافي (258- 336) مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة، الطبعة الاولى، 1404 ه.

54- تنبيه الخواطر و نزهة النواظر، المعروف ب «مجموعة ورّام»، لأبي الحسين ورّام بن أبي فرّاس عيسى بن أبي النجم بن ورّام بن حمدان بن خولان بن إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي (م 605) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الاولى، 1376 ه.

55- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، لجمال الدين أبي عبد اللّه المقداد بن عبد اللّه بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري، المعروف بالفاضل المقداد (م 826) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاولى، 1404 ه.

56- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (385- 460) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1378 ه.

57- تهذيب الاصول، تقريرا لبحث سيّدنا العلّامة الحاج آقا روح اللّه الموسوي الخميني (1281- 1368 ش) للشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة النشر الاسلامي، قم المشرّفة، 1405 ه.

58- التوحيد، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) منشورات جماعة المدرّسين، قم.

59- الثاقب في المناقب، لعماد الدّين أبي جعفر محمّد بن عليّ بن محمّد الطوسي المشهدي، المكنّى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 283

بابن حمزة (من أعلام القرن السادس)

مؤسّسة أنصاريان، قم، الطبعة الثالثة، 1419 ه.

60- ثواب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مكتبة الصدوق، طهران، 1391 ه.

61- جامع الأخبار أو معارج اليقين في اصول الدّين، للشيخ محمّد بن محمّد الشعيري السبزواري (من أعلام القرن السابع) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1414 ه.

62- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد بن أبي بكر، المعروف ب «جلال الدّين السيوطي» (849- 911) دار الكتب العلميّة، بيروت.

63- الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد اللّه محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي (م 671) دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405 ه.

64- جامع المدارك في شرح المختصر النافع، للسيّد أحمد بن يوسف بن الميرزا بابا بن مهدي الموسوي الخوانساري (1309- 1405) مؤسّسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثانية، 1405 ه.

65- جامع المقاصد في شرح القواعد، لنور الدين أبي الحسن عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي، المعروف بالمحقّق الثاني (868- 940) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1414- 1415 ه.

66- الجعفريّات أو الأشعثيّات، برواية أبي علي محمّد بن محمّد بن الأشعث بن محمّد الكوفي (من أعلام القرن الرابع) مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

67- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمّد حسن بن باقر بن عبد الرحيم النجفي (م 1266) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السابعة.

68- حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع مع حياة المحقّق الكركي و آثاره، ج 9، لنور الدين أبي الحسن عليّ بن الحسين بن علي بن عبد العالي الكركي، المعروف ب «المحقّق الثاني» (868- 940) منشورات الاحتجاج، قم،

الطبعة الاولى، 1423 ه.

69- حاشية كتاب المكاسب، لميرزا علي بن عبد الحسين بن المولى علي أصغر بن محمد باقر الايرواني الغروي (1301- 1354) دار ذوي القربى، قم، الطبعة الاولى، 1421 ه.

70- حاشية كتاب المكاسب، لمحمد كاظم ابن السيّد عبد العظيم الكسنوي النجفي الطباطبائي، الشهير بالسيّد اليزدي (1247- 1337) دار المصطفى صلّى اللّه عليه و آله لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 284

1423 ه.

71- الحاوي الكبير، لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي (364- 450) دار الفكر، بيروت، 1414 ه.

72- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، لشيخ المحدّثين يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني (1107- 1186) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1405 ه.

73- حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء، لأبي بكر محمّد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي القفّال، الملقّب بفخر الإسلام (429- 507) مكتبة الرسالة الحديثة، عمّان، الطبعة الاولى، 1988 م.

74- الخرائج و الجرائح، لأبي الحسين سعيد بن عبد اللّه بن الحسين بن هبة اللّه بن الحسن، الشهير ب «قطب الدّين الراوندي» (م 573) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة، الطبعة الاولى، 1409 ه.

75- الخصال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم الطبعة الخامسة، قم، الطبعة الخامسة، 1416 ه.

76- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) نشر الفقاهة، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

77- الخلاف، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ه.

78- الدروس الشرعيّة في

فقه الإماميّة، للشيخ شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي، الشهير بالشهيد الأوّل (734- 786) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1417 ه.

79- دعائم الإسلام و ذكر الحلال و الحرام، و القضايا و الأحكام، عن أهل بيت رسول اللّه عليه و عليهم أفضل السلام، لنعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) دار المعارف بمصر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1383- 1385 ه.

80- سلوة الحزين، المعروف ب «الدعوات»، لأبي الحسين سعيد بن عبد اللّه بن الحسين بن هبة اللّه ابن الحسن، المشهور ب «قطب الدّين الراوندي» (م 573) مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1407 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 285

81- دلائل الإمامة، لأبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري (من أعلام القرن الخامس) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاولى، 1413 ه.

82- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للشيخ محسن بن محمّد الطهراني ابن ملّا علي أكبر بن حاج باقر، المشهور ب «آقا بزرگ الطهراني» (1293- 1389) مؤسّسة إسماعيليان، قم، الطبعة الثالثة، 1408 ه.

83- ربيع الأبرار و نصوص الأخبار، لأبي القاسم جار اللّه محمود بن عمر بن محمّد الخوارزمي الزمخشري (467- 538) انتشارات الشريف الرضي، قم، الطبعة الاولى، 1410 ه.

84- رجال النجاشي، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372- 450) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة السادسة، 1418 ه.

85- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة، لزين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911- 965) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403 ه.

86- روضة الطالبين و عمدة المتّقين، لمحيي الدين يحيى بن شرف بن حري بن حسن بن حسين

بن جمعة بن حزام النووي (631- 676) دار الفكر، بيروت، 1415 ه.

87- روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، للمولى محمد تقي المجلسي، المشتهر بالمجلسي الأوّل (1003- 1070) بنياد فرهنگ إسلامي لكوشانپور، طهران.

88- روضة الواعظين، لأبي جعفر الشهيد محمّد بن الحسن بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن يوسف الفتّال النيسابوري، المشتهر بابن الفتّال (م 508) مطبعة الحكمة، قم.

89- روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، المشهور ب «تفسير الشيخ أبو الفتوح الرازي، لجمال الدين أبي الفتوح الحسين بن عليّ بن محمّد بن أحمد بن الحسين بن أحمد الخزاعي الرازي النيسابوري (م حدود 554) بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوى، مشهد، 1371 ش.

90- رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، للسيّد عليّ بن محمّد عليّ بن أبي المعالي الطباطبائي الحسني الحائري (1161- 1231) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

91- زبدة البيان في براهين أحكام القرآن، للمولى أحمد بن محمد، الشهير بالمحقّق و المقدّس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 286

الأردبيلي (م 993) انتشارات مؤمنين، قم، الطبعة الثانية، 1421 ه.

92- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم ابن عيسى العجلي (543- 598) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه.

93- السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الخسروجردي (384- 458) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى، 1419 ه.

94- سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن سنان بن بحر بن دينار النسائي، (215- 303) دار الجيل، بيروت.

95- سيرى كامل در اصول فقه، لشيخنا المؤلّف آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني،

انتشارات فيضيّة، قم، الطبعة الاولى، 1377- 1388 ش.

96- شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي، المعروف بالمحقّق الحلّي (602- 676) مطبعة الآداب، النجف الأشرف، الطبعة الاولى، 1389 ه.

97- شرح اصول الكافي و الروضة، لأبي الفضائل محمّد صالح بن أحمد السروي المازندراني (م 1081- 1086) مكتبة الإسلاميّة، طهران، 1382 ه.

98- شرح القواعد، كتاب المتاجر، للشيخ جعفر بن خضر بن يحيى الجناجي، المعروف ب «كاشف الغطاء» (1156- 1228) انتشارات سعيد بن جبير، قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

99- الشرح الكبير، لشمس الدين أبي محمّد عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (597- 682) دار الكتب العلميّة، بيروت.

100- شرح معاني الآثار، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي (229- 321) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1416 ه.

101- شعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ بن موسى البيهقي الخسروجردي (384- 458) مكتبة الرشد ناشرون، بيروت، الطبعة الثانية، 1425 ه.

102- الشفاء، لأبي علي حسين بن عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن سينا البلخي، ثمّ البخاري، يلقّب بالشيخ الرئيس (370- 428) منشورات مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم المقدّسة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 287

1405 ه.

103- الصحاح، المسمّى تاج اللغة و صحاح العربيّة، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي (م حدود 400) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى، 1418 ه.

104- صحيح البخاري، لأبي عبد اللّه محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي (194- 256) دار الفكر للطباعة و النشر، بيروت، 1419

ه.

105- صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج بن مسلم القشيري النيشابوري (206- 261) دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الاولى، 1416 ه.

106- صحيفه امام، للإمام الراحل السيّد روح اللّه الموسوي الخميني قدّس سرّه (1281- 1368 ش) مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى، 1378 ش.

107- الصراط المستقيم، للشيخ زين الدين أبي محمّد علي بن محمّد بن عليّ بن محمّد بن يونس البياظي النباطي العاملي (791- 877)، مطبعة الحيدري، طهران، الطبعة الاولى، 1384 ه.

108- طبّ الأئمّة عليهم السّلام، لأبي عتاب عبد اللّه و الحسين ابني بسطام بن سابور الزيات النيسابوريين، منشورات الرضي، قم، الطبعة الثانية، 1363 ش.

109- عدّة الداعي و نجاح الساعي، للشيخ جمال الدين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841) دار الكتاب الإسلامي، بيروت، الطبعة الاولى، 1407 ه.

110- العروة الوثقى، للسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (1247- 1337) مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

111- العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير، لأبي القاسم عبد الكريم بن محمّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن القزويني الرافعي الشافعي (555- 623) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1417 ه.

112- عقاب الأعمال، المطبوع مع ثواب الأعمال، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مكتبة الصدوق، طهران، 1391 ه.

113- علل الشرائع، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (م 381) المكتبة الحيدريّة و مطبعتها، النجف الأشرف، 1385 ه.

114- العلل المتناهية، لجمال الدّين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمّد بن علي القرشي التميمي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب

المحرمة، ص: 288

الحنبلي، المعروف بابن الجوزي (511- 597) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1424 ه.

115- العناوين، للسيّد مير عبد الفتّاح بن علي الحسيني المراغي (م 1250) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

116- عوالم العلوم و المعارف و الأحوال من الآيات و الأخبار و الأقوال، للشيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحراني الاصفهاني (من أعلام تلامذة المجلسي) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم المقدّسة، الطبعة الاولى، 1405- 1416 ه.

117- عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي، المعروف بابن أبي جمهور (م 940) مطبعة سيّد الشهداء عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1403 ه.

118- عوائد الأيّام، للمولى أحمد بن المولى محمّد مهدي بن أبي ذرّ، المعروف بالفاضل النراقي (1185- 1245) مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

119- عيون أخبار الرضا عليه السّلام، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) دار العلم، قم، 1377 ه.

120- عيون المعجزات، للشيخ حسين بن عبد الوهّاب (من أعلام القرن الخامس) مؤسّسة بنت الرسول (بضعة المصطفى صلّى اللّه عليه و آله)، قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

121- الغايات، المطبوع مع جامع الأحاديث، لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي (أو ابن عليّ بن أحمد) القمّي الإيلاقي نزيل الري، المعروف بابن الرازي (من أعلام القرن الرابع) مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، الطبعة الاولى، 1413 ه.

122- غاية الآمال في حاشية المكاسب، لمحمّد حسن بن عبد اللّه المامقاني (1238- 1323) ثامن الحجج عليه السّلام- الصداقة- قم، الطبعة الاولى، 1423 ه.

123- غنية النزوع إلى علمي الاصول و الفروع، للسيّد أبي المكارم حمزة بن عليّ بن زهرة الحلبي، المعروف

بابن زهرة، قم (511- 585) مؤسّسة الإمام الصادق عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1417 ه.

124- الغيبة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الثانية، 1417 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 289

125- فرائد الاصول، المعروف ب «الرسائل» للشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214- 1281) تراث الشيخ الأعظم، قم، الطبعة الاولى، 1419 ه.

126- الفردوس بمأثور الخطاب، لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو الديلمي الهمذاني (445- 509) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1406 ه.

127- الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة عليهم السّلام، لنور الدّين عليّ بن محمّد بن أحمد بن عبد اللّه المكّي المالكي، الشهير بابن الصبّاغ (784- 855) دار الحديث (المطبعة سرور) قم، الطبعة الاولى، 1422 ه.

128- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السّلام، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السّلام، مشهد المقدّسة، الطبعة الاولى، 1406 ه.

129- الفقيه من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمّي (م 381) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الخامسة، 1410 ه.

130- القاموس الفقهي لغة و اصطلاحا، لسعدي أبو حبيب، دار الفكر، دمشق، الطبعة الاولى، 1419 ه.

131- القاموس المحيط، لمجد الدين أبي طاهر محمّد بن يعقوب بن محمّد بن إبراهيم الفيروزآبادي الشافعي (729- 817) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1420 ه.

132- قرب الإسناد، لأبي العبّاس عبد اللّه بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري القمّي (من أعلام القرن الثالث) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاولى، 1413 ه.

133- قضاء حقوق المؤمنين، للشيخ سديد الدّين أبي علي الحسن بن طاهر

الصوريّ (من أعلام القرن السادس) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه.

134- قواعد الأحكام، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1418 ه.

135- القواعد الفقهيّة، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مركز فقه الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، قم، الطبعة الثانية، 1425 ه.

136- الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329)

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 290

دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الثالثة، 1388- 1389 ه.

137- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح تقيّ الدين بن نجم الدين بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن محمّد الحلبي (374- 447) مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، اصفهان، 1403 ه.

138- كتاب البيع، لآية اللّه العظمى السيّد روح اللّه الموسوي الخميني قدّس سرّه (1281- 1368 ش) مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى، 1421 ه.

139- كتاب الطهارة، لآية اللّه العظمى السيّد روح اللّه الموسوي الخميني قدّس سرّه (1281- 1368 ش) مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى، 1421 ه.

140- الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل، لأبي القاسم جار اللّه محمود بن عمر بن محمّد الخوارزمي الزمخشري (467- 538) دار الكتاب العربي، بيروت، 1366 ه.

141- كشف الخفاء و مزيل الإلباس، لأبي الفداء إسماعيل بن محمّد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الشافعي، الشهير بالجراحي (1087- 1162) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1351- 1352 ه.

142- كشف الرموز في شرح المختصر النافع، لزين الدّين أبي علي

الحسن بن أبي طالب بن أبي المجد اليوسفي، المعروف بالفاضل و المحقّق الآبي (من أعلام القرن السابع) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1417 ه.

143- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثامنة، 1419 ه.

144- كشف الغمّة في معرفة الأئمّة عليهم السّلام، لبهاء الدّين عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (م 693) المطبعة العلميّة، قم، بالافست عن مكتبة بني هاشم، تبريز، 1381 ه.

145- الكشف و البيان، المعروف تفسير الثعلبي، لأبي إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري (م 427) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الاولى، 1422 ه.

146- الكشكول، للشيخ بهاء الملّة و الدّين محمّد بن حسين بن عبد الصمد بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن محمّد بن صالح العاملي الجبعي، الحارثي، الهمداني، المشهور ب «الشيخ البهائي»

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 291

(953- 1030، 1031) مؤسّسة فراهاني، طهران.

147- كفاية الاصول، للشيخ محمّد كاظم ابن المولى حسين الهروي الخراساني، المعروف ب «الآخوند الخراساني» (1255- 1329) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1417 ه.

148- كفاية الفقه، المشتهر ب «كفاية الأحكام»، للمحقّق المولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن الخراساني السبزواري (م 1090) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1423 ه.

149- كنز العمّال في سنن الأقوال و الأفعال، لعليّ بن حسام الدين بن عبد الملك الجونبوري، المشهور بالمتّقي الهندي (885- 975) مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409 ه.

150- كنز الفوائد، لأبي الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان، المعروف بالكراجكي (م 449) منشورات دار الذخائر، قم المقدّسة، الطبعة الاولى، 1410،

بالافست عن منشورات دار الأضواء، بيروت، 1405 ه.

151- لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن عليّ بن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة ابن منظور الأنصاري الإفريقي المصري (630- 711) دار صادر، بيروت، الطبعة الاولى، 1997 م.

152- اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة، للشيخ أبي عبد اللّه شمس الدين محمّد بن مكّي بن محمّد بن حامد بن أحمد المطّلبي العامليّ النباطي، المشتهر بالشهيد الأوّل (734- 786) مركز بحوث الحجّ و العمرة، طهران، الطبعة الاولى، 1406 ه.

153- المبسوط في فقه الإماميّة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، طهران، الطبعة الثانية، 1387 ه.

154- مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين بن محمّد عليّ بن أحمد بن طريح الرّماحي النجفي، المشهور بالطريحي (979- 1085) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الاولى، 1414 ه.

155- مجمع البيان في تفسير القرآن، لأبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (469- 548) دار الفكر، بيروت، 1414 ه.

156- مجمع الزوائد و منبع الفوائد، لنور الدّين عليّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي الشافعي (735- 807) دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 292

157- مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمولى أحمد بن محمّد، الشهير بالمحقّق و المقدّس الأردبيلي (م 993) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1407- 1416 ه.

158- مجمل اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا بن محمد بن حبيب (م 395) مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1406 ه.

159- المجموع شرح المهذّب، لمحيي الدّين يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمّد ابن جمعة بن حزام النووي (631-

676) دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى، 1417 ه.

160- المحاسن، لأحمد بن أبي عبد اللّه محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي الكوفي (م 274 أو 280) المجمع العلمي لأهل البيت عليهم السّلام، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

161- مختصر قيام الليل، لشهاب الدّين أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن عبد القادر بن محمّد بن إبراهيم ابن محمّد العبيدي، يعرف باب المقريزي (766، 779- 845) مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

162- المختصر النافع، لأبي القاسم نجم الدّين جعفر بن الحسن بن أبي زكريّا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي، المعروف بالمحقّق الحلّي، (602- 676) مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

163- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1412- 1418 ه.

164- مدخل التفسير، لسماحة الفقيه المحقّق آية اللّه العظمى الحاج الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1418 ه.

165- مدينة معاجز الأئمّة الاثنى عشر و دلائل الحجج على البشر، للسيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد بن عليّ بن سليمان بن السيّد ناصر الحسيني البحراني التوبلي الكتكاني (م 1107) مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاولى، 1413- 1416 ه.

166- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله، للعلّامة المولى محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1110، 1111) دار الكتب الإسلاميّة، طهران، الطبعة الاولى، 1407 ه.

167- المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة، لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 293

المعروف بسلّار (م 448) دار الحقّ

للطباعة و النشر، بيروت، 1414 ه.

168- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، لزين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي، المعروف بالشهيد الثاني (911- 965) مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، الطبعة الاولى، 1413- 1419 ه.

169- مسائل علي بن جعفر الصادق عليه السّلام (حوالي 130- 220) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاولى، 1410 ه.

170- المستدرك على الصحيحين؛ لأبي عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن حمدويه بن نعيم بن الحكيم الضبيّ الطهماني النيسابوري الشافعي، المعروف بابن البيّع (321- 405) دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الاولى، 1411 ه.

171- مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل و خاتمته، للميرزا حسين بن الميرزا محمّد تقي بن الميرزا علي محمّد بن تقي النوري الطبرسي (1254- 1320) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الاولى، 1408- 1409 ه.

172- مستطرفات السرائر، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم بن عيسى العجلي (543- 598) مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1408 ه.

173- مستند الشيعة في أحكام الشريعة، للمولى أحمد بن محمّد مهدي النراقي (1185- 1245) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1415- 1420 ه.

174- المسند، لأبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال الشيباني (164- 241)، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1414 ه.

175- المسند، لأبي بكر عبد اللّه بن الزبير بن عيسى الحميدي المكّي (م 219) عالم الكتب، بيروت، 1381 ه.

176- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، للشيخ أبي الفضل عليّ بن الحسن بن أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (م أوائل القرن السابع)، مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1423 ه.

177- مشكاة المصابيح،

لأبي عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الخطيب العمري التبريزي (م 741) شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، الطبعة الاولى، 1423 ه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 294

178- مصادقة الأخوان، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1410 ه.

179- مصباح الفقاهة في المعاملات، تقرير بحث السيّد أبي القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي (1317- 1413) للميرزا محمّد عليّ التوحيدي (1344- 1395) مؤسّسة أنصاريان، قم، الطبعة الرابعة، 1417 ه.

180- المصباح المنير، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن عليّ الفيّومي المقرئ (م 770) مؤسّسة دار الهجرة، قم، الطبعة الاولى، 1405 ه.

181- المصنّف في الأحاديث و الآثار، لأبي بكر عبد اللّه بن محمّد بن إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة العبسي الكوفي (م 235) دار الفكر، بيروت، 1414 ه.

182- معالم الزلفى في معارف النشأة الاولى و الاخرى، للسيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبد الجواد بن عليّ بن سليمان بن السيّد ناصر الحسيني البحراني التوبلي الكتكاني (م 1107) مؤسّسة أنصاريان، قم، الطبعة الاولى، 1424 ه.

183- معاني الأخبار، لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثالثة، 1416 ه.

184- المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب بن مطير اللّخمي الشامي الطبراني (260- 360) مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الاولى، 1405 ه.

185- معجم تهذيب اللغة، لأبي منصور محمّد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح بن أزهر الأزهري الهروي (282- 370) دار المعرفة، بيروت، الطبعة الاولى، 1422

ه.

186- معجم رجال الحديث، للسيد أبي القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي (1317- 1413) مركز نشر آثار الشيعة، قم، الطبعة الرابعة، 1410 ه.

187- المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني (260- 360) دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1404 ه.

188- معجم المصطلحات و الألفاظ الفقهيّة، للدكتور محمود عبد الرحمن عبد المنعم، دار الفضيلة، القاهرة، 1419 ه.

189- المعجم الوسيط، تأليف مجمع اللغة العربيّة، دار الدعوة، الطبعة الثانية، القاهرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 295

190- المعرفة و التاريخ، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان بن جوّان الفارسي الفسوي (حدود 191- 277، 280، 281) تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1394 ه.

191- المغني، لعبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي الجماعي الحنبلي (541- 620) دار الكتب العلميّة، بيروت.

192- مفاتيح الشرائع، لمحمّد بن مرتضى بن محمود، المدعوّ بالمولى محسن، و المشتهر بالفيض الكاشاني (1007- 1091) مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم، 1401 ه.

193- مفتاح الكرامة ج 12، لمحمّد جواد بن محمّد بن محمّد بن أحمد بن قاسم الحسيني (م 1226) مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم المقدّسة، الطبعة الاولى، 1424 ه.

194- مقاتل الطالبيّين، لعليّ بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن، المعروف بأبي الفرج الأصبهاني (284- 356) دار المعرفة، بيروت.

195- مقدّمة ابن خلدون، لعبد الرحمن بن محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسن بن محمّد بن جابر بن محمّد بن إبراهيم، المعروف بابن خلدون (732- 808) دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408 ه.

196- المقنع، للشيخ الأقدم أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي،

المعروف بالشيخ الصدوق (م 381)، مؤسّسة الإمام الهادي عليه السّلام، قم، 1415 ه.

197- المقنعة، لأبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، الملقّب بالشيخ المفيد (338- 413) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه.

198- مكارم الأخلاق، للشيخ أبي نصر رضيّ الدّين الحسن بن الفضل بن الحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي (من أعلام القرن السادس) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1416 ه.

199- المكاسب، للشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214- 1281) تراث الشيخ الأعظم الأنصاري، قم، الطبعة الاولى (1415- 1420) ه.

200- المكاسب المحرّمة، للإمام الراحل السيّد روح اللّه الموسوي الخميني قدّس سرّه (1281- 1368 ش) مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني، قم، الطبعة الاولى المحقّقة، 1373 ش.

201- المكاسب و البيع، تقرير أبحاث المحقّق الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (1276- 1355) للشيخ محمّد تقي بن ملّا محمّد الطبري الآملي (1304- 1391) مؤسّسة النشر الإسلامي،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 296

قم 1413 ه.

202- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، للعلّامة المولى محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037- 1110، 1111) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، 1407 ه.

203- مناقب آل أبي طالب عليهم السّلام، لأبي جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (م 588) منشورات علّامة، المطبعة العلميّة، قم.

204- المناهل، للسيّد محمّد بن عليّ بن محمّد علي بن أبي المعالي الطباطبائي الحسيني الحائري، المعروف بالسيّد المجاهد (حدود 1180- 1242) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم.

205- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان، لجمال الدّين أبي منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني بن عليّ بن أحمد العاملي الجبعي (959- 1011) مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة

لجماعة المدرّسين، قم، الطبعة الاولى، 1362 ش.

206- منتهى المطلب في تحقيق المذهب، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) طهران، الطبعة الحجريّة، 1333 ه.

207- المنجد في اللّغة و الأعلام، لويس معلوف، دار المشرق، بيروت، الطبعة الخامسة و الثلاثون، 1996 م.

208- منية الطالب في شرح المكاسب، تقريرات أبحاث المحقّق الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (1276- 1355) لموسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254- 1323) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الاولى، 1418 ه.

209- المهذّب، للشيخ سعد الدين أبي القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي، المعروف بالقاضي ابن البرّاج (400- 481) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1406 ه.

210- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، للشيخ جمال الدّين أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757- 841) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1407- 1413 ه.

211- نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه و النظائر، ليحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي، الشهير ب «يحيى بن سعيد» (601- 689) مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1386 ه.

212- نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة، لجمال الدّين أبي عبد اللّه المقداد بن عبد اللّه بن محمّد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 297

ابن الحسين بن محمّد السيوري، المعروف بالفاضل المقداد (م 826) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، 1403 ه.

213- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام، لأبي منصور الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلّامة الحلّي (648- 726) دار الأضواء، بيروت، الطبعة الاولى، 1406 ه.

214- نهاية الأفكار، تقرير أبحاث الشيخ ضياء الدّين ابن المولى محمّد العراقي (1278- 1361) للشيخ محمد تقي البروجردي النجفي (م

1391) مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1405 ه.

215- نهاية الدراية في شرح الكفاية، للشيخ محمّد حسين بن محمّد حسن بن علي أكبر بن آقا بابا بن آقا كوچك النخجواني، المعروف بالمحقّق الاصفهاني (1296- 1361) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1414 ه.

216- النهاية في غريب الحديث و الأثر، لمجد الدّين أبي السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري الشافعي، يعرف بابن الأثير (544- 606) دار الفكر، بيروت.

217- النهاية في مجرّد الفقه و الفتاوى، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي (385- 460) دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الاولى، 1390 ه.

218- نهج البلاغة، و هو مجموع ما اختاره أبو الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى ابن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام المعروف بالسيّد الرضي (359- 406) من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، تحقيق الدكتور صبحي الصالح، دار الهجرة، قم.

219- النوادر، للسيّد أبي الرضا ضياء الدين فضل اللّه بن علي بن عبيد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه بن محمد بن أبي الفضل عبيد اللّه الراوندي (حدود 483- 571) دار الحديث، قم، الطبعة الاولى، 1377 ش.

220- النوادر، لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمّي (من أعلام القرن الثالث) مؤسّسة الإمام المهدي عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1408 ه.

221- نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار صلّى اللّه عليه و آله، لمؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي (1252- 1323) منشورات الشريف الرضي، قم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، ص: 298

222-

الهداية، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المشتهر بالشيخ الصدوق (م 381) مؤسّسة الإمام الهادي عليه السّلام، قم، الطبعة الاولى، 1418 ه.

223- الوافي، لمحمّد بن المرتضى بن محمود، المدعوّ بالمولى محسن، و المشتهر بالفيض الكاشاني (1007- 1091) مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام العامّة، اصفهان، الطبعة الاولى 1412- 1416 ه.

224- وسائل الشيعة (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) للشيخ محمّد بن الحسن ابن عليّ بن محمّد بن الحسين، المعروف بالحرّ العاملي (1033- 1104) مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث، قم، الطبعة الاولى، 1409- 1412 ه.

225- الوسيلة إلى نيل الفضيلة، لأبي جعفر عماد الدّين محمّد بن علي الطوسي، المعروف بابن حمزة (من أعلام القرن السادس) مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الطبعة الاولى 1408 ه.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - المكاسب المحرمة، در يك جلد، مركز فقهى ائمه اطهار عليهم السلام، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.